( ياسين المعيوف البدراني )

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين

 

البطاقة الشخصية

 

مولده ونشأته : ولد في سوريا بمدينة دير الزور ، نشأ في أسرة تعتنق المذهب الشافعي ، وببلوغه سن الرشد أدرك بأن الإسلام لا يرى التقليد كافيا في ممارسة الأصول العقائدية ، بل أنه يوجب على كل فرد البحث عن صحة هذه العقائد ، وتبادر هذا التساؤل في ذهنه : " في مثل هذه الحالة العقيمة التي نعيشها وسط مذاهب متعددة وطرق إسلامية شتى ، لم لا نحاول البحث عن المذهب الحقيقي ، كي نتمسك به ، ولماذا نأخذ الإسلام من موقع واحد ، بينما هناك طرق ومشارب عديدة " ، فوصل الأخ ياسين إلى هذه النتيجة : " نحن جميعا وكل مسلم بحاجة إلى دراسة التاريخ دراسة علمية وإلى دراسة المذاهب الفقهية والسياسية دراسة عميقة ، لكي نستطيع أن نتبين مواطن الخطأ ونقول يا فلان أنت مخطىء ، ولكي نتبين مواطن الحق ونقول يا فلان أنت محق ، وذلك بعد البحث العلمي والتمحيص ".

 

اعادة النظر في القراءات السابقة : يقول الأخ ياسين حول ما لاقاه في طريقه إلى البحث : " التقيت بعينات من أهل القرى والمدن ( المجاورة ) مما جعل بيني وبينهم بعض المناقشات والمحاورات التي ولدت عندي حافزا جديدا لأن أعيد النظر في قراءاتي السابقة وأن أقارن بينها وبين كتب أخرى وما تحمل في طياتها من قضايا التاريخ ومجرياته ، ولقد وجدت عند الكثير ممن كنت أحاورهم وآخذ منهم تقاعسا عن اقتحام الحقيقة وصمتا امام الدليل الواضح متمشين في ذلك مع ما يطلب الواقع ، ومع ما هو موروث عن الآباء والأجداد لكنني عزمت على العمل الدؤوب والاستمرار في تقصى الحقيقة ومعرفتها ".

 

عقبات دون أدراك الواقع : اندفع الأخ ياسين للبحث وحين بحثه في كتب التاريخ تفاجأ بأن المصالح السياسية والأهواء الشخصية لعبت دورا هاما في تشويه الحقيقة وأن السلطة حاولت أن تسيطر على نظام التاريخ وأن تصوغ محتواه وفق ما يتلاءم مع مصالحها الشخصية ، وبما أن الشيعة كان لهم موقفا صلبا امام السلطان منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا ، أدى ذلك إلى تشويه صورتهم والصاق التهم المختلفة بهم.

 

أهمية اعمال العقل حين البحث التاريخي : ومن هنا أدرك الأخ ياسين أهمية إعمال العقل حين البحث وحين تقصى الحقيقة ، فيقول في هذا المجال : " قد ينشأ من اهمال العقل ورفضه حالة قشرية تدفع الفرد إلى التمسك بالتقاليد والأعراف الماضية أيا كانت " ، وبذلك توجه الأخ ياسين إلى غربلة التاريخ والبحث عن الحقيقة من خلال التعرف على الأمور المتناقضة الموجودة فيه ، فأخذ هذا الأمر بيده إلي الاستبصار ومعرفة الخط الإسلامي الصحيح الذي حاولت السلطات بشتى السبل أن تبعد الناس عنه ، فيقول الأخ ياسين في هذا المجال : " ان الناس غرقوا مرغمين في متاهات واسعة ولدتها السيطرات السلطوية والمصالح الدنيوية الخاصة أيام الأمويين والعباسيين ، فطمسوا الطريق الحقة ونكلوا بأهلها وجعلوا من أنفسهم خلفاء الله في الأرض وقادة للدين ، فكانوا ـ والحال هذه ـ لا يدعمون الا المذهب الذي يؤيد نظامهم ويبرر أخطاءهم ، فيرفعون من شأنه ويحيطونه بهالة من التقديس والعظمة ، ويطلبون من الناس ولاء مطلقا واتباعا أعمى لأي امام صاحب مذهب يقوم بالباطل بين أيديهم "... وقد ذكرنا هذا ، ليتوضح عند المثقفين والواعين ( هذا ) الأمر ، وليعرفوا أن هذه المذاهب هي من صنع السياسات الحاكمة ".

 

أهمية البحث لانقاذ النفس من الانحراف : يقول الأخ ياسين حول أهمية التوجه إلى البحث لابراء الذمة وانقاذ النفس من الوقوع في شباك الضلال : " ومع مرور الزمن السيء والصعب بلياليه الحالكة السوداء وظروفه الخانقة صار الناس يرون رؤية مشوهة ، فيحسبون الحق باطلا ، والباطل حقا ، وعم الخلط والتشويه في سيرة الأئمة الأطهار ، وبمرور الزمن أيضا سوف تنعدم النعمة الإلهية عن هؤلاء الناس المشوهين ... حتى يأتي يوم يصبح فيه المسلم مقولبا مصنوعا في مصانع الافتراءات ، وفريسة سهلة للأخطاء والضلالات ، وهو ـ المسكين المغرور ـ ما يزال يظن أنه هو المؤمن الحقيقي وهو التقي النقي الطاهر ، بينما في واقعة بعيد كل البعد عن الخط الرسالي وطهره ونقائه ".

 

قاتل الله العناد الطائفي : يرى الأخ ياسين إن من أهم الموانع التي تقف بوجه العلماء وتدفعهم ليكونوا سدا مانعا لتعرف الآخرين على الحقائق هو العناد الطائفي والتعصب الأعمى ، فيقول : " قاتل الله العناد الطائفي ، والتعصب الأعمى الذي طال ليله وكثر عشاقه المتعلقون بقشور الأشياء والذين سببوا نكسات وجروا جنايات على المسلمين لا تغتفر ".

ويقول أيضا : " من المؤسف ومن المؤلم أن الجاهل وضعيف الإيمان كلما مر به الزمن يزداد تعصبا وضعفا ، فلا ينطق بقول الحق وهذا ما يؤلمنا ويحز في نفوسنا أسفا وحزنا على أمتنا " ، ويرى الأخ ياسين أيضا أن الميل إلى المصالح الدنيوية ، يعد أحد الدوافع لتشويه الحقيقة وكتمانها على الآخرين ، فيقول في هذا المجال : " تعودت بعض الأقلام الماجورة أن تعيش في النفاق وعلى النفاق مقدمة نتاجها الفكري للمجتمع الذي تعيش فيه مزيفا ومغلوطا ، وذلك بدافع من مصلحة دنيوية تافهه ".

 

التصدي للدعوة بعد الاستبصار: جند الأخ ياسين نفسه بعد الاستبصار والانتماء إلى مذهب أهل البيت (ع) للعمل الجاد في سبيل انقاذ أبناء مجتمعه ودعوتهم للعودة إلى سبيل الرشاد والركوب في سفينة أهل البيت (ع) لكنه واجهته عقبات كثيرة في هذا المجال ، فيقول حول ما لاقاه من عقبات في سبيل نشره لمذهب أهل البيت : " ان الطريق شائك وطويل واجتيازه مجهد ، عبر مجتمع لم يعقل ولم يعرف البحث عن الحقيقة ، الأمر الذي لا يتيح للداعية أن يوضح ما يريد أو أن يمد بصره حتى نهاية الطريق ذلك ، لأن الأمة انحدرت وانحرفت في اتجاه مظلم خطه لها المستعمرون والطامعون الغاشمون الذين يقفون لأمتنا الإسلامية بالمرصاد ويضعون في سبيل الداعية من الحواجز والعراقيل ما يصعب عليه تجاوزها والتغلب عليها " ، ويضيف الأخ ياسين حول تجربته في الدعوة : " لقد أجهدنا أنفسنا لأكثر من عشرين عاما ، كي نتلاحم مع أبناء بلدنا في حوار دؤوب ، إلا أننا وجدنا الأعذار والاجابات التي كانت بالأمس هي نفسها أعذار اليوم لا تختلف في جوهرها ولا مضامينها الخاوية من الحقيقة ويتعلل البعض بطول الطريق لكن الله سبحانه وتعالى يقول : ( لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون ).

 

مؤلفاته :

1 _  " يا ليت قومي يعلمون " : صدر عن مؤسسة المعارف للطباعة والنشر ـ بيروت ـ لبنان ، يعرض المؤلف في هذا الكتاب تجربته الشخصية في التحول من المذهب السني إلى المذهب الشيعي ، ويذكر أهم الأدلة التي أخذت بيده فنقلته إلى مذهب أهل البيت (ع) ويحتوى الكتاب على عدة مواضيع منها : شرعية الإمامة ، حب أهل البيت (ع) لماذا نكره كلمة شيعة ، نظرية عدالة الصحابة ، نشوء المذاهب ، الاختلافات الهامشية بين السنة والشيعة ، العرفان ونشأته ، التعريف بالأئمة الأطهار.

 

وقفة مع كتابه : " يا ليت قومي يعلمون " : يقدم الكاتب في هذا الكتاب خلاصة ما حصل عليه من معارف وعلوم ـ في تجربته الطويلة في الانتقال : إلى مذهب آل البيت (ع) ـ إلى الناس وخصوصا أهل بلده أداءا للواجب الديني والاخلاقي الذي إمتزج عنده بمحبة قومه ، فسعى في هدايتهم إلى المعارف الحقة التي حصل عليها بعد جهد طويل مخلصا في ذلك لدين الله ورسوله وأهل بيته رغم صدود الناس وغفلتهم وعناد المعاندين منهم ، يتحدث الكاتب عن كتابه ، فيقول : " لقد بذلت قصارى جهدي في هذا الكتاب الصغير بحجمه ، والكبير العظيم في موضوعه ومحتواه ، مدفوعا إلى ذلك ليس بمحبتي وحدها وتقديسي لرسول الله الكريم ، ولأخيه ووزيره ووليه من بعده ، بطل التاريخ الإسلامي علي بن أبي طالب ، ولآل بيته الأئمة الأطهار الأبرار من بعده ، لكنني كنت مدفوعا في عملي أيضا بأمر الرسول الكريم : " من رأى منكم منكرا فليقومه بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ".

 

وقد تناول الكاتب مواضيع مختلفة ، فبحث في امامة أهل البيت المعصومين (ع) وشفع ذلك في الثقل الآخر فتحدث عن هجر القرآن ، وأورد أيضا بعض المسائل الخلافية ووضح موقف أهل البيت (ع) منها ونفي الشبهات التي أوردها خصومهم جهلا أو عنادا ، وكان في كل ذلك يدعو إلى الوحدة والتآلف واتباع الحق والعقل وعدم الخضوع لأرباب المذاهب إن كانوا على باطل بين مخالف للقرآن وما صح من السنة الشريفة.

 

شرعية الإمامة : شاءت حكمة الله سبحانه وتعالى : إن ينظم هذا الكون تنظيما ربانيا يسير بدقة متناهية بلا خلل ولا نقص ومن حكمته جل وعلا أن جعل البشرية تسير بنظم سماوية وتشريع رباني لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ثم جعل لهذه الأمة ولهذا التشريع قادة وقيادة من صفوة الخلق طهرهم الله من حب الدنيا وأرجاسها ومنحهم العلم والمعرفة ، فمنهم الأنبياء ، ومنهم الأئمة (ع) هؤلاء هم الذين يستحقون أن يكونوا خلفاء على الخلق وأمناء على الشرع ومنهم نبي الله إبراهيم (ع) الذي خصه الله بالنبوة والإمامة ، يقول تعالى : ( إني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتى قال لا ينال عهدى الظالمين ) ، لقد جعل الله سبحانه وتعالى إبراهيم (ع) نبيا ثم خليلا ، ثم أعطاه مرتبة ثالثة ، تشريفا له وهي الإمامة لتكون في ذريته من بعده فكانت في الرسول الكريم محمد (ص) وفي إله ، بدليل قولنا في كل صلاة اللهم صلى وسلم وبارك على محمد ، وآل محمد ، كما صليت ، وباركت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم ، في العالمين إنك حميد مجيد.

لقد ربط الله الآل بالآل ، آل إبراهيم بآل محمد ، والحكم دائما يبدأ بالأهم فالخليفة أهم من الخليقة لأن كل مجتمع وكل أمة تحتاج إلى مرشد فلابد وإن يكون ذلك المرشد أكمل وأشرف الخلائق في الطهارة والصفاء ورجحان العقل وقوة الإيمان ولن يتسني ذلك الا للمعصوم من عند الله ويبطل اختيار من هو أدنى منه مرتبة في الناس.

 

قال تعالى: ( يا داود إنا جعلناك خليفة فى الأرض فاحكم بين الناس بالحق ) ، وهذا دليل واضح على أن الله سبحانه هو الذي يختار النبي والخليفة والامام لأنه أعلم الناس من أنفسهم ، ولما كانت الأمة بعد رسول الله في حاجة ماسة إلى امام وقائد ، فهل نضع هذه الإمامة والقيادة في غير الذين اختارهم الله ورسوله ، هل ننتزع هذا الحق منهم وندع للناس اختيارهم ، إن ذلك لعبث وجهل ، والناس لن يستطيعوا اختيار المعصوم وليس من حقهم تبديله لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي اختاره ، قال الله تعالى : ( وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة ) ، ويقول تعالى : ( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا اليهم فعل الخيرات ).

 

بيان آية ( وشاورهم في الأمر ) : يقول الله تعالى : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ) ، هذا من خلق القرآن ترابط اجتماعي كامل وواضح بين الرعية والقائد بالمشورة والاستئناس برأي ذوي الرأي ليتحسس الناس بمسؤولياتهم ، وليفكروا بجدية أكثر في أمور الدين والدنيا وقد يضطر القائد خلال المشاورة إلى تبيان مختلف وجوه الأمر للناس مما يعمق في نفوسهم ابعاد المعرفة لكن من واجب القائد المعصوم إذا رأى في الناس ضعفا في الارادة أو تحيزا للمصالح أقول من واجبه اتخاذ القرار المناسب الحازم وهم مامورون باتباعه لأن قرار القائد يتجاوز الخلافات في الرأي ويعطي للأمة ما تحتاجه من الحيوية لتجاوز العقبات التي يرونها ضخمة بسبب ما بينهم من خلاف في الأهواء والآراء فالمشاورة اذا وجدت لتحقيق الترابط ولاصابة الهدف بحثا عن الحق والحقيقة ولكن إذا دخل الضعف والتراجع في الأمة عندها يتحتم على القائد أن يتخذ قرارا لا رجعة فيه لأنه إنما يسير على الهدى وبحكم الله فيكون بهذا العمل مربيا وموجها للأمة زارعا فيها الرؤية الصالحة ، وكيف تكون المشورة والمشاورة أو تصح في صدر الإسلام بين قلة من الصحابة يتفقون على اتخاذ قرار لتنصيب وكيل الله وخليفته على الناس في الأرض ، ترى هل كان هذا هو الحق والصواب أم أنه إستعجال في الأمر دفعهم إليه التعلق بالدنيا وهم يفتقرون إلى الدليل وإلى القدرة على الاختيار ، حتى ولو سلمنا جدلا وقلنا بأنهم تشاوروا فليسوا جميعا معصومين بل إنهم تركوا المعصوم مشغولا بتجهيز جنازة النبي.

 

وكان عملهم غير متطابق مع أحكام القرآن لأن القرآن أمر الرسول الكريم بإعلان الخليفة والامام عند وفاته قائلا : " آتوني بكتف ودواة أكتب لكم ما إن تمسكتم به لم تضلوا من بعدي " ، وكثر الخلاف واللغط حول النبي حتى اضطر أن يقول للناس أخرجوا عني لا ينبغي أن يكون خلافا عند نبي ، ويقول : (ص) : ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ) ، وقد قال (ص) : ( الحق يدور مع علي حيث دار ) ، يقول تعالى : ( أفمن يهدى إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدى إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ).

 

هجر القرآن : قال الله تعالى: ( يأيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا اليكم نورا مبينا ) ، وقال : سبحانه : ( كتاب أحكمت آياته ، ثم فصلت من لدن حكيم خبير ) ، يتأثر الانسان ويهتز ويشعر بالقشعريرة والاعجاب المعجز عند قراءته لهذه الآيات الكريمة ، ثم يعتريه العجب وتصيبه الحيرة والذهول والأسى عندما يرى القسم الكبير من المسلمين على بعد ساشع من هذا الكتاب العظيم مع أنهم يقرأونه آناء الليل وأطراف النهار ولا يقدرونه حق قدره ، قال تعالى : ( وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين ) ، لقد أودع الله في كتابه الكريم من المنافع والخيرات والعظات والعبر ما لا يحيط به الواصفون ولا يبلغ بعضه العادون الذين يحاولون ادراك أسراره ومعجزاته ، ففيه شفاء للصدور وبيان يزيل عمى الجهل وحيرة الشك ، لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه وإن من جعله اماما وخلقا له قاده إلى الجنة ومن رمى به خلف ظهره ساقه إلى النار.

 

قال : سبحانه وتعالى : ( هو الذى ينزل على عبده  آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرءوف رحيم ) ، في هذا الكتاب الكريم من الأدلة الواضحة ما يلزم البشرية بالمتابعة لينقذهم من الجهل ومن العقائد الفاسدة والتقاليد الذميمة وليهديهم إلى ينبوع الحق فأبى أكثر الناس الا كفورا ، إن هذا القرآن الكريم هو حبل الله المتين والذكر الحكيم والصراط المستقيم الذي يدفع الأهواء والشبهات ، عن العلماء الذين يدركون محاسن أنواره التي لا يفقهها الا ذووا البصائر الجليلة ولا تقطف لطيف ثماره الا الأيدي الزكية ومنافع شفائه تنالها : إن شاء الله الأنفس التقية ، قالت فاطمة الزهراء (ع) بنت رسول الله في مسجد أبيها رسول الله (ص) : أنتم عباد الله نُصب أمره ونهيه وحملة دينه ووحيه وأمناء الله على أنفسكم وبلغائه إلى الأمم زعيم حق له فيكم وعهد قدمه اليكم وبقيةٌ استخلفها عليكم كتاب الله الناطق والقرآن الصادق والنور الساطع والضياء اللامع بصائره منكشفة وسرائره متجلية ، تغتبط به أشياعه قائدا إلى الرضوان أتباعه مؤديا إلى النجاة استماعه.

 

أخي الكريم ـ رعاك الله وهداك ـ إن هذا لنداء من القرآن الكريم إلى العالم اجمع علي اختلاف المشارب والمذاهب يلزمهم بهذا النداء ولا سيما في عصر العلم والتحرر ، والحذار الحذار من أن يتعلق بك الشيطان فتتمسك بدين الآباء وتشقى شقاء أبديا ثم تكون من الخالدين في النار.

إذا القرآن الكريم هو القانون الإلهي الذي يعالج كل أبعاد القضايا في الحياة والذي يخلص البشرية من الغام الدنيا ومن ظلماتها وإن من قرأه وتدبره وعمل بمضمونه ينال شرف الدنيا والآخرة لأنه الرسالة التي لا يأتيها الباطل ولا يعتريها التحريف والزيف وهي رابطة الانسان بربه وهي آخر وأعظم اطروحة سماوية ومنهج رباني ، إن كل من لم يدرس القرآن الكريم دراسة صحيحة على يد علماء عارفين بحقائقه ومضامينه فانه سيقع في الكثير من الشبهات التي تغير المفاهيم الحقيقية لتحل محلها مفاهيم مغلوطة تنموفي عقول البسطاء الذين ينعقون ، عن جهل خلف كل ناعق ويميلون مع كل ريح منحرفين ، عن القرآن ومبدعين بدعا محرمة ، يقول تعالى : ( أفلا يتدبرون الْقرآن أم على قلوب أقفالها ).

 

ويشكو الرسول الكريم من بعض قومه فيعبر الحق سبحانه وتعالى من هذه الشكوى بقوله : ( وقال الرسول يارب إن قومى اتخذوا هذا القرآن مهجورا ) ، أوليست هذه الشكوى من الرسول الكريم من الذين يقرأوون القرآن على المنابر بأصوات جميلة وهذرمة خاوية ويتخذونه للتحنث والمكاسب المادية بعد أن هجروا معاني القرآن الحقيقية وأهدافه الرسالية ووجدوه ثقيلا عليهم فكان مثلهم مثل من يبر والديه بالجلوس اليهم فقط ثم لا يحترمهما ولا يعاملهما باحسان ومعروف ، فهل هكذا يكون البر للوالدين.

 

مثل هؤلاء الناس إذا كانوا يريدون أن يجعلوا الإسلام مرحلة تاريخية أو تحفة أثرية يتواءمون معه بما يحقق مصالحهم فنحن نرفض ذلك لأننا نريد أن يكون هذا الكتاب الكريم هو بداية حياتنا بالأمس وقضية جهادنا اليوم ونظام وهدف مسيرتنا غدا ، نريده شعلة من النور تضيء الطريق لكل الشعوب المؤمنة ، وإذا كان هدف العلماء القشريين هو تمزيق المسلمين فرقا وأحزابا بدافع من قصر نظرهم وعدم فهمهم لمعاني القرآن الكريم فنحن سنبقى مصرين على الاعتصام بحبل الله المتين ولن نعمد أبدا إلى سماعهم والرجوع إلى جاهليتنا لنكون رهبانا في المساجد بعيدين عن الفكر الحركي البناء لن نقرأ القرآن بظاهره ، طربين علي أنغامه الصوتية راقصين عليها متخذين منها وجدا مع الله سبحانه وتعالى لأننا نرى أن الإسلام الحق هو غير ذلك وهو فهم القرآن الكريم والعمل به كما نرى أن الإسلام هو وعي بناء نحتمي بأسواره وحصونه المنيعة من الغزوات الثقافية الكافرة ومن الحضارة العصرية المدمرة لكل القيم والاخلاق.

 

إننا نريد أن تهاجر النفوس إلى الله لتعبده ، عن إيمان ولتخشاه ، عن بينة ، نريد أن نكون كما يريد الله تعالى لنا أن نكون ، يقول تعالى: ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا فى التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين ) ، يجب أن نكون واعين لإسلامنا العظيم حقالوعي وأن نرتبط بالقرآن الكريم ارتباطا روحيا فنعمل لأوامره ولا نكون متنسكين وخانعين نكتفي بالتعبد الطقسي القشري الخاوي من الروح ونمشي في الشوارع مطأطئي الرؤوس مرتدين خرق التذلل لأن الإسلام الحنيف والقرآن الكريم يرفضان هذا ولا يقبلان به.

 

أبحث عن الحق تجد أهله : لقد انبثق علينا الإسلام الحنيف من عمق الحياة بخطوط القدرة الخالقة من لدن حكيم عليم وهو المدرسة الجامعة التي نتمسك بها نجاة وعلاجا لكل جوانب الحياة ولكل حاجيات الانسان الدنيوية والأخروية الجسمية منها والروحية ، الإسلام يرسم لنا بكل وضوح الأصول العقائدية الخمسة التي هي أساس مذهب أهل البيت (ع) وهي : العدل والتوحيد والنبوة والإمامة والمعاد.

 

الإسلام لا يرى التقليد والتعبد كافيا في ممارسة الأصول العقائدية التي ذكرناها بل إنه يوجب على كل فرد البحث عن صحة هذه العقائد وبصورة مستقلة بعيدة عن العاطفة والتقليد الأعمى ذلك لأن الإسلام لا يحصر العبادة بالعبادة البدنية كالصلاة والصوم أو العبادة المالية كالخمس والزكاة لأن هناك ما هو أعظم من هذا وهي العبادة الفكرية التي تحث الانسان وتطلب إليه التأمل والتفكر في آلاء الله سبحانه وتعالى ، كما تحثنا على وجوب الاستنتاج الفكري بحثا عن الحقيقة ووصولا اليها ، ذلك لأن الأصول كلها محورها مفهوم الفكر ، كالعدل والتوحيد والمعاد وبالتبعية النبوة والإمامة إن كتاب الله يحثنا على أن نفكر مخلصين في الذات الإلهية كي ما نعرف العدل والتوحيد ، ( الله نور السموات والأرض مثل نوره  كمشكاة ) ، ( الله لا إله الا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ) ، قال سبحانه : ( هو ألاول والآخر والظاهر والباطن ).

 

إن القرآن الكريم يحثنا على التدبير والتفكر في وقائع ما وراء الطبيعة ليصبح بمثابة المرئي ، كقوله سبحانه وتعالى : ( وكذالك نرى إبراهيم ملكوت السمـوات والأرض وليكون من الموقنين ) ، إنه لأمر طبيعي في المجتمع وفي ترسبات الأجيال أن يحافظوا وأن يدافعوا عن العقائد المتوارثة ذلك لأن العادة والتلقائية تؤثر حتى على ذوي الشهادات العالية وتجعلهم لا يسيرون الا على طريق الاتباع والتقليد المتوارث الأعمى ، برغم أن القرآن الكريم نبهنا وحذرنا أن لا نقبل معتقدات ومفاهيم قديمة قبل عرضها على العقل وعلى قواعد القرآن الكريم وقبل أن نتأمل فيها بعمق وبفكر منفتح ، ( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله ، قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لايعقلون شيئا ولا يهتدون ).

يقول كتاب الله العظيم إن التقليد الأعمى يوجب الشقاء الأبدي وبشكل خاص لأهل المعرفة لأنه سبحانه وتعالى يقول : ( وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ) ، إنه من واجب الانسان الواعي أن يجعل الفكر والتبصر والتأمل رائدا له في سلوك الطريق التي توصل إلى الحق سبحانه وتعالى آخذا بالعقائد الصحيحة وتاركا النزعات القبلية والعنصرية والقومية التي لا تولد عنده الا القلق الدائم والخوف المستمر وعدم الاستقرار النفسي.

 

العلم والإيمان يكمل أحدهما الآخر بحيث لا يمكن الفصل بينهما ولو فصلنا لتسببنا في أضرار جسيمة توقعنا بالخرافات والجمود الفكري والدوران في المكان حول النفس ، يا أخوتي في مثل هذه الحال العقيمة المرة التي نعيشها وسط مذاهب متعددة وطرق إسلامية شتى لم لا نحاول البحث عن المذهب الحقيقي كي نتمسك به ولماذا نأخذ الإسلام من موقع واحد بينما هناك طرق ومشارب عديدة والله سبحانه وتعالى يقول : ( فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ).

 

يقول الامام علي (ع) : ( من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ ) ، وعلى هذا فمن واجب المسلم أن يدرس وأن يتأمل المذاهب المطروحة في الساحة الإسلامية وأن يعتمد على عقله وتفكيره وعلى عوامل الاستدلال والاطمئنان المتوافرة لديه ، وعند الاختلاف فإن الحق بين واضح لا يتعدد ولا يأخذ مظاهر وصورا وأشكالا شتى خلافا لما يرى ويقول المصوبة المغرضون ، يبدو أن هناك أشكالا عميقا يكمن في مناهج الدراسة في الجامعات والمعاهد الدينية حيث تقتصر كل مؤسسة على تدريس اتجاه معين ونمط واحد من العقائد والفقه والعلوم الدينية متجاهلة سائر الاتجاهات والمذاهب الأخرى وإن الأنكى والأخطر من ذلك هو تعبئة الطلاب فكريا ونفسيا ضد كل ما يخالف مذهب تلك المؤسسة ومنهجها فيتخرج طلاب هذه العلوم بفكر منغلق وعقلية ضيقة محدودة جاهلين الرأي الآخر ومنحازين بتعصب أعمى ضد كل ما لا يوافق فكرهم.

 

إن احترام العالم يقاس بمدى احترامه للحقيقة لأنها ضالته أينما وجدت ، وفي كتب الشيعة الإمامية اجتهادات قد لا يعرفها حتى الخواص من العلماء السنة ، ولو أنهم اطلعوا عليها لقويت ثقتهم بالشيعة الإمامية ولاحترموا علماء المسلمين ومذاهبهم ولقويت البواعث على تمهيد السبيل ووحدة الفكر والعقيدة بين الأخوة المؤمنين من حيث يريدون أولا يريدون.

 

الحوار يولد التقارب : ان الله سبحانه وتعالى وهو الخالقالسيد العظيم لا يأنف أن يدخل مع عباده الضعفاء في حوار وأن يجيب على تساؤلاتهم وأن يشاركهم ويهديهم حل اشكالاتهم ، فهل يحق لأحد بعد ذلك أن يترفع عن النقاش والحوار مع أخوانه في العقيدة والأصول.

 

عندما يقول الكفار والمشركون ويتقولون في نبوة الرسول (ص) ويتهمونه بالكهانة والجنون مدعين أن القرآن لون من ألوان الشعر الذي نسجه محمد ، ثم نسبه إلى الله ، يرد عليهم القرآن الكريم مستعرضا ومناقشا ويدخل معهم في حوار مثيرا الوجدان الفطري لتكون محكمة الانسان الوجدانية الداخلية هي الحكم وليبرز الضمير ليميز بين الصحيح والكذب ، ( أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ) ، ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة وحدة ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لاملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) ، الله سبحانه وتعالى جعل الاختلاف سببا إلى التمحيص والاختبار لمن يريد أن يتمسك بالحقيقة وإن الصورة المثالية التي تتمناها لوحدة المسلمين يستحيل تحقيقها الا بوجود قيادة معصومة تخضع لها الأمة وتنفذ أوامرها لأنها تمثل قيادة الرسول الأعظم (ص) وما جاء به ولكن أين هي هذه القيادة ، إن القرآن الكريم لم يترك أمرا أو قضية تتعلق بحياة الأمة الا ورسمها وأوضحها لنا وقد بين الله سبحانه وتعالى القيادة المعصومة التي هي عدل القرآن تلك التي خصها ربها بفضائل عديدة لم يخص بها غيرهم من العباد.

 

البدع : ليس في الخليقة مثل الانسان حين يستخدم عقله وينير بالوحي بصيرته لأن العقل قبس من نور الله الذي أودعه في ضمير الانسان وبدونه لا يكون الانسان الا حفنة من التراب وإن ما نجده اليوم من الحضارات والتقدم العلمي وماننعم بخيراته ما هو الا من بركة التجليات العقلية حيث أبدع العقل عند المبدعين واكتشفوا كنوز أنفسهم وتمتعوا بلذة التحرر والانطلاق بقوة نور البصيرة لقد جاء الإسلام الحنيف تتويجا لرسالات الله منبها العقل إلى أهداف الرسالة حتى أنه جاء ذكر العقل بمترادفاته المختلفة سبعمائة وخمسين مرة في القرآن الكريم دلالة وتوكيدا على أهميته ، قال الله تعالى : ( الذين يتبعون الرسول النبي الاْمى الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم ... ).

 

وقد ينشأ ، عن الجاهلية المتمثلة في اهمال العقل ورفضه حالة قشرية تدفع الفرد إلى التمسك بالتقاليد والأعراف الماضية أيا كانت تمسكا شديدا لأنه في هذه الحالة لا يرد أن يتحمل مسؤولية التفكير وإعمال الفكر في حركة منطلقة نحو المستقبل وفي محاولة لانقاذ النفس والعباد من الأصنام البشرية وتحريرهم من الخوف والرهبة والجزع والاستسلام امام الطبيعة ، إن اهتمام الانسان بالماضي وجعله بديلا عن الحاضر هو الذي يحد من تطلعات الانسان ويعرقل طموحه فيجعل دروبه مليئة بالعراقيل حتى ليعجز عن الفهم والتحصيل واستخدام ارادته الحرة للوصول إلى أهدافه ، وما أسرع ما دخلت على المسلمين القشريين البدع المختلفة وذلك عن طريق التفسير الخاطىء للدين الذي قلب الحقائق رأسا على عقب لأن القناعات والمفاهيم الفكرية متى فسدت فقد فسد كل شيء في الانسان.

 

والآن لنتسائل ما هي البدعة : البدعة : لغويا هي الاضافة وليس النقصان وهي هنا اضافة منسوبة إلى الدين ، يقول الرسول (ص) إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه فمن لم يفعل فعليه لعنة الله ، ويقول الرسول (ص) أيضا : ما أحدثت بدعة الا بترك سنة فاتقوا البدع وألزموا السنة إن عوازم الأمور أفضلها وإن محدثاتها شرارها ، وكثيرا ما تكون البدعة ذريعة لصاحبها طلبا للنفعة ولكن محاولته لا تنجح لأنه اتبع سبيل البدعة.

حديث من الرسول (ص) : عمل قليل في سنة خير من عمل كثيرة في بدعة ، ويأمرنا الدين بمحاربة أهل البدع ومحاصرتهم اجتماعيا ونهيهم عما هم فيه حتى لا تنشر بدعُهم ويضل الناس بها.

يقول الرسول (ص) : من أتى ذا بدعة فوقره فقد سعى في هدم الإسلام ، إن الاختلاف بين المسلمين ليس في أصول الدين ولا في نزول الوحي وإنما هو في تفسير المبادىء ، فإذا راح يفسر كل واحد حسب رأيه وعلى هواه ، ثم ينسب ذلك إلى الدين فقد تعصب وابتدع وافترى على الله كذبا ولذلك يتوجب على الفقهاء العدول والعلماء والدعاة إلى الله أن يرفضوا هذه البدع وأن يحولوا دون انتشارها بين العوام لئلا تكون لهم دينا وعقيدة من دون الدين الصحيح.

 

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين