( تفسير ابن كثير ) ( 2 )
{ إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ( التحريم : 4 ) } . ابن كثير - تفسير القرآن العظيم - تفسير سورة التحريم : 1 تفسير قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ } الجزء : ( 8 ) - رقم الصفحة : ( 162 )
- .... قال الله تعالى : { إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ( التحريم : 4 ) } حتى حج عمر وحججت معه ، فلما كان ببعض الطريق عدل عمر وعدلت معه بالاداوة فتبرز ، ثم آتاني فسكبت على يديه فتوضأ ، فقلت : يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي (ص) اللتان ، قال الله تعالى : { إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ( التحريم : 4 ) } فقال عمر : واعجبا لك يا ابن عباس ، قال الزهري : كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه ، قال : هي عائشة وحفصة ، قال : ثم أخذ يسوق الحديث ، قال : كنا معشر قريش قوما نغلب النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم ، قال : وكان منزلي في دار أمية بن زيد بالعوالي ، قال : فغضبت يوما على امرأتي فإذا هي تراجعني فأنكرت أن تراجعني ، فقالت : ما تنكر أن أراجعك ، فوالله إن أزواج رسول الله (ص) ليراجعنه وتهجره احداهن اليوم إلى الليل ، قال : فانطلقت فدخلت على حفصة ، فقلت : أتراجعين رسول الله (ص) ، قالت : نعم ، قلت : وتهجره احداكن اليوم إلى الليل ، قالت : نعم ، قلت : قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر أفتأمن احداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله فإذا هي قد هلكت لا تراجعي رسول الله (ص) ولا تسأليه شيئا وسليني من مالي : ما بدا لك ولا يغرنك إن كانت جارتك هي أوسم ، أي أجمل ، وأحب إلى رسول الله (ص) منك يريد عائشة ، قال : - وكان لي جار من الأنصار وكنا نتناوب النزول إلى رسول الله (ص) ينزل يوما وأنزل يوما فيأتيني بخبر الوحي وغيره وآتيه بمثل ذلك ، وقال : وكنا نتحدث أن غسان تنعل الخيل لتغزونا فنزل صاحبي يوما ثم أتى عشاء فضرب بابي ، ثم ناداني فخرجت إليه ، فقال : حدث أمر عظيم ، فقلت : وما ذاك أجاءت غسان ، قال : لا بل أعظم من ذلك وأطول طلق رسول الله (ص) نساءه ، فقلت قد خابت حفصة وخسرت قد كنت أظن هذا كائنا حتى إذا صليت الصبح شددت علي ثيابي ، ثم نزلت فدخلت على حفصة وهي تبكي ، فقلت : أطلقكن رسول الله (ص) ، فقالت : لا أدري ها هو ذا معتزل في هذه المشربة فأتيت غلاما له أسود ، فقلت : استأذن لعمر فدخل الغلام ثم خرج إلي ، فقال له : فصمت فانطلقت حتى أتيت المنبر فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم فجلست عنده قليلا ، ثم غلبني ما أجد فأتيت الغلام ، فقلت : استأذن لعمر فدخل ثم خرج إلي ، فقال : قد ذكرتك له فصمت فخرجت فجلست إلى المنبر ، ثم غلبني ما أجد فأتيت الغلام ، فقلت استأذن لعمر فدخل ثم خرج إلي ، فقال : قد ذكرتك له فصمت فوليت مدبرا فإذا الغلام يدعوني ، فقال : ادخل قد أذن لك فدخلت فسلمت على رسول الله (ص) فإذا هو متكئ على رمال حصير ، قال الامام أحمد : وحدثناه يعقوب في حديث صالح ، قال : رمال حصير - وقد أثر في جنبه ، فقلت : أطلقت يا رسول الله نساءك ، فرفع رأسه إلي ، وقال : لا ، فقلت الله أكبر ولو رأيتنا يا رسول الله وكنا معشر قريش قوما نغلب النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم فغضبت على امرأتي يوما فإذا هي تراجعني فأنكرت أن تراجعني ، فقالت : ما تنكر أن أراجعك ، فوالله إن أزواج النبي (ص) ليراجعنه وتهجره احداهن اليوم إلى الليل فقلت قد خاب من فعل ذلك منكن وخسرت أفتأمن احداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله فإذا هي قد هلكت فتبسم رسول الله (ص) ، فقلت : يا رسول الله : قد دخلت على حفصة ، فقلت : لا يغرنك إن كانت جارتك هي أوسم أو أحب إلى رسول الله (ص) منك فتبسم أخرى ، فقلت : استأنس يا رسول الله ، قال : نعم ، فجلست فرفعت رأسي في البيت فوالله ما رأيت في البيت شيئا يرد البصر الا أهبا مقامة فقلت : ادع الله : يا رسول الله أن يوسع على أمتك فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله فاستوى جالسا وقال : أفي شك أنت يا ابن الخطاب ، أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا ، فقلت : استغفر لي : يا رسول الله وكان أقسم أن لا يدخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن حتى عاتبه الله عز وجل.
- وقد رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من طرق ، عن الزهري به وأخرجه الشيخان من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن سعيد ابن جبير ، عن ابن عباس ، قال : مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب ، عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له حتى خرج حاجا فخرجت معه فلما رجعنا وكنا ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له ، قال : فوقفت حتى فرغ ثم سرت معه ، فقلت : يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على النبي (ص) ، هذا لفظ البخاري ، ولمسلم من المرأتان اللتان ، قال الله تعالى : { وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ ( التحريم : 4 ) } قال : عائشة وحفصة ، ثم ساق الحديث بطوله ومنهم من اختصره.
- وقال مسلم أيضا ، حدثني : زهير بن حرب ، حدثنا : عمر بن يونس الحنفي ، ثنا : عكرمة بن عمار ، عن سماك بن الوليد أبي زميل ، حدثني : عبد الله بن عباس ، حدثني : عمر بن الخطاب ، قال : لما اعتزل نبي الله (ص) نساءه دخلت المسجد فإذا الناس ينكتون بالحصى ويقولون : طلق رسول الله (ص) نساءه وذلك قبل أن يؤمر بالحجاب ، فقلت : لأعلمن ذلك اليوم فذكر الحديث في دخوله على عائشة وحفصة ووعظه اياهما إلى أن قال : فدخلت فإذا أنا برباح غلام رسول الله (ص) على أسكفة المشربة فناديت ، فقلت : يا رباح استأذن لي على رسول الله (ص) فذكر نحو ما تقدم ، إلى أن قال : فقلت : يا رسول الله ما يشق عليك من أمر النساء فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكال وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك وقلما تكلمت وأحمد الله بكلام الا رجوت أن يكون الله يصدق قولي.
|