( تفسير البغوي ) ( 5 )
البغوي - تفسير البغوي - سورة التحريم : 4 - تفسير قوله تعالى : { إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ }
الجزء : ( 8 ) - رقم الصفحة : ( 165 > 168 )
- { إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ ( التحريم : 4 ) } أي من التعاون على النبي (ص) بالايذاء ، يخاطب عائشة وحفصة ، { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ( التحريم : 4 ) } : أي زاغت ومالت عن الحق واستوجبتما التوبة.
- قال ابن زيد : مالت قلوبهما بأن سرهما ما كره رسول الله (ص) من اجتناب جاريته.
- أخبرنا : عبد الواحد المليحي ، أخبرنا : أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا : محمد بن يوسف ، حدثنا : محمد بن اسماعيل ، حدثنا : أبو اليمان ، أخبرنا : شعيب ، عن الزهري ، أخبرني : عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور ، عن عبد الله بن عباس ، قال : لم أزل حريصا على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي (ص) اللتين ، قال الله تعالى لهما : { إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ( التحريم : 4 ) } حتى حج وحججت معه وعدل وعدلت معه باداوة ، فتبرز ثم جاء فسكبت على يديه منها فتوضا ، فقلت له : يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي (ص) اللتان ، قال الله تعالى لهما : { إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ( التحريم : 4 ) } فقال : واعجبا لك يا ابن عباس هما عائشة وحفصة.
ثم استقبل عمر الحديث يسوقه ، فقال : إني كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد ، وهي من عوالي المدينة ، وكنا نتناوب النـزول على النبي (ص) فينـزل يوما وأنـزل يوما فإذا نـزلت جئته بما حدث من خبر ذلك اليوم من الوحي أو غيره ، وإذا نـزل فعل مثل ذلك.
وكنا معشر قريش نغلب النساء ، فلما قدمنا على الأنصار إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم ، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار فصخبت على امرأتي فراجعتني فأنكرت أن تراجعني ، فقالت : ولم تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي (ص) ليراجعنه ، وإن احداهن لتهجره اليوم حتى الليل ، فأفزعني ، وقلت : خاب من فعل ذلك منهن.
ثم جمعت علي ثيابي فنـزلت فدخلت على حفصة ، فقلت لها : أي حفصة أتغاضب احداكن النبي (ص) اليوم حتى الليل ، قالت : نعم ، فقلت : خبت وخسرت ، أفتأمنين أن يغضب الله تعالى لغضب رسوله فتهلكي لا تستكثري للنبي (ص) ولا تراجعيه في شيء ولا تهجريه وسليني ما بدا لك ، ولا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي (ص) يريد عائشة.
قال عمر : وكنا تحدثنا أن غسان تنعل الخيل لتغزونا فنـزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته فرجع إلينا عشاء فضرب بابي ضربا شديدا ، وقال : أثم هو ، ففزعت فخرجت إليه ، فقال : قد حدث اليوم أمر عظيم ، فقلت : ما هو أجاء غسان ، قال : لا بل أعظم منه وأهول ، طلق النبي (ص) نساءه ، فقلت : قد خابت حفصة وخسرت كنت أظن أن هذا يوشك أن يكون ، فجمعت علي ثيابي وصليت صلاة الفجر مع رسول الله (ص) ، فدخل رسول الله (ص) مشربة فاعتزل فيها فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي ، فقلت : ما يبكيك ألم أكن حذرتك ، أطلقكن النبي (ص).
قالت : لا أدري ها هو ذا معتزل في المشربة ، فجئت إلى المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم ، فجلست معهم قليلا ، ثم غلبني ما أجد ، فجئت المشربة التي فيها النبي (ص) ، فقلت لغلام له أسود : استأذن لعمر ، فدخل فكلم النبي (ص) ، ثم رجع ، فقال : كلمت النبي (ص) فذكرتك له فصمت ، فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر ، ثم غلبني ما أجد فجئت ، فقلت إلى الغلام ، فقلت : استأذن فاستأذن ثم رجع إلي ، فقال : قد ذكرتك له فصمت فرجعت فجلست مع الرهط الذين عند المنبر ، ثم غلبني ما أجد فجئت الغلام ، فقلت : استأذن لعمر ، فاستأذن ثم رجع إلي ، فقال : قد ذكرتك له فصمت.
فلما وليت منصرفا ، قال : إذا الغلام يدعوني ، فقال : قد أذن لك النبي (ص) فدخلت على رسول الله (ص) فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه متكئا علي وسادة من أدم حشوها ليف ، فسلمت عليه ، ثم ، قلت وأنا قائم : يا رسول الله أطلقت نساءك ، فرفع إلي بصره ، فقال : لا ، فقلت : الله أكبر ، ثم ، قلت وأنا قائم استأنس : يا رسول الله لو رأيتني وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة إذا قوم تغلبهم نساؤهم ، فتبسم رسول الله (ص) ، ثم ، قلت : يا رسول الله لو رأيتني ودخلت على حفصة ، فقلت لها : لا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي (ص) يريد عائشة فتبسم النبي (ص) تبسمة أخرى ، فجلست حين رأيته يبتسم فرفعت بصري في بيته ، فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر غير أهبة ثلاثة ، فقلت : يا رسول الله ادع الله فليوسع على أمتك فإن فارس والروم قد وسع عليهم وأعطوا من الدنيا وهم لا يعبدون الله.
فجلس النبي (ص) وكان متكئا ، فقال : أو في هذا أنت يا ابن الخطاب ، إن أولئك قوم عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا ، فقلت : يا رسول الله استغفر لي ، فاعتزل النبي (ص) نساءه من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة تسعا وعشرين ليلة ، وكان ، قال : ما أنا بداخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله عز وجل.
فلما مضت تسع وعشرون ليلة ، دخل على عائشة (ر) فبدأ بها ، فقالت له عائشة : يا رسول الله : إنك كنت أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا وإنما أصبحت من تسع وعشرين ليلة أعدها عدا ، فقال : الشهر تسع وعشرون ، وكان ذلك الشهر تسعا وعشرين ليلة ، قالت عائشة : ثم أنزل الله التخيير فبدأ بي أول امرأة من نسائه ، فأخترته ، ثم خير نساءه كلهن فقلن مثل ما قالت عائشة.
- أخبرنا : عبد الواحد المليحي ، أخبرنا : أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا : محمد بن يوسف ، حدثنا : محمد بن اسماعيل ، حدثنا : أبو اليمان ، أخبرنا : شعيب ، عن الزهري ، أخبرني : أبو سلمة بن عبد الرحمن : أن عائشة زوج النبي (ص) أخبرته : أن رسول الله (ص) جاءها حين أمره الله أن يخير أزواجه فبدأ بي رسول الله (ص) ، فقال : إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك ، وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه ، قالت : ثم قال : إن الله ، قال : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ( الأحزاب : 59 ) } إلى تمام الآيتين ، فقلت : أو في هذا أستأمر أبوي ، فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة.
- أخبرنا : إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا : عبد الغافر بن محمد ، أخبرنا : محمد بن عيسى ، حدثنا : إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا : مسلم بن الحجاج ، حدثني : زهير بن حرب ، حدثنا : عمر بن يونس الحنفي ، حدثنا : عكرمة بن عمار ، عن سماك بن زميل ، حدثنا : عبد الله بن عباس ، حدثني : عمر بن الخطاب ، قال : لما اعتزل النبي (ص) نساءه ، وذكر الحديث ، وقال : دخلت عليه ، فقلت : يا رسول الله ما يشق عليك من شأن النساء ، فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك ، وقلما تكلمت وأحمد الله تعالى بكلام الا رجوت أن الله يصدق قولي الذي أقول ، ونزلت هذه الآية : { عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ( التحريم : 5 ) }.
- قوله : { وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ ( التحريم : 4 ) } أي تتظاهرا وتتعاونا على آذى النبي (ص) ، قرأ أهل الكوفة بتخفيف الظاء ، والآخرون بتشديدها.
|