( الأستاذ / الهاشمي بن علي رمضان )

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين

 

البطاقة الشخصية

 

مولده ونشأته : ولد في مدينة قابس بتونس عام 1968م ، ونشأ في أسرة تعتنق المذهب المالكي ، حصل على شهادة الليسانس في اللغتين الانجليزية والايطالية سنة 1994م من جامعة تونس ، كما إنه يجيد اللغة الفرنسية.

 

الشعور بالاستغناء عن البحث : كان الهاشمي منذ طفولته متعلقا بالدين والمذهب وكان يرى وفق ما أملته عليه البيئة الاجتماعية أن المذهب المالكي هو أفضل المذاهب الإسلامية الأربعة ، فيقول : كنت أفاخر بأن المذهب المالكي هو روح الإسلام ولبه ، وأنه المذهب الوسط بين المذاهب الإسلامية ، فلا هو يميل إلى المعتزلة المتعقلين أكثر من اللازم ، ولا يقترب من الحنابلة المجسمة والخرافيين والمضحكين ، وفي الحقيقة ما كنت أعرف عن المذهب المالكي ولا عن مؤسسة القليل ولا الكثير ، فلهذا ما كان يشعر الهاشمي بالحاجة إلى البحث ، لأنه يرى أنه على الحق ، فكان يقول : ما الحاجة إلى البحث والتنقيب ، أو ليس قد ولدنا مالكيين وعشنا مالكيين ونموت مالكيين.

 

بلورة هوايته نحو المطالعة : بقي الهاشمي على هذه الحالة حتى دخل مرحلة التعليم الثانوي ، فاتجهت رغبته وأنصب شوقه إلى المطالعة التي كان المعلمون يشجعونهم عليها ويوفرونها لهم مجانا في المدرسة ، ويقول الهاشمي : كان المعلمون يرغبوننا بالمطالعة لتقوية زادنا في العربية والفرنسية ، وكان اعطاؤنا القصص يتجاوز المنحى الترفيهي إلى المنحى التعليمي.

 

ويضيف : مع مرور الزمان بدأت اقرأ بشغف قصصا أكبر حجما وأعمق مضمونا ، لكن مع دخولي مرحلة المراهقة بدا وضعي الجديد يفرض علي الابتعاد عن القصص الملونة الجميلة ، حيث صارت تمثل لي مرحلة من العمر بدأت في مفارقتها ، ولم تعد تلكم القصص تروى غليلى إذ أنها من ناحية كمها كانت تبدو صغيرة جدا ومن ناحية كيفها بدأ الجو الدراسي العام يشعرنا بأننا كبرنا عليها وينبغي الاتجاه إلى تلخيص وتحليل روايات وآثار معاصرة لأدباء معاصرين.

 

التوجه إلى مطالعة التاريخ : يقول الهاشمي : سرعان ما استعضت عن هذه الروايات بشيء أكثر بريقا وأكثر امتاعا ، حيث وجدت في التاريخ ضالتي المشودة التي تحقق لي حاجتي إلى التسلية والتحليق في فضاء أرحب وأوسع ، لكن شغفي بالتاريخ فتح عيني على حقيقة عظمى وغير من حياتي الشيء الكثير.

 

المفاجئة بحقائق التاريخ الإسلامي : لاحظ الهاشمي حين قراءته للتاريخ الإسلامي أن فيه تناقضات غريبة وعجيبة من بينها خلاف الصحابة واقتتالهم ومخالفة البعض منهم للكتاب وللرسول (ص) ، فيقول : شعرت بتمزق نفسي كبير بين ما نشأت عليه من عقائد ومقدسات وبين ما أرى بعيني من حقائق ، وكانت من جملة الحقائق التي اصطدم بها الهاشمي ، أنه سمع ذات يوم من استاذ مادة التاريخ ، حينما مر علي معركة صفين أنه قال مبتسما : فاقترح الداهية عمرو بن العاص فكرة رفع المصاحف حتى يخدعوا جيش علي وينجوا من الهزيمة المنكرة التي بدأت تلوح لهم ، فيقول الهاشمي : صعقنى جدا هذا الكلام ، فقلت في نفسي : أعمرو بن العاص يفعل هذا ، هذا الصحابي الجليل ـ الذي عرفناه من أقطاب الصحابة كما قال لنا شيوخنا ـ يخدع ويمكر ، إذن أين تبقوي الصحابة واخلاصهم الذي ذكره لنا شيوخنا ، شعرت حينها بتمزق نفسي شديدا بين ثقافتي الإسلامية التي تقدم كل الصحابة وترفعهم إلى صفوف الملائكة وبين حقائق التاريخ إن كانت حقة.

 

رجعت إلى البيت مغموما وسألت أخي عن المسألة ، فقال لي : إن هذا ليس من شأننا فلا تخض فيه وهم ـ أي الصحابة ـ أدرى بزمانهم و ... لم يقنعني هذا الكلام البارد الفارغ من كل معنى ، وهل يمكن أن يمارس المؤمن العادي الخداع والمكر ، فكيف بالصحابة ، وبحث الهاشمي عن هذه المسألة قليلا ، لكنه لم يجد أي تفاعل ممن حوله ، فلم يصل إلى الجواب المقنع ، فيقول : قفلت عليها في صدري والقيت حبلها على غاربها ومضيت.

 

بداية التعرف على التشيع : مضت على هذه الحادثة التي واجهها الهاشمي سنوات ، حتى شاءت الأقدار أن تجمعه مع صديق قديم وزميل دراسة كان قد افترق عنه مدة من الزمن وإذا به يسمع أنه شيعي، يقول الهاشمي بعد استغرابه من تشيع زميله : كنت قاطعا ببطلان مذهب الشيعة وانهم متطرفون في عقائدهم ، وكنت أسمع ما كان ينقله البعض حول بكاءهم على الحسين وسبهم للصحابة ، فيزداد عجبي ، وكنت أتمنى أن التقي بواحد منهم لأقنعه أو على الأقل لأعرف لماذا هم هكذا ، ومن هنا بدأ الهاشمي يناقش صديقه الشيعي ، وخاض معه نقاشات عديدة ، حتى بان له الحق ، وتعرف على واقع الأمر ، واتضح له أحقية مذهب أهل البيت (ع) ، فيقول : رأيت أن الشيعة مذهب صاف عقلاني ملىء بالحجج الدامغة من القرآن الكريم والسنة المحمدية ولا مجال للخرافات والتحريفات والأكاذيب فيه ، وهكذا إذ بينما كنت أنسب إلى الشيعة كل قبيح ، إستفقت على أن مذهبهم حق.

 

كلمة أخيرة لكل انسان حر : يقول الهاشمي : أنا من موقعي هذا أدع كل انسان حر أن يطلع على كتب الشيعة وعلى آرائهم من دون واسطة ، ويدعو الهاشمي جميع أبناء العامة إلى البحث حول التشيع ، فيقول : جربوا أن تطالعوا عن التشيع والشيعة الاثني عشرية ، فليس في ذلك بأس ولا ضرر ولا فتنة ولا سم كما يدعي بعض العلماء المتحجرين ، بل إن أحدنا يفاخر بأنه يقرأ مجموعة آثار فيكتور هيجو مثلا أو اطلع على مسرحيات شكسبير وتجده جاهلا بما يقوله اخوانه وبما يعتقدونه جهلا مطبقا.

 

مؤلفاته :

 

1 - الصحابة في حجمهم الحقيقي : صدر عام 1420 ، عن مركز الأبحاث العقائدية ، ضمن سلسلة الرحلة إلى الثقلين ، وهو دراسة عقائدية وتاريخية ترفع الضبابية عن الأعين في شأن عدالة جميع الصحابة وقد استند المؤلف في هذه الدراسة إلى القرآن وأقوال الرسول (ص) ورأي الصحابة في بعضهم البعض رأي التابعين في الصحابة.

2 - حوار مع صديقي الشيعي : صدر عن مركز الأبحاث العقائدية ، ضمن سلسلة الرحلة إلى الثقلين ، وهو خلاصة لنقاشات وحوارات دارت بينه وبين أحد أصدقائه الشيعة في مدينة قابس ، والتي خاض فيها مع صديقه حول أهم عقائد الشيعة الاثنى عشرية ، منها : التقية ، والمتعة ، والتوسل ، والامام المهدي ، وعدالة الصحابة.

 

وقفة مع كتابه : الصحابة في حجمهم الحقيقي : الصحابة جيل من الناس عاصر الرسول محمد (ص) أيام بعثته فرأوه وآمنوا به وكان معظمهم من أهل المدينة وأهل مكة وما حولهما من القبائل العربية ، وكانوا قبل الرسالة يعبدون الاصنام كبقية أبناء الجاهلية في مناطق الجزيرة العربية ، وبعد أن بعث الله سبحانه وتعالى الرحمة الهداة الرسول محمد المصطفى (ص) من أبناء إبراهيم (ع) والذي يتحدث بلغتهم وينتسب إلى بني هاشم من قبيلة قريش التي كانت تسكن مكة في جوار الكعبة بيت الله العتيق الذي بناه إبراهيم وإسماعيل (ع) شملتهم الرحمة الإلهية فاهتدوا بهدى الإسلام الدين الذي ارتضاه الله للناس أجمعين.

 

ويحكي واقع تاريخ المسلمين أنه بعد وفاة رسول الله (ص) اختلف الصحابة فيما بينهم وقامت بينهم الحروب وعاد معظمهم على أدبارهم القهقرى ، كما يشهد بذلك حديث الحوض ، الذي تنبأ فيه رسول الله (ص) بانحراف معظم أصحابه ، وآلت أمور المسلمين إلى قيام الدولة الأموية على يد الصحابي معاوية بن أبي سفيان الذي كان أبوه قائد الكفار المحاربين للرسول (ص) ، وقد عمل معاوية ـ بعد أن تسلم مقاليد الأمور ـ على شراء الضمائر بالأموال ليمحوعن نفسه عار العداء للرسول (ص) وآل بيته الأطهار ، فاستجاب له ولمن أتى من بعده من الجبابرة بعض الصحابة والتابعين من عبيد الدنيا فأدخلوا في الدين وفي الحديث ما أرادوا من تشويه وتزييف وتحريف.

 

وكان من ضمن هذه الأساليب التي اتبعها أشباه العلماء هؤلاء بائتمار من الحكام الظالمين هو القول بعدالة جميع الصحابة حتى لا تنفضح مخازي بني أمية ، وحتى تضيع المصادر الحقيقية للدين وهم آل البيت (ع) الذين اصطفاهم الله بعد الرسول (ص) وجعلهم قادة للمسلمين ، وكان نتيجة هذا الظلم أن لا يقبل أغلب المسلمين بقيادة اثنا عشر اماما معصوما من آل الرسول يتسلسلون على مدى الدهر بعد وفاة الرسول (ص) ، وأخذوا الدين بدلا من ذلك من أكثر من 120 الف صحابيا عاصروا الرسول (ص) فقط وفيهم المنافقون والشكاكون وضعاف الإيمان والأعراب ، فضاعت عليهم معالم الدين وتسلط عليهم الجبابرة فبئس للظالمين بدلا.

 

الصحابة وأصول الدين أو أركانه : ان مسألة الصحبة من المسائل التي أسالت حبرا كثيرا وصار حولها لغط كثير ، فأهل السنة عموما يعتبرون الصحابة جزءا لا يتجزأ من إيمان الفرد المسلم ، وإذا طعن أي فرد بأي واحد من الصحابة فقد اقترف آثما عظيما ووزرا كبيرا ، لكن هذه المسألة ـ مسألة الصحابة ـ لو يتجرد الباحث المسلم المنصف للخوض فيها فسيرى ويعلم علم اليقين أنها ليست من المعتقدات المهمة سواء التي اتفقت عليها طوائف المسلمين كالتوحيد والمعاد والنبوة ، ولا من التي اختلف حولها كالعدل والإمامة ، فأركان الإسلام عند أهل السنة خمسة وهي : شهادة أن لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله ، والصلاة والزكاة وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا والإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره ، فأين الصحابة من هذه الأركان الخمسة التي يقوم عليها الإسلام ، وأما عند الشيعة فأصول الدين خمسة وهي : التوحيد ، والعدل ، والنبوة ، والمعاد ، والإمامة ، وإن كان العدل والإمامة من أركان وأصول المذهب عندهم أي لا يكفر الانسان بانكارها ، وكما ترى فلا أثر للصحابة في هذه العقيدة ولا وجود لهم.

 

وأما الإيمان ، فكما اتفقت عليه كلمة المسلمين وكما ورد في القرآن : آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ، وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ، وانظر إلى قوله تعالى في سورة النساء حيث يقول : يأيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذى أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا ، فأين محل الصحابة في هذا الإيمان، ثم اليس لكل نبي صحابة، فإذا كان الإيمان بصحابة رسول الله من ضرورات الإسلام أو من أركان الإيمان ، فلماذا لا يكون الإيمان بصحابة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى كذلك، ثم بأي دليل من الكتاب والسنة نجد أن الإيمان بمسألة الصحابة جميعا واجب علينا كالإيمان بالله ورسوله.

 

ما استدلوا به في عدالة الصحابة : يقول ابن الأثير في مقدمة كتابه أسد الغابة في معرفة الصحابة ما يأتي : والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك الا الجرح والتعديل ، فانهم كلهم عدول لا يتطرق الجرح اليهم ، لأن الله عز وجل ورسوله زكياهم وعدلاهم ، وذلك مشهور لا نحتاج لذكره ،  أما ابن حجر العسقلاني ، فيقول عن عدالة الصحابة : اتفق أهل السنة أن الجميع عدول ، ولم يخالف في ذلك الا شذوذ من المبتدعة ، وقد ذكر الخطيب في الكفاية فصلا نفيسا في ذلك ، فقال : عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وأخباره عن طهارتهم واختياره لهم ، فمن ذلك قوله تعالى : كنتم خير أمة أخرجت للناس ، وقوله : وكذلك جعلنـكم أمة وسطا ، وقوله : لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما فى قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثبهم فتحا قريبا ، وقوله : والسلبقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ، وقوله : يأيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ، وقوله : للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولائك هم الصادقون ، إلى قوله : إنك رءوف رحيم ، في آيات كثيرة يطول ذكرها وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها ... ، وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله لهم إلى تعديل أحد من الخلق ... ، إلى أن يقول إلى أن روى بسنده إلى أبي زرعة الرازي ، قال : إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق ، وذلك أن الرسول حق والقرآن حق وما جاء به حق ، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة وهؤلاء ( وهم ) يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى وهم زنادقة ، انتهى .... فعلى رأي علماء أهل السنة كل شعب رسول الله الذي آمن به صحابة ، وهم أيضا عدول كلهم لا يتطرق الشك اليهم أبدا حتى إلى واحد منهم ، وقالوا : من يطعن في صحابي واحد فهو زنديق ، وقالوا : ان الله طهرهم وزكاهم جميعا.

 

الصحابة في القرآن : يقول تعالى في سورة الفتح : محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضونا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم فى التوراة ومثلهم فى الإنجيل كزرع أخرج شطأه فازره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما ، فمن ينظر إلى أول الآية يرى أن الممدوحين مع رسول الله هم عموم الصحابة ، لكن انظر إلى قوله تعالى : وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم ... فلم يعد الله جميع الصحابة بالمغفرة والأجر ، بل فقط من آمن وعمل صالحا ، ولو كان الوعد للجميع لقال : ( وعدهم الله ... ) فتأمل.

 

ويقول تعالى في نفس هذه السورة : إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ، وأنت ترى في هذه الآية أن الله تعالى يحذر الناكثين بأنهم انما ينكثون على أنفسهم وليسوا بضاري الله تعالى شيئا ، ولدى قراءة سورة الحجرات تصادف هذه الآية : إن الذين ينادونك من ورآء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج اليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم ، فأنظر لوصف الله تعالى هذه الفئة من المسلمين حيث وصفهم بأبشع وصف وهو أنهم لا يعقلون ، وقد وصفهم الله في صدر السورة بأنهم يرفعون أصواتهم فوق صوت النبي مع أنهم مؤمنين به (ص).

ويقول في سورة الحجرات أيضا : يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين.

ومن المعلوم والمشهور أن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة ، وهو أخو عثمان بن عفان لأمه ، عندما بعثه إلى بني المصطلق فرجع وكذب على النبي (ص) ، فالله يصف الوليد بالفاسق ، وأئمة السنة ، يقولون : أنه عدل.

 

ويقول تعالى في سورة التوبة : لقد نصركم الله فى مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئ وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ، ثم وليتم مدبرين ، في هذه الآية يذكر الله ويشنع على المسلمين فرارهم يوم حنين حيث تركوا النبي مع ثلة قليلة عدد أصابع اليد وفروا ، وقد اغتر المسلمون في حنين بكثرتهم حتى قال أبو بكر : لن نغلب اليوم من قلة ، وقال الله أيضا مخاطبا الصحابة : يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحيواة الدنيا من الآخرة فما متاع الحيوة الدنيا فى الآخرة الا قليل الا تنفروا يعذِبكم عذابا اليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير ، فالله هنا يقرع الصحابة بسبب تثاقلهم عن الغزو وكما لا يخفى فإن الله تعالى توعد الصحابة في هذه الآية بالعذاب الأليم وباستبدالهم بقوم آخرين ـ الفرس على رأي ـ إذا لم ينفروا في سبيله ، فأين مدح الله للصحابة هنا.

 

ويقول الله تعالى في سورة الأحزاب : إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا و الآخرة وأعد لهم عذابا مهينا.

ان الله لا يتأذى ولكن آذى الله من آذى من آذى الرسول ، وعليه فكل من آذى الرسول (ص) صحابيا أو غيره فقد آذى الله ، وهذا نظير قوله تعالى : من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا ، وما أكثر من آذى الرسول من الصحابة والصحابيات ، ومن أراد اليقين فليبحث فسيرى عجبا ، ويقول الله تعالى في سورة آل عمران : وإذ غدوت من أهلك تبوِئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون ، ويقول الفخر الرازي في تفسيره : أنها نزلت في حيين من الأنصار هما بترك القتال في أحد والعودة إلى المدينة أسوة براس النفاق عبد الله بن أبي بن أبي سلول.

 

ويقول تعالى في سورة آل عمران حول معركة أحد : ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم باذنه حتى إذا فشلتم وتنزعتم فى الأمر وعصيتم مِن بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ... ، ويقول كذلك : إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم فى أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون ، ويقول أيضا : إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ماكسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم ، مرحى لهؤلاء الصحابة الذين يفرون من ساحة المعركة ويتركون الرسول خلفهم والرسول يناديهم في ذلك الموقف الشديد.

 

وقد ذكر الفخر الرازي في تفسيره : أن عمر بن الخطاب كان من المنهزمين ، الا أنه لم يكن في أوائل المنهزمين ، ومن الذين فروا يوم أحد عثمان بن عفان ورجلين من الأنصار يقال لهما سعد وعقبة ، وانهزموا حتى بلغوا موضعا بعيدا ثم رجعوا بعد ثلاثة أيام ، فقال لهم النبي (ص) : لقد ذهبتم بها عريضة ، ثم لنأت إلى سورة الجمعة ولنقرأ هذه الآية : وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا اليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين ، وقد نزلت هذه الآية في الصحابة الذين كانوا يصلون الجمعة مع رسول الله (ص) ، حتى إذا دخل دحية الكلبي ـ وكان مشركا ـ المدينة بتجارة من الشام فترك الصحابة المسجد وخرجوا إليه ولم يبق معه (ص) الا اثنا عشر رجلا على رواية ، حتى قال النبي (ص) فيهم : لو اتبع آخرهم أولهم لا لتهب الوادي عليهم نارا.

 

ويقول الله تعالى في سورة الأنفال : ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لو لا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ، في هذه الآيات خطاب شديدا للصحابة الذين حاربوا في بدر لأنهم أخذوا أسرى ، وليس هذا من شأن الرسول (ص) كما ليس من شأن الأنبياء السابقين ، لكن الله سمح لهم بعد ذلك بأخذ الفداء ، والعجيب أن كثيرا من المفسرين ادخلوا الرسول (ص) في هذا التهديد مع أن ظاهر الآية واضح في مخاطبة الصحابة ، ثم أن رسول الله ما كان ليقوم بفعل أو قول دون إذن الله ، فلماذا يدخل في دائرة التهديد ، نعم هذا ما فعلته أيدي بني أمية الحاقدة على النبي (ص) وأهل بيته فينطبق عليهم قول الله تعالى : يحرفون الكلام من بعد مواضعه ، وتقرأ في سورة الأنعام هذه الآية : ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحى إلى ولم يوح إليه شيء ومن ، قال سأنزل مثل ما أنزل الله ...

 

وفي قول نزلت هذه الآية في عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخو عثمان بن عفان والذى أهدر النبي (ص) دمه لأنه قال : إنني أستطيع أن أقول مثل ما أنزل الله ، والعجيب أن هذا الآفاك الأثيم يصبح في زمن عثمان أحد وزراء الدولة وقادة الجيش ، هذا غيض من فيض ، ولولا أن المجال لا يتسع لأكثر من هذا لأتينا على كل الآيات النازلة في شأن الصحابة والتي كانت تفضح بعضا منهم أو تقرع البعض الآخر أو تهددهم وتتوعدهم.

 

وهكذا ترى أن القرآن يضع الصحابة في محلهم الطبيعي ، والعجب أن علماء أهل السنة كما أشرنا إلى ذلك سابقا يزعمون أن الله والقرآن عدلا الصحابة جميعا ، وعليه أن أي قدح في أي واحد منهم هو خروج عن الإسلام وزندقة ، فها هو القرآن يكذب آراءهم النابعة من الهوى ويقول غير ما قالوا : ولا كلام بعد كلام الله ، وإن كره الكارهون.

 

ثم دعنا من الصحابة ولنأت إلى أشرف ولد آدم وأفضل رسل الله ورأس أولي العزم (ع) حيث انه (ص) لم يكتسب تلك المنزلة العظيمة بالأماني بل بأعماله ، وها هو القرآن يشير إلى هذه الحقيقة قائلا : ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ، وحاشا رسول الله (ص) إن يشرك ، لكن هذا هو مقياس الله ، لا مجاملة ولا محاباة مع أي أحد في أحكامه وشرائعه ، ثم انظر إلى قوله تعالى في سورة الحاقة : ولو تقول علينا بعض الأقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين ، فليس معنى كون الرسول (ص) نبيا يحجزه عن العقاب إذا خرج عن حدود الله ، فما بالك بعد هذا بالصحابة ، ان الصحابة هم أول المكلفين في الإسلام وأول المسؤولين.

 

فهم إذن تحت الشرع وليسوا فوقه ، وليس عندهم جواز عبور إلى الجنة ، هيهات ليس الأمر بالأماني ، ان الصحابة في موضع خطير حيث أن الرسول (ص) كان بين أظهرهم ولا حجة لمن تعدى حدود الله منهم غدا يوم القيامة ، فقد شاهدوا نور النبوة وآيات الله نزلت بينهم وقد تمت عليهم الحجة والويل لمن لم ينجه كل ذلك.

 

صحابة وصحابيات تحت المجهر :

 

خالد بن الوليد : نتناول واحدا من كبار الصحابة ، وخالد بن الوليد بن المغيرة ، لنرى ما فعله خالد وهل كان فعله مطابقا للقرآن والسنة أم ... ، يقول ابن الأثير في كتابه أسد الغابة في تمييز الصحابة في ترجمة مالك بن نويرة المقتول المزني بزوجته في نفس الليلة ما يلي : ... الا أنه لم تظهر عليه ردة ( يقصد مالك بن نويرة الصحابي الجليل ) وأقام بالبطاح ، فلما فرغ خالد من بني أسد وغطفان سار إلى مالك وقدم البطاح ، فلم يجد به أحدا ، كان مالك قد فرقهم ونهاهم عن الاجتماع ، لو كان مالك مرتدا فعلا لأعد العدة لقتال خالد ، فلما قدم خالد البطاح بث سراياه ، فأتي بمالك بن نويرة ونفر من قومه ، فاختلفت السرية فيهم ، وكان فيهم أبو قتادة ، وكان فيمن شهد أنهم أذنوا وأقاموا وصلوا ، فحبسهم في ليلة باردة وأمر خالد فنادى : أدفئوا أسراكم ـ وهي في لغة كنانة القتل ـ فقتلوهم ، انظر إلى دهاء خالد ومكره ، فسمع خالد الواعية فخرج وقد قُتلوا ، فتزوج خالد امرأته ، فقال عمر لأبي بكر : سيف خالد فيه رهق وأكثر عليه ، فقال أبو بكر : تأول فأخطأ ولا أشيم سيفا سله الله على المشركين ، وودى مالكا ، وقَدِم خالد على أبي بكر ، فقال له عمر : يا عدو الله قتلت أمرا مسلما ثم نزوت على امرأته ، لأرجمنك ...

 

إلى أن يقول : فهذا جميعه ذكره الطبري وغيره من الأئمة ويدل على أنه لم يرتد ، وقد ذكروا في الصحابة أبعد من هذا ، فتركهم هذا عجب ، وقد اختلف في ردته ، وعمر ، يقول لخالد : قتلت أمرا مسلما ، وأبو قتادة يشهد أنهم أذنوا وصلوا ، وأبو بكر يرد السبي ويعطي دية مالك من بيت المال ، فهذا جميعه يدل على أنه ( مالك ) مسلم ، انتهى كلام ابن الأثير ، ان لنا أن نحلل هذه الحادثة بكل موضوعية وبعيدا عن أي تحيز فنقول :

أولا : ان مالك بن نويرة رجل مسلم بشهادة عمر وأبو قتادة ولم يرتد.

ثانيا : ان خالد بن الوليد أراد قتله لكي يظفر بزوجته وكانت من أجمل نساء العرب ، ولهذا ، قال مالك قبل قتله هذه التي قتلتني ولهذا استعمل خالد كلمة أدفئوا أسراكم وكان يقصد قتلهم بالتأكيد وليس أدفاءهم من البرد.

ثالثا : وهذا أعجب لماذا لم يقم أبو بكر الحد على خالد لقتل مسلم وللزنى بزوجته لأنه تروجها بدون عدة بل في نفس تلك الليلة.

رابعا : كان عمر غاضبا جدا من خالد ، وقال له : ما قد مر ، ومن هنا نفهم لماذا عزل عمر خالدا عندما صار خليفة وعين مكانه أبا عبيدة على جيوش المسلمين ، ثم ما معنى قول أبي بكر : تأول خالد فأخطأ ، وهل في حدود الله مزاح وخطا وصواب.

 

وليت الأمر وقف بخالد عند هذا الحد ، لكنه كما كان سيفا مسلولا ـ بالباطل ـ على المسلمين في أحد وغيرها ، فانه أوغل في دماء المسلمين بعد إسلامه ، فهو فعلا سيف ، لكنه سيف مسلط على المسلمين والمؤمنين ، ولتزداد يقينا أن السياسة هي التي أسمت خالدا هذا بسيف الله المسلول ، تعال إلى هذه الحادثة : لما فتح رسول الله (ص) مكة بعثه إلى بني جذيمة من بني عامر بن لؤي فقتل منهم من لم يجز له قتله ، فقال النبي (ص) : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد فأرسل مالا مع علي بن أبي طالب (ر) فودى القتلى وأعطاهم ثمن ما أخذ منهم ، حتى ، ثمن ميلغة الكلب ... ، انظر إلى خالد بن الوليد يبعثه الرسول بكل سلم وسلام فيقتل من شاء ويدع من شاء ، انظر إلى دعاء النبي (ص) وهو يبرأ من فعل خالد بن الوليد ، ثم يأتي من يقول : ان خالدا سيف الله المسلول ، نعم هو سيف مسلول ، لكن ليس من أسياف الله تعالى ، ولو شئنا التفصيل في فعل خالد وفعاله في الإسلام لما صدق الانسان ما يرى من هول وعظم ما أتاه خالد ، لكن للاختصار نكتفي بهذا المقدار.

 

المغيرة بن شعبة : هو صحابي ، وهو أحد النزاق الفساق الذين فتقوا في الإسلام فتقا لا يجبر إلى يوم القيامة ، ورد في ترجمته في كتاب أسد الغابة ما يلي : دهاة العرب أربعة : معاوية ابن أبي سفيان ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، وزياد ... " ، "... وولاه عمر بن الخطاب البصرة ولم يزل عليها ، حتى شهد عليه بالزنا ، فعزله ، ثم ولاه الكوفة ، فلم يزل عليها حتى قُتل عمر ، فأقره عثمان عليها .... وهو أول من وضع ديوان البصرة وأول من رشى ( أعطى رشوة ) في الإسلام أعطى يرفأ حاجب عمر شيئا حتى أدخله إلى دار عمر ... ، ان السكوت عن التعليق هنا ابلغ من التعليق ، لكن نقول : العجب من عمر إذ بعد أن عزله عن البصرة بسبب زناه يعيده واليا علي الكوفة وخيار الصحابة أحياء يرزقون كعلي بن أبي طالب الذي كان جليس بيته وكأبي ذر والمقداد وخزيمة وغيرهم ...

 

حفصة بنت عمر بن الخطاب : زوجة رسول الله (ص) ولكن هذه المكانة التي تتمناها كل أنثى لم تمنع حفصة من ارتكاب الأهوال ومخالفة الله تعالى ورسوله ، ولا عجب فحفصة أنزل الله فيها ، وفي عائشة سورة كاملة ـ وهي سورة التحريم ـ فيها من التهديد والوعيد من الله بالطلاق والأبدال بزوجات خير منهما وبعذاب النار ما لا يخفى على أي شخص يفهم لغة العرب ، وقد تقدمت في باب الصحابة في القرآن هذه السورة ، وقد ورد في ترجمة حفصة من كتاب أسد الغابة ما يلي :... وتزوجها بعد عائشة ، وطلقها تطليقة واحدة ، ثم ارتجعها ، أمره جبريل بذلك ، وقال : انها صوامة قوامة ، وإنها زوجتك في الجنة ... ، وأورد كذلك : طلق رسول الله (ص) حفصة تطليقة ، فبلغ ذلك عمر ، فحثا التراب على رأسه ، وقال : ما يعبأ الله بعمر وابنته بعدها ، فنزل جبريل (ع) وقال : ان الله يأمرك أن تراجع حفصة بنت عمر ، رحمة لعمر.

 

وكما ترى فالحديثان مختلفان ، ولذلك لا يعتد بهما ، لكن نقول : لو كانت حفصة صوامة قوامة فلماذا طلقها رسول الله (ص) ، هل كان رسول الله يريد من النساء أكثر من ذلك وهو الذي يوصينا بذات الدين، ثم اليس الطلاق أبغض الحلال عند الله تعالى ، فما بال الرسول يطلق دونما سبب ، وإذا كان هناك سبب فلماذا لا يذكره لنا أصحاب السير والتواريخ ، أما كون حفصة زوجة الرسول في الجنة فهو أعجب من الأول ، فمع وجود سورة التحريم التي تتلى إلى يوم القيامة فانا نشك في ذلك ، وعلى الحديث الثاني فيكون سبب ارجاع الرسول (ص) لحفصة ليس منزلتها عند الرسول ، بل لمنزلة عمر كما يزعم الراوي ، وحفصة هذه ممن آذت رسول الله (ص) وكذبت عليه في قصة المغافير ( الثوم ) المشهورة والتي يرويها الصحاح ، كما آذت وحسدت زوجات رسول الله الأخر كصفية بنت حي اليهودي التي تروجها الرسول بعد خيبر بعد ان أعتقها من الأسر ، وفي ترجمة هذه المرأة الصالحة من كتاب أسد الغابة تقرأ على لسانها : ... دخل علي رسول الله (ص) وقد بلغني عن حفصة وعائشة كلام ، فذكرت ذلك لرسول الله (ص) ، فقال : إلا ، قلت : وكيف تكونان خيرا مني وزوجي محمد وأبي هارون وعمي موسى ، وبهذا الكلام من رسول الله (ص) على لسان صفية تعلم كذب الحديث المروي في الصحاح والمسانيد حول فضل عائشة حيث فيه : وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على باقي الطعام.

 

وحسبنا قول الله في سورة التحريم حيث هدد عائشة وحفصة بالطلاق وبأن يبدلهن الرسول (ص) بزوجات أفضل منهن في صفات عديدة ذكرتها السورة ، فلو كانت عائشة أفضل نساء العالمين فضلا عن زوجات الرسول فكيف يهددها الله تعالى بنساء أفضل منها في كل شيء، ولكي تتيقن أن حفصة وعائشة هما المقصودتان من تهديد الله تعالى في سورة التحريم اقرأ هذا الخبر ، عن ابن عباس ، قال : أردت أن أسأل عمر فما رأيت موضعا ، فمكثت سنتين ، فلما كنا بمر الظهران وذهب ليقضي حاجته فجاء وقد قضى حاجته فذهبت أصب عليه من الماء ، قلت : يا أمير المؤمنين من المرأتان اللتان تظاهرتا على رسول الله (ص) ، قال : عائشة وحفصة.

 

هند بنت عتبة : هي زوجة حربة الكفر ورئيس الأحزاب أبي سفيان ، وكانت قد أستسلمت لجيش رسول الله كما فعل بقية الطلقاء ، وهي التي لاكت كبد حمزة سيد الشهداء يوم أحد بعد أن أمرت وحشيا بأن يطعنه من الخلف ، وإذا كان رسول الله (ص) بعد ذلك ـ بعد الفتح ـ كلما رأى وحشيا يقول له : غيب وجهك ، عني فكيف به (ص) عندما كان يرى من لاكت كبد عمه ومثلث بجسده ، لكن القوم جعلوها مؤمنة مسلمة ، بل حسن إسلامها ، بل لها فضائل ومناقب يصرف عليها الحبر والكتابة.

 

والكيس يدرك أن ما ورد فيها وفي زوجها أبي سفيان وفي معاوية أبنهما من الفضائل لا تعدوإن تكون زخرفا من القول وكذبا ، وذلك إن معاوية أبنهما لما ملك رقاب المسلمين طمس تلك المثالب وأظهر لهم مناقب لم يقلها الرسول ولم يسمع بها الصحابة ، وهل تريدون من معاوية ( أمير المؤمنين ) أن يترك أهله ونفسه للفضيحة ، وهل تريدون منه وهو يصعد منبر رسول الله أن ينبزه الصحابة ومن يأتي من بعدهم ، هيهات.

 

وأقرا معي هذه المنقبة المزعومة : لما كان يوم الفتح أسلمت هند بنت عتبة ونساء معها وأتين رسول الله وهو بالأبطح فبايعنه ، فتكلمت هند ، فقالت : يا رسول الله الحمد لله الذي أظهر الدين الذي اختاره لنفسه لتنفعني رحمك ، يا محمد لم يتعود لسانها على مخاطبته بالرسول اني امرأة مؤمنة بالله مصدقة برسوله ، ثم كشفت عن نقابها ، وقالت : أنا هند بنت عتبة ، فقال رسول الله : مرحبا بك ، فقالت : والله ما كان على الأرض أهل خباء أحب إلي من أن يذلوا من خبائك ، ولقد أصبحت وما على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي من أن يعزوا من خبائك .. ، سبحان مغير الأحوال ، ولكن لتتيقن من كذب هذه الفضيلة الواهية اقرأ الصفحة التالية من نفس هذا الكتاب ( طبقات ابن سعد ) لترى كيف أن هذه المرأة التي صار رسول الله أحب الناس اليها وأعزهم لديها تسيء الأدب معه : عن الشعبي يذكر : أن النساء جئن يبايعن ، فقال النبي (ص) : تبايعن علي : أن لا تشركن بالله شيئا ، فقالت هند أنا لقائلوها ( تقصد كلمة الشهادة ) ، قال : فلا تسرقن ، فقالت هند : كنت أصيب من مال أبي سفيان ، قال أبو سفيان : فما أصبت من مالي فهو حلال لك ، قال : ولا تزنين ، فقالت هند : وهل تزني الحرة ، قال : ولا تقتلن أولادكن ، قالت هند : أنت قتلتهم ، تقصد هند بقولها : أنت قتلتهم ، هلاك أبنها فيمن هلك يوم بدر كابيها وعمها وأخيها.

 

نعم هذه حقيقة هند ، خسة ونذالة وأحقاد جاهلية رغم عفو وسماحة رسول الله (ص) معهم يوم الفتح ، ولو كان مكانه (ص) أي قائد دنيوي آخر لذبح رؤوس رجالهم وبقربطون أطفالهم ولسبي نساءهم جواريا ، فهم الطلقاء لا فضل لهم ولا فضيلة ولا هجرة ولا منقبة ولا غزوة ولا ... بل ولا كلمة طيبة ، وسيفضحهم الله يوم القيامة بما كان يكذبون في إسلامهم ، وهم أبطنوا الكفر ، هذه هي هند وأمثال هند ، هذه التي يصبح أبنها معاوية الأفعى خليفة للمسلمين ( وكفى بها مصيبة ) بلا سابقة ولا جهاد ، وهي جدة يزيد الخمور الذي أرتضع من أسلافه الحقد على الرسول فقتل ذرية رسول الله في كربلاء وهجم على مدينة الرسول (ص) : لأنها موطىء الأنصار الذين ساعدوا رسول الله بأموالهم وأسيافهم ، فكانوا بنظر يزيد شركاء للنبي في قتل أجداده ببدر ، واني أقولها صريحة : إن من يقرأ تاريخ هؤلاء الخبثاء ويطلع على فعالهم قبل إسلامهم وبعد استسلامهم ثم يعتقد بفضيلة بل ويعتقد بأنهم أسلموا ، أقول : هكذا شخص بليد الذهن عديم الفطنة.

 

الشيعة والصحابة : ان الشيعة لا يسبون كما قال : أعداؤهم ، لكن الشيعة أخذت طريقا وسطا وعقلانيا ينطبق مع الكتاب والسنة ، فلم يقولوا بعصمتهم جميعا كأهل السنة ، وكيف يقولون ذلك وفي الصحابة من زنى ومن شرب الخمر ومن قتل النفس ومن حارب سنة الرسول ومن أشعل الفتن ، ثم ان الرسول (ص) نفسه كان يقيم الحدود كحد السرقة والزنا وشرب الخمر ، فعلى من كان يقيم تلك الحدود ، اليس على أصحابه المسلمين ، والا فالكافر بعيد عن المجتمع المدني بطبيعة الحال.

 

ولو نظرت إلى كتب الشيعة لرأيتها مليئة بمدح الصحابة الذين لم يغيروا ولم يتغيروا بعد رسول الله (ص) ، وتجد هذا كذلك في دعاء أئمة أهل البيت كالصحيفة السجادية للامام علي بن الحسين(ع) ، فهذه الضوضاء التي يثيرها بعض الغوغاء على الشيعة ليست بأكثر من زوبعة في فنجان ، وهكذا كل عقائد الشيعة في الواقع كلها متطابقة مع العقل والنقل ، لكن الأعراب أبوا الا التهريج وجعلوا أصابعهم في آذانهم ، وكما عرفت فانه تسقط بعد هذا عدة أحاديث مكذوبة ، كحديث : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ، فالصحابة اختلفوا وتنازعوا وأفتى بعضهم خلاف الآخر ، فبأي واحد أم بأي فريق نقتدي.

 

نعم لقد أوصانا رسول الله (ص) الذي لا ينطق عن الهوى بأن نتبع أهل بيته (ع) ، فقال (ص) : تركت فيكم الثقلين ، ما إن تمسكتم بهما ، لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، وهكذا حدد لنا لمن نرجع بعده (ص) ، والرسول (ص) : ما كان ليخفى عليه ما سيقع في أمته من الفتن خاصة ما سيحدث بين أصحابه ، ولهذا كان من غير المعقول أن يوصي رسول الله والله من وراءه بجميع الصحابة ، فهذا بمثابة اجتماع النقيضين كما يقال.

 

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين