( هشام آل قطيط )

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين

 

البطاقة الشخصية

 

مولده ونشأته : ولد عام 1965م في قرية البابيري التابعة لمحافظة حلب في سوريا ، تخرج عام 1992م من كلية الآداب اللغة العربية في حلب.

 

بداية الرحلة الفكرية : بدأت رحلته الفكرية من مجموعة تساؤلات فكرية وعقائدية تبلورت في ذهنه ، سلبت منه حالة الاستقرار النفسي ، فاندفع إلى البحث بغية الوصول إلى حالة الاستقرار والطمأنينة ، وكانت أهم الأمور التي حفزته على البحث هي مسألة معرفة الفرقة الناجية من بين ثلاث وسبعين فرقة والتي ، قال عنها رسول الله : أن اثنين وسبعين فرقه منها في النار ، فكأن يدفعه ضميره الحي إلى البحث اندفاعا لضمان الفوز بالجنة في يوم المعاد.

 

في هذه الفترة التي كان يعيشها الشيخ هشام متعطشا للعلم والمعرفة وقع بيده كتاب المراجعات عن طريق تصفحه لمكتبة أحد أصدقائه الذي تعرف عليه خلال فترة خدمة العلم ، ولكن نازعه الشك في مطالعة هذا الكتاب لأنه استحضر في باله صور تحذير علمائهم من الاقتراب بالشيعة ، والذين كانوا قد أحشوا أدمغتهم بأن الشيعة هم قتلة الامام الحسين (ع) وهم القائلين بخيانة الأمين جبرائيل في تسليمه للرسالة الإلهية إلى النبي محمد (ص) ، وهم الذين يسجدون للحجر ويسبون الصحابة ويعملون بالتقية ، فلا يمكن معرفة حقيقة أمرهم بالحوار والمناظرة ، لأنهم يخفون عقائدهم عن الآخرين ولا يبدونها لأحد الا بعد الثقة به ، فلهذا إن الحوار والمناظرة معهم مبادرة محكومة بالفشل.

 

الحيرة والاضطراب : عاش الشيخ هشام الحيرة بين تلبية نداء العقلية التقليدية التي أملتها عليه البيئة الاجتماعية والتي كان يعيش فيها ، ونداء العقلية المنفتحة التي بدأت تتبلور عنده نتيجة تخطيه حواجز التبعية والعزم على الوصول إلى الحقيقة عن طريق البحث والتتبع من دون الانقياد الأعمى للتيارات الفكرية السائدة.

 

التوجه إلى البحث : لم تمض فترة من الأنغماس في الشك والحيرة حتى اتخذ الشيخ هشام قراره النهائي فاستعار كتاب المراجعات من صديقه لمدة اسبوع ، ثم بدأ بقراءته بغية توسيع آفاق مداركه الذهنية ، ولم تمضِ مئتي صفحة من مطالعته هذا الكتاب الا وأحس أنه امام تيار هائل من الأدلة والبراهين التي زعزعت أركان معقتداته الموروثة ، فخشي أن تنهار ركائزه العقائدية إن واصل المطالعة ، فغلق الكتاب خشية أن تحطم وتهدم العاصفة التي أثارها هذا الكتاب في كيانه كل مرتكزاته العقائدية وكل مبادئه وتقتلعها من جذورها.

 

وازداد اندفاع الأخ هشام للبحث بعدما لامس التحدي الذي واجهه من كتاب المراجعات ، فانتفض هذه المرة بعزم ليعزز أركانه الفكرية التي فقدت ثباتها ، فقصد الدكتور الشيخ عبدالفتاح صقر ، الساكن في بيروت بغية أن يداوي الجروح التي أصابت عقيدته الموروثه ، لكنه لم يسمع منه سوى التحذير المطلق من الاقتراب بالفكر الشيعي.

 

عدم مواصلة البحث : ترك الشيخ هشام البحث ليدخل خدمة العلم حتى عام 1990م ، ثم تعلم مهنة الحدادة والنجارة والبناء من عمه في بيروت ، ثم باشر عمله فكان يقف مع العمال العاطلين في معرض العمال على أمل أن يأتيه أحد بحاجة إلى عامل أو معلم أو حداد أو نجار فيأخذه ليعمل آزاء أجرة معينة ، وبقى الشيخ هشام على هذه الحالة حتى صادف ذات يوم أن دخل إلى المعرض صديقه الشيعي الذي كان معه في خدمة العلم والذي استعار منه كتاب المراجعات ، فلما التقى به رحب به ، ثم دعاه للعمل معه في ورشة مصلحة البلاد ، فقبل الشيخ هشام ذلك ، وفي اليوم الثاني من العمل سأله صديقه ، عن نتائج مطالعته لكتاب المراجعات ، فتعذر منه الشيخ بأن المطالعة تتطلب ذهنية صافية وأن الفرصة لم تسمح له في تلك الفترة للمطالعة والبحث.

 

توفير أجواء البحث : قدم له صديقه الشيعي كتاب ثم اهتديت للتيجاني السماوي ، فحاول الشيخ هشام أن يتهرب من أخذ هذا الكتاب متعذرا بحجج كان ينقلها عن لسان مشايخه ، فدعاه صديقه إلى نبذ التعصب ورفض التفكير وفق الطريقة التقليدية الموروثة ، ثم قال له : دائما تقول لي ، الشيخ عندنا ، قال : كذا ، والشيخ ، قال : كذا ، فكر بعقليتك ، لا بعقلية الشيخ ، فقال له الشيخ هشام : أنا وأنت نفهم أكثر من العلماء والشيوخ ، فبين له صديقه الشيعي أن تعطيل العقل وتجميد الفكر والتقليد والتبعية العمياء تصنع من الانسان شخصية ضعيفة وغير واعية ، وهذا ما تجعلها لقمة سائغة لأصحاب المطامع لتستغلها باسم الدين وباسم العناوين البراقة فتدفعها إلى الضلال والانحراف.

 

أما الشخصية الواعية والمتفهمة والمستفسرة حسب نطاق قدرتها تكون محصنة نسبة ما ، وقادرة على التمييز النسبي بين الحق والباطل ، ومن هنا بدأ الشيخ هشام يعيش حالة الصراع الحاد في داخلية بين مواصلة البحث وقراءة كتاب ثم اهتديت ، وبين الابتعاد عن هذه الأجواء التي أربكت نفسيته ، فاستشار جملة من العلماء ، فلم يجد عندهم سوى التحذيرات الحادة من قراءة الكتب الشيعية والخوض معهم في حوار أو بحث ، وبقى على هذه الحالة يعيش الأزمة النفسية والحيرة من تحديد اتجاهه العقائدي ، حتى هيمن عليه الضعف فالزمه الفراش عدة أيام ، وكانت وصايا الأطباء ترشده إلى ترك العمل والاستراحه وترفيه النفس ، وفي هكذا أجواء اضطر الشيخ هشام إلى اتخاذ قراره النهائي ، فعزم على مطالعة كتاب المراجعات والتوجه إلى البحث والتتبع.

 

العودة إلى البحث مرة أخرى : انتهز الشيخ هشام فرصة أخذه الاجازة من العمل ، فتوجه إلى مطالعة كتاب المراجعات ، مع مراجعة مصادره من كتب أهل السنة في مكتبة دار الفتوى ، يقول الشيخ : راجعت المصادر ووقفت عليها ووجدت صدق ما يأتي به العالم الشيعي ، فاستغربت من قوة استدلال هذا العالم واحاطته الدقيقة بالتاريخ والسيرة والصحاح واستهواني الكتاب باسلوبه الجذاب ، صادف الشيخ هشام أن تعرف في بيروت حين بحثه عن بعض المصادر برجل دين شيعي ، فدار بينهما حوار حول الإمامة والخلافة ، فأهدى الشيعي إليه كتاب الامام الصادق والمذاهب الأربعة ، وأوصاه بقراءة رسالة الجاحظ في تفضيل الامام علي (ع) الموجوده في الجزء الثاني من هذا الكتاب.

 

الاحتكاك بالشيعة : بعد هذا بدأت تتفتح ذهنية الشيخ هشام ، وأصبح لا يمر من ظاهرة الا ومستخدما وعيه لمعرفتها اجمالا ، وأخذ يحتك بالشيعة ويتباحث معهم حول المعتقدات التي يعتقدونها ، حتى تعرف خلال ذلك على العلامة السيد علي البدري ، فحكى له السيد قصته وتجربته في الانتقال من المذهب السني إلى المذهب الشيعي ، وقدم له بعض كتب المستبصرين وجرت بينهم لقاءات عديدة تحاورا معا حول كثير من المسائل العقائدية ، ثم صادف أن سافر السيد الى بيروت لاجراء عملية جراحية لقلبه ، ثم سافر إلى ايران ولم تمض فتره حتى وصله نبأ وفاته.

 

اعتناق مذهب أهل البيت (ع) : واصل الشيخ البحث حتى بانت له الحقيقة بكل وضوح في نهاية المطاف ، فأعلن استبصاره ولم يخف في الله لومة لائم أو هجران الناس له ، بل جابه جميع العقبات التي أرادت أن تصده ، عن تحقق هدفه المنشود بصمود وتحدي ، حتى اندفع عام 1994م إلى الدراسة في الحوزة الزينبية من أجل أن ينهل من عذب علوم أهل البيت (ع) ولا يزال يتابع دراسته الحوزوية.

 

مؤلفاته :

 

1 - وقفة مع الدكتور البوطي - رحمه الله - في مسائله : صدر عام 1417هـ ـ 1997م ، عن دار المحجة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت ـ لبنان ودار الرسول الأكرم (ص) ، كان الدافع الذي حفز المؤلف لتأليف هذا الكتاب هو أنه استمع إلى محاضرات الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي ، الأستاذ المحاضر في كلية الشريعة ـ جامعة دمشق ـ فوجد فيها أن عرض صور بعض الحقائق وجملة من الاحداث التاريخية لم تذكر بالصورة المطلوبة ، فألف هذا الكتاب ليزيل الغموض والتشويش التاريخي عن بعض القضايا قدر المستطاع ، وله في هذا الكتاب جملة من الملاحظات على أقوال الدكتور البوطي فيما يخص بعض المسائل منها : مأساة أهل البيت ، دراسة التاريخ ، عدالة الصحابة ، الإمامة ، والخلافة ، وراثة الأنبياء ، الشورى ، حديث المنزلة ، حديث الغدير ، مكانة الامام علي (ع) اتخاذ القبور ، حديث كتاب الله وسنتي ، التقية ، نشأة التشيع و ...

 

حوار ومناقشة كتاب عائشة أم المؤمنين للدكتور البوطي : صدر عام 1418هـ ـ 1998م ، عن دار المحجة البيضاء ـ بيروت ـ لبنان ودار الرسول الأكرم (ص) ، يقول المؤلف في المقدمة : هذا البحث الذي بين يديك هو دراسة عن حدث تاريخي مهم ، ومفصل من مفاصل التاريخ الإسلامي الذي حظى بشهرة عظيمة ، وصيت ذائع ، ومكانة مقدسة ، وهالة عظيمة ، لم تجرؤ بعض الأقلام على خوض الحقيقة في غماره الشائك ، وهذه الدراسة تستهدف البحث حول واقع تلك الهالة المقدسة وما خلفته من احداث جسام وويلات تلو الويلات ، فحاولت جاهدا في هذا البحث أن أحدث شرخا في جدار التعتيم المضروب على تلك الهالة المقدسة ، فحاولت قدر المستطاع تسليط الضوء على احداث قامت بها شخصية إسلامية مهمة ، وهي زوج رسول الله (ص) السيد عائشة أم المؤمنين لما لها من أثر في مجرى الاحداث التاريخية في الإسلام.

 

وقد تطرق الكاتب خلال نقده لكتاب عائشة أم المؤمنين لمؤلفه الدكتور البوطي ، فأبدى بعض الملاحظة على جملة من المسائل العقائدية التي أوردها الدكتور البوطي من منطلق وجهة نظره ، وحاول المؤلف أن يتوقف على بعض آرائه فيناقشها بموضوعية وحوار علمي بناء ، فكانت من جملة المواضيع التي تم التعرض لها :

 

ـ مفتريات على صاحب الرسالة.

ـ النبوة في الصحيحين.

ـ سرقة القاب الصديق والفاروق ووضعها لأبي بكر وعمر.

ـ معجم شتائم وأساءات الدكتور البوطي.

ـ دور الشيعة في تطور العلوم الإسلامية.

ـ التعريف بمالك الأشتر.

ـ حديث العشرة المبشرون بالجنة.

ـ التحقيق في قضية ابن سبأ.

 

وأما موضوع سيرة عائشة فهو يعتبر المحور الأساسي الذي تم تسليط الضوء عليه ، حيث قام المؤلف بتبين جوانب متعددة ترتبط بعائشة من قبيل :

- قضية تفضيلها على بقية أمهات المؤمنين.

_ غيرة عائشة من نساء النبي (ص).

- جملة من مواقفها في عهد الرسول (ص).

- ارث عائشة من النبي (ص).

- قيادتها لجبهة المعارضة في عصر عثمان.

- معارضتها الكبرى في زمن الامام علي (ع).

- سبب اختلاف أحاديثها.

 

3 - ومن الحوار اكتشفت الحقيقة ( من بيروت كانت البداية ) : صدر عام 1421هـ ـ 2000م ، عن دار المنتظر ـ بيروت ، يتعرض المؤلف في كتابه هذا الى ذكر مراحل رحلته الفكرية الشاقة والمريرة في المذهب والمعتقد ، فيذكر من المراحل :

 

ـ مرحلة الحيرة والشك التي تمكن أن يتحرر منها عبر بذل الجهد في البحث والمطالعة واللقاءات العديدة التي أجراها مع السيد علي البدري ، والتي من خلالها تفتحت آفاقه الذهنية على حقائق أنارت له طريق الهداية.

ـ مرحلة المامه بمجموعة من الحوارات والمناظرات التي تمت بين بعض علماء الشيعة والسنة ، ثم يبين النقاط التي استوقفته بشده.

ـ مرحلة التفاته إلى ظاهرة تشيع جملة من علماء ومثقفي أهل السنة ، وتبيين الدور الذي كان لها في اليفظة والتحرر من الغفلة.

ـ مرحلة الوعي بأنه كان ضحية لأحاديث اخترعتها السياسة الأموية ، فيبدأ بتنقية أفكاره منها واحدة تلو الأخرى حتى يصل إلى مرحلة النقاء الفكري ، فعندها يجد نفسه مستعدا لتقبل الحقائق بكل ترحاب.

ـ مرحلة تخطي الاشاعات التي كانت تحول بينه وبين التشيع.

ـ أسباب تحوله العقائدي وانتقاله إلى مذهب أهل البيت (ع) فيذكر جملة من الأدلة منها أحاديث الدار ، الثقلين ، الخلفاء الاثني عشر ، السفينة وغيرها.

ـ ذكر أهم الاحداث التاريخية التي ألوت بعنقة لاعلان التشيع ، من قبيل : رزية الخميس ، حادثة الصحابة في صلح الحديبية ، سرية أسامة ، حادثة الشورى المصطعنة ، وفي نهاية الكتاب يذكر المؤلف مجموعة من الأدلة والنصوص الموجبة لاتباع علي (ع).

 

4 - محاكمة شيخ الأزهر ـ الأزهر بين فكي كماشة ، التيار السلفي وظاهرة التوظيف الديني ، ( وثائق وحقائق ) : طبع هذا الكتاب طبعة جديدة منقحة عام 1421هـ ـ 2000م ، يتضمن هذا الكتاب انتقادات جملة من العلماء والفضلاء على مجموعة من أفكار ومواقف شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي ، وكان من جملة الذين وجهوا انتقاداتهم اليه : الكاتب المصري صالح الورداني ، السيد محمد حسين فضل الله ، الدكتور البوطي ، علماء الأزهر ، الدكتور وهبة الزحيلي ، الأستاذ حسن الجواهري ، الشيخ كامل حاتم ، الدكتور أسعد علي ، الدكتور عارف تامر ، الشيخ عبد الله زين الدين ، والدكتور عمر أبو زلام.

 

5 - المتحولون ـ حقائق ووثائق ـ ظاهرة تحول تلك النخبة من العلماء والمثقفين نحو مذهب أهل البيت (ع) ، صدر عن دار المحجة البيضاء للطباعة والنشر ـ بيروت ـ في ثلاثة أجزاء ، وهو كتاب تعريف لكثير من الشخصيات المرموقة التي تحولت من المذهب السني إلى مذهب أهل البيت (ع) مع ذكر نبذه مختصرة عن حياتهم ونشاطهم الفكري والثقافي ، واشارة إلى بعض كتبهم واقتطاف ما أوردوه فيها حول قصة استبصارهم وأهم الأسباب والدواعي والأدلة العلمية التي دفعتهم إلى ذلك ، مع ارفاق جملة من مناظراتهم وحواراتهم ولقاءاتهم الصحفية بتراجمهم ، مزودة بصورهم وصور أغلفة كتبهم وما تم نشره عنهم خصوصا في موقع مركز الأبحاث العقائدية ( صفحة المستبصرين ) ، ومجلة المنبر وكتاب المستبصرون وباقي الصحف والمجلات.

 

وقفة مع كتابه : ومن الحوار اكتشفت الحقيقة ، خصائص الحوار والمحاور : الحوار يحتاج إلى طرف آخر تنفتح عليه وتحاول أن تصل معه إلى قناعات مشتركة حول مواضيع الحوار ، ثم إنك لا تريد أن تجبره اجبارا على أفكار لا يقتنع بأدلتها وأصولها ، ثم تحاججه بالمنطق وتخاطبه بالعاطفة فيكون الحوار حوار العقول والقلوب ، ولابد للمحاور إذا أراد من حواره الوصول إلى ، ثمرات نافعة أن يقبل بالحجة والبرهان الساطع إذا قام لديه واقتنع به في نفسه ، فلا يعاند ولا يكابر ولا يشمخ بأنفه لأن ذلك نقض لغرض الحوار ، كما إنه لا يصح من المحاور أن يرفض الأدلة الواضحة بالتأويل والتبرير والتلبيس فيوقع نفسه في الشبهات من حيث يدري أولا يدري ، أو يجر الحوار إلى مجادلات عقيمة لا تثمر وتضيع الوقت والجهد وتؤدي إلى تنافر القلوب.

 

ولكي تحارو الطرف الآخر باسلوب أفضل مع نتائج للحوارات ذات فائدة ، لابد أن تعرف الأصول الفكرية لهذا الطرف مع دراسة مقومات بناءه الفكري الشخصي والعام ، فأنت مثلا لابد أن تقرأ كتب مدرسته الفكرية التي ينتمي اليها ، فبدون ذلك قد تصطدم بعقبات في مجرى الحوار يصعب اقتحامها ولا تستطيع مواصلة الطريق نتيجة ذلك ، ولابد للحوار أن يكون بهدوء وترو ، وإن يكون المحاور ذا نفس طويل في الحوار ، لا يستعجل الوصول إلى النتائج بدون أن يستوفي الحوار كل الجوانب المحيطة بموضوع الحوار.

 

وطبيعة الحوار أن يسير بمسيرة تكاملية ويتدرج في الوصول إلى مبتغاه ، فكل طرف يلقي بأفكاره وحججه ، ثم يدافع عنها بعرض أحسن وصقل أوفى عندما ينتقدها الطرف الآخر أو يحاول أن يفندها ، وهكذا يستمر الأمر بين طرفي الحوار بتهذيب الكلام والتدقيق في الأدلة إلى أن يصل إلى النتائج المطلوبة والأهداف المرجوة ، والانسان المليء والواثق من أفكاره وعقائده لا يخاف من الحوار ولا يضع خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها أو الاقتراب منها ، إذ لا حدود امام الحوار إذا كان الهدف الوصول إلى الحقائق المجردة ، لكن هذا لا يعني التوهين المتعمد للعقائد وجرح شعور الطرف المخاطب أو السامع للحوار أو حتى القارىء له بعد حين ، بما يؤدي إلى التنافر والتباغض أو ترك الحوار أو نقض الغرض منه في التآليف والوصول إلى نتائج ذات منفعة.

 

تجربة الاستاذ هشام : تهيأت للأستاذ هشام فرصة الحوار مع أحد العلماء ـ والحوار مع العلماء له ميزاته الخاصة ـ فاهتدى إلى اكتشاف حقائق لم يكن يصل اليها لو أنه ترك الحوار في وسطه ولم يواظب عليه حتى الحصول على ، ثمراته النافعة التي تستريح اليها النفس ولا تعود تطلب المزيد ، وقد حصل الأستاذ على هذه البشرى والراحة النفسية باستخدام عقله واستماعه للقول واتباع أحسنه والتمسك به كمنار على درب الهدى الإلهي الذي يختص به ناسٌ دون آخرين.

 

شبهات زالت مع الحوار : كانت تدور في ذهن الأستاذ هشام عدة شبهات قبل اقتناعه الكامل بالتشيع وصحة مذهب أهل البيت (ع) وقد أجاب على هذه الشبهات أحد علماء الشيعة ، ونحن هنا نذكر بعضا منها باختصار على شكل أسألة وأجوبة :

 

ـ سؤال : إذا كنتم أهل الشيعة تعتقدون بأن عليا (ر) هو الامام بعد النبي (ص) والخليفة دون غيره ، وأنه أحق بها وأهلها ، فما الوجه في تقدم الخلفاء الثلاثة وادعائهم الإمامة دونه واظهارهم أنهم أحق بها منه.

- جواب : هذه شبهة تخطر في ذهن كل سني في البداية إذ بحث في هذا الموضوع ، والجواب : إن هناك نصوصا وأدلة من القرآن والسنة النبوية الشريفة اتفق عليها الفريقين السني والشيعي ، فمن الأدلة القرآنية آية التبليغ : ( يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) ، وقد اجمع المفسرون من السنة والشيعة على أنها نزلت في غدير خم في شأن علي (ع) في تحقيق أمر الخلافة والإمامة وإنها نصٌ من الله سبحانه وتعالى.

 

ـ سؤال : لم أسمع جوابا على سؤالي بالتحديد خاصة وأن الأكثرية أجمعوا على خلافة أبي بكر.

- جواب : المصدر التشريعي الأول هو القرآن ونحن أوردنا هذا الدليل منه لتأخذه بالاعتبار ، أما ما اوردته كدليل لفعل الخلفاء وهو الأكثرية فليس بحجة ولا يعد دليلا علميا علي صوابهم وأن الحق في جانبهم.

 

فعل الأكثر لا يدل على الصواب : وردت آيات قرآنية تدل على أن الحق لا يكون دائما بجانب الكثرة وإنما الأغلب هو بجانب القلة ، ومن ذلك قوله تعالى : وإن تطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله ، وقال تعالى : وقليل من عبادي الشكور ، وقوله تعالى : وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفـسقين ، وقوله تعالى : فأبى أكثر الناس الا كفورا ، وقوله تعالى : إن الله لذو فضل علي الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون ، وقوله تعالى : يعرفون نعمت الله ، ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون ، وقوله تعالى : بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون.

 

- سؤال : يقول الله تعالى : محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ، اليس الخلفاء الثلاثة كانوا مع النبي (ص).

- جواب : الآية لا تختص بالخلفاء الثلاثة وتشمل غيرهم من الصحابة ويدخل في عمومها الاطلاقي كل من كان مع النبي (ص) ، فإذا كان المراد من الآية كل من كان مع النبي (ص) في الزمان والمكان أو بظاهر الإسلام ، فقد صرت إلى أمر كبير وهو مدح المنافقين الذين ( معه ) (ص) في المكان وكانوا يتظاهرون بالإسلام ويبطنون النفاق كما صرح القرآن.

 

- سؤال : لكن الخليفة أبي بكر كان مع رسول الله في الغار ، الا يحقق ذلك معنى الآية : والذين معه ، فلماذا تنكرون هذه الفضيلة التي تكررت في آية الغار : إن الله معنا ، وتغفلون شرف الهجرة مع الرسول وانزال السكينة على أبي بكر ، وشرف الصحابة الذي تعبر عنه آية الغار.

- جواب : أخذ الرسول أبا بكر معه على غير ميعاد ، وقال الشيخ أبو القاسم ابن الصباغ في كتابه ( النور والبرهان ) وهو من كبار علماء أهل السنة : أن أبا بكر بعدما التقى بالنبي (ص) في الطريق اقتضت الحكمة النبوية أن يأخذه معه ولا يفارقه لأنه كان من الممكن أن يفشي أمر الهجرة ، وكان المفروض أن يكون سرا ، بينما نجد الرسول (ص) أمر عليا فنام على فراشه وخشى من أبي بكر أن يدلهم عليه فأخذه معه ومضى إلى الغار ، ثم ان ما ذكرت من شواهد في آية الغار لا تدل على أحقية أبي بكر بالخلافة ، بل لقائل أن يقول : إن صحبة الأخيار والأبرار لا تكون دليلا على البر والخير ، فكم من كفار كان بصحبة بعض المؤمنين والأنبياء وخاصة في الأسفار.

 

وأما الاستدلال بقوله : إن الله معنا ، فليس فيها فضيلة لأحد لأن الله تعالى لا يكون مع المؤمنين فحسب ، بل يكون مع غير المؤمنين ، كقوله تعالى : ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر الا هو معهم أين ما كانوا ... ) فالله عز وجل بحكم هذه الآية يكون مع المؤمن والكافر والمنافق ، ولو سلمنا أنها فضيلة فإن الأمور بعواقبها وهي ليست أكثر من عبادة إبليس لله سبحانه المستمرة لآلاف السنين التي ذهبت أدراج الرياح بعد رفضه أمر الله بالسجود لآدم ، أوذلك العالم الذي تذكره الآية : واتل عليهم نبأ الذى آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين.

 

- سؤال : فما تقولون في قوله تعالى : فأنزل الله سكينته عليه ، والضمير في (عليه) يرجع لأبي بكر وهذا شرف من الله خصه فيه.

- جواب : الضمير يرجع إلى النبي (ص) وليس لأبي بكر بقرينة الجملة التالية في الآية : وأيده بجنود لم تروها ، وقد صرح جميع المفسرين أن المؤيد بجنود الله سبحانه هو النبي (ص) ، ولا نستطيع القول أن السكينة نزلت على أبي بكر دون رسول الله (ص) ، أما القول بأن أبا بكر يحتاج إلى السكينة فنزلت عليه أما الرسول فالسكينة معه دائما فلا يحتاج إلى نزولها ، فجوابه من القرآن بهذه الآية : ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها ، وذلك في غزوة حنين ، ويقول في آية أخرى : فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التبقوي.

 

- سؤال : بعد كل ما طرحناه من تساؤلات ومناقشات وردود من قبل سماحتكم إلى أين تريد أن توصلني.

- جواب : يا أخي نحن لسنا بحاجة إن تشيعت أم لم تتشيع ، لدينا أكثر من 300 مليون شيعي في العالم ، ولكن الواجب الشرعي يفرض علي : أن أبين لك بالأدلة والبراهين أين هو الحق ، فالمسلم الواثق من عقيدته لا يهاب الحوار ، ولا تخيفه المناقشات ، وأرجو منك أن تقرأ كتب الشيعة بدقة وتعمق الفكر في أدلتنا وبراهيننا ، أقول هذا لأني فتشت أسواق القاهرة ، والحجاز ، والخليج ، والأردن ، وأسواق الشام ، وأندونيسيا ، وتنزانيا ، وبومباي وغيرها من البلاد الإسلامية التي غالب سكانها من أهل السنة أو حكامها من أهل السنة والجماعة فما وجدت كتب الشيعة في مكتباتها ، فكأنكم ـ مع الأسف ـ آليتم أن لا تطالعوا كتب الشيعة ، فلا أدري هل حكمتم عليها بأنها كتب ضلال فحرمتم قراءتها، وإني دخلت بيوت كثير من أخواننا أهل السنة علماء وغير علماء ، وخاصة الذين يهوون مطالعة الكتب ويملكون مكتبات شخصية في بيوتهم ، فوجدت فيها كتب مختلفة حتى كتب غير المسلمين من الشرقيين والغربيين ، ولم أجد كتابا واحدا من كتب الشيعة.

 

ولا أجد مكتبة واحدة من مكتباتنا العامة والخاصة تخلو من صحاحكم وكتبكم ومسانيدكم وتواريخكم وتفاسيركم لا لحاجة منا اليها ، لأن مدرسة أهل البيت (ع) غنية والأخبار المروية عن العترة الطاهرة تناولت جميع جوانب الحياة وكل ما يحتاجه الانسان في أمر الدين والدنيا.

 

- سؤال : اليس الكلام والنقاش حول هذه المواضيع يزيد المسلمين تنافرا وحقدا وابتعادا ، كيفما كان الأمر فنحن ماكنا في ذلك الوقت حتى نلمس الأمر ونتحسس الاحداث ، فأقول لك : تلك أمة قد خلت ، فنحن لا نحاسب عنهم إن أخطأوا.

- جواب : هذا كلام من لا يملك الحجة والدليل الشرعي ، فيقول : تلك أمة قد خلت ، يجب على كل مسلم أن يتبع الحق لا أنه يستسلم للأمر الواقع ، فكم من ضلال وباطل قائم في الدنيا فهل يجوز للمسلم أن يتبعه ويتقبله ، ثم يقول : إنه أمر واقع وليس لنا الا أن نستسلم للأمر الواقع فإسلام دين تحقيق لا دين تقليد ، قال : سبحانه وتعالى : فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، فهل يجوز للمسلم أن يترك هذه النصوص الجلية والأحاديث النبوية المروية عن صحاحكم وتاريخكم.

 

لا تحاور الشيعي : يقول الأستاذ هشام : عندما بدأت بالبحث عن الحقيقة كان امام المسجد عندنا في القرية ، يقول لي : ان الشيعة لسانهم كالسحر إياك والجلوس معهم أو المحاورة معهم فانه يقلبون الحقائق ، ويقول لك راجع البخاري وراجع مسلم ، وراجع الترمذي وراجع التواريخ ... وليس فيها من كلامهم شيء ، فقلت له : شيخنا الجليل ما دمنا نحن على الحق ... فلماذا نخاف من محاورة الشيعي ، لماذا لا نرجع إلى البخاري ومسلم والتواريخ لكي نرى كلام الشيعي هل هو صحيح أم لا ، إما أن نخاف من محاورتهم فذلك نقص عندنا والحق مع الشيعي.

 

وما دام عندنا القرآن وكتب الحديث والأسانيد فعلينا أن نحاورهم بالحسني وبالدليل كما يقول تعالى : قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ، وإن كنا نحن على الحق فالواجب الشرعي يفرض علينا هدايتهم إذا كانوا على ضلال ، والا الخوف من محاورتهم يعني العكس ، فتركني الشيخ ولم يلق علي السلام بعدها ، فوجدت أن هذا الشيخ لا يقبل الحوار قد أثرت في نفسه الاشاعات والدعايات الكاذبة على التشيع ، حيث أثير نقاش في جلسة من الجلسات في القرية ، فحذر الناس مني ومن أفكاري ، وهاجمني هجوما حادا غير عقلاني امام الناس ، وقال لي : أنتم الشيعة ، تحرفون القرآن ، وتستعملون التقية ، وتقولون في الأذان اشهد أن عليا ولي الله وتقولون بالمتعة وتقولون في آخر الصلاة خان الأمين وتسبون الصحابة وتعملون على طمس الحقائق ونشر الأضاليل ...

 

قلت : وعلى مر التاريخ هناك دعاة للحق ودعاة للباطل ، وكثير من العلماء والمثقفين السنة الذين وقفوا ضد التشيع وحاربوه كان ذلك منهم نتيجة تصديقهم لبعض هذه الاشاعات وهذه الأكاذيب بحق أهل البيت (ع) ، وقد توالت الاشاعات بقوة عبر التاريخ ضد أهل البيت (ع) منذ الأيام الأخيرة لحياة رسول الله (ص) ومرورا بالتغطية الاعلامية على خلافة علي (ع) واغتصاب حقه ومظلوميته الفاضحة ، ومظلومية زوجته الزهراء (ع) بحيث اغتصب حقها وارثها من أقرب المقربين لرسول الله (ص) الذين يدعون بأصحابه ، ومرورا بمظلومية أولاد الرسول (ص) كسم الامام الحسن (ع) من قبل معاوية وقتل الحسين (ع) وقطع عنقه وحمل رأسه الشريف من العراق الى الشام وأي مظلومية كهذه ، الذي يندى لها جبين الانسانية وجبين المروءة وجبين الكرامة وجبين العزة الإسلامية.

 

اسطورة عبد الله بن سبأ : يورد الأستاذ هشام في كتابه هذا الموضوع بما يلي : لقد كتب الكثير حول اسطورة عبد الله بن سبأ من خصوم الشيعة ، وأن عبد الله بن سبأ هو الذي روج للشيعة مذهبهم الذي يعتمد على الوصاية وأن الوصاية مأخوذة من أصل يهودي ، وبالتالي خرجوا بنتيجة أن التشيع يهودي مصدره هذا الشيخ المسمى عبد الله بن سبأ ، وأن ابن سبأ هو الذي دفع الناس وألبها على عثمان بن عفان عندما قتل ، وأن ابن سبأ استطاع بحنكته أن يشوش على عدد كبير من الصحابة ليثيروا الفتنة والشغب كما يريد ، هذا وما جاء به بعض أصحاب الأقلام المأجورة قديما وحاضرا ... ، والحقيقة أن عبد الله بن سبأ شخصية وهمية مخترعة لا حقيقة لها ، وقد ذكر الدكتور طه حسين الأسطورة السبأية ، حيث استعرض أولا الصورة التي رسمت لابن سبأ ، ثم مزقها بعد تحليل دقيق ، ودعم رأيه بالأمور التالية :

 

1 ـ ان كل المؤرخين والثقات لم يشيروا إلى قصة عبد الله بن سبأ ، ولم يذكروا عنها شيئا.

2 ـ ان المصدر الوحيد لرواياته التي نقلها الطبري هو سيف بن عمر وهو رجل معلوم الكذب ومقطوع بأنه وضاع.

3 ـ ان الأمور التي أسندت إلى عبد الله بن سبأ تستلزم معجزات خارقة لفرد عادي كما تستلزم أن يكون المسلمون الذين خدعهم عبد الله بن سبأ وسخرهم لماربه ، وهم ينفذون أهدافه بدون اعتراض في منتهى البلاهة والسخف.

4 ـ عدم وجود تفسير مقنع لسكوت عثمان وعماله عنه مع ضربهم لغيره من المعارضين كمحمد بن أبي حذيفة ومحمد بن أبي بكر وعمار وغيرهم.

5 ـ عدم جود أثر لابن سبأ ولجماعته في واقعة صفين وفي حرب النهروان ، وقد انتهى طه حسين إلى القول : إن عبد الله بن سبأ شخص ادخره خصوم الشيعة للشيعة ، ولا وجود له في الخارج ، وما قاله الباحث المصري المتشيع ( سعيد أيوب ) يكشف عن الحقيقة : لماذا عبد الله بن سبأ لم يمزق وحدة المسلمين في الشام ، ومن الثابت والذي لا خلاف عليه أن القصص وسرد الحكايات كان وجبة أساسية على امتداد العهد الأموي ، وتحت ظلاله سبوا أمير المؤمنين عليا في البيوت والحارات وفي المساجد ، ولا ندري إذا كان عبد الله بن سبأ معروفا لأهل الشام حتى إنهم أخرجوه فلماذا لم يقتله معاوية وهو الذي قتل حجر بن عدي بعد ذلك تحت دعوى أنه خطر على النظام ، ثم لماذا لم يبحث عنه معاوية يوم أن جلس على رقبة الأمة ، وهو الذي كان يبحث عن المعارضين تحت كل حجر ، وأتى بعمرو بن الحمق ، وقطع رأسه وأهداه إلى زوجته فكان أول رأس أهدي في الإسلام.

 

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين