( حسن الرجا )

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين

 

البطاقة الشخصية

 

مولده ونشأته : ولد عام 1945م في سوريا ، بمحافظة دير الزور ، قرية حطلة ، ترعرع في عائلة شافعية المذهب وصوفية المسلك ينتهي نسبها إلى الامام موسى بن جعفر الكاظم (ع) تتلمذ على يد أحد الملالي ودرس عنده القرآن الكريم والفقه الشافعي والعقيدة الأشعرية ، ثم التحق بمعهد الهداية مدة خمس سنوات انتسب بعد ذلك إلى الطريقة القادرية الصوفية وعمل بها كمجاز من نقيب الأشراف في بغداد ، ترك المذهب الشافعي حوالي عام 1984م ، واعتنق مذهب أهل البيت ، أثر البحث الذي أجراه في كتب المذاهب طوال أربعة اعوام.

 

بداية التعرف على التشيع : يقول السيد حسين ، كان أحد أبناء قريتي يخدم في الجيش السوري برتبة مساعد ، وقد أثر عليه بعض زملائه الشيعة في الجيش ، وهو بدوره أيضا أثر على بعض أفراد القرية ، فسمعت بهم وزرتهم طلبا للتعرف على مذهبهم ، فلم أجد عندهم في البداية ما يقنعني ، فابتعدت عنهم وأخذت أحذر الناس من الالتحاق بهم ، وبقيت على هذه الحالة بضعة أعوام حتى توفرت لي الأجواء المناسبة للبحث عن المذاهب نتيجة توفر الكتب عندي ، فأخذت أقارن بين العقائد والمذاهب لمدة تقارب الأربع سنوات :

 

- ففي السنة الأولى بحثت شكل مركز عن العقائد.

- وفي الثانية قارنت بين المذاهب ومذهب الامام جعفر الصادق (ع) وقبل تمام سنتين من البحث شعرت بشكوك حادة وعنيفة تدخل حرم قلبي بلا استأذان ، لم أتكلف لها طلبا ولم أستطع لها ردا ، فاستعذت بالله من هذه النتيجة والتجأت إلى الله أدعوه ، وكنت أخرج من بيتي ليلا فيأخذني البكاء وكان الناس يسألوني وأتحدث لهم في المجالس وكانوا يثقون بي ثقة عمياء ، فأقول في نفسي : لو تعلمون من الذي يحدثكم لطردتموني من مجالسكم.

- وفي السنة الثالثة حاولت أن أكتشف مظلومية أهل البيت (ع) في التواريخ المختلفة.

- وفي السنة الرابعة كنت حيرانا معذبا أقدم رجلا وأؤخر أخرى ، كنت في حالة شك كبيرة ، باعتبار أنني شككت في المذهب السني ، ولم أكن أرى من رجوع اليه ، وكنت أرى أحقية التشيع.

 

معاناة مرحلة التحول : يقول السيد حسين : كانت دراستي خلال المقارنة بعيدة عن الهوى والتعصب والطائفية والعواطف ، وكنت حذرا حاضر الذهن دقيق الملاحظة غير متسرع في الحكم ، فآمنت بأهم المسائل العقيدية والمذهبية مسألة مسألة.

 

ويضيف السيد : وباعتبار أن مثل هذا الانتقال : صعب وشائك جعلت الرياح تعصفني يمينا وشمالا ، فتعثر لساني وتردد قلبي وكان أمواجا تتجاذفه ، موجة للدين وموجة للدنيا ، لأني عالم بأن تشيعي سيكون على حساب مصلحتي وسمعتي وكرامتي عند بعض الناس وحجب ثقتهم عني وتفرقهم من حولي ، فأصبحت أسير الامتحان في سجن الابتلاء في لحظات لا مناص لأجل الخلاص الا بالفداء ، ولكن ما نوع هذا الفداء ، فهل أفدي الدنيا بالدين أم الدنيا لأجل الدين ، وبعبارة أخرى أيهما أبيع وأيهما أشرى ، أحلى البيعين مر وأدفأهما أحر من الجمر ، فكتمت أمري ما يقرب من شهرين ، ولقد استشرت رجالا من أبناء قريتي وعمومتي ممن أثق بهم فسكت بعضهم وعارض البعض الآخر ، وكل ذلك كان سرا.

 

اعلان التشيع وردود الفعل : بعدما تيقنت بأحقية مذهب الأطهار من آل محمد (ع) اتخذت قرارا لارجعة فيه ، فأعلنت تشيعي بكل ثقة ، وكان ذلك عام 1984 هـ ، وعلى أثر ذلك تفرق الناس من حولي وخلعوا بيعة الطريقة وأساؤا الظن وحكموا علي بأحكام لم يرض بها الله تبارك وتعالى.

 

فبعض الناس شمت وشتم ، فأصبحت هدفا للسهام وعبرة لمن يعتبر ولا مشاحة هنا ، فإن الناس أعداء ما يجهلون ، وبعضهم أعذرني ولكن باعتقاد أنني مجنون ، وبعضهم يقول : إنه سياسي يستتر بالدين ، وبعضهم يقول : أنه ترك دينه لأجل الأطماع ، وبعضهم يقول : إنه لا يستطيع أن يرجع إلى دينه فلو رجع فالشيعة يقتلونه ، وللأسف الشديد أن مثل هذه الهراءة يطلقها أحد السماحات ، وبعضهم ظن أنني أبحرت في العلم فاختلط أمري ، وذلك انطلاقا من المقولة الشائعة بين الناس : أن العالم عندما يبعد في خوض العلم يدخل على عقله.

 

المضايقات بعد الاستبصار : يتحدث السيد حسين حول المضايقات التي لاقاها بعد الاستبصار قائلا : على أعقاب أن انغرست بذرة التشيع وتجذر جذعها وعلت أغصانها ورفرفت نسائم آل محمد (ص) بأوراقها وكشف بدو الصلاح عن طيب ثمارها ، تجمع أوباش الناس حانقين يريدون اجتثاثها من جذورها واخماد واسكات أصحابها وحملهم على أشواك طرق غير مأمونه لكثرة التعرج وجهالة المسار واحتمالية النتائج ، فهم لا يلوون على شيء ولا يألون جهدا ، فتارة بالدعاية والاشاعات وأخرى بالتهويل والتخويف.

 

موقفه بعد الاستبصار : صمد السيد حسين آزاء جميع الضغوط التي لاقاها من أبناء مجتمعه ، ثم تحمل جميع الأجواء الخانقة التي فرضها عليه المخالفين ، فلما هدأت الأوضاع شرع السيد بعمله التوجيهي لنشر مذهب أهل البيت (ع) ، فيقول السيد في هذا المجال : بدأنا نأتي بالمبلغين في رمضان وعاشوراء ، وبدأنا ندعو الناس ونصادقهم ونبث فيهم التوعية الامامية من خلال أخلاق عالية وروح طيبة ، فبدأ الوضع يتغير ويميل لصالحنا.

 

مواصلة البحث والتعلم : لم يكتف السيد حسين بما تعلمة نتيجة الدراسة التي تصدى لها بنفسه من خلال مطالعة الكتب ، بل التحق بعد الاستبصار بالحوزة العلمية بدمشق وتلقى فيها دروسا حوزوية لمدة سنتين ، ثم تابع مسيرته الدراسية في الجامعة العالية للعلوم الإسلامية في لندن ، ثم أنجز الكثير من المشاريع الإسلامية والخيرية ، وهو لا يزال ساعيا نحو انجاز الكثير منها مثل : بناء العديد من المساجد والحسينيات في شتى المناطق وذلك بالتنسيق مع الحوزة العلمية الزينبية في دمشق.

 

مؤلفاته :

 

1 - دفاع من وحي الشريعة ، ضمن دائرة السنة والشيعة ) : صدر عام 1420 ، عن مؤسسة السيدة زينب الخيرية ـ بيروت ـ لبنان ، والكتاب هو مناقشة لأدلة أهل السنة والتي بموجبها يتحاملون على الشيعة ، ويبتعدون عن التشيع ، يحتوي على مقدمة وخمسة فصول.

المقدمة : مقدمات في مساري العقيدي وسيري الخلقي.

الفصل الأول : الشيعة والصحابة.

الفصل الثاني : المسلم لا يكفر بلا موجب.

الفصل الثالث : أهل السنة والصحابة.

الفصل الرابع : أقسام الصحابة.

الفصل الخامس : الصحابة كما جاؤوا في أحاديث الشطط.

وقفة مع كتابه : دفاع من وحي الشريعة ضمن دائرة السنة والشيعة : يتناول الكاتب في كتابه هذا قضية صحابة الرسول الأعظم محمد (ص) التي اختلف فيها السنة والشيعة ، حيث يعتقد السنة بعدالة كل الصحابة دون استثناء وقد نص ابن حزم على أنهم جميعا في الجنة ، وصرح الآلوسي بأنهم : كلهم أنقى من ليلة القدر ، التي هي خير من الف شهر ، بينما لا يعتقد الشيعة بعدالة كل الصحابة ، بل يقسمونهم إلى عدة أصناف ، ففيهم المؤمنون حقا ، وفيهم ضعاف الإيمان ، وفيهم الشكاكون ، وفيهم المنافقون.

 

من هو الصحابي، : عرف علماء أهل السنة الصحابي ، واختلفوا في حده ، فآثر المتأخرون مذهب المحدثين على الأصوليين لأنه أكثر شمولا ليدخل تحت إسم الصحبة عشرات الألوف من الذين رأوا رسول الله (ص) ولو مرة واحدة ، لذلك عرفه البخاري في صحيحه تعليقا بصيغة الجزم قائلا : ومن صحب النبي أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه ، ويرد عليه ايرادات لأنه لا مانع ولا جامع ، وقال جمهور المحدثين : هو من لقي النبي يقظة مؤمنا به بعد مبعثه حال حياته ومات على الإيمان ، ويدخل في الصحبة الصبيان بشرط التمييز ، كما نص عليه يحيى بن معين ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم ، وأبو داود وغيرهم ، ونقل السيوطي ، عن العراقي صحبة الجن المؤمنين ، لأن الجن من جملة المكلفين الذين شملتهم الرسالة ، وقد بلغ عدد الصحابة (124000) نفر كما صرح الشيخ أبو زرعة الرازي.

 

تكفير الشيعة بسبب الصحابة : أطلق الكثير من اخوتنا أهل السنة كلمة الكفر على المسلمين الشيعة ، فتفوه بها الشارد والوارد ، ولاكها الجهلة بأنياب حدد ، وعركتها ألسن البعض حقابا من الزمن ، جرى ذلك على لسان مالك بن أنس في احدى الروايتين (ت 179هـ) ، ومحمد بن يوسف الفرياني (ت 212 هـ) ، وأحمد بن حنبل (ت 241هـ) في احدى الروايتين ، وأبي زرعة الرازي  شيخ مسلم (ت 264هـ) ، والطحاوي (ت 321هـ) ، وعبد العزيز الحنبلي (ت 363هـ) ، والقاضي حسين الشافعي (ت 462هـ) في أحد الوجهين ، والخطيب البغدادي (ت 463هـ) ، والسرخسي (ت 483هـ) ، والحميدي (ت 488هـ) ، والقاضي عياض (ت 544هـ) ، والقرطبي (ت 567هـ) ، وتقي الدين السبكي (ت 771هـ) ، وأحمد بن يونس (ت 1025 هـ) ، وأبي بكر بن هاني ، وأبي يعلى الحنبلي ، وعبد الله بن أدريس الكوفي ، وعبد الرحمن بن أبزى الصحابي.

 

ومن المتحاملين المعاصرين الشيخ نوح الحنفي ، ومحب الدين الخطيب ، وابن الجبهان ، وموسى جار الله التركستاني (ت 1369هـ) ، واحسان الهي ظهير ، وفي القديم مذهب أبي حنيفة في انكار خلافة الأول والثاني ومعظم الحنفية وغيرهم.

 

قول الله ورسوله : قال تعالى : يأيها الذين آمنوا إذا ضربتم فى سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن القى اليكم السلم لست مؤمنا تبتغون عرض الحيوة الدنيا ، نستفيد من هذه الآية الكريمة أنه يحرم على المؤمنين أن يقولوا لمن القى اليهم تحية الإسلام أو أظهر الانقياد بكلمة الشهادة التي هي امارة على الإسلام ـ لست مؤمنا فإن شكوا أنه يتقي فليتبينوا فإن ظهر صدقه فهو أخو الإسلام ، قال تعالى : إنما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون ، وكذلك نسترشد من هذه الآية الكريمة أن المؤمنين بقلوبهم وألسنتهم أخوة في الدين ويجب عليهم أن يصلحوا بين أي طائفتين منهم عند الشقاق ولا يجوز تكفير أي منهما الا إذا كان الامام الشرعي في احديهما فتكفر الثانية حتى الافاءة وذلك حكم عام في الشقاق سواء كان لمصلحة دنيوية أو اعتقاد في الدين لأن كليهما مكمن للتشتت والتمزق ، فالتكفير داء في الدنيا والآخرة والاصلاح دواء ، قال رسول الله (ص) : أيما امرىء ، قال لأخيه : يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال والا رجعت عليه ، فالحكم المستفاد هنا أنه يحرم التكفير بلا موجب ومن استحل ذلك من أخيه المسلم فإن الكفر يعود إليه.

 

وبعد ذلك يأتي من لا علم له من اخوتنا أهل السنة ـ أوله علم ولكنه يغالط ـ فينتقد بمر الانتقاد ويحلو له القول مشيرا إلي من يوحد الله ويسجد له هذا شيعي والشيعة كفرة حتى وأن كانت عين المغالط تبصره يصلي ويصوم وأن كان يعلم أن هذا المسلم يؤمن بالله واليوم الآخر.

هذا كله يجري بحجة إن الشيعة يسبون الصحابة وينكرون خلافة الشيخين والغريب في الأمر أن المغالط يصدر أحكاما جزافا يخرج بها على اجماع الجمهور من أهل السنة حيث أجمعوا على أن خلافة الشيخين بل مطلب الخلافة مطلق اليس من أركان الإيمان الستة : 1 ـ الإيمان بالله ، 2 ـ وملائكته ، 3 ـ وكتبه ، 4 ـ ورسله ، 5 ـ واليوم الآخر ، 6 ـ والقدر خيره وشره ، ولا من أركان الإسلام الخمسة : 1 ـ الشهادتان ، 2 ـ والصلاة ، 3 ـ والزكاة ، 4 ـ وصوم رمضان ، 5 ـ وحج البيت من استطاع اليه سبيلا.

 

وهذا الحكم غيره في علي بن أبي طالب إذ ذاك حبه وخلافته من الإيمان كما صرح بذلك مسلم حيث وضعه في أبواب الإيمان عنه ، قال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة أنه لعهد النبي الأمي (ص) إلي أن لا يحبني الا مؤمن ولا يبغضني الا منافق ، وعلى افتراض أن أحدا من المسلمين تورط في سب بعض الصحابة فليس هو من الكفر والفسق في شيء والا فإن توهمنا ذلك فقد حكمنا على الكثير من الصحابة الكرام بالكفر لا سمح الله لأنهم تعرضوا للسب فيما بينهم ومنهم وعليهم.

وهذه بعض النصوص التي تثبت أن المسلم لا يكفر بلا موجب :

 

الحديث الأول : ان أول من استعمل وعمل بالشتم والسباب وأفتى بقتل نفس بلا نفس وبلا موجب بعد رسول الله (ص) هو عمر بن الخطاب في سقيفة بني ساعدة ، روى ذلك ابن قتيبه واليعقوبي وابن كثير وابن جرير ، واللفظ له ، قال : فأقبل الناس من كل جانب يبايعون أبا بكر وكادوا يطؤون سعد بن عبادة ، فقال : ناس من أصحاب سعد : اتقوا سعدا لا تطؤوه ، فقال عمر اقتلوه قتله الله ، ثم قام على رأسه ، فقال : لقد هممت أنا أطأك حتى تندر عفوك فأخذ سعد بلحية عمر ، فقال : والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة ، وفي البخاري ، قال عمر : ( قتله الله ) ، تأمل أخي المسلم فهذا عمر ينال من سعد بن عبادة ، يشتمه وينتقصه ويفتي بقتله ، وها هم المسلمون عبر الأجيال المتتالية والقرون المتعاقبة وعلى رأسهم حملة الشريعة ولواء الاستنباط والفتوى لم يتفوه أحد منهم بأن هذا الشتم ـ الذي يرافقه الافتاء بالقتل ـ هو كفر أو يؤول إلى الكفر ، رغم أنه لا يحل دم امرىء مسلم الا بشرط ومن شرطه النفس بالنفس والكفر بعد الإيمان والزنا بعد الاحصان ، ولكن المكفرون يأبون الا أن يحكموا بالكفر في أي مسلم تورط في سب أدنى صحابي.

والذي نراه في تشريعات السماء وقوانين المفكرين وحكام التعقل ومقلدي الأعراف الكريمة في كل مجتمع كريم : أن السباب أخف جرما وأقل جريرة من الشتم زائد حلال الدم الحرام ، فما الفرق بين الحادثين فهل الله يحابي من ذنبه أكبر من مناط الحكم ويفرق بين الْحُكمْمين وإن إتحد الموجب كما يصنع اللامعصوم من البشر، حاشا لله.

وفي منطق الشرع والعقل يجب أن يكون الحكم عادلا ، له مصداقية من الواقع وأن يلتزم المسلم بما يلزم به غيره ليكون على الأقل منطقيا مع نفسه والا فهذا الحكم من باب الزمك بما لا التزم به ، ولو قيل : أن عمر بن الخطاب أفتى بالقتل غاضبا قاصدا نقول : يتم ذلك لو لم يرد في التاريخ إنه نفذ ما أفتى به.

 

الحديث الثاني: روى أحمد في المسند أنه : أغلظ رجل لأبي بكر .. فقال أبو برزة : الا أضرب عنقه ، قال : فانتهره ، وقال : ما هي لأحد بعد رسول الله ، وجه الدلالة في الحديث أنه من سب النبي (ص) أو أنتقده أو أنتقصه ولو هازلا أو تكلم بما يؤول إلى ذلك فانه يكفر وذلك باجماع المسلمين ، وأنه من سب صحابيا فلا يكفر ولا يفسق وإنما يحرم سب الكثير منهم في الكثير من الموارد هذا كله في غير قربى رسول الله (ص) ، ولكن المتشددين من اخوتنا أهل السنة أعذروا من أغلظ لأبي بكر وكفروا من صنع مثل صنيعه ، ومما يلفت النظر حقا ازدواجية الشيخ أبي زرعة الرازي ، حيث قال : إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق ... وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة ، ثم اتخذ اخوتنا أبناء العامة فتوى أبي زرعة وكأنها آية نزل بها جبريل على قلبه ، فيالها من بلية عمت وأعمت ، ويجدر بنا أن نقول : أخطر الزلل زلات العلماء على رغم أننا نهيب بالشيخ أبي زرعة عن مثل هذه الفتوى اللامسؤولة ، وليته الف لنا كتابا صحيحا كما فعل تلميذه مسلم في صحيحه ولم يلته بمثل هذه الارجافة ، على أننا نستطيع أن نثبت بمناهج البحث العلمي أو قل بالحقائق العلمية خطر وخطأ فتواه من عدة وجوه :

 

1 ـ قول : إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق ، غلط فادح لأن الزنديق من الثنوية أو القائل بالظلمة والنور أو من لا يؤمن بالآخرة وبالربوبية أو يبطن الكفر ويظهر الإيمان ، فالزندقة لا تنطبق على المسلم الساب والشاتم لا كلا ولا بعضا ولا الانتقاص من مصاديقها وحتى لو كان السباب من مصاديقها لم تكن لأنه أظهرها ، وعليه يكون أبو زرعة حكم على المسلمين دون أن يشق قلوبهم بما لم يحكم به الله ورسوله.

 

2 ـ قوله : ( يريدون أن يجرحوا شهودنا ) ، عثرة لا تقال ، ولقد فات أبا زرعة أن الصحابة شهود لكل المسلمين وليس لطائفة دون أخرى وليس الأمر عضالا ، اللهم الا إذا جرحنا (124) الف صحابي ونعوذ بالله من ذلك ، ولهذا عمر بن الخطاب وغيره جرحوا الكثير من الصحابة ومنهمه أبو هريرة ولا تثريب على الجارحين ولا اشكال رغم أنهم جرحوا أعظم شاهد من شهود الشيخ أبي زرعة ، والذي يحز في القلب أنه لم يرفض حديث المجروح مثل أبي هريرة ولم يخطيء الجارح مثل عمر ابن الخطاب وما ذلك الا ازدواج وكسر لا جبر بعده.

 

3 ـ قوله: ( ليبطلوا الكتاب والسنة ) فالذي نراه ونؤمن به أن الخوف على الكتاب والسنة واجب على كل مسلم ، وباعتبار أن خوف الشيخ أبي زرعة أكثر من غيره فمن حقنا أن نسأل من أين دخل الخوف على قلبه وما هي أسبابه، ألم يقرأ القرآن فيطمئن لقوله الله ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) ، فبموجب هذه الآية اعتقد عامة المسلمين أنه لو لم يبق على وجه الأرض مسلم يرقب القرآن عن التغيير والتبديل وأراد أحد أن يزيد فيه حرفا أو ينقص منه حرفا لأنطق الله الحجر والشجر والمدر ليشهد على المحرفين ويكذبهم ، وعلى هذا فطلب الاطمئنان على كتاب الله تحصيل حاصل.

 

وإن كان الخوف استولى على قلب الشيخ أبي زرعة غيره على السنة فهو واجب على كل مسلم ، ولكن ليس بتكفير المسلمين وإنما بأخذها عن العدل الضابط ، عن مثله ، عن المعصوم ، ورحمة الله على عمر بن الخطاب فانه هو الذي تولى جناية المنع من كتابة الحديث ولولاه لما اختلف اثنان في سنة رسول الله (ص) ، فهو الذي أصدر المرسوم المبتكر ورسول الله في مرض الموت ، حيث قال : هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ، فقال عمر : أن النبي (ص) قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل البيت فاختصموا ... ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي ... قال رسول الله (ص) : قوموا ، ومعنى غلبه الوجع أي أن النبي يهذو.

وعلى كل حال استمر عمر بن الخطاب يمنع من كتابة الحديث والتحدث بما لم يسمعه هو في عصر النبي (ص) ، واستمر الحال خلفا عن سلف نحوا من (90) سنة هجرية فاختلط حابل السُنة الشريفة بنابلها من كثرة الكذابين ، هذا هو السبب في اضطراب السنة واختلاطها وتعارضها لا لأن مسلما انتقد صحابيا ، اليس كذلك يا شيخنا.

وعلى آية حال قد تهاوت كواكب السنة بأحد العمرين وأعزها الله بأحد العمرين ، حيث بعث الله عمر بن عبد العزيز حيث كتب إلى عامله أبي بكر محمد بن عمر ابن حزم : انظر ما كان من حديث رسول الله... فاكتبه فإني قد خفت دروس العلم وذهاب أهله ، وكذلك كتب إلى عماله في الأمصار وأهل الآفاق.

 

4 ـ جرح الشهود الذي يخيف أبا زرعة لا علاقة له لازمة بالانتقاص ، لأن الجرح حالة متلبس بها المجروح وهي غير الجارح وغير الساب ، فكم من مجروح مسكوت عنه ومرضي عليه ، وكم من ولي من أولياء الله يسب على المنابر عشرات السنين كما وقع لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فالسباب بما هو هو لا يجرح ، نعم قد يلتقي بالمجروح في كثير من الموارد ويفترق في كثير منها ولأن الصحابة كل منهم تعرض للسب منه وعليه ولم يكن جرحا بما هو سب وإنما العامل هو الحالة المتلبس بها المجروح كما قلنا فعلى ضوئها يجرح ويترك حديثه.

 

5 ـ الشيعة ، يقولون بعدالة الألوف من الصحابة وهو عدد كاف وكفيل بايصال الكتاب والسنة إلى الأجيال ، وباعتبار أن الشيخ أبا زرعة كلف نفسه مهمة إحصاء الصحابة ـ وأعطى الرقم الأخير (124) الف صحابي لا زيادة ولا نقصان وتباكى على عدالة جميعهم حفاظا على الكتاب والسنة ، وكفر من سب صحابيا واحدا ـ نقول له ولمن قلد فتواه : إن جميع من صنف في الصحابة لم يبلغ مجموع ما في تصانيفهم عشرة الآف مع كونهم يذكرون من توفى في حياته (ص) وعاصره أو أدركه صغيرا ، وعلى هذا فلو أن مسلما نال من 114 الف منهم لا يكون جرحا لأن هذه الأعداد الهائلة لم يصلنا منها ولا حرفا واحدا من الدين ، على أنه نفس العشرة الآف الكثير منهم لم يرولنا الا الحديث أو الحديثين والكثير لم يرو ولا حديثا واحدا ، والكثير عد في الصحابة وليس منهم والكثير اختلف في صحبته ، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

الحديث الثالث : روى الامام أحمد : أن رجلا شتم أبا بكر والنبي جالس فجعل يعجب ويبتسم .... ، ان هذا الحديث لم يصرح بالشتم الموجه لأبي بكر لا نوعا ولا كما ولا كيفا ، غير إننا لا نشك بأن الشتم بحضرة رسول الله (ص) مع سكوته انتقاص للمشتوم ، وأن ذلك لم يؤذ رسول الله (ص) ، بل أعجب اعجابا ترافقه ابتسامة نبوية شريفة.

 

وعلى آية حال فهذا رسول الله لم يقل للرجل أنت كفرت أو فسقت لأنك شتمت صاحبي أبا بكر وشتمه يؤذيني ومن يؤذيني يكفر أو يفسق ، لم يستعمل (ص) هذه المقدمات أصلا توصلا إلى نتيجة هي تكفير الرجل لأنه (ص) لم يؤمن بالرأي والقياس الفاسدين كما صنع الكثير من المسلمين ، ولأنه لا علة جامعة بين الساب والمسبوب وبين رسول الله (ص) ، والا فلو صح ذلك لحكمنا على كل المسلمين بالكفر لأن رسول الله (ص) يتأذى من كل الاعتداءات الظالمة والمعاصي من أمته ، وهذا كله بخلاف من سب آل محمد (ص) فانه يكفر لأنهم منه حقيقة ، وكما نطق بذلك الوفر الهائل من النصوص الذي ليس هنا محله وإنما نكتفي بضرب مثال واحد للفارق بين آل محمد (ص) وبين غيرهم فاقرأ وتأمل ، رسول الله (ص) مثل الشمس وآله من المعصومين مثل نورها وحرارتها من حيث الضوء والدفء ، والصحابة مثل الأرض ولا شك أن الأرض هي غير الشمس وغير نورها وحرارتها ولا تستقيم حياة الأحياء ، بل ولا الأرض تعطي الحياة مع غياب الشمس وتجلياتها لفقدان شرط من شروط تجلي الحياة.

 

ولا يقال : أن ظروف الحياة على الأرض العائدة للشمس هي شمس ، ولذا قد تشتم أرض دون أرض من حيث أصباخها وانباتها وطبيعتها ولا تشتم الشمس من حيث نورها وحرارتها الا اعتداء ، وهكذا الصحابة وآل محمد (ص) فافهم ، ولكن أصحاب الرأي والقياس ، قالوا : ـ وبلا حساب ومنهم العالم الجليل الطحاوي ـ بتكفير المؤمنين بحجة انتقاص بعض الصحابة ، ومن الغريب جدا أن السرخسي والطحاوي وغيرهم ـ من اتباع أبي حنفية وإن كان الطحاوي لا يقلده في كثير من المسائل ـ يكفرون المؤمنين.

 

ويا ليت شعري بأي عذر يعتذرون لو قلنا لهم أن أبا حنيفة طعن في بعض الصحابة كما روى محمد بن الحسن عنه ، قال : أقلد جميع الصحابة ... الا ثلاثة نفر ، أنس بن مالك وأبو هريرة وسمرة ... أما أبو هريرة فكان يروي كل ما سمع من غير أن يتأمل في المعنى ومن غير أن يعرف الناسخ والمنسوخ ، وكان أبا حنيفة يشير إلى الحديث الذي رواه مسلم في ما بعد ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي هريرة نفسه ، قال : قال رسول الله (ص) : كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع ، وهكذا حالنا مع الطحاوي والسرخسي وغيرهما ، وهكذا حال أبي حنيفة مع أبي هريرة ـ على مبدأ من فمك أدينك ـ حال المضطر للأخذ بالقياس والرأي واسقاط بعض مرويات أبي هريرة المجروح على لسان كبار الصحابة ومنهم عمر بن الخطاب.

 

- وروى الخطيب في تاريخه ، عن أبي صالح الفراء ، قال : سمعت يوسف بن أسباط يقول : رد أبو حنيفة على رسول الله (ص) أربعمائة حديث أو أكثر ، عزيزي القارىء إذا قرأت وتأملت ذلك كله حق لك أن تسأل : بأي دستور سماوي وبأي عرف عقلائي فهمه الطحاوي والسرخسي أن أبا حنيفة لا يؤاخذ وإن طعن صحابيا يتوقف عليه جزء كبير من الأحاديث التي عليها مدار الدين عند اخواتنا أهل السنة ، أما لو أن مسلما من اتباع آل محمد (ص) جرح أبا هريرة يؤاخذ بل يكفر ، بربك ما الفرق أخبرني كلا الفعلين صدرا من غير صحابي ، وكلا الفعلين تنازعا مفعولا واحدا ، فكيف يكون ـ من هذه الحيثية ـ أحدهما في النار والآخر في الجنة مع اتحاد السبب والموجب ، فبأي مسوغ يستسيغ به الطحاوي والسرخسي وأكثر الاحناف أن أبا حنيفة ينتقد أبا هريرة فيعذر ولو أن مسلما صنع مثل صنيعه فهو ضال ومبتدع وله النار يوم القيامة، والصحيح أن رحمة الله التي وسعت أبا حنيفة حتى وإن طعن ببعض الصحابة ووضعت كل شيء اعتقد أن الطحاوي والسرخسي لا يخصصان عمومها.

 

أقسام الصحابة :

 

المؤمنون : ونقصد هنا الصحابة الذين احتوت قلوبهم شرف التصديق برسول الله والاذعان بالإيمان ، الا أنه لما كان إيمان الملائكة لا يزيد ولا ينقص وإيمان الأنبياء يزيد ولا ينقص وإيمان المؤمن بهم يزيد وينقص كما هو رأي الكثير من الأشاعرة ، وعليه فأصحاب رسول الله (ص) المؤمنون منهم على مراتب حيث نعتهم الله بنعوت كثيرة من خلال آيات كثيرة متفرقة من القرآن الحكيم ، ومما نلحظه في كلام الله العلي العظيم أنه كما يذكر لهم صفات حميدة تستحق الوعد كذلك يثبت عليهم في مقابله صفات مذمومة تستحق الوعيد في أكثرها وفي أكثر الأحيان.

 

ضعفاء الإيمان : قال العلامة صاحب الميزان : إن من مراتب الإيمان ماهو اعتقاد واذعان غير آب عن الزوال كإيمان الذين في قلوبهم مرض فقد عدهم الله من المؤمنين وذكرهم مع المنافقين ، بدليل قول الله : وإذ يقول المنفقون والذين فى قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسولهو الا غرورا ، وفي تفسير الجلالين قوله : فى قلوبهم مرض ، أي ضعف اعتقاد ، وقال ابن كثير : والذي في قلبه شبهة أو حسكة لضعف حاله فتنفس بما يجده من الوسواس في نفسه لضعف إيمانه ، وكذلك عدهم الله من المؤمنين ، قال تعالى : وفيكم سمعون لهم والله عليم بالظلمين.

 

هؤلاء هم ضعفاء الإيمان يسمعون ما يقول المنافقون ـ سماع قبول ـ كما في الجلالين ، وقال ابن كثير : أي مطيعون لهم ومستجيبون لحديثهم وكلامهم يستنصحونهم وإن كانوا لا يعلمون حالهم فيؤدي إلى وقوع شر بين المؤمنين وفساد كبير ، ومع أن الله ثبط المنافقين عن الخروج مع رسول الله (ص) في غزوة تبوك لئلا يضعوا بين المؤمنين خبالا عن طريق ضعفاء الإيمان السماعون للمنافقين ، فعلى رغم ذلك نجد أن بعض المؤمنين وفي تلك الغزوة كادوا أن يزيغوا عن دين محمد رسول الله (ص) ، قال تعالى : الذين اتبعوه فى ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم ، قال ابن كثير : أي عن الحق ويشك في دين الرسول ويرتاب للذي نالهم من المشقة في سفرهم وغزوهم.

 

قلت : اعتذار ابن كثير عنهم بالمشقة والشدة في السفر غير مرضي ولا يلوي على شيء لأن الإيمان إذا استولى على القلب لا تنتزعه مشقات السفر ، والصحيح أن كلا من المشقة والشدة كاشف عن عيب القلب وامارة على ضعف الإيمان ، والا فما علاقة المشقة الجسدية بالإيمان الذي يستكن في القلوب ، ولو صح ذلك لكانت المشقة والراحة من أكبر العوامل المساعدة على الكفر والإيمان ولألغيت أدوار القناعات الاعتقادية ولا قائل به ، وبكلمة أن الله تعالى تداركهم بلطفه فحال بين قلوبهم وبين الزيغ فتاب عليهم ، قال تعالى : لقد تاب الله على النبي والمهجرين والأنصار الذين اتبعوه فى ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم ، وذكر الواحدي : أن رسول الله (ص) لما خرج عسكر على ثنية الوداع وحزب عبد الله بن أبي عسكره على ذي حدة أسفل من ثنية الوداع ولم يكن بأقل العسكرين فلما سار رسول الله تخلف عنه عبد الله بن أبي بمن تخلف من المنافقين وأهل الريب فأنزل الله يعزي نبيه : لو خرجوا فيكم ما زادوكم الا خبالا ، فعد النظر في حديث الواحدي وانظر إلى قوله : لم يكن بأقل العسكرين ، مما يدل أن نصف الصحابة الكرام فأكثر في قلوبهم ريب.

 

الشكاكون : هناك طائفة من أصحاب رسول الله (ص) منافقون ، غير أنهم لم يقطعوا بكذبه أوصدقه (ص) وهم يشكون ، ومصداق ذلك قوله تعالى : وارتابت قلوبهم فهم فى ريبهم يترددون ، الا أنهم أقل خطرا على المؤمنين من أهل الطراز الرابع وإليك أخي المسلم مثالا على ذلك :

 

ثعلبة : قال الله تعالى : ومنهم من عهد الله لئن أتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما أتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا فى قلوبهم إلى يوم يلقونه ، نزلت هذه الآية الكريمة في شأن ثعلبة بن حاطب الأنصاري بعد أن امتنع ، عن اخراج الزكاة وكان بدريا ، والعامة يسمونه حمامة المسجد ، وروى قصته جمع من المحدثين ذكرناهم في الدليل الثامن تحت عنوان الأنصار فراجع ، وملخص الحادثة : أن ثعلبة سأل رسول الله (ص) إن يدعو له بالرزق فدعا له واتخذ غنما نمت وتكاثرت فتشاغل بها فترك بعض الصلوات جماعة ، ثم تركها الا يوم الجمعة ، ثم ترك الجمعة وارتحل عن المدينة ولما جاءه السعاة من قبل رسول الله امتنع عن دفع الزكاة فأنزل الله في شأنه الآية الكريمة ، وفي آخر الرواية التي يوردها ابن كثير في تفسيره ، عن ابن جرير وابن أبي حاتم تجد ما يلي ، قال وعند رسول الله رجل من أقارب ثعلبة فسمع ذلك فخرج حتى أتاه ، فقال : ويحك يا ثعلبة قد أنزل الله فيك كذا وكذا فخرج ثعلبة حتى أتى النبي (ص) فسلهن يقبل منه صدقته ، فقال : إن الله منعني أن أقبل منك صدقتك فجعل يحثوعلى رأسه التراب ، فقال له رسول الله (ص) : هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني ... فقبض رسول الله (ص) ولم يقبل منه شيئا ثم أتى أبا بكر ... وأبى أن يقبلها ... فلما ولي عمر ... أتاه ... ولم يقبلها فلما ولي عثمان ... أتاه ... فلم يقبلها منه فهلك ثعلبة في خلافة عثمان.

 

ومن الغريب المبهت أن اخوتنا أهل السنة حكموا لأهل موقعة بدر في الجنة وأن النار لا تمس جلودهم حتى وإن غيروا وبدلوا وفعلوا ما شاءوا ، وصححوا أحاديث في هذا الشأن كما في صحيحي البخاري ومسلم واللفظ للأول ، قال رسول الله (ص) في شأن جناية حاطب بن أبي بلتعة : اليس من أهل بدر ، قال : لعل الله اطلع إلى أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم ، ومعنى فتوى رسول الله هذه أن أهل بدر لا تثريب عليهم وإن خانوا الله ورسوله فسيان إن صدقوا وإن كذبوا ، هذا هو مؤدى الحديث سواء اعترف به اخوتنا أم لا وحاشا رسول الله من ذلك.

فياليت شعري فعلى أي قاعدة ارتكز هذا الحديث، وعلى أي أساس قام عليه هذا الحكم، وهذا ثعلبة ، ألم يكن من أهل بدر، فلم لم يتجاوز الله ورسوله عنه عندما امتنع من دفع الزكاة، بل أخبر عنه في القرآن الحكيم أن قلبه تورث نفاقا ، قال تعالى : فأعقبهم نفاقا فى قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ، فهل القرآن الحكيم ـ نسى أم سهى ، ـ غفل أم تغافل ، ـ أن هذا الرجل من أهل بدر والمفروض أنهم يصنعوا ما شاؤا حسب الزعم ، والله جابر عثرات المسلمين.

 

المنافقون : كان المنافقون مبثوثين بين المؤمنين ولهم أعداد هائلة هي على مقربة من نصف الصحابة والمعروف منهم بالاسم في عصر النبي (ص) لا يتجاوز نسبة 1% ولك أن تتعرف أشخاصهم بالوصف ـ إذا حدث كذب ـ إذا وعد أخلف ـ إذا أتمن خان ـ إذا عاهد غدر ـ إذا شاجر فجر ـ وكان رسول الله (ص) يعرف بعض أشخاصهم بالاسم وبعضهم بسيماهم وبعضهم بلحن القول وبعضهم ببغض علي بن أبي طالب (ع) كما أخرج مسلم في أبواب الإيمان عنه ، قال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد الأمي (ص) إلي أن لا يحبني الا مؤمن ولا يبغضني الا منافق ، ومما يدل على كثرة المنافقين ما يلي :

 

1 ـ استنفر رسول الله (ص) الأعراب من قبائل جهينة ومزينة وغفار أشجع وأسلم ودئل فلم ينفروا وذلك في عام ست للهجرة في غزوة الحديبية وبعد أن قفل رسول الله راجعا أنزل الله تعالى سورة الفتح وأنزل فيها : سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا ، يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم ... وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا ، لا مناص من دلالة الآيات الكريمة على نفاق ستة قبائل من الأعراب وإن كانوا صحابة ينطقون بالشهادتين ويؤدون الصلوات الخمس الا ما شاء الله.

 

2 ـ قال تعالى : قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان فى قلوبكم ، قال مجاهد : نزلت في بني أسد ابن خزيمة أوردها البخاري في صحيحه في أول كتاب الإيمان تحت باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل ، دلت الآية الكريمة على أن بني أسد ينافقون ويفاخرون باستسلامهم خوف القتل كما يقول البخاري ويفترون على رسول الله الكذب بأنهم مؤمنون ولما يمارس الإيمان أي قلب من قلوبهم والله العالم هل تذوقوه بعد ام لا.

 

3 ـ قال تعالى : الأعراب أشد كفرا ونفاقا ، هذه الآية الكريمة عامة في الأعراب يخصِصها قول الله تعالى : وممن حولكم من الأعراب منافقون ، وفي مقابل ذلك قوله تعالى : ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ، فالآية الأولى دلت على الشمول والثانية شهدت على البعض بالنفاق والثالثة شهدت للبعض الآخر بالإيمان مما يدل على أن النفاق استكن في قلوب بعض الأعراب.

 

4 ـ قال تعالى : ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم ، قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى : مردوا على النفاق ، أي مرنوا واستمروا عليه ومنه يقال : شيطان مريد ومارد ، وقد كان يعلم أن في بعض من يخالطه من أهل المدينة نفاقا ، وإن كان يراه صباحا ومساء ، وشاهد هذا ما رواه الامام أحمد في مسنده ... ، عن مطعم بن جبير .. قال : قلت يا رسول الله إنهم يزعمون أنه ليس لنا أجرا بمكة ، فقال : لتأتينكم أجوركم ولو كنتم في جحر ثعلب ـ ثم راجعنا مسند أحمد فوجدناه هكذا في حجر بدلا من جحر ـ وأصغي الي رسول الله (ص) برأسه ، فقال : إن في أصحابي منافقون .. و ... ، عن أبي الدرداء أن رجلا يقال له : حرملة أتى النبي (ص) ، فقال : الإيمان ههنا وأشار بيده إلي لسانه والنفاق ههنا وأشار بيده إلي قلبه ولم يذكر الله قليلا ، فقال رسول الله (ص) : اللهم اجعل له لسانا ذاكرا وقلبا شاكرا وأرزقه حبي وحب من يحبني وصير أمره إلى خير ، فقال : يا رسول الله إنه كان لي أصحاب من المنافقين وكنت رأسا فيهم أفلا آتيك بهم ، قال : من أتانا استغفرنا له ومن أصر فالله أولى به ولا تخرقن على أحد سترا ، قال : وكذا رواه أبو أحمد الحاكم.

 

أمعن النظر ـ يرحمك الله ـ في الآية الكريمة وما بعدها من النصوص النبوية تجد أن المنافقين كثرة كثيرة وأن المدينة تعج بهم عجا وأنه لا يعرف منهم الا القلة القليلة وانهم تمرنوا على النفاق حتى استولى على قلوبهم وجرى فيها مجرى الدم من العروق وأن رسول الله (ص) لا يريد أن يهتك على أحد سترا الا إذا خان أو غدر وأنه لو كشف الستر عنهم لانفض من حوله مئات بل الوف الناس وإن الذين مردوا على النفاق هم غير عبد الله بن أبي بن سلول لأن النبي يعلمه والآية الكريمة تقول : لا تعلمهم ، هذا كله يدل على أن أعدادهم في المدينة لا تقل عن نسبة النصف والله أعلم.

 

1 ـ في عام ثمانية للهجرة غزا رسول الله (ص) مكة المكرمة ففتحها بلا قتال ودخل مشركوا قريش في دين الله استسلاما للواقع المفروض فعاشوا منافقين أكثر من سنتين ولما توفي رسول الله أعلنوا الردة كما فعل غيرهم من العرب فقام سهيل بن عمرو خطيبا ... ثم قال : والله وأني أعلم أن هذا الدين سيمتد امتداد الشمس في طلوعها فلا يغرنكم هذا يريد أبا سفيان من أنفسكم فانه يعلم من هذا الأمر ما أعلم ولكنه قد ختم على قلبه حسد بني هاشم ... وقد جمعكم الله على خيركم يريد أبا بكر ، وأن ذلك لم يزد الإسلام الا قوة فمن رأيناه ارتد ضربنا عنقه فتراجع الناس عما كانوا عزموا عليه ، هذا كله يدل على أن أكثر أهل مكة ـ تباعا لزعيمهم أبي سفيان ـ منافقون.

 

2 ـ قال الله تعالى أخبارا ، عن سيد المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول ومن معه من مردة النفاق : يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.

 

في غزوة المريسيع وهي غزوة بني المصطلق ، قال ابن غسحق ... فبينا رسول الله (ص) مقيم هناك اقتتل على الماء جهجاه بن جعيد الغفاري وكان أجيرا لعمر بن الخطاب وسنان بن يزيد ... ازدحما على الماء فاقتتلا ، فقال : سنان يا معشر الأنصار ، وقال : جهجاه يا معشر المهاجرين .. قال : أي عبد الله بن أبي بن سلول ، قد ثاورونا في بلادنا والله ما مثلنا وجلابيب قريش الا كما قال : القائل سمن كلبك يأكلك ، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، ثم أقبل على من عنده ، وقال : هذا ما صنعتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو كففتم عنهم لتحولوا عنكم من بلادكم إلى غيرها فسمعها زيد بن أرقم ... فذهب بها إلى رسول الله (ص) وهو غليم وهوعنده عمر بن الخطاب ... فقال عمر ... يا رسول الله مر عباد بن بشر بضرب عنقه ، فقال رسول الله : فكيف إذا تحدث الناس يا عمر : أن محمدا يقتل أصحابه ، ولا ولكن ناد يا عمر في الرحيل ... ونزلت سورة المنافقين.

 

وأخرج البخاري في صحيحه ، عن جابر ابن عبد الله الأنصاري ، يقول : كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار ، فقال : الأنصاري يا للأنصار ، وقال : المهاجري يا للمهاجرين فسمعها الله رسوله (ص) ، قال : ما هذا ، فقالوا : كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار ، فقال : الأنصاري يا للأنصار ، وقال : المهاجري يا للمهاجرين ، فقال النبي (ص) : دعوها فانها منتنة ، قال جابر : وكانت الأنصار حين قدم النبي (ص) أكثر ، ثم كثر المهاجرون بعد ، فقال عبد الله بن أبي : أوقد فعلوا والله لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، فقال عمر بن الخطاب ... دعني يا رسول الله اضرب عنق هذا المنافق ، فقال النبي (ص) : دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه.

 

نستخلص من هذه الحادثة ـ التي أثبتها القرآن الكريم وذكرتها السنة المطهرة ـ أن سيد المنافقين وأصحابه هموا بما لم ينالوا وإن دلت الحادثة على شيء فإنما تدل على أن أصحاب ابن سلول كانوا في جيش رسول الله وفي المدينة كثرة كثيرة غير أن الوحي افتضح سيدهم على الطريق ومن ناحية أخرى أنه مهما كثر المنافقون من أصحابه وجأر بوق الارجاف سقط من فوره تحت الأقدام لأن عشيرته الأقربون منهم السابقون الأولون (ر) ، فلا يفيده منافقوا القبائل من الأعراب ، وعليه لو لم يكن المنافقون يناهزون المؤمنين عددا لما هم ابن سلول باخراج الرسول (ص).

 

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين