( شكيم علي الفردي )

العودة لدليل الرادود

العودة لفهرس المستبصرين

 

البطاقة الشخصية

 

مولده ونشأته : ولد عام 1976م بمدينة " قسنطينة " في الجزائر ، نشأ في أوساط عائلة تعتنق المذهب المالكي ، فشب مالكيا تبعا لأسرته ، تشرف باعتناق مذهب أهل البيت (ع) عام 2001م في سوريا.

 

بداية التعرف على التشيع : يقول الأخ شكيم : لم يكن لي أي إلمام أو معرفة بمذهب التشيع وفي يوم من الأيام دار حديث بيني وبين أحد أصدقائي ـ الذي عرفت بعد ذلك أنه من اتباع مذهب أهل البيت (ع) ـ حول وضع المسلمين وانتماءاتهم لشتى الفرق والطوائف ، واختلافهم في الأحكام الشرعية والأمور العقائدية ـ لاسيما الفرعية ـ ثم استعرضنا بعض معتقدات كل طائفة ، حتى طرق سمعي إسم الشيعة ، وبدأ صديقي يحدثني عن أسس هذا المذهب وبداية نشوئه والمراحل التي مر بها منذ البداية ، فذكر في حديثه جملة من القضايا التاريخية التي تعرض فيها أهل البيت (ع) لجور من تولى شؤون الخلافة الإسلامية ، وكيفية تنحيت هؤلاء الحكام لأهل البيت (ع) عن مقامهم الطبيعي الذي أراده الله تعالى لهم ، ثم ذكر لي معتقدات هذه الطائفة وأحكامها العبادية ، والتراث الفكري الضخم الذي كتبه علماء الشيعة في الفقه والتفسير والتاريخ والحديث والفلسفة والأدب وغير ذلك ، فأدهشني حديثه فطلبت منه المزيد وجعلت أقارن بين ما عند الشيعة وما عندنا أبناء العامة.

 

بدعة صلاة التراويح : واستمر الحديث فيما بيننا حتى ذكر صديقي أمرا لفت انتباهي بشدة ، وذلك حينما قال : ان بعض الطقوس التي يمارسها أبناء العامة ما أنزل الله بها من سلطان ، وأن مصدر تشريعها محض رغبة شخصية لا أكثر ، كصلاة التراويح التي يقيمونها في شهر رمضان ، فهي بدعة ليست من الدين في شيء ، إذ لم ينزل بها قرآن ولم يقمها رسول الله (ص) ، ولم يصلها أبو بكر طيلة خلافته ، ولا عمر في أول خلافته ، بل سنها بعد ذلك بفترة بلا دليل ولا مجوز شرعي من الكتاب أو السنة.

 

ومن الواضح أن الإسلام قد شدد في أمر البدعة ، واعتبرها ضلالة مؤدية إلى النار ، لأن المبتدع غير قانع بما شرع الله ، فهو بمنزلة المستدرك على ربه ـ كما انه عندما يعطي لنفسه حق التشريع يكون بمثابة من نزل نفسه بمنزلة الند لله جل وعلا ـ في حين أن الله تعالى حسم أمر الرسالة بقوله الكريم : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ).

 

وتضافرت الروايات الشريفة بهذا الخصوص : فورد عن جابر : أنه قال : خطبنا رسول الله (ص) فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهل له ، ثم قال : أما بعد ، فان أصدق الحديث كتاب الله ، وأن أفضل الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ...

وعن حذيفة أنه قال : يا رسول الله : هل بعد هذا الخير شر ، قال : نعم ... قوم يستنون بغير سنتي ، ويهدون بغير هديي ...

وعن أبي هريرة ، قال : ان رسول الله خرج إلى المقبرة ، فقال : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ... وأنا فرطهم على الحوض ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال ، أناديهم ألا هلم ، فيقال : انهم قد بدلوا بعدك ، فأقول : سحقا سحقا.

أما كلمات الأعلام بهذا الخصوص فكثيرة ، نقتصر على قول لامام المالكية ذكره الشاطبي : من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة ، فقد زعم أن محمدا (ص) خان الرسالة ، لأن الله تعالى يقول : ( اليوم أكملت لكم دينكم ) ، فما لم يكن يومئذ دينا ، فلا يكون اليوم دينا.

ويقول الدكتور يوسف القرضاوي :... الابتداع في الدين اتهام للنبي (ص) بالخيانة وعدم تبليغ الرسالة بكمالها.

فالمبتدعون يجعلون الدين ببدعهم عسيرا ويخرجونه عن حد السماحة ، لأنهم يضيفون تكاليف ما انزل الله بها من سلطان على كاهل العباد.

كما ان البدعة ـ وإن منحها البعض عنوان الحسنة ـ تفتح الباب على مصراعيه امام الدجالين والمتاجرين بالدين ، ليبتدعوا أمورا تأتي على دعائم الدين وتمحو معالمه الحقة ، وقد قال الامام علي (ع) : ما أحدثت بدعة الا ترك بها سنة ، فاتقوا البدع وألزموا المهيع ، ان عوازم الأمور أفضلها ، وان محدثاتها شرارها.

 

فالبدعة فرقة للأمة وتمزيق لصفوفها ، لأن المؤمنين يرفضونها والمبطلين يتبعونها ، وهكذا يبدأ الشرخ في جسد الأمة الواحدة فيتضعضع كيانها ، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم ) ، ويقول : سبحانه أيضا : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ، فلماذا يأخذ بعض المسلمين بما لم يأت به رسول الله (ص) ـ كصلاة التراويح ـ ويتبعون السبل ويشذون عن صراط الله تعالى.

 

وخلاصة القول : ان تشريع الله شامل وكامل ومستوعب لكل أمور الدين والدنيا ، وبنص كتاب الله عز وجل : ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) ، لأن الإسلام خاتم لجميع الشرائع السماوية ، يقول الأخ شكيم : جعلتني هذه الحقائق في حيرة من أمري ، ووجدت العقل ينبذ تشريع الانسان الذي لايملك التخويل الرباني مع روايات عديدة تحث على الصلاة في الشهر المبارك بصورة غير جماعية ـ الا الصلاة المفروضة ـ فقررت ترك صلاة التراويح التي كنت أؤديها جماعة ، لما عرفت من خلال الحديث مع صديقي أن التنفل في شهر رمضان قد شرع بشكل فرادي لا جماعة، فلم أجد سبيلا غير اتباع الشرع لأنني قررت من بدء البحث الانسياق وراء الأدلة والبراهين ، وترك التمسك بالموروث الذي لا أعرف له دليل أو مستند.

 

مسألة زيارة القبور : ويقول الأخ شكيم : وتطرقنا في الحديث لمسألة زيارة القبور ، وكان قد طرق سمعي من قبل أن هناك فرقة تحسب نفسها على الإسلام ولكنها تكفر أهل القبلة لزيارتهم قبر النبي (ص) وقبور الأولياء والصالحين ، فتأملت في الأمر فتبين لي أن هذه الرؤية جامدة ومحدودة ، لا يقول بها أحد يعرف معنى التذكرة والاعتبار.

 

فقد ذكر القرآن الكريم جملة من الآيات الدالة على جواز القيام على القبور واتخاذ المساجد حول مقامات وقبور الأنبياء والصالحين ، فقال تعالى : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) ، وقال تعالى بخصوص أصحاب الكهف : ( قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا ).

كما ذكرت كتب الحديث والسيرة والتفسير روايات عديدة تجوز هذا الأمر : فقد جاء في صحيح مسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي ، عن بريدة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله (ص) : نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، وفي آخر الحديث علي : ما في سنن أبي داود : فان زيارتها تذكرة ، وفي سنن ابن ماجه ، عن ابن مسعود : ... فانها تزهد في الدنيا وتذكر في الآخرة.

 

وجاء في صحيح البخاري ما ملخصه : ان إسماعيل وإبراهيم (ع) لما كانا يبنيان البيت ، جعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني ، حتى إذا ارتفع البناء جاء إسماعيل بهذا الحجر له فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة ، وذلك هو مقام إبراهيم (ع) الذي أمرنا الله أن نتخذه مصلى ومحلا للعبادة ، وقد نصت التواريخ والسير على أن حجر إسماعيل (ع) الذي يتمسح به الحجيج ويقيمون فيه الصلاة يضم قبر إسماعيل وأمه هاجر (ع) وكما هو واضح أن الصلاة في هذا المكان من الأمور المستحبة ، فإذا كان الأمر كذلك فكيف يجتمع هذا المستحب مع الشرك كما يزعم منتحلوا الإسلام ، ولو راجعنا التاريخ الإسلامي لوجدنا أن الوقوف على القبور وزيارتها ، انما هو عين التأسي والاقتداء برسول الله (ص) ، فانه (ص) وقف على قبر أمه السيدة آمنة بنت وهب (ر) وبكى.

 

وورد أنه قال : في ذلك الموقف :... استأذنته في أن أزور قبرها ، فأذن لي ، فزوروا القبور فانها تذكر الموت ، بل أكثر من ذلك فقد حث (ص)على زيارة قبره الشريف ، حيث قال : من زار قبري وجبت له شفاعتي ، وقال (ص) أيضا : من حج فزار قبري بعد وفاتي ، كان كمن زارني في حياتي ، وهنالك روايات كثيرة وردت عنه (ص) بالفاظ متعددة بهذا الخصوص.

 

وأخرج مسلم في صحيحه ، عن عائشة ، أنها ، قالت : قال (ص) : آتاني جبريل ، فقال : ان ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم ، قالت : قلت كيف أقول لهم يا رسول الله ، قال : قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين ، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون.

وقد عملت بهذه السنة بضعة المصطفى وسيدة النساء فاطمة الزهراء (ع) حيث أخرج البيهقي في سننه ، والحاكم في مستدركه : أنها كانت تزور قبر عمها حمزة (ر) كل جمعة فتصلي وتبكي عنده ، وقال الحاكم : أن هذا الحديث رواته عن آخرهم ثقات ، ثم قال : وقد استقصيت في البحث عن زيارة القبور تحريا للمشاركة في الترغيب ، وليعلم الشحيح بذنبه أنها مسنونة ، وصلى الله على محمد وآله أجمعين.

وذكر ابن الحاج العبدري المالكي : أن البخاري روى ، عن أنس : أن عمر ابن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس ، فقال : اللهم كنا نتوسل إليك بنبيك (ص) فتسقينا ، وأنا نتوسل إليك بعم نبيك فاسقنا ، فيسقون ، هذا بالاضافة إلى وقوف الصحابة والتابعين وزوجات النبي (ص) وأهل بيته (ع) على القبور وزيارتها.

 

قول الأعلام في زيارة القبور : قد أفتى الكثير من علماء المذاهب الأربعة بجواز زيارة قبر النبي (ص) واستحبابه ، ومنهم :

 

1 ـ أبو عبد الله الجرجاني الشافعي ، فقد ذكر بعد جملة من تعظيمه للنبي (ص) : فأما اليوم فمن تعظيمه زيارته.

2 ـ أبو الحسن الماوردي ، حيث قال : فإذا عاد ـ ولي الحاج ـ سار بهم على طريق المدينة لزيارة قبر رسول الله (ص) ليجمع لهم بين حج بيت الله عز وجل وزيارة قبر رسول الله (ص) ، رعاية لحرمته وقياما بحقوق طاعته ، ولئن لم يكن ذلك من فروض الحج فهو من ندب الشرع المستحبة وعادات الحجيج المستحسنة.

3 ـ القاضي عياض المالكي ، إذ قال : وزيارة قبره (ص) سنة مجمع عليها وفضيلة مرغب فيها.

4 ـ أبو الفرج بن الجوزي ، قال : أما زيارة قبره عليه الصلاة والسلام فأحضر قلبك لتعظيمه ولهيبته ، واحضر عظيم رتبته في قلبك ، وأعلم أنه عالم بحضورك وتسليمك.

5 ـ ابن هبيرة في كتاب ( اتفاق الأئمة ) : اتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل على أن زيارة النبي (ص) مستحبة.

6 ـ أبو زكريا يحيى بن شرف النووي ، قال : في زيارة قبره (ص) انها من أعظم القربات ، وأفضل المساعي والطلبات ، وإذا انتهى إلى قبره وقف قبالة وجهه ويتشفع به إلى ربه ... ، هذا فضلا عن كلمات العشرات منهم.

 

كما ذكر عدد منهم استحباب زيارة البقيع : فقال الغزالي : يستحب أن يخرج كل يوم إلى البقيع ، وكذا ، قال النووي والفاخوري ، وزاد الأخير : ... يأتي المشاهد والمزارات فيزور العباس ومعه الحسن بن علي ، وزين العابدين ، وابنه محمد الباقر ، وابنه جعفر الصادق ، ويزور أمير المؤمنين سيدنا عثمان وقبر إبراهيم ابن النبي (ص) ، وجماعة من أزواج (ص) وعمته صفية وكثيرا من الصحابة والتابعين ... ، بل أكثر من هذا فان المعاصرين من علماء العامة يرون أن زيارة القبور مندوبة للاتعاظ وتذكرة بالآخرة ... ، وينبغي للزائر الاشتغال بالدعاء والتضرع والاعتبار بالموتى وقراءة القرآن للميت ، ولا فرق في الزيارة بين كون المقابر قريبة أو بعيدة ، بل يندب السفر لزيارة الموتى خصوصا مقابر الصالحين ، أما زيارة قبر النبي (ص) فهي من أعظم القرب ، ومن هذا كله يتبين أن زيارة القبور ليست بدعة ـ كما ينعق البعض ـ بل سنة عمل بها الأصحاب والتابعين والمسلمين قاطبة.

 

الوصول إلى جادة الأمان : يقول الأخ شكيم الفردي : وجدت أن كلمات الأعلام وأهل الاختصاص تجوز زيارة القبور ـ مع التزام الزائر بالأمور الشرعية التي ترضي الله تعالى وتنفع الميت ـ وقد لمست خلال زيارتي لقبر السيدة زينب ابنة الامام أمير المؤمنين (ع) في سوريا ، الجو المعنوي المفعم بالروحانية ، فوقفت امام ذلك المشهد مستلهما منه العطاءات التربوية التي منحتني النفحات الإيمانية ، وغرست في نفسي الكثير من الوعي والمعرفة ، فان المشهد نقلني إلى عالم ملؤوه الإيمان والورع والتبقوي ، فأثار فطرتي وأزال عن بصيرتي الحجب التي كانت تمنعني من رؤية الحق.

 

فأثر ذلك المشهد في نفسي أثرا كبيرا ، بحيث دفعني للبحث والمطالعة حول مكانة ومنزلة أهل البيت (ع) عند الله سبحانه وتعالى ، حتى عرفت بعد ذلك مكانتهم ، وعرفت أنهم عدل الكتاب ، وسفينة نوح ، ونجوم الهداية ، فقلت : لا أحيد عنهم ولا أختار الا طريقتهم ، إذ لا يسع المؤمن الاعتصام من الضلال الا بالتمسك بهم والانضواء تحت لوائهم ، فاعتنقت مذهبهم عام 2001م.

 

العودة لدليل الرادود

العودة لفهرس المستبصرين