( تانا بولينغ )

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين

 

البطاقة الشخصية

 

مولده ونشأته : الأخت تانيا المانية الأصل ، تشرفت عام 1999م باعتناق الدين الإسلامي الحنيف المتمثل بخط أهل البيت (ع) متحولة من الديانة المسيحية في عمر ناهز الاثنين وعشرين عاما ، بعد مدة طوتها ـ حسب قولها ـ في الضياع وجهل الذات إلى أن أخذ الله بيدها وانتشلها من قعر الظلمات ليرفعها إلى حيث سناء النور.

 

مرحلة الضياع الفكري : كانت الأخت تعيش في أجواء تصفها بنفسها : كنا يومئذ نعيش سوية بعضنا إلى جنب بعض ، لكن بحالة لايبالي فيها أحدنا بالآخر ، وكان الكل يحيا لنفسه ومن أجل نفسه ، إذ كنا نتقاسم سوية الوحدة والعزلة ، ولعلي لا أغالي إن ، قلت : أن أحدنا لم يكن يعيش حتى مع ذاته التي هجرها ، ولم نكن نمعن النظر حتى في مستقبلنا ، بل لم يجرء أحد على سؤال نفسه : لماذا أحيا ، ولماذا ولدت ، ومن أين جئت ، وإلى أين المصير ، فكان الكل يهيم على وجهه في طرقات ومنعطفات مظلمة لا يلوي على شيء ، وكنا جميعا نتسكع في أزقة الحياة الغوغائية ، ولا نفكر في مأوى أو دار هنيئة ، وهكذا أمضينا حياتنا في ضياع الغايات ، وضياع الاخلاق والعقيدة والمعنويات.

 

أسباب ترك الدين في الغرب : كان هذا الأمر في أوائل ردة الفعل التي حدثت في الغرب آزاء الدين ، نتيجة لتصرفات رجال الكنيسة ، ونتيجة وقوع التحريف في الديانة المسيحية التي فشلت في أداء مهامها ودورها في حياة الفرد والمجتمع المسيحي ، فان رجال الكنيسة وضعوا لمجتمعاتهم قوانين وتشريعات جعلت ديانة المسيح أكثر الأديان السماوية والوضعية تعقيدا ، وعلى خلاف ما جاء به عيسى (ع) الذي قدمها ببساطة.

وظن علماء المسيحية أنهم بذلك قد أسسوا بنيانا فكريا صالحا لتنظيم حياة الانسان الفردية والاجتماعية ، لكن بمجرد أن وضعت هذه النظريات موضع التنفيذ لم يستقم أمرها فاضطربت وتعثرت ، ولم يكن من الممكن أن تعيش هذه التعاليم والمبادئ في أرض الواقع ، وكان ثمرتها حصاد الفشل الذريع والوقوع في الكوارث المريرة ، التي أدت إلى نشوء ردود فعل معاكسة آزاءها ، بل آزاء الدين بالكامل ، مما جعل الغرب يعيش حالات الضياع نتيجة رفضه للدين بصورة عامة.

وتقول الأخت تانيا : كان يعيش أكثر من 50% من الناس ، وأكثر من 60 % من الشباب والشابات في منطقتنا حالة الوحدة ، رغم علاقات الصداقة والرفقة والصلات العائلية والأسرية الظاهرية ، بل أن جميع الصلات الانسانية في شكلها المادي والظاهري من قبيل الترفيه واللهو واللعب وغيرها ، كان لايطيقها هؤلاء الا لبضع ساعات من ليلهم ونهارهم ، فيما يمضون ماتبقى من عمرهم في غرفة أو شقة منزوين عن الآخرين.

 

بدء الرحلة من الظلمات إلى النور : عاشت الأخت تانيا عشرين عاما في مثل هذه الأجواء ، حتى عثرت بفضل الإسلام الأصيل المتمثل بمذهب أهل البيت (ع) على ذاتها التي فقدتها طيلة هذه المدة ، فتعرفت على ربها بعد أن كانت عنه غريبة.

 

وكان بدء قصة رحلتها من الظلمات إلى النور : أنها التقت صدفة في سوق مدينة " هامبورغ " بفتاة مسلمة محجبة ، وكانت يومذاك في رفقة عدد من أصدقائها ، وتصف الأخت : تانيا هذه الحادثة بقولها : إنني كنت ذلك الحين طائشة كما هو ديدن آية فتاة شابة المانية ، فسخرت من حجاب تلك المرأة وحقرتها لأجل حجابها ، فقلت لتلك الفتاة : أي مرض ألم بك فجعلك تغطين جسدك بهذه الصورة ، فردت الفتاة المحجبة علي بهدوء واتزان موحي بالتأمل العميق الذي يدعو إلى الإيمان الواعي المرتكز على الحجة والبرهان ، ودخلت معي في حوار أكدت لي فيه ، أن الستر وحفظ حياء وعفة المرأة دليل على سلامة نفسها ، وأن الحجاب يمنح المرأة حرية معنوية يمكنها من صيانة أمنها الاجتماعي ، فيما التعري أمر يخالف الفطرة.

وتقول تانيا : لكنني رفضت كلامها جملة وتفصيلا ثم انطلقت مع رفاقي إلى شؤوني ، لكنني بقيت أفكر لفترة بمنطق تلك الفتاة المحجبة وثقتها بنفسها ، وحرصها على مبادئها ، وسعة اطلاعها ، حتى سنحت لي فرصة دفعني خلالها حب الاستطاع أن أذهب إلى مسجد الامام علي (ع) في " هامبورغ " ، فتحدثت وتحاورت مع عدد من المسلمين الشيعة الذين اجتمعوا هناك وكانوا من شعوب مختلفة ، فلاحظت فيهم المنطق وقوة الدليل ، فقويت صلتي مع عدد منهم لأتعرف على الحقائق التي كنت أجهلها من قبل ، وبالتدريج أخذ عقلي وروحي يستسلمان وينقادان لأفكارهم وعقائدهم ، حتى وصلت بي الحالة أن بدأت أشعر كأنني مسلمة مثلهأولا أختلف عنهم في شي.

 

المستشرقون وتشويه الإسلام : كان من حسن حظ الأخت تانيا أنها تعرفت على الإسلام بصورة مباشرة ، ولم تتعرف على الإسلام عبر المسيحية التي حاولت اختراق الفكر الإسلامي باتخاذ نهج التشكيك والمغالطة وتشويه الحقائق والافتراء ، لتحريف التاريخ الإسلامي وتشويه مبادئه وثقافته واعطاء المعلومات المغلوطة عنه تحت عنوان الاستشراق.

فان ما كتبه المستشرقون من دراسات وما قاموا به من رحلات يحتاج إلى قدر كبير من الحيطة والحذر  فأكثر هذه الانجازات لم تكن تتسم بصفة الموضوعية ، حيث جاء المستشرقون بأفكار مسبقة وانطباعات ذهنية شاذة عن الإسلام والمسلمين ، فطبقوها بشكل لايخلو من التعسف والتعنت ، فضلا عن أنهم لم يعايشوا ما كتبوه عن المسلمين ، ولذا غابت عنهم الحقيقة ووقفوا عند ظواهر الأمور.

والمستشرقون تدخلوا بآرائهم وأهوائهم الخاصة ، ففسروا الحوادث وناقشوا النصوص وحللوا القضايا علي ضوء ذلك ، وقد آلوا على الإسلام من نافذتهم ، وألقوا عليه ظلالهم لتغيير معالمه الأصيلة ، ولذلك خلطوا بين الإسلام كدين قويم وبين الوضع المتردي للمسلمين ، فحكم بعضهم  ـ مثل كيسلنج ـ على الإسلام بأنه دين ميت.

وان هذا الانطباع الذي حملته ذهنية المستشرقين نابع من التعصب الشديد ضد الإسلام ، إذ لايشك المتأمل في الارتباط بين الاستشراق والتنصير هو ارتباط جذري ، إلا أن الفرق بينهما هو ان الاستشراق اتخذ صورة البحث والتحقيق العلمي ، في حين أن التنصير اتخذ المظهر الانساني المرتبط بالله ـ حسب النظرية المسيحية ـ فمراحل الاستشراق لم تكن خالية من الرهبان والقسس ، ولم تكن منفصلة عن رعاية الكنيسة ، حيث أنشأوا المراكز والمعاهد لأجل ذلك وفق خطةٌ منهجية ومبرمجة كان الغرض منها توظيف العقيدة والتاريخ والثقافة و ... الإسلامية لخدمة أغراضهم المشبوهة ، فماذا ينتظر من أناس يحملون هذه الأفكار ، عندما يعرضون ديننا على العالم.

 

ولكن رغم هذا الكم الهائل من التيارات المعاكسة التي واجهها الإسلام ، اخترق الكثير من المسيحيين هذا الحاجز ، لأنهم واجهوا في أذهانهم أسئلة حائرة تحتاج إلى جواب مقنع لم تمنحها النصرانية فصل الخطاب ، وكان الإسلام هو المنقذ لمثل هذه النفوس.

 

القيم الإسلامية الرائعة : تقول الأخت تانيا : ومما استحوذ على اهتمامي في الإسلام ، هو العلاقة المعنوية للمسلمين مع ربهم ، وعلاقتهم الصميمية فيما بينهم وأفراد أسرهم وتوادهم ، ووجود الهدفية في الحياة عندهم ، وتضامنهم الذي لايعرف حدودا ، سواء على الصعيد العنصري أو القومي أو الانتماء الجغرافي ، اضافة إلى تمسكهم بدينهم واعتقادهم الراسخ بالقضايا العقائدية.

 

وتضيف الأخت : ان المسلمين أخذوا هذه الأمور من الإسلام نفسه ، وهم يمارسون حياتهم اليومية إلى حد ما وفق ذلك ، وبالطبع فإنني لو كنت قد التقيت بمسلمين غرباء عن دينهم وإسلامهم لما كنت قد ركنت إلى الإسلام.

 

دور أهل البيت (ع) في صيانة الإسلام : قد نشأت في نفسية الاُخت تانيا جاذبية فائقة إلى مطالعة الكتب الفكرية والعقائدية للإسلام ، فقرأت القرآن أولا ، ثم أحاديث الرسول وأهل بيته (ع) وكان في مطالعتها لأحاديث أهل البيت (ع) دورا كبيرا لتنمية رصيدها الإيماني ، واستيقاظ عقلها وقلبها واشراق وجهها بنور الإيمان ، وذلك لما تمثل هذه الأحاديث من مدرسة فكرية تعتني بالبناء الفكري الذي طرحه أئمة أهل البيت (ع) بكل صدق واخلاص وعمق ودراية ، لمعالجة مشاكل الانسان وتعميق وعيه الديني ، فكان هدف مدرسة أئمة أهل البيت (ع) الفكرية ، توعية القاعدة الشعبية بالفكر الإسلامي الأصيل ، من أجل تهيئة الفرد المسلم لتحمل المسؤولية.

 

ومن هنا تصدى أهل البيت (ع) لتبيين حقائق القرآن الكريم ونشر علوم الشريعة ، فحفظوا بذلك للأمة الإسلامية تراثها من الضياع ، ورسموا معالم المنهج الإلهي الذي أرسى دعائمه رسول الله (ص) قولا وعملا.

ولولا جهود أئمة أهل البيت (ع) لضاع الكثير من الأحاديث ، واندرست معالم جانب كبير ومهم من الشريعة ، نتيجة تلاعب أيدي حكام الجور الذين تولوا الخلافة ، ولكن شاءت الحكمة الإلهية أن تضع حفظة للشريعة لصيانة التراث على مر العصور وايصاله إلى الأجيال القادمة ، ولتكون الأمة على بينة من دينها ، ولهذا نجد أن التراث الفكري الذي حافظ عليه أئمة أهل البيت (ع) ساهم في بناء حضارة فكرية إسلامية متكاملة منسجمة مع فطرة الانسان ، بحيث ارتوت منها النفوس المتعطشة التي تبحث عن السعادة والكمال كما حصل مع الأخت تانيا ، فانها وجدت في ظل هذه التعاليم الا من والسكينة الروحية التي كانت تفقدها من قبل.

 

وقد وصفت حالتها بعد اعتناقها لمذهب أهل البيت (ع) قائلة : إنني اكتسبت من القرآن وأحاديث الرسول وأهل البيت (ع) كل ما يتمناه المرء في دينه ، ولو أنني فقدت وخسرت كل شيء في حالة إسلامي، لكنني في مقابل ذلك وجدت نفسي وكسبت ذاتي ، فقد كنت أجد كل شيء الا الله ومع ذلك كنت أشعر بالضياع والحيرة.

واليوم وبعد أن عثرت على ذاتي التي فقدتها منذ عشرين عاما وعرفت ربي الذي كنت عنه غريبة بالمرة ، حصلت على كل شيء ، بل وكل ما أريد بفضل الإسلام ، فحصلت على الحرية المعنوية ، كما حصلت على اخوة وأخوات في الله في كل مكان ، في هامبورغ والمانيا ، بل في العالم قاطبة ، والأهم من كل ذلك أنني عثرت فيما عثرت عليه رسالة الله إلى الانسانية ، التي بعثها منذ قرون متمادية ، وعثرت عليها في خزانة كنوز التاريخ ، فأخذتها وكانت أعظم رأس مال في حياتي.

أجل لقد طويت ليل العشرين عاما من عمري عبر طلوع فجر يوم جديد ، بحيث منحتني شمس الإسلام الدفء ، وبعثت في نفسي النشاط والحيوية بعد سبات شتائي طويل امتد لسنوات طوال ".

ثم تصف الأخت تانيا حالها مع الآخرين ولاسيما مع عائلتها بعد تشرفها بالإسلام قائلة : أما أنا فعلى الرغم مما أعيشه من وحدة ظاهرية ومشاكل كثيرة مع عائلتي بسبب تشرفي بالإسلام ، الا إنني لازلت أعيش مع والدي ووالدتي ، وبالطبع كانت فيما بيننا طيلة هذه الفترة مساجلات ونقاشات عديدة ، لكنهما أدركا أنني جادة في انتمائي للإسلام ، وهو ما قلل إلى حد كبير شدة النزاعات فيما بيننا ، وأضحى والدي ووالدتي يستحسنان في واقع الأمر أخلاقي وشخصيتي الإسلامية على نحو هو أفضل مما كانت عليه تصرفاتي في السابق.

 

وبهذه العزيمة الراسخة والارادة المتينه تمكنت تانيا من اجتياز الكثير من العقبات التي إعترت طريقها إلى الإسلام ، وذلك بفضل ارتقاء مستواها الفكري الذي اكتسبته من معارف مدرسة أهل البيت (ع) فتمكنت من الصمود امام التيارات المعاكسه ، وتثبت جدارتها في ميدان العمل لتكون نموذجا لكل انسان حر متمسكا بمبادئه لاتأخذه في الله لومة لائم.

 

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين