( تيرنو بوبكر بارو )

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين

 

البطاقة الشخصية

 

مولده ونشأته : ولد عام 1973م باقليم " كاي " في جمهورية مالي ، تلقى الدروس الدينية للمذهب المالكي على يد والده مدة عشر سنوات ، تشرف باعتناق مذهب أهل البيت (ع) عام 1990م في مدينته " كاي ".

 

الخطوة الأولى للهداية : يقول الأخ تيرنو : ان أول من لفت انتباهي نحو مذهب الشيعة الإمامية هو جدي ، وذلك عندما أهداني كتاب  ( المراجعات ) ، ووجود مثل هذا الكتاب في مكتبة جدي أمر غير مستبعد ، لأنه كان قد استبصر قبل أكثر من عشرين عاما على يد أحد السادة العلماء في موسم الحج ، وقام بعدها بجمع الكتب المحتوية على مثل هذه الأبحاث ، ليستفيد منها في مناظراته ومحاوراته مع أبناء المذاهب الأخرى.

 

فشرعت بعدها بمطالعة الكتاب ، وإذا بي أنجذب إليه وأتفاعل مع ما أورده مؤلفه من أدلة مستخرجه من أمهات كتب أبناء العامة ، وبدأت الأسئلة والاستفسارات تتراكم في ذهني لصحة ما يدعيه مؤلف الكتاب ، والذي أصبح بالنسبة لي كارثة حقيقية ، لأني كنت لا أرى معتقدا مستقيم الطريقة كمذهب الإمام مالك.

وكنت خلال هذه الفترة أيضا متحمسا للالتحاق بجامعة الأزهر بمصر لأجل مواصلة الدراسة ، إلا أن جدي حثني على الانتساب لأحد المعاهد أو المدارس الشيعية لأتعرف على التشيع ، لأميز بعدها صحة معتقدهم أو بطلانه ، فاستحسنت ذلك خصوصا بعد مواجهة صعوبات منعتني من السفر إلى " مصر "، فسافرت إلى " غانا " لا وأصل دراستي في المعهد العالمي للعلوم الدينية.

 

مواجهة الحقائق المرة : قضيت في المعهد المذكور ثلاثة أشهر ، ثم عدت بعدها إلى بلدي لعدم ثبوتي فيه بشكل رسمي ، ولكن كانت هذه المدة القليلة سببا لاطلاعي على عدد من المسائل العقائدية والفقهية والتاريخية الشيعية ، مما جعلني أقارن بين الفريقين ، إلا أنني لم أصل إلى نتيجة حاسمة ، فصممت على البحث لأدرك الحق فأتبعه.

 

وبالفعل عكفت على مطالعة الكتب الموجودة في مكتبة والدي ، وأخذت أقرؤها بدقة وامعان ، فتكشفت لي أمورا لم تخطر على بالي من قبل ، إذ لم أكن أتصور أن هناك من يناقش في خلافة أبي بكر ، ولم أتوقع أن هناك عددا من الصحابة وفي مقدمتهم بني هاشم ـ بالخصوص أهل بيت النبوة (ع) ـ امتنعوا عن بيعته ، بل أنكروا على أبي بكر توليه لهذا المنصب ، فجعلتني هذه الأمور أتأمل في انتمائي للمذهب المالكي.

 

الجمع بين الصلاتين : بعد ذلك قررت الشروع بالبحث في القضايا الفقهية ، وأول مالفت انتباهي في هذا المجال هو اختلافنا مع الشيعة في الجمع بين صلاتي الظهرين والعشائين ، فقلت في نفسي : لعلي أجد فجوة يمكن من خلالها الحصول على مستمسك لابطال أدلة الشيعة ، فرجعت إلى الصحاح وإذا بي أجد مسلم والبخاري وغيرهما يوردان عدة أحاديث صحيحة حول جمع النبي (ص) للصلاة بدون عذر ".

 

ومن هنا يستغرب الباحث حينما يجد أغلبية أبناء العامة يشنعون على الشيعة في هذه المسألة ، وذلك لأنهم انفردوا تطبيقيا في الجمع بين الصلاتين ، وذهبوا إلى جوازه مطلقا بلا خلاف بينهم ، بل الجمع عندهم من البديهيات ، فلا تجد لهذه المسألة عنوانا منفردا في فقههم ، وهم يعملون به في جميع الآفاق وفق منهج أئمتهم (ع) الذي ساروا عليه اتباعا لمنهج رسول الله (ص).

 

في حين جوز غيرهم الجمع في حالات خاصة ، فنلاحظ أن ( مالك والشافعي وأحمد ) قد جوزوا الجمع في السفر والمطر و ... على تفصيل عندهم ، في حين منع أبو حنيفة ذلك ، ومما اتفق عليه الفريقان هو الجمع بين الظهر والعصر في عرفة ، وبين المغرب والعشاء في المزدلفة.

 

مواقيت الصلاة في القرآن :

 

أولا : قوله تعالى : ( أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) ، يقول الفخر الرازي وهو أحد أعلام المفسرين من أبناء العامة : "... فإن فسرنا الغسق بظهور أول الظلمة كان الغسق عبارة عن أول المغرب ، وعلى هذا التقدير يكون المذكور في الآية ثلاثة أوقات : وقت الزوال ، ووقت أول المغرب ، ووقت الفجر ، وهذا يقتضي أن يكون الزوال وقتا للظهر والعصر ، فيكون هذا الوقت مشتركا بين الصلاتين ، وإن يكون أول المغرب وقتا للمغرب والعشاء ، فيكون هذا الوقت مشتركا أيضا بين هاتين الصلاتين ، فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء مطلقا.

 

الا أنه دل الدليل على أن الجمع في الحضر من غير عذر لا يجوز ، فوجب أن يكون الجمع جائزا بعذر السفر وعذر المطر وغيره ، وعلى عادة الفخر الرازي في عدم إستثمار النتائج ، وتنكره لصحتها ، مع كامل اعترافه الصريح بدلالة الآية على جواز الجمع ، يفضل التشبث ببعض الروايات الملائمة لهواه على النص القرآني الصريح.

 

أما البغوي ، فيقول : والحمل ـ أي الدلوك ـ على الزوال أولى القولين ، لكثرة القائلين به ، ولأنا إذا حملنا عليه كانت الآية جامعة لمواقيت الصلاة كلها فدلوك الشمس يتناول صلاة الظهر والعصر ، وإلى غسق الليل يتناول المغرب والعشاء ، وقرآن الفجر هو صلاة الصبح ...

 

وأخرج أبو بكر أحمد بن عبد الله الكندي في موسوعته الفقهية ، عن النبي (ص) قوله في تفسير : ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) ، ( دلوك الشمس ) : يعني زوالها عن النبي (ص) أنه قال : صلاة الأولى والعصر ، و ( غسق الليل ) : يعني ظلمة الليل ـ أي ـ صلاة المغرب والعشاء ، و ( قرآن الفجر ) يعني صلاة الغداة وهي صلاة الصبح.

 

ثانيا : قوله تعالى : ( وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ) ، يقول القرطبي في تفسير هذه الآية : لم يختلف أحد من أهل التأويل في أن الصلاة في هذه الآية يراد بها الصلوات المفروضة ... قوله تعالى : ( طرفي النهار ) ، قال مجاهد : الطرف الأول صلاة الصبح ، والطرف الثاني صلاة الظهر والعصر ، واختاره ابن عطية ... وقيل : الطرفان الظهر والعصر ، والزلف المغرب والعشاء.

 

وفي تفسير ابن كثير ، عن مجاهد في قوله تعالى : ( وأقم الصلاة طرفي النهار ...) ، قال : هي الصبح في أول النهار ، والظهر والعصر مرة أخرى ... وقال الحسن في رواية ابن المبارك ، عن مبارك بن فضاله ، عنه : ( وزلفا من الليل ) يعني المغرب والعشاء ، قال رسول الله (ص) : هما زلفا الليل ، المغرب والعشاء ، وكذا ، قال مجاهد ، ومحمد بن كعب ، وقتادة ، والضحاك : أنها صلاة المغرب والعشاء.

 

فهذه الآيات وأقوال المفسرين قد دلت بصراحة على أن أوقات الصلاة ثلاثة ، وهذا يعني أن جمع الصلاة عند الشيعة الإمامية موافق لكتاب الله عز وجل.

 

جمع النبي (ص) للصلاة : قد جمع النبي (ص) بين صلاتي الظهر والعصر والمغرب والعشاء في المدينة ـ أي أنه كان حاضر وغير مسافر ـ ولم يكن هناك عارض من مطر أو مرض أو غيرها ، وهو مروي في المتون لا سيما الصحيحين ، ومنها :

 

1 ـ أخرج مسلم : عن ابن عباس ، قال : صلى رسول الله (ص) الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء في غير خوف ولا سفر.

2 ـ وعنه ، قال : ان رسول الله (ص) صلى بالمدينة سبعا وثمانيا ، الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء.

3 ـ وعنه ، قال : صليت مع النبي (ص) ، ثمانيا جميعا وسبعا جميعا ـ قال عمرو بن دينار ـ قلت : يا أبا الشعثاء أظنة آخر الظهر وعجل العصر وآخر المغرب وعجل العشاء ، قال : وأنا أظن ذلك.

4 ـ وعن عبد الله بن شقيق ، قال : خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم ، وجعل الناس ، يقولون الصلاة .. الصلاة ، قال : فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني ، الصلاة .. الصلاة ، قال : فقال ابن عباس أتعلمني بالسنة لا أم لك، ثم قال : رأيت رسول الله (ص) جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، قال عبد الله ابن شقيق : فحاك في صدري من ذلك شيء ، فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته.

5 ـ وعنه أيضا : قال رجل لابن عباس : الصلاة ، فسكت ، ثم قال : الصلاة ، فسكت ، ثم قال : الصلاة ، فسكت ، فقال ابن عباس : لا أم لك ، أتعلمنا بالصلاة، كنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله (ص).

6 ـ وعن ابن عباس ، قال : صلى رسول الله (ص) الظهر والعصر جميعا بالمدينة من غير خوف أو سفر ، قال أبو الزبير : فسألت سعيد لم فعل ذلك، فقال : سألت ابن عباس كما سألتني ، فقال : أراد أن لا يحرج أحدا من أمته.

7 ـ وعن معاذ بن جبل ، قال : جمع رسول الله (ص) في غزوة تبوك بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، قال : فقلت ما حمله على ذلك ، فقال : أراد أن لا يحرج أمته.

8 ـ وفي حديث أبي معاوية : قيل لابن عباس : ما أراد إلى ذلك ، قال : أراد أن لا يحرج أمته.

9 ـ وذكر البخاري ، عن ابن عباس : صلى النبي (ص) سبعا جميعا ، وثمانيا جميعا.

10 ـ وأخرج أيضا بسنده ، عن أبي امامة قوله : صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ، ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصر ، فقلت : ياعم ما هذه الصلاة التي صليت، قال : العصر ، وهذه صلاة رسول الله (ص) التي كنا نصلي معه.

11 ـ وأخرج مالك في موطئه ، عن ابن عباس : صلى رسول الله (ص) الظهر والعصر جميعا ، والمغرب والعشاء جميعا ، في غير خوف ولا سفر.

12 ـ وأخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس : أنه قال : صلى رسول الله (ص) في المدينة مقيما غير مسافر سبعا وثمانيا.

13 ـ وفي رواية قيس ، قال : حدثني : صالح مولى التوأمة ، عن ابن عباس ، قال : جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء في غير مطر ولا سفر ، قالوا : يا أبا عباس ما أراد بذلك، قال : التوسع على أمته.

 

وغير ذلك من الروايات التي ذكرت جمع النبي (ص) لصلاتي الظهر والعصر وصلاتي المغرب والعشاء من غير اضطرار ، وبالجملة ، ان علماء العامة ـ القائلين بجواز الجمع وعدمه ـ متفقون على صحة هذه الأحاديث وظهورها ، وتعليقاتهم خير دليل على ذلك ، وحسبك ما نقله النووي في ( شرحه لصحيح مسلم ) ، والزرقاني في ( شرحه لمالك بن أنس - موطأ مالك ) ، والعسقلاني والقسطلاني وزكريا الأنصاري في شروحهم لصحيح البخاري ، وسائر من علق على أي كتاب من كتب السنن المشتمل على أحاديث عبد الله بن عباس في الجمع بين الصلاتين.

 

أسباب الجمع بين الصلاتين : ان الأحاديث التي روتها الصحاح ، كحديث ابن عباس : "... أراد أن لا يحرج أحدا من أمته " ، وحديث معاذ بن جبل : "... أراد أن لا يحرج أمته " صريحة في بيان العلة ، فجمع النبي (ص) بين صلاتي الظهرين وصلاتي العشائين ، هو للتوسعة على الأمة وعدم احراجها بالتزام التفريق ، رأفة بأهل المشاغل ـ وهم أغلب الناس ـ لأن التفريق لا يتيسر لكل واحد ، وان التزام التفريق بين الصلوات قد يجعل البعض متوجها للصلاة على مضض.

ولقد جرت حكمة الله تعالى بتشريع الجمع علي لسان نبيه (ص) ، ومن خلال فعله المبارك ، فلماذا ينكر المخالفون أمر الله وسنة رسوله (ص) ، ولماذا يتأولون هذا التشريع ويتركون غيره، فالجمع ميسور لكل انسان ، ولا يتنافى مع الشرع الصحيح ، ويقبله العقل والذوق السليم ، فهو يتماشى مع القرآن ، ويهتدي بالسنة ، وقد اتفقت مرويات أهل البيت (ع) مع الآيات المباركة التي ذكرت في مورد الاستدلال ، والأحاديث الشريفة.

 

فقد ورد عن الامام الصادق (ع) أنه قال : " أن رسول الله (ص) جمع بين الظهر والعصر بأذان واقامتين ، وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علة بأذان واحد واقامتين.

وعنه أيضا (ع) ، قال : صلى رسول الله (ص) بالناس الظهر والعصر حين زالت الشمس في جماعة من غير علة ، وصلى بهم المغرب والعشاء الآخرة قبل الشفق في غير علة في جماعة ، وإنما فعل رسول الله (ص) ليتسع الوقت على أمته ، هذا بالاضافة إلى أحاديث كثيرة مروية ، عن أهل البيت (ع) في هذا المجال.

 

الهداية إلى سبيل الرشاد : ومن هذا المنطلق يقول الأخ تيرنو : بدا لي واضحا أن التشنيع الذي كنا نسمعه حول الشيعة ، لا أساس له من الصحة ، فصلاتهم صلاة النبي (ص) ، ووضوؤهم وضوؤه و ...

 

وكان للحوادث التاريخية والمصاعب التي تعرض لها أهل البيت (ع) أكبر الأثر في تغيير مساري الفكري والديني والاتجاه نحوهم ، فوجدت أن حقهم مسلوب ، وحرمتهم منتهكة ، ولم تراع فيهم وصية رسول الله (ص) ، حتى سرى الاضطهاد إلى أشياعهم وأتباعهم ، وشوهت صورتهم وصورة نهجهم ، لكن الحق يعلو ولا يعلى عليه ، وعلى هذا الأساس قررت اعتناق مذهب أهل البيت (ع) والسير في طريقهم ، فأعلنت تشيعي في بلدي عام 1990م.

 

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين