( محمد مرعي الأنطاكي - رحمه الله )

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين

 

البطاقة الشخصية

 

مولده ونشأته : ولد عام 1314هـ ، في سوريا بقرية تدعى عنصو التابعة إلى مدينة أنطاكية ، ترعرع في أسرة تنتمي إلى المذهب الشافعي.

 

حياته العلمية : لما بلغ الشيخ محمد مرعي سن الرشد وقع في نفسه حب أهل العلم والعلماء ، وكان حينئذ شيخ في قرية قرب قريته يدعى الشيخ رجب ، وهو من أهل العلم ، فسافر الشيخ محمد مرعي مع أخيه الشيخ أحمد اليها وبقيا عنده ما يقرب من ثلاث سنين ، بعد ذلك دخل المدرسة في أنطاكية بواسطة شيخ يدعى الشيخ نظيف ، حيث يقول الشيخ مرعي : فأخذنا بالدراسة عنده ، وعند والده الشيخ أحمد أفندي الطويل ، وبقينا فيها مدة سبع سنين تقريبا ، ثم ارتحلنا إلى مصر ، وكان السابق اليها أخي ، ودخلنا الجامع الأزهر للدراسة ، وتتلمذنا على أيدي جملة من الأساتذة في الأزهر ، منهم العلامة الشيخ مصطفى المراغي ، شيخ الجامع الأزهر ، ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى ، ولما فرغنا من التحصيل ، وحصلت لنا شهادات راقية ، أردنا العودة إلى بلادنا ، طلب منا بعض أعلام مصر ، أن نبقى فيها لنكون من عداد المدرسين بالأزهر ، غير إنا وجدنا بلادنا أحوج إلينا من بقائنا في ( مصر ) ، فعدنا إلى البلاد ، وأخذنا نمتهن امامة الجماعة والجمعة ، والتدريس والافتاء ، والخطابة ، مدة طويلة ، نحو خمسة عشر عاما.

 

البحث حول الوهابية : يقول الشيخ محمد مرعي : كنت أسمع عن الوهابية بأنهم يقيمون الحدود ، ويجرون الأحكام الشرعية تماما ، فهاجرت إلى الحجاز ، وتخللت بينهم مدة ، فوجدت الأخبار التي وصلتني من القطر الحجازي كانت خلاف الواقع ، فانهم أضر على الإسلام من كل شيء ، وقد شوهوا سمعة الإسلام بأعمالهم وأفعالهم ، وبسوء فتاوى علمائهم ، وبسوء صنيعهم بالعترة الطاهرة الأئمة الصالحين وغيرهم ، وذلك بهدم قبورهم ، ولعمري لقد أرادوا هدم ضريح النبي المقدس (ص) ، فعارضهم كثير من المؤمنين من شرق الأرض وغربها ، فتركوه خوف الفتنة والآثارة فأنظر إلى غريب فتواهم ، وبالجملة ، لما رأيت ما رأيت منهم ، رجعت إلى بلادي ، وعدت إلى ما كنت أمتهن من ذي قبل.

 

التعرف على بعض علماء الشيعة : يقول الشيخ محمد مرعي : ثم حدثت لي أسباب دعتني إلى الاتصال بالطائفة الشيعية ، فجرت بيني وبين بعض علماء الشيعة مناظرات كثيرة ، وفي حال المناظرة كنت أجد نفسي محجوجا معهم ، غير أني أتجلد وأدافع دفاع المغلوب ، مع ما أنا عليه بحمد الله تعالى من الاطلاع الواسع ، والعلم الغزير في مذهب السنة الشافعية ، وغيره ، إذ أنني تلمذت حوالي ربع قرن على فطاحل العلماء والجهابذة في مشيخة الأزهر ، حتى حصلت على شهادات راقية ، وقد طالت المناظرة بيننا زمانا طويلا ، لا يقل عن ثلاث سنين تقريبا ، وقد وقع في نفسي شيء من الريب في المذاهب الأربعة ، لكثرة الخلاف فيها.

 

الظفر بكتاب المراجعات : يقول الشيخ محمد مرعي : عثرت ذات يوم على كتاب جليل وهو كتاب ( المراجعات ) للسيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي ( قدس الله روحه الطاهرة ، وأسكنه فسيح جنته ) فأخذت الكتاب ، وبدأت أتصفحه ، وأتدبر مقالاته بدقة وامعان ، فأدهشتني بلاغته ، وسبك جمله ، وعذوبة الفاظه ، وحسن معانيه التي قل أن يأتي كاتب بمثلها ، فقمت أفكر في هذا الأثر القيم ، والسفر العظيم ، وما فيه من الحكميات والمحاكمات بين مؤلفه المفدى ، وبين الشيخ الأكبر ، الشيخ سليم البشري ، شيخ الجامع الأزهر ، وذلك بأدلته القاطعة وحججه البالغة ، مما يفحم الخصم ، ويقطع عليه حجته ، وقد رأيت مؤلفه العظيم لم يعتمد في احتجاجه على الخصم من كتب الشيعة ، بل كان اعتماده على كتب السنة والجماعة ليكون أبلغ في الرد على الخصم ، فبذلك زدت اعجابا على اعجاب مما جرى به قلمه الشريف ، هذا ولم يمض علي الليل ، الا وأنا مقتنع تماما بأن الحق والصواب مع الشيعة ، وانهم على المذهب الحق الثابت عن رسول الله (ص) عن أهل بيته الطاهرين (ع) ولم يبق لي أدنى شبهة البتة ، واعتقدت بأنهم على خلاف ما يقال : فيهم من المطاعن والأقاويل المفتعلة الباطلة.

 

الانتماء إلى مذهب أهل البيت (ع) : يضيف الشيخ محمد مرعي : ثم في صبيحة تلك الليلة ، عرضت الكتاب الشريف على أخي وشقيقي ، فضيلة العلامة الفذ ، الحافظ ، الشيخ أحمد أمين الأنطاكي ، حفظه الله ، فقال لي : ما هذا ، قلت : كتاب شيعي لمؤلف شيعي ، فقال : أبعده عني ( ثلاثا ) ، فانه من كتب الضلال ، وليس لي به حاجة ، وإني أكره الشيعة ، وما هم عليه ، فقلت : خذه واقرأه ، ولا تعمل به ، وماذا يضرك إن قرأته ، فأخذ الكتاب ودرسه وطالعه بدقة وامعان ، وحصل له : ما حصل لي من الاعتراف بأحقية المذهب الشيعي ، وقال : إن الشيعة على الحق والصواب ، وغيرهم خاطؤون ، ثم تركت أنا وأخي المذهب الشافعي ، واعتنقنا المذهب الشيعي الجعفري الامامي ، وذلك لقيام الأدلة الكثيرة الواضحة ، والبراهين الرصينة الناصعة ، فاستراح ضميري بهذا التمسك بالمذهب الجعفري ، وهو مذهب آل بيت النبوة ـ عليهم صلوات الله وسلامه ـ أبدا ما دام الليل والنهار ، لعلمي إني قد حصلت على أقصى غاية ما أريد بأخذ مذهب العترة الطاهرة.

 

وبذلك اعتقد يقينا لا يشوبه شك إني قد نجوت من عذاب الله تعالى ، وأحمد الله تعالى ثانيا علي نجاة عائلتي كلها ، وكثير من أقربائي وأصدقائي وغيرهم ، وهذا فضل ونعمة من الله لا يقدر قدرها الا هو ، وهي ولاية آل الرسول ، فانه لا نجاة الا بولايتهم ، والحديث متفق عليه سنة وشيعة ، وهو قول رسول الله (ص) : " مثل أهل بيتي كسفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق وهلك " ، ثم تشيع معي وكذلك مع أخي ، خلق كثير جدا من اخواننا السنة من ( سورية ) ، و ( لبنان ) و ( تركية ) ، وغيرها من البلاد ، والحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، وقد اشتهر هذا الأمر في البلاد ، وذاع وشاع ، وملأ الأسماع ، حتى أخذ الناس يتراكضون اليهما يسألونهما عن السبب الذي دعاهما إلى الأخذ بمذهب أهل البيت (ع) مذهب الحق ، وترك المذهب الشافعي ، فيقول الشيخ محمد مرعي : وكنا نجيبهم بأن الأدلة قامت لدينا ، فمن أراد منكم أن نوضح له المذهب الحق فليأت إلينا ، وفي هذه الفترة القصيرة التي هدانا الله تعالى خلالها ، كانوا يأتون إلينا من كل حدب وصوب ، ومن مختلف الطبقات من العلماء والأساتذة ، والوجهاء والتجار ، والكسبة والموظفين ، وغيرهم ، فكنا نلقي عليهم الحقائق من المصادر الموثوقة من مصادرهم ، فمنهم من يسمع ويقتنع ويأخذ بالمذهب ( مذهب أهل البيت (ع) ، ويرفض مذهبه السابق ، ومنهم من يتعصب على مذهبه ، وعذره جهله وتعصبه ، مع العلم أنه غير قادر على الدفاع عن مذهبه.

 

ردود فعل المخالفين : عندما شاع خبر استبصارهما وانتشر في البلاد ، وهدى الكثير على أيديهما ، تكتلت فئات مناوئة لمذهب أهل البيت (ع) وشنت حربا شعواء عليهما ، وأخذ جملة ممن يتزيا بزي العلماء يحكم بكفرهما وارتدادهما ، عن الدين ، وأخذوا يحذرون الناس على المنابر من التعامل والاحتكاك بهما ، بل تعدى الأمر إلى اغراء الاشقياء والسفهاء والصبيان بالتعرض لهما بالكلام البذيء والفاحش ورشقهم بالحجارة.

 

موقف رائع للمرجعية الشيعية : ولما حاولت جراثيم الحقد والتعصب الاحاطة والتضييق على الشيخ محمد مرعي الأنطاكي وأخيه ، وضاقت بهما الحال ، وصل الخبر إلى السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي ـ وقد كان حيا آنذاك ـ فبادر إلى نجدتهما بشتى الصور ، وكان أبرزها ، رفعه كتابا إلى المرجع الديني الكبير السيد البروجردي (ر) ، يحثه فيه على دعمهما ورعايتهما والأخذ بأيديهما لئلا يقعا فريسة التعصب الأعمى ، وبالفعل سارع السيد البروجردي (ر) إلى اسعافهما وتبنيهما ، وكانت هذه الخطوة الكبيرة اسنادا لهما في عملهما التبليغي ، ورفعا لشأنهما في أوساط المجتمع ، وهكذا طالت الأيام بالشيخ محمد مرعي الأنطاكي وهو دؤب على عمله في سبيل الدعوة حتى تلقته يد المنون فانتقل إلى رحمة ربه في شهر ذي القعدة من عام 1383 هجرية ، بعد أن كرس حياته لنشر مذهب الحق مذهب أهل البيت (ع).

 

مؤلفاته :

1 - لماذا اخترت مذهب الشيعة ، مذهب أهل البيت (ع) ، : صدر في طبعته الرابعة عن مكتب الاعلام الإسلامي ، قم سنة 1417هـ ـ 1375م في نسخة محققة من قبل الشيخ عبد الكريم العقيلي ، يتأليف الكتاب من ثمانية فصول :

الفصل الأول : ترجمة المؤلف.

الفصل الثاني : الشيعة والكتاب والسنة.

الفصل الثالث : النصوص الواردة في حصر النبي (ص) خلفائه في اثني عشر خليفة.

الفصل الرابع : نبذة لطيفة من الأحاديث الواردة في فضائل أمير المؤمنين وذريته الطاهرة (ع).

الفصل الخامس :

أ ـ شهادة النبي (ص) بأعلمية علي وأهل بيته الطاهرين (ع).

ب ـ شهادة بعض العظماء بأعلمية علي وأهل بيته الطاهرين (ع).

الفصل السادس : مدح النبي(ص) لشيعة علي (ع) وأهل بيته(ع) وأنه الواضع الأول لاسم التشيع.

الفصل السابع : كارثة السقيفة.

الفصل الثامن :

1 ـ حادثة طارئة ( مناظرة قبل استبصاره ).

2 ـ مناظراته ( بعد استبصاره ).

 

2 _  " الشيعة وحجتهم في التشيع " : وقفة مع كتابه : " لماذا اخترت مذهب الشيعة مذهب أهل البيت (ع) " : بعد أن يعرض الكاتب نبذة من ترجمة حياته ويوضح كيفية اختياره لمذهب أهل البيت (ع) ـ والتي تقدم الاشارة اليها ـ يذكر الأدلة والمطالب العلمية من القرآن والسنة التي حدت به إلى اختيار هذا المذهب.

 

الشيعة والقرآن : ورد في القرآن المجيد آيات عديدة ، تؤيد مدعى الشيعة ، وقد فسرها علماء الفريقين وفقا لما ذهب إليه الشيعة ، منها :

 

آية الولاية : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) ، نزلت في علي أمير المؤمنين (ع) عندما تصدق بخاتمه على المسكين ، وهو يصلي في مسجد رسول الله (ص) ، وقد أنشأ حسان بن ثابت ـ شاعر الرسول ـ في هذه الواقعة شعرا ، منه ما قال :

 

أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي  *  وكل بطيء في الهدى ومسارع

أنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا  *  زكاة فدتك النفس يا خير راكع

فأنزل فيك الله خير ولاية  *  وبينها في محكمات الشرائع

 

والمراد بالولي هنا إنما هو الأولى بالتصرف ، ولا يكون أولى الا إذا كان خليفة واماما ، وهذا المعنى مشهور عند أهل اللغة والشرع.

 

آية التطهير : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ، وهي مختصة بالخمسة أصحاب الكساء ودالة على عصمتهم من جميع الذنوب والآثام ، ولا تشمل هذه الآية أزواج النبي (ص) كما ادعاه بعض العامة لوضوح اختلاف الضمير وسياق الآيات ، وورود آية المباهلة وحديث الكساء وغيرهما كثير مفسرة لأهل البيت بالخمسة دون سواهم.

 

آية المباهلة : ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين ) ، والمراد بالأبناء هما الحسن والحسين (ع) والنساء : فاطمة الزهراء (ع) والأنفس الرسول (ص) والامام علي (ع) فجعلت هذه الآية الامام أمير المؤمنين نفس رسول الله (ص) وظهر أن الخليفة بعد الرسول (ص) هو علي بن أبي طالب ، فلا يجوز تقديم أحد عليه مطلقا ، لأن المتقدم عليه كالمتقدم على رسول الله (ص).

 

آية المودة : ( قل لا أسئلكم عليه أجرا الا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور ) ، والقربى هم علي وفاطمة والحسن والحسين باعتراف علماء الفريقين ، وأجر الرسالة هو المودة لآل رسول الله وهو أجرا ينفع دافعي الأجر من المسلمين أكثر مما ينفع الرسول وآله فبالرسول وآله اهتدى المسلمون وعرفوا طريق النجاة.

 

آية الصلوات : ( إن الله وملائكته يصلون على النبيِ يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) ، والصلاة تكون بذكر محمد وآله وبدون ذكر الآل تكون الصلاة بتراء ، وقد نهى الرسول ، عن ذلك بنفسه وأوضح أن الصلاة تكون بالصلاة عليه وعلى إله ، ومن هذه الآية تتبين مكانة الآل وتثبت خلافة علي بعد رسول الله (ص) إذ قرنه الله تعالى مع رسوله في ذكر الصلاة عليه ، وعليه فلا يجوز تقدم أحد عليه كما لا يجوز تقدم أحد على رسول الله (ص).

 

آية التبليغ : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك‏ وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ، والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدى القوم الكافرين ) ، وفيها يأمر الله تعالى نبيه في غدير خم بتبليغ ولاية علي بن أبي طالب (ع) وامامته للناس ، وأن الله سيحميه ويعصمه من آذى المخالفين والرافضين ، وقد أنشأ حسان بن ثابت شعرا بالمناسبة ، فقال :

 

يناديهم يوم الغدير نبيهم  *  بخم واسمع بالرسول مناديا

يقول فمن مولاكم ووليكم  *  فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت ولينا  *  ولم تر منا في الولاية عاصيا

فقال له قم يا علي فانني  *  رضيتك من بعدي اماما وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليه  *  فكونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا اللهم وال وليه  *  وكن للذي عادى عليا معاديا

 

وقد قال الغزالي في كتابه ( سر العالمين ) في المقالة الرابعة بما لفظه : " لكن أسفرت الحجة وجهها ، واجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته في يوم عيد غدير خم باتفاق وهو يقول : " من كنت مولاه فعلي مولاه " فقال عمر : بخ  بخ  يا أبا الحسن لقد أصبحت مولاي ، ومولى كل مولى ، فهذا تسليم ورضى وتحكيم ، ثم بعد هذا غلب الهوى لحب الرئاسة ، وحمل عمود الخلافة ، وعقود النبوة وخفقان الهوى في قعقعة الرايات ، واشتباك ازدحام الخيول ، وفتح الأمصار وسقاهم كأس الهوى ، فعادوا إلى الخلاف الأول ، فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ، ثمنا قليلا ".

وهذا اعتراف من الغزالي بحجة الشيعة واثبات مدعاهم فنطق الحق وأفصح عن الواقع ، وهناك آيات كثيرة أخرى يستدل بها على ولاية علي (ع) وامامته ومناقبه وفضائله فهل يلام بعد ذلك الشيعة وهم يتمسكون بالقرآن.

 

الشيعة والسنة النبوية : أخذ الشيعة السنة النبوية ، عن طريق أئمة أطهار معصومين عن الخطأ ، بسندهم الموثوق امام معصوم ، عن امام مثله ، عن رسول الله (ص) ، عن جبرئيل ، عن الرب الجليل ، وقد استدل الشيعة بأحاديث كثيرة من السنة النبوية في اثبات مدعاهم في امامة أهل البيت (ع) وقيادتهم للامة ، منها :

 

حديث الدار أوحديث الأنذار : وهو قول النبي (ص) : " هذا علي أخي ووزيري ، ووصيي ، وخليفتي من بعدي ، وفيه دلالة واضحة وحجة قاطعة على أن الخليفة بعد رسول الله (ص) هو علي بن أبي طالب (ع).

 

حديث الثقلين : " إني تارك فيكم الثقلين ، كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا " : وهو حديث شهير عند الفريقين ذكره الرسول (ص) في عدة مواطن منها يوم الغدير ، وله طرق كثيرة وردت من نيف وعشرين صحابيا ، ودلالته صريحة واضحة على خلافة أمير المؤمنين (ع) وأبنائه الأئمة الأحد عشر المعصومين (ع) لأن النبي الأمين (ص) قرنهم بالكتاب المبين ، والقرآن هو المرجع الأول للأمة الإسلامية بلا منازع من بدء الدعوة إلى آخر الدنيا ، وهما لن يفترقا حتى يردا على الرسول الحوض يوم القيامة ، ولا يجوز التمسك بأحدهما دون الآخر وسماهما النبي ثقلين لخطرهما وعظم قدرهما ، ويدل الحديث أيضا على عصمة أهل البيت (ع) كعصمة القرآن لأمر النبي (ص) بالرجوع اليهم من بعده ولا يتم ذلك الا لمن عصمه الله من الخطأ والزلل.

 

حديث المنزلة : وهو قوله : (ص) لعلي (ع) : " أما ترضى يا علي : أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، الا أنه لا نبي بعدي " عند خروجه إلى غزوة تبوك واستخلافه عليا في المدينة ، وهو يدل أن عليا (ع) هو ولي عهده ، وخليفته من بعده ولم يستثن من منازل هارون الا النبوة ، واستثناؤها دليل لعموم الحديث لبقية المنازل كلها وقد قال الله تعالى : ( واجعل لى وزيرا من أهلي هارون أخي أشدد به أزرى وأشركه فى أمري ) ، وقال أيضا : ( وقال موسى لأخيه هارون أخلفنى فى قومى وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ).

 

حديث السفينة : " مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنهِا غرق وهوى " ، قال ابن حجر العسقلاني في صواعقه : " ووجه تشبيههم بالسفينة إن من أحبهم وعظمهم شكرا لنعمة مشرفهم (ص) وأخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات ، ومن تخلف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم وهلك في مفاوز الطغيان " ، وقال الشافعي : ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم مذاهبهم في أبحر الغي والجهل ركبت على إسم الله في سفن النجا وهم أهل بيت المصطفى خاتم الرسل.

 

حديث مدينة العلم : " أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد المدينة فليأت بابها " : وهو حديث صحيح لا مغمز فيه ولما لم يجد المزيفون سبيلا إلى انكاره نقلوه هكذا : " أنا مدينة العلم ، وأبو بكر أساسها ، وعمر حيطانها ، وعثمان سقفها ، وعلي بابها " ، وقد تفطن بعض علماء القوم لبعض ما يلزم من الشناعة بجعل عثمان سقفها ، وقالوا : إن المدينة لا سقف لها.

 

خلفاء الرسول (ص) : اثنا عشر : وردت نصوص كثيرة عن النبي (ص) تحصر خلفاء النبي (ص) في اثني عشر ، منها ما أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده ، عن الشعبي ، عن مسروق ، قال : كنا جلوسا عند عبد الله بن مسعود وهو يقرئنا القرآن ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله (ص) كم تملك الأمة من خليفة ، فقال عبد الله بن مسعود : ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ، ثم قال : نعم ولقد سألنا رسول الله (ص) ، فقال : اثنا عشر ، كعدة نقباء بني إسرائيل" ، وقد تحير علماء العامة في تفسير هذا الحديث ، إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لأنهم أقل من اثني عشر ، ولا يمكن أن يحمل على الملوك الأمويين ولا العباسيين لأنهم أكثر من اثني عشر فلزم أن يكون مراد رسول الله (ص) من حديثه هذا الأئمة الاثنا عشر من أهل بيته وعترته.

 

شهادة الآخرين للامام علي (ع) : بلغت فضائل ومناقب أمير المؤمنين حدودا لا تحصى ، وشهد له بالفضل والتقدم والعلم حتى مناوئيه وأعداءه فضلا عما ورد بحقه من آيات قرآنية وأحاديث نبوية لا تحصر ، وممن شهد له بذلك أبو بكر وعمر وعثمان ، بل وحتى معاوية وعمرو بن العاص وعائشة والمنصور والرشيد والمأمون وأئمة المذاهب الأربعة ، وقد قال الشافعي :

 

إذا في مجلس ذكروا عليا  *  وشبليه وفاطمة الزكية

هربت إلى المهيمن من أناس  *   يرون الرفض حب الفاطمية

على آل الرسول صلاة ربي  *  ولعنته لتلك الجاهلية

 

بل تأثر به حتى اتباع الديانات الأخرى قديما وحديثا.

 

شيعة علي (ع) : حاول ويحاول البعض القاء الفاصلة بين علي وشيعته ومحبيه ، ويزعمون أن الشيعة غير صادقين في حبهم للأئمة الأطهار ـ والعياذ بالله ـ بل اخترعوا أحاديث نسبوها للنبي والأئمة الأطهار في سب الشيعة والوقيعة فيهم بل والدعوة إلى قتلهم ـ وعجب من منطق هؤلاء الذين ينسبون إلى المعصومين أن يقتل الناس اتباع الحق والدين الذي يدعوا إليه هؤلاء المعصومين (ع) وهناك نصوص كثيرة في أن النبي (ص) هو الذي سمى اتباع علي (ع) بالشيعة ، وانهم الراضين المرضيين ، وانهم الفائزون يوم القيامة وهم السابقون وهم المقربون.

 

كارثة السقيفة : " كثير ممن جرى قلمه في صفحات التاريخ ، تعرض إلى حادث السقيفة ، وما جرى فيها وبها من كوارث مؤلمة تقض المضاجع وتندي الجبين ، ولقد عالج هذا الحادث في كل قرن مضى كثير من المؤرخين راجين قشع ما تلبد عليه من سحب ، وما أحاط به من دخان ، وازالة ما وضع في سبيل الأمة من عقبات كئود لا يجتازها عابرها الا بشق الأنفس.

 

وهيهات النجاة وكشف القناع عما وضعه الوضاعون ، ودسه الدساسون في القرن الأول ، والقرن الثاني ، وما يليهما من القرون ، إذن فالكتابة ، عن يوم السقيفة وطوارئها ، والبحث عن ادراك غوامضها ليس بالأمر السهل إذ هو السبب إلى انقسام الأمة إلى فرقتين في يومه ، ثم إلى فرق تبلغ الثلاث والسبعين فرقة " ، تمخضت السقيفة عن خلافة أبي بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان باسم الصحبة والهجرة والشورى ، فحكموا رقاب المسلمين وظهر الكثير من الفساد والتخبط الذي عالجه الامام علي (ع) وذلك بمساعدة الخلفاء على حل الكثير من المشاكل التي واجهوها وبالصبر عن حقه الذي نص عليه الرسول أكثر من مرة ، ثم تولى الامام علي (ع) الخلافة ـ ولكن بعد فوات الأوان ـ فحاول اصلاح ما يمكن اصلاحه فنهض في وجهه الناكثون والقاسطون والمارقون وواجهوه بالحرب والعدوان فلم يفسحوا له المجال لاصلاح أمور المسلمين إلى أن ذهب شهيدا إلى ربه في محراب الصلاة على يد أحد الخوارج المارقين.

ثم استلم الأمر بعد ذلك معاوية وجعلها ملوكية وراثية ، فهذه هي نتائج السقيفة المشؤومة التي أرادت بباطل من اجتمع فيها أن تطفأ نور الحق ولكن هيهات فيأبى الله الا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.

وهكذا اهتدى هذا الشيخ الجليل إلى الفرقة الناجية وعرف الحق وتمسك بالهدى وترك ظلمات الباطل وهو يمتلك الدليل عن تبصر فكان من أوائل المستبصرين في عصرنا هذا الذي اهتدى فيه الكثير من الناس إلى نور أهل البيت (ع).

 

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين