( المنصف الحامدي )

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين

 

البطاقة الشخصية

 

مولده ونشأته : ولد عام 1966م بمدينة " سيدي خليف " في دولة تونس ، من أسرة تعتنق المذهب المالكي ، واصل دراسته الأكاديمية حتى نال شهادة الديبلوم في الهندسة الميكانيكية ، ثم شغل منصب رئيس قسم الدراسات لهذا الفرع ، تشرف باعتناق مذهب أهل البيت (ع) عام 1984م في مدينة " سيدي بو زيد " التونسية.

 

البحث الجاد والمعمق : كان دأب الأخ منصف التساؤل والبحث والاستفهام لاسيما في الأمور العقائدية والفكرية ، ومن هذا اندفع للبحث الجاد والمعمق حتى آل به الأمر في نهاية المطاف إلى الاستبصار ، فيقول الأخ منصف : " قد لا تحمل قصة استبصاري شيئا مثيرا ولا تضم في طياتها ما يلفت النظر ، ولا سيما انها تحمل أمورا شخصية لا أحبذ الخوض فيها ، ولكن اكتفي بالاشارة إلى الحركة الفكرية التي دفعتني إلى تغيير ركائزي العقائدية وصياغة مبادئها من جديد وفق الأسس التي توصلت اليها عبر البحث والتحقيق ، كان منشأ هذه الحركة هو مجموعة تأملأت ونقاط استفهام طرحت نفسها لتكون دافعا نحو البحث ، وعندها طوعت نفسي لرحلة استمرت سنوات ، قرأت فيها جملة من كتب أبناء العامة المعتبرة عندهم ، لأرفع بذلك الاستفهامات العالقة في ذهني ، فاكتشفت عبر ذلك الكثير من الحقائق التي لم أكن مطلعا عليها من قبل.

 

البحث عن الفرقة الناجية : ويقول الأخ منصف : " في الحقيقة كان لاستقامتي في البحث أثر في استبصاري ، فكنت كثير التساؤل والاستفسار ، وكان من جملة التساؤلات التي كان البحث عنها ذا تأثير كبير في صياغة مرتكزاتي العقائدية الجديدة هو الحديث المشهور المروي عن رسول الله (ص) ان أمته تفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار الا فرقة واحدة ، ومن هذا الحديث انطلقت نحو البحث والتتبع ، لعلي أصل إلى معرفة هذه الفرقة الناجية ، وقد كنت مهتما لإيماني أن عدم معرفة هذه الفرقة يعني الهلاك في النار ، لذلك انطلقت في البحث بعزيمة قوية وأصرار لكي أصل إلى النتيجة بعون الله سبحانه وتعالى ، وكان لابد لي من معرفة أسباب وتاريخ حدوث الفرقة بعد رسول الله (ص) ، لأنها تمثل لي معرفة جذور الانحراف التي منها تتبين معالم الفرق الضالة بعد معرفة أسباب نشأتها ودوافع ظهورها في الساحة الإسلامية ".

 

أثر رزية الخميس في نشوء الفرق الإسلامية : يتجلى لكل متصفح في احداث الصدر الأول للإسلام أن أهم الأسباب والدوافع التي كان لها الأثر الكبير في احداث الفرق ونشوء المذاهب هي رزية يوم الخميس ، وهي الحادثة التي وقعت في أواخر حياة رسول الله (ص) التي كان لها بالغ الأثر في نشوء الاختلاف والفرقة بين المسلمين ، وقد ذكر هذه الحادثة كل من كتب التاريخ ودون الحديث كالبخاري ومسلم وأحمد وغيرهم بأحاديث صحيحة : فأخرج البخاري ، عن ابن عباس ، قال : " لما اشتد بالنبي (ص) وجعه ، قال : " ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده " ، قال عمر : أن النبي (ص) غلبه الوجع ، وعندنا كتاب الله حسبنا ، فاختلفوا وكثر اللغظ ، قال : " قوموا عني ، ولا ينبغي عندي التنازع " ، فخرج ابن عباس ، يقول : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله (ص) وبين كتابه " ، وعنه أيضا بسنده ، عن سعيد ابن جبير ، قال : قال ابن عباس : " يوم الخميس ، وما يوم الخميس ، اشتد برسول الله (ص) وجعه ، فقال : " ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا " ـ فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع ـ فقالوا : ما شأنه ، أهجر ، استفهموه ، فذهبوا يردون عليه ، فقال : " دعوني ، فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه " ، وأوصاهم بثلاث ، قال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ، وسكت عن الثالثة ، أو قال : نسيتها.

 

وعنه أيضا : عن ابن عباس ، قال : " لما حضر رسول الله (ص) وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، قال : ـ النبي (ص) ـ : " هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده " ، فقال عمر : أن النبي (ص) قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل البيت فاختصموا ، منهم من يقول : قربوا يكتب لكم النبي (ص) كتابا لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي (ص) ، قال رسول الله (ص) : قوموا ... " الحديث ، وأخرجه البخاري أيضا في كتاب الاعتصام ، وكتاب الجزية ، وكتاب الجهاد ، بالفاظ متقاربة.

وأخرج مسلم في الصحيح عن سعيد ابن جبير ، عن ابن عباس ، أنه قال : " يوم الخميس وما يوم الخميس ثم جعل تسيل دموعه حتى رأيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ ، قال : قال رسول الله (ص) : " ائتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا " ، فقالوا : أن رسول الله (ص) يهجر " ، وأخرجه أحمد بن حنبل في المسند في مواضع متعددة.

 

دلالات رزية الخميس : مما يلاحظ في هذا الحديث من قوله : (ص) " ائتوني بكتاب " لم يكن الأمر للارشاد وإنما هو دال على الوجوب ، وذلك :

 

أولا : ان قول " لا تضلوا " يشير إلى أن الكتاب الذي كان يريد رسول الله (ص) كتابته انما هو يوجب العصمة من الضلال ، وهو أمر يجب الحصول عليه امتثالا لأمر النبي (ص) ولأهمية مضمونه.

ثانيا : ان استياء النبي (ص) من فعلهم ، وأمره لهم بالقيام ، مع سعة ذرعه وشدة تحمله وعظيم خلقه ، دليل على أنهم ارتكبوا أمرا عظيما ما كان لهم أن يقترفوه.

ثالثا : أن النبي (ص) كان في حالة الاحتضار ، فهو مشغول بنفسه ويصعب عليه كتابة الكتاب ، وهذا يوحي أن المقام لم يكن مقام الأوامر الإرشادية ، بل أنه يستوجب الأوامر الالزامية المهمة.

رابعا : موقف ابن عباس وتوصيفه للحادثة بالرزية وبكاؤه بعد انقضاء الحادثة دليل عن أن مخالفة أمر النبي (ص) كان فعلا محرما قد فقدت الأمة خلاله أمرا كان يستهدف عصمتها من الضلال ، ومن هنا فان إستصغار البعض للحادثة ، انما هو محاولة لتبرير موقف عمر ومعارضته لرسول الله (ص) ، وهذا التبرير لا يصلح أن يكون قرينة لما يبتغوه ، لأن عمر كان كثيرا ما يعترض على رسول الله (ص) في مواقف كثيرة ومشهورة.

 

مخالفات عمر للسنة : ذكر البخاري فيما أخرجه ، عن المسور بن مخرمة ومروان في حديث طويل ساق فيه خبر صلح الحديبية ، قال : " فقال عمر بن الخطاب : فأتيت نبي الله (ص) ، فقلت : الست نبي الله حقا، قال : بلى ، قلت : السنا على الحق وعدونا على الباطل ، قال : بلى ، قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا إذا، قال : اني رسول الله ، ولست أعصيه وهو ناصري ، قلت : أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به ، قال : بلى فأخبرتك إنا نأتيه العام ، قلت : لا ، قال : فإنك آتيه ومطوف به ، قال : فأتيت أبا بكر ، فقلت : يا أبا بكر ...

وفي رواية أخرى أخرجها البخاري أيضا " أنه قال : فرجع متغيظا فلم يصبر حتى جاء أبا بكر ...

 

وفي رواية مسلم : " فانطلق عمر فلم يصبر متغيظا ، فأتى أبا بكر ... ، وهذا الموقف لعمر دلالة واضحة على مجادلته ومناقشته للنبي (ص) وأنه رجع متغيظا من قول الرسول وغير راض بما سمعه منه (ص).

كما لا يحق لعمر الاجتهاد في أمر قد قضى الله ورسوله فيه بالصلح ، فقد ، قال الله سبحانه وتعالى : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) ، ومن معارضات عمر أيضا جرأته على رسول الله (ص) في حياته عندما أراد الصلاة على عبد الله بن أبي رأس المنافقين فجاء عمر فجذبه من خلفه ، وقال : ألم ينهك الله أن تصلي على المنافقين ، فقال : إني خيرت فاخترت ، فقيل لي : ( استغفر لهم أولا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ) ، ولو أعلم أني إذا زدت على السبعين غفر له لزدت ، ثم صلى عليه ، ومشى معه ، وقام في قبره ، فعجب الناس من جرأة عمر على رسول الله.

وبهذا يتضح لنا أن موقف عمر ازاء رسول الله (ص) في رزية الخميس لم يكن مما يبعثنا على الاستغراب أو استبعاد ما صدر منه.

 

وهذا الأمر لم يتعلق بشخص عمر وحده ، إذ لو كان كذلك لأسكته رسول الله (ص) ، بل إستفحل الأمر واستشرى ووجد له أنصارا قد اتفقت كلمتهم على منع رسول الله (ص) عن كتابة ذلك الكتاب ، وكأنهم نسوا أو تناسوا قول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ).

 

لماذا لم يكتب الرسول الكتاب : ان سبب عدم كتابة الرسول (ص) الكتاب ، لأنه وجدهم قد طعنوا به وهو لايزال على قيد الحياة ، فإذا كان كذلك فكيف يكون الأمر بعد وفاته ، والحقيقة إن الذين منعوا الرسول (ص) من كتابة ذلك الكتاب لم يفعلوا ذلك الا لأنهم علموا أن الرسول يريد أن يؤكد استخلاف علي بن أبي طالب من بعده ، ولأنه سبق لرسول الله (ص) إن ، قال : " اني مخلف فيكم الثقلين ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا " ، وقال (ص) في مرضه : " هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده " ، ففهم الحاضرون أن الرسول يريد أن يؤكد ماذكره فيما سبق وهو التمسك بالكتاب وعترته ، وسيد العترة هو علي (ع) وأغلبية قريش لا يرضون بعلي (ع) فتقدمهم عمر ليصرح برفضه للعترة قائلا : " حسبنا كتاب الله ".

 

أثر رزية الخميس بعد وفاة الرسول (ص) : تعتبر رزية الخميس أول بروز رفض خلافة علي (ع) حتى ظهر بصورة عملية بعد وفاة الرسول (ص) واتفقت آراء رؤساء القوم على عدم الائتمار بقول الرسول (ص) في هذا المجال ، ومن هنا بدأت الفرقة في أوساط الأمة الإسلامية بدأت واتسعت يوما بعد يوم حتى ظهرت البدع نتيجة الأهواء لفقدان الساحة للخلافة الرشيدة الموجهة للمسلمين ، حيث مهدت الأرضية لوقوع الخلافة بيد بني أمية أئمة الضلال ، ووقع التحريف في شريعة سيد المرسلين ، ونشأت الفرق وابتلت الأمة الإسلامية بأئمة الجور والضلال ، وكان سبب وقوع كل هذا الكم الهائل من التشتت والتمزق في الساحة الإسلامية هو عدم تلبية أولئك الصحابة في قبول من يعصم الأمة من الوقوع في الضلال.

 

البحث لمعرفة الامام : يقول الأخ منصف : " وهكذا بدأت تتجلى لي بوضوح أسباب نشأة الفرق في الإسلام ، كما عرفت أن الخلافة التي أرادها الرسول (ص) لم تكن كما ذهب إليه أبناء العامة ، بأنها مسؤولية اجتماعية ترتبط بحفظ شؤون النظام ، بل هي شكلا من الولاية الإلهية وعهد الهي كالنبوة لمن يصطفيه الله من عباده ، مع التأكيد على فارق هام هو ان النبوة تأسيس للرسالة والإمامة حراسة لها ".

ويضيف الأخ منصف : " خلال مطالعتي للأحاديث النبوية الشريفة قرأت قوله : (ص) : " من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية " ، فدفعني ذلك لمعرفة امام زماني ، فطالعت جملة من كتب الفريقين حتى تجلت لي حقيقة وجود الامام المهدي (ع) بوضوح ، وكنت أنذاك في المرحلة الأولى في معهد الهندسة الميكانيكية.

وبمرور الزمان اكتملت صورة مذهب أهل البيت (ع) في ذهني ، فعرفت أن الامام الذي جعله الله بلطفه حجة على العباد ، كما عرفت أن السبب الذي حجبنا عن رؤيته والاتصال به هو الظروف المتردية الحاكمة على المجتمع ، وأنه تعالى قد تمت حجته على العباد ، وأنه عز وجل حذر الناس من الوقوع في الفتن التي تمنع وصول ألطافه تعالى إلى العباد ، وذلك بقوله تعالى : ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ).

 

اجتياز بعض العقبات المانعة من الاستبصار : يقول الأخ منصف : " إن من أهم الأسباب الموجبة للاهتداء ومعرفة الحق التبقوي ، وذلك لقوله تعالى : ( إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ) ، والفرقان هو النور الذي يقذفه الله في قلب الأتقياء فيتمكنوا به أن يميزوا بين الحق والباطل ، وبه يكشف الله الحجب عن فطرتهم لتميل قلوبهم وتندفع إلى الحق ، والعامل الوحيد الذي يدفع الانسان للبحث عن الحقيقة باخلاص ومن دون نيل أغراض أخرى الشعور بالحاجة إلى الهداية ، وهو شعور ينطلق من الفطرة السليمة ومن النفس التي هذبها صاحبها لتكون مستعدة لتلقي الحقائق.

 

ولهذا بذلت غاية جهدي لأعيش حالة الاتصال الدائم بالله ، وأظن أن هذا الرصيد المعنوي هو الذي مكنني للاهتداء والاستبصار ، والذي جعلني متمكنا من التغلب على جميع الموانع التي اعترتني في هذا الطريق ".

 

وحيث كان الأخ منصف مجيدا للغة الانجليزية والفرنسية أتاح له ذلك أن يوسع دائرة عمله التوجيهي في التبليغ والحوار مع الجاليات المختلفة ، وهذا الأمر دفعه لمواصلة تتبعه في البحث والتوسع في معارف أهل البيت (ع) ومنحه الرؤية الشمولية التي تمكن بها من مواصلة طريق السمو والكمال في عبودية الله تعالى.

 

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين