( محمد الرصافي المقداد )

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين

 

البطاقة الشخصية

 

مولده ونشأته : ولد عام 1954م في فطناسة ولاية قبلي بدولة تونس ، وترعرع في أسرة ملتزمة تعتنق المذهب السني ، يقول الأخ محمد الرصافي حول التعليم الذي تلقاه منذ الصغر : أدخلني والدي في كتاتيب القرآن ، فحفظت منه ما أمكنني حفظه ، ثم التحقت بالتعليم الحكومي ، مواصلا دراستي إلا أنني ولعوامل عدة انقطعت عنها دون الحصول على شهادة ختم الدروس الثانوية ، ولعل أهم تلك العوامل انصراف كل اهتمامي بالعربية والتي كنت متفوقا فيها منذ الصف الابتدائي ، فما تركت لبقية المواد التي كانت تدرس بالفرنسية شيئا ، وكنت دائم المطالعة ومنها حصلت على ثقافة عامة لا بأس بها.

 

بداية اندفاعه للبحث عن التشيع : يقول الأخ محمد حول بلورة النواة الأولى التي دفعته للتعرف والبحث عن مذهب أهل البيت (ع) : بدأت قصة استبصاري عندما انتقلت عام 1980م من شمال تونس وبالتحديد من مدينة " بنزرت " حيث لا يزال والدي واخوتي هناك ، إلى مدينة قابس للعمل في شركة للصناعات المعدنية ، وكنت أعلم قبل ذلك أن ابن عم لي يدعى الشيخ مبارك بعداش ، يقطن منطقة سيدي أبي لبابة بنفس المدينة ، فكان ذلك مدعاة لي بأن آنس بنقلي اليها وأتأقلم مع أجوائها.

 

ويضيف الأخ محمد : وكان الشيخ مبارك بعداش أحد المؤسسين لحركة الاتجاه الإسلامي ، أي أنه كان سنيا متعصبا ، لكنني لما زرته بعد استقراري لاحظت انخفاض تعصبه عما كان عليه ، فأيقنت أن الشيخ قد طرأ على تفكيره تغيير ، فاقتربت ذات يوم من مجلسه مسلما عليه ، فرأيت ين يديه كتابان ، الأول كتاب ( المراجعات ) للسيد عبد الحسين شرف الدين قدس سره الشريف ، والثاني كتاب ( فضائل أمير المؤمنين (ع) للشيخ المظفر ( طيب الله ثراه ) ، فالتفت إليه بعد أن رد علي السلام واستفسرت منه الأمر ، فذكر لي أنه في رحلته إلى مدينة قفصه وهو في طريق بحثه عن الحق بعد الخلاف الذي حصل له مع جماعة النهضة ، التقي بالدكتور محمد التيجاني السماوي وتباحث معه حول مذهب أهل البيت (ع) ودارت بينهما عدة مناقشات من دون أن تسفر على اقتناع الشيخ التام بمذهب أهل البيت (ع) ثم ذكر أن الدكتور التيجاني زوده بهذين الكتابين.

 

دراسة كتاب المراجعات : من هذا المنطلق أحب الأخ أن يشارك الشيخ مبارك بعداش في بحثه ، لأنه وجد هذه الفرصة ، ثمينة للوصول إلى القناعات العقائدية المزودة بالأدلة والبراهين ، فأعلن استعداده للشيخ لمشاركته في البحث من أجل التعرف على أصول عقيدة الإسلام النقية من كل درن ، ويضيف الأخ محمد : كان الشيخ آنذاك محاصرا من قبل جماعة حركة الاتجاه الإسلامي وكانوا قد روجوا عنه جملة من دعايات مغرضة وأقاويل لا ترقى إلى الحقيقة بشيء ، فاستطعت بفضل الله تعالى كسر ذلك الطوق عنه باستقدام عدد من الأخوة إليه فعقدنا جلسات للبحث ، ولا سيما من أجل تسليط الأضواء على كتاب المراجعات.

 

ثمرة البحث في نهاية المطاف : يقول الأخ محمد : راجعنا بعد ذلك المصادر المنصوص عليها في كتاب المراجعات ، فتأكدنا أن صاحبه ينطق صدقا وعدلا ، غير متحيز ولا متحرف ، وأن ديدنه الحق وكشف مواطن الصدق ، وتبين لنا أن اقرار الشيخ سليم البشري على أحقية أهل البيت (ع) ليس الا دليلا على قوة البراهين التي أوردها السيد شرف الدين ، فأصغت لذلك أفئدتنا وعقولنا وانغرست باكورة أفكاره في وجداننا وانصاعت إليه طباعنا ، ومن هذا المنطلق قررنا جميعا الالتحاق بمذهب أهل البيت (ع) وبالفعل أعلنا ذلك امام الجميع.

 

تحمل مسؤولية الدعوة : يقول الأخ محمد : انهالت علينا الأسئلة والاستفسارات من كل حدب وصوب ، وكان الجميع يرغب في التعرف على الأسباب التي دفعتنا لتبني فكر مذهب أهل البيت (ع) فكنا نجيب على الأسئلة التي نواجهها حسب معلوماتنا ، وكنا نعاني من قلة الكتب ، فكانت اجابتنا بسيطة ومقتصرة على المعلومات التي اختزنتها عقولنا ، ثم سافرت بعد ذلك إلى معرض الكتاب في دورته الثانية عام 1981 ، فاشتريت منه كتاب الغدير للشيخ الأميني (ر) ، ثم واصلت جلساتي مع الشيخ مبارك ، فكان ذلك دافعا إلى المزيد من التعليم والبحث ، وبدخول كتاب الغدير في حلقة الدرس توسعت معارفنا وقويت حجتنا فكان ذلك حافزا على المزيد من العمل من أجل نشر فكر أهل البيت (ع).

ويضيف الأخ محمد : ثم صحبت الشيخ في رحلاته إلى قفصه وغيرها ، وبعدها أصبح الشيخ يكلفني بالسفر للتبليغ أو الاتصال بالأخوة ، وسرعان ما أتى ذلك النشاط أكله وأينعت ، ثماره فاستبصر كل من طهرت سريرته وانطوى مكنونه على بارقة خير ، فتشكلت منهم نواة اقتحمت أسوار الجامعة ، وانتشرت دعوتهم في البلاد طولا وعرضا وشمالا وجنوبا حتى لم يعد هناك مدينه الا وفيها مؤمنون مستبصرون على منهاج المعصومين (ع) قلبا وقالبا.

 

المضايقات بعد الاستبصار : يقول الأخ محمد حول المصاعب والمضايقات التي واجهها بعد اعتناقه لمذهب أهل البيت (ع) : لم يخل طريقي من بعض العراقيل والأشواك ، فقد اعتقلت : في 7 أوت 1985م ، وحقق معي بشأن تشيعي وأطلق سراحي بعد 14 يوما ، ثم وقع طردي من العمل في 4 جانفي 1986م ، ثم اعتقلت مرة أخرى في 21 أوت 1986 ولم يطلق سراحي الا في 19 سبتمبر من نفس السنة ، ثم وقع اعادتي إلى العمل بعد انقلاب السابع من نوفمبر تهدئة للأجواء في البلاد ، ثم اعتقلت سنة 1991م ثلاثة أيام ، تعرضت خلالها للتعذيب ظلما وعدوانا ، ثم تعرضت للطرد من عملي هذه المرة نهائيا سنة 1992 ثم اعتقلت سنة 1994 خمسة أيام وأطلق سراحي.

 

ففكرت بعد ذلك بالهجرة إلى جمهورية ايران الإسلامية ، لكن القدر حال دون ما أريد ، فصبرت محتسبا ، ثم بعد مضي فترة فكرت في السفر من جديد ، إلى دولة أخرى ، فقد انقطعت سبل العيش في بلدي ، ولم يعد بامكاني أن استمر على تلك الوتيرة ، مسلوب الحرية مضيقا على لقمة عيشي ، ولا علاج لذلك سوى اللجوء إلى احدى الدول التي تتوفر فيها بعض الحرية وامكان العيش الكريم ، كما قال تعالى : ( قالوا كنا مستضعفين فى الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ).

 

ويضيف الأخ محمد : اللهم إني نويت الهجرة إليك ، فيسر لي فيما نويت ، وسخر لي : ما أنت أعلم به مني ، وافتح على من رحمتك ، وبلغني رضاك ، واجعل ما بقي من عمري خير مما مضى منه ، وهب لي من لدنك وليا ، وهب لي من لدنك نصيرا ، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

مؤلفاته :

1 ـ له عدة مقالات ، ستصدر في مجلد واحد أو عدة مجلدات من مركز الأبحاث العقائدية ضمن سلسلة الرحلة إلى الثقلين المقالة الأولى التوحيد عند أهل البيت (ع).

المقالة الثانية : النبوة عند أهل البيت (ع) دراسة مقارنة.

المقالة الثالثة : الاثبات في نفي استخلاف أبي بكر للصلاة.

المقالة الرابعة : حب أهل البيت (ع) ولاية الله تعالى.

المقالة الخامسة : الدعاء والعبادة عند أهل البيت (ع).

 

وقفة مع كتابه : " دراسة مقارنة في التوحيد والنبوة " : كتاب يحتوي عدة مقالات عقائدية توضح عقائد الشيعة ، وتتبع ما ورد عن أهل بيت العصمة (ع) ويقارن في بعضها بين ما اعتقده اتباع مذهب أهل البيت (ع) وهو الإسلام الحق وبين ما اعتقده المذاهب الأخرى التي جمعت بين الغث والسمين ، وقد رأينا هنا ـ طلبا للاختصار والانسجام ـ التعريف بأهم ما أورده في مقال التوحيد.

 

أهمية التوحيد في العقيدة الإسلامية : يبين الكاتب أهمية التوحيد ، فيقول : يمثل التوحيد في العقيدة الإسلامية رأسها ودعامتها ، ومن دون توحيد سليم قائم علي معرفة صحيحة ، لا يكون البناء العقائدي قويا وثابتا لدى الفرد المسلم ، لذلك حث المولى سبحانه وتعالى مخلوقاته العاقلة على الأخذ بأسباب العلم لبلوغ الغاية من المعرفة في التوحيد ، وفي سائر العقائد الإسلامية الأخرى ، فقال في محكم تنزيله : ( فاعلم أنه لا إله الا الله ) وقال أيضا : ( شهد الله أنه لا إله الا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله الا هو العزيز الحكيم ) ، فالآيتين تشيران إلى أن العلم هو الطريق الوحيد، والمسلك الرشيد لبلوغ اركان العقيدة ، وأعلى مراتب التوحيد ، لذلك لم يجز على كل مسلم أن يكون مقلدا في التوحيد وفي سائر العقائد ، ووجب عليه أن يسلك من أجل تحصيل العلم بذلك سبيل البحث والتأمل ، تثبيتا لدعائم الإيمان وتزكية للفطرة التي فطر الخالق سبحانه وتعالى الناس عليها.

 

أدلة التوحيد عند أهل البيت (ع) : يوضح الكاتب بعض ما قاله أهل البيت (ع) بشأن التوحيد فيقول : إن المتأمل في أمهات كتب الامامية الاثنى عشرية ، يلاحظ اهتماما بالغا ما انفك يوليه أئمة أهل البيت (ع) لكل ما يتعلق بالدين عقيدة وشريعة ، ولقد جاء من آثارهم ما أظهر تصديهم لكل دخيلة عن الدين أو مارقة منه ، حتى إنهم كانوا يتحسسون مواضع الداء قبل استفحاله ، ففي يوم الجمل مثلا وقف أمير المؤمنين (ع) يرد على رجل من جنده عندما سأله قائلا : " أتقول : أن الله واحد ، فحمل الناس علىه ، وقالوا : يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسيم القلب ، فقال أمير المؤمنين (ع) : دعوه فإن الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم ، قال : يا أعرابي إن القول إن الله واحد على أربعة أقسام فوجهان منهما لا يجوزان على الله عز وجل ووجهان يثبتان فيه ، فأما اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل واحد يقصد به باب الأعداد فهذا ما لا يجوز لأن ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد ، أما ترى إنه كفر من ، قال : ثالث ثلاثة ، وقول القائل هو واحد من الناس يريد به النوع من الجنس الوجهان فهذا ما لا يجوز عليه ، لأنه تشبيه وجل ربنا وتعالى عن ذلك ، أما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل هو واحد ليس له في الأشياء شبيه كذلك ربنا عز وجل ، وقول القائل إنه ربنا عز وجل ، أحدي المعنى ، يعني إنه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم كذلك ربنا عز وجل".

ومن هذا النص نستشف أن أمير المؤمنين سلام الله عليه لم يكن في حروبه الثلاثة التي الجيء اليها ، مدافعا عن مركزه كامام المسلمين أو عن سلطته كولي أمورهم ، وإنما خرج ليدفع عن الدين ما بدا يعتريه من دخيل عليه وغريب عنه ، فقوله : (ع) : " دعوه فإن الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم " دليل على أن وقائع الجمل وصفين والنهروان كانت كلها حروب تصحيحية ، مصداقا لقول رسول الله (ص) إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ، فقيل : من يا رسول الله ، فقال : خاصف النعل في الحجرة وكان علي بن أبي طالب يخصف نعل رسول الله في حجرته ، ومثلما سلك الامام (ع) في الاستدلال على الخالق والتعريف به ، بحيث لا يتطرق الى أقواله تحريف أو تأويل ، سلك الأئمة الهداة من بنيه (ع) في الذب عن أركان الدين كلما سنحت لهم بذلك ، فرصة : فكانوا على مر العصور حماة الدين ، ورعاة آثار وتراث الرسول (ص) ، المبلغ عن رب العالمين ، بما استودعوه من علوم صحيحة وأفكار متطابقة صريحة ، سأقتصر منها على قلة المراجع التي بحوزتي ما طالته يدي من مأثور أقوالهم ومستصفى آرائهم التي هي امتداد من مركز النبوة ، وهدى من نور الإمامة ، فهذا أبو عبد الله الحسين بن علي سيد الشهداء (ع) يقول في دعاءه الشهير في عرفة الذي أرهفت له آذان السامعين وتحيرت له عقول الحاضرين ، وهز نياط قلوب المؤمنين بما حواه من سبحات القدس ولواعج الأنس : " كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر اليك ، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك ، متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ، ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل اليك عميت عين لا تراك عليها رقيبا ، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا ..".

 

قوله : (ع) عميت عين لا تراك اشارة لطيفة إلى بصيرة النفس لا إلى بصر العين لاستحالة رؤية المولى سبحانه وتعالى بالعين ، وتعددت أدلة الأئمة من أهل بيت النبوة (ع) في اثبات وجود الخالق وبيان معنى صفاته فجاءت متنوعة ومتفاوتة المعاني على مقدار عقول السائلين.

جاء رجل إلى الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) ، فقال له : دلني علي معبودي : فقال له اجلس ، وإذا غلام له صغير وفي كفه بيضة يلعب بها ، فقال (ع) : ناولني يا غلام البيضة ، فناوله اياها ، فقال : يا ديصاني هذا حصن مكنون له جلد غليظ وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة ، وفضة ذائبة ، فلا الذهبة المايعة تختلط بالفضة الذائبة ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المايعة ، فهي على حالها لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن صلاحها ، ولا دخل فيها داخل مفسد فيخبر عن فسادها ، لا يدري للذكر خلقت أم للأنثى تنفلق عن مثل الوان الطواويس ، أترى لها مدبرا ، قال : فأطرق مليا ، ثم قال : اشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له ، واشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وإنك امام حجة من الله على خلقه وأنا تائب مما كنت فيه.

 

وقيل للامام علي بن موسى الرضا (ع) يا ابن رسول الله ما الدليل على حدوث العالم ، فقال له (ع) : إنك لم تكن ثم كنت ، وقد علمت إنك لم تكون نفسك ولا كونك من هو مثلك " ، وسئل أمير المؤمنين (ع) : بماذا عرفت ربك ، قال : بفسخ العزائم ونقض الهمم ، لما هممت فحيل بيني وبين همي ، وعزمت فخالف القضاء والقدر عزمي علمت إن المدبر غيري.

وعن اثبات الصانع ، وقال (ع) : البعرة تدل على البعير ، والروثة تدل على الحمير ، وأثر القدم تدل على المسير ، فهيكل علوي بهذه اللطافة ومركز سفلي بهذه الكثافة ، لا يدلان على اللطيف الخبير.

 

وتفرد الأئمة من أهل بيت النبوة (ع) في الاستدلات العقلية والأجوبة المنطقية في التوحيد وغيره من عقيدة الإسلام ، مضافا إلى سبرهم لأغوار الوحي ونيلهم العلوم الإلهية ما فاض على اتباعهم ، معارف وحقائق جعلتهم على بصيرة من أمرهم ، وجعلت غيرهم من المتنكبين عنهم في حيرة يعبدون الله على حرف أو دونه.

 

كلام الامام الرضا (ع) في التوحيد : للامام علي بن موسى الرضا ثامن أئمة أهل البيت (ع) مناظرات واحتجاجات ، ودروس ومحاضرات في شتى العلوم الإلهية ، فيها من الأجوبة الشافية والردود الكافية ما قصم به ظهر الباطل وأعاد الحق إلى نصابه ، فقد جاء عنه (ع) في التوحيد عن محمد بن عبد الله الخراساني خادم الرضا (ع) ، قال : " دخل رجل من الزنادقة علي الرضا (ع) وعنده جماعة ، فقال لأبي الحسن (ع) : أرئيت أن كان القول قولكم وليس هو كما تقولون السنا وإياكم شرع سواء ولا يضرنا ما صلينا وصمنا وزكينا وأقررنا فسكت ، فقال أبو الحسن (ع) : وإن يكن القول قولنا وهو قولنا وكما نقول الستم قد هلكتم ونجونا ، قال : رحمك الله فأوجدني كيف هو وأين هو ، قال : ويلك إن الذي ذهبت إليه غلط وهو أين الأين وكان ولا أين ، وكيف الكيف وكان ولا كيف ، فلا يعرف بكيفوفية ولا بأينونية ، ولا يدرك بحاسة ولا يقاس بشيء ، قال الرجل : فإذا انه لا شيء إذا لم يدرك بحاسة من الحواس ، فقال أبو الحسن (ع) : ويلك لما عجزت حواسك عن ادراكه أنكرت ربوبيته ونحن إذا عجزت حواسنا عن ادراكه أيقنا أنه ربنا وأنه شيء بخلاف الأشياء ، قال الرجل : فأخبرني متى كان ، قال أبو الحسن (ع) : فأخبرني متى لم يكن فأخبرك متى كان ، قال الرجل : فما الدليل عليه ، قال أبو الحسن إني لما نظرت إلى جسدي فلم يمكني زيادة ولا نقصان في العرض والطول ودفع المكاره عنه وجر المنفعة إليه علمت إن لهذا البنيان بانيا فأقررت به مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته وانشاء السحاب وتصريف الرياح ومجرى الشمس والقمر والنجوم وغير ذلك من الآيات العجيبات المتقنات ، علمت أن لهذا مقدرا ومنشأ ، قال الرجل : فلم أحتجب ، قال أبو الحسن : أن الحجاب على الخلق لكثرة ذنوبهم فأما هو فلا يخفى عليه خافية في أناء الليل والنهار ، قال : فلم لا تدركه حاسة الأبصار ، قال : للفرق بينه وبين خلقه الذين تحركهم حاسة الأبصار منهم ومن غيرهم ثم من أجل من أن يدركه بر أو يحيطه وهم أو يضبطه عقل ، قال : فحده لي ، قال : لا حد له ، قال : ولم ، قال : لأن كل محدود متناه إلى حد وإذا احتمل التحديد احتمل الزيادة وإذا احتمل الزيادة احتمل النقصان فهو غير محدود ولا متزايد ولا متناقص ولا متجزىء ولا متوهم.. إلى آخر الحديث.

 

حدثنا : علي بن الحسن بن الفضال ، عن أبيه ، قال : سألت الامام علي ابن موسى الرضا (ع) في قوله الله عز وجل : ( كلا إنهم عن ربهم يومـئذ لمحجوبون ) ، فقال : إن الله تعالى لا يوصف بمكان يحل فيه فيحجب عنه فيه عباده ولكنه يعني أنهم عن ثواب ربهم محجوبون ، قال : وسئلته عن قول الله عز وجل : ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) ، فقال : إن الله تعالى لا يوصف بالمجيء والذهاب تعالى عن الانتقال : إنما عني بذلك وجاء أمر ربك والملك صفا صفا ، قال : وسألته عن قول الله عز وجل هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظل من الغمام والملائكة ، قال : يقول هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بالملائكة في ظل من الغمام ، قال : وسألته عن قوله تعالى : ( سخر الله منهم ) ، وعن قوله : ( الله يستهزئ بهم ) ، وعن قوله : ( ومكروا ومكر الله ) ، وعن قوله : ( يخادعون الله وهو خادعهم ) ، فقال : إن الله تعالى لا يسخر ولا يستهزىء ولا يمكر ولا يخادع ولكنه يجازيهم جزاء السخرية وجزاء الاستهزاء وجزاء المكر والخديعة تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

 

- عن الحسن بن سعيد ، عن أبي الحسن الرضا (ع) في قوله عز وجل : ( يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود ) ، قال : حجاب من نور يكشف فيقع المؤمنين سجدا ، وتدمج أصلاب المنافقين لا يستطيعون السجود ، منها قول القائل : كشفت الحرب ، عن ساق أي أظهرت نتيجتها ، عن محمد بن عبيدة ، قال : سألت الرضا (ع) عن قول الله عز وجل لإبليس : ( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) ، وقال (ع) : " يعني بقدرتي وقوتي " ، عن الحسين بن خالد ، قال : قلت للرضا (ع) : " يا بن رسول الله (ص) إن الناس يروون أن رسول الله (ص) ، قال : ( إن الله عز وجل خلق آدم على صورته ) ، فقال : قاتلهم الله وقد حذفوا أول الحديث أن رسول الله (ص) مر برجلين يتسابان فسمع أحدهما يقول لصاحبه : ( قبح الله وجهك ووجه من يشبهك ، فقال (ص) : يا عبد الله لا تقل هذا لأخيك فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته ) فيكون الضمير عائدا على الرجل الذي وقع عليه السب.

 

- عن الحسين بن خالد ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا (ع) : يا ابن رسول الله أن قوما يقولون : لم يزل الله عالما بعلم قادر بقدرة حيا بحياة قديما بقدم سميعا بسمع بصيرا ببصر ، وقال (ع) : من قال ذلك ودان به فقد اتخذ مع الله آلهة أخرى وليس من ولايتنا على شيء ثم ، وقال (ع) : لم يزل عز وجل عليما قديرا حيا سميعا بصيرا لذاته تعالى عما يقول المشركون والمشبهون علوا كبيرا.

 

التوحيد عند غير أهل البيت (ع) : لا يمكننا اظهار صحة ما نحن عليه من توحيد سليم الا بعرض ما يعتقده غيرنا من المسلمين ، فنقول أما المنحرفون عن ولاية الأئمة من أهل البيت (ع) فقد ذهبت بهم مذاهبهم إلى تبني معتقدات أساسها الكذب على الله تعالى وعلى رسوله الأكرم (ص) ، بما ابتدعه لهم علماؤهم وفقهاؤهم ، وما زكاه حكامهم لهم من أباطيل لو ثابوا إلى رشدهم منها لبكوا على ما فرطوا في جنب الله تعالى ، ولضحكوا على تفاهة عقول مبتدعيها ومنتحليها ، وأي بناء لا يكون أساسه سليما ماله السقوط ، والعقيدة التي اختلط فيها الغث بالثمين والسقيم بالسليم لا يمكن أن تفرز بعدا غيبيا وتواصلا الهيا ، وهي أقرب إلى الجهالة منها إلى المعرفة ، وإلى النفرة منها إلى الحب ، والمتتبع لجملة الأحاديث التي أوردها هؤلاء في اثبات جسمانية الخالق وتفاصيل أجزاءه وجلوسه ونزوله وتنكره وضحكه ورؤية المؤمنين له يوم القيامة يلاحظ اصرار غريبا من حفاظهم على نقل تلك المفتريات المتعارضة مع القرآن ، ومع غيرها من الروايات والتي لا يقبلها عقل سليم لم يصب بلوثة التجسيم والرؤية.

 

ثم تراهم يحثون اتباعهم على التدين بها حثا ويحرمون عليهم معارضتها أو حتى مجرد التشكيك في مدى صحتها فلم ينشأ بينهم غير التعصب الأعمى والتدين الأعرج وتولدت فيهم جراء تلك الروايات الفاسدة عقيدة عقيمة وتوحيد أقرب للوثنية وآلهة الأغريق القدامى منه إلى توحيد الحق تعالى وحلت الخرافة في الدين محل العلوم الإلهية ، والقصاصون محل العلماء حتى عجت كتبهم بها ومع ذلك لا يتحرجون ولا يتأثمون منها طالما إنهم يعتقدونها من أقوال رسول الله (ص) وبما أنني أتحدث عن مقام واحد منها فقد أخرجت ما هو متعلق بالتوحيد فقط على أن يكون لكل باب من بقيتها مقام ومقال : أخرج البخاري ومسلم وغيرهم من حفاظ العامة ما يلي :

 

1 - عن صهيب ، عن النبي (ص) ، قال : إذا ادخل أهل الجنة الجنة ، يقول الله تبارك وتعالى تريدون شيئا أزيدكم ، فيقولون ألم تبيض وجوهنا ، ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار ، قال : فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب اليهم من ربهم عز وجل.

2 - عن أبي هريرة أخبر أن أناسا ، قالوا : لرسول الله (ص) : يا رسول الله : هل نرى ربنا يوم القيامة ، فقال رسول الله (ص) هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ، قالوا : لا يا رسول الله ، قال : هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب ، قالوا : لا يا رسول الله ، قال : فانكم ترونه كذلك.

3 - عن أبي هريرة ، عن رسول الله (ص) ، قال : يد الله ملآى لا يغيضها نفقة سعاء الليل والنهار ، وقال : أرأيتم ما إنفق منذ خلق الله السماوات والأرض فانه لم يغض ما في يده ، وقال : وعرشه على الماء وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع.

4 - عن أبي هريرة : أن رسول الله (ص) ، قال : يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى الثلث الأخير من الليل ، فيقول : من يدعوني فاستجيب له ، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فاغفر له.

5 ـ في حديث طويل ، عن ابن مسعود جاء فيه ، قالوا : " مم تضحك يا رسول الله ، قال : من ضحك رب العالمين".

6 ـ وعن جابر ابن عبد الله في حديث طويل .. ثم يأتي ربنا بعد ذلك ، فيقول : من تنظرون فيقولون : ننظر ربنا ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : حتى ننظر إليك فيتجلى لهم يضحك ، قال : فينطلق بهم ويتبعونه.

7 - عن أبي هريرة ، عن رسول الله (ص) ، قال : خلق الله عز وجل آدم على صورته طوله ستون ذراعا ... ، هذه الروايات وغيرها تؤيد الرأي العام المتداول عند تلك الطائفة في أن الخالق تعالى عن ذلك جسما وجعلوا له صفات ، وقالوا : بأنها غير ذاته وأن له أعضاء كاليدين والوجه والعينين والرجل وإنه ينزل ويأتي ويضحك ويتنكر إلى غير ذلك من السفسطات والسخافات.

 

توحيد الأدعياء : قد سلك الجاحدون للامامة الشرعية والمنحرفون عن الأئمة الهداة عليهم وعلى جدهم أزكى السلام وأفضل الصلاة وهم الوهابية اتباع محمد بن عبد الوهاب ، فقد سلكوا مسلك أحمد بن تيمية وتلميذه ابن القيم واتباعهم حينما ادعوا بأنهم هم الموحدون حقا وغيرهم من المسلمين مشركون ، وأن توحيدهم لله هو التوحيد الصحيح الذي تنبني عليه عقيدة الإسلام ، والمتصفح لكتبهم ككتاب التوحيد لابن عبد الوهاب ، والعقيدة الحموية والواسطية وغيرها وهي رسائل لابن تيمية يقف على مدى بطلان عقيدتهم وفساد رأيهم وتفاهة عقولهم ، فإن الذي يثبت لله تعالى جهة الفوق والنزول والمجيء والقرب والوجه واليدين والأصابع والعينين بمعانيها الحقيقية دون تأويل ، مختل الاعتقاد وفاسد التوحيد ، ولم يقفوا عند ذلك الحد في تطاولهم السخيف بل راحوا يستنكرون ويشنعون على كل من قال : بتنزيه المولى عن كل نقص ، ولم تكن ارهاصاتهم ولا شطحاتهم تلك وليدة استنتاج علمي أو بحث فكري ، حتى تصنف في خانة الاجتهاد وإنما هو دليل يخرج به كل ذي بصيرة بعد اطلاعه عليها يعبر على سطحية وضحالة علوم كل من تبنى عقيدة هؤلاء الذين أطلق عليهم طواغيت العصور الغابرة أهل السنة والجماعة وهم للبدعة أقرب وأولى بالتسمية ، فعن أي سنة يتحدثون، إن كانت سنة رسول الله (ص) فأهل بيته الذين أذهب عنهم المولى سبحانه وتعالى الرجس وطهرهم تطهيرا وقرنهم جدهم بالكتاب العزيز أولى عقلا ونقلا ، وسيرهم تنبئك عن حالهم ، ولو رد هؤلاء اليهم ما التبس من دينهم لوجدوا عندهم ما يشفي صدورهم ويجعلهم على بصيرة من أمرهم ، وإن كانت سنة أخرى كالذي أدخله بنو أمية في الدين فانها لا تغني عن الحق شيئا.

 

طريقان لا ثالث لهما : يوجه الكاتب خطابة إلى المسلمين ، ويقول : أخي المسلم لاشك أن الدين قد مر قبل وصوله إلينا بقنوات مشبوهة كان لها أثر كبير في تحريف ما وصل إلينا منه ، وقد تضررت عقيدة السواد الأعظم من المسلمن بما علق بها من أكاذيب وتآويل خاطئة ، وقد حان الوقت لنستأصلها ونعيد الحق إلى نصابه والدر إلى معدنه بالعود الى المستحفظين على كتاب الله والناطقين عنه وثقله كما أحالنا رسول الله (ص) من قبل بقوله : " تركت فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ".

 

والمعتصم بهم آمن من الزيغ والانحراف بمنأ التناحر والاختلاف محفوظا في كنف المولى من الانصراف إلى أئمة النار وحزب الشر والأشرار اتباع الشيطان وأوليائه من الدعاة إلى التعبد بالشك والظن ، والآن ليس امامك غير طريقين لا ثالث لهما فأما ان تعبد الله الحقاله الانبياء والمرسلين إله محمد وآله الطاهرين (ص) ، الذي لا يتجزء ولا يتحيز ليس كمثله شيء ولا يرى في الدنيا والآخرة ذو الصفات التي لا تحصى وهي ذاته المقدسة ، أو أن تعبد هذا الذي يعرضه عليك هؤلاء والذي هو على صورة آدم ، وان قالوا : بلا كيف فقد كيفوا نتيجة انصرافهم ، عن آل طه وانحرافهم عن الراسخين في العلم.

 

نسأل الله تعالى ختاما أن يلزمنا كلمة التبقوي ، ولا يحيد بنا عن صراطه المستقيم ، ولا يباعد بيننا وبين أوليائه الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، ويهدي أمة الإسلام بالرجوع اليهم بعد قرون التيه والضياع إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين.

 

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين