( بشير سليم )

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين

 

البطاقة الشخصية

 

مولده ونشأته : ولد عام 1976م بجزيرة الموزمبيق ، ونشأ في بيئة تعتنق المذهب الشافعي ، فسار على نهج الآباء منتميا لهذا المذهب ، واصل دراسته إلى حد الثانوية ، ودرس القرآن والتفسير ، ثم بادر بعد ذلك إلى سلك التعليم ، فحمل على عاتقه مهمة تدريس الأطفال في منطقته ، شاءت الأقدار الإلهية التي رعته بألطافها منذ صغره أن ينبثق نور المعرفه في قلبه لينتمي إلى مذهب أهل البيت (ع) عن بصيرة وفهم وادراك في موبوتو ببلده موزمبيق عام 1994م.

 

زيارة القبور وآثارها التربوية : تبدأ رحلة الأخ بشير العقائدية من زيارته في أحد الأيام للقبور ، حيث قصدها لما فيها من آثار تربوية وأخلاقية تبعث الانسان ، إلى تغيير منهجية سلوكه حين يرى ضيق وظلمة منزله الأخير الذي سوف يسكن فيه ، فيرق عندها قلبه ويتذكر الآخرة ، وفي ذلك الموقف وفي مثل تلك الأجواء المليئة بالعبر والموعظة شاءت ، العناية الربانية بألطافها أن تفتح له نافذة النور.

 

فيقول الأخ بشير : عندما كنت في المقبرة أقبل جمع يحملون على أكتافهم جنازة ، تحيطهم هالة من اللوعة والأسى والحزن ، حتى جاؤوا بها إلى حفيرة قد أعدت من قبل ، فوقفت عند ذلك القبر منكسرا باكيا ، حتى اعترتني حالة من الكآبة لما شاهدت من منظر انزال الجنازة في القبر وتسوية التراب عليها ، فراجعت في تلك اللحظة نفسي وفكرت في أمري فشعرت بالندم على كل لحظة أضعتها فيما سبق من عمري ، وتسويلي لنفسي وعدم اهتمامي بآخرتي ، فبكيت على نفسي واستغفرت ربي من سوء فعلي ، وعزمت على اصلاح أمري وتطهير سريرتي.

 

ويواصل بشير حديثه قائلا : وبينما أنا في تلك الحالة إذ طلب أحد المرافقين للجنازة من الحضور مراعاة الهدوء ليشرع بتلقين الميت ، فانتبهت إليه وبدأت أصغي إلى كلامه بوعي وتدبر ، فبدأ الشخص ينادي الميت باسمه وكأنه يخاطب ضميري : يا فلان بن فلان يرحمك الله اذكر ما خرجت من الدنيا شهادة أن لا إله الا الله ، وأن محمد عبده ورسوله ، وإنك رضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد نبيا ، وبالقرآن اماما ...

 

وما إن طرق سمعي هذا الكلام ، عزمت من ذلك الحين أن أسلك طريق الجد والاجتهاد ، والاهتمام بشؤون ديني ، فشرعت من ذلك اليوم بطلب العلم وتلقي المعارف الدينية ، لأرسخ بذلك معتقدي الذي منه تنبثق فعالي ومنه يتبلور سلوكي ، فكان خطاب التلقين دائما يرن في أذني ، وكنت أردده دوما لأذكر به نفسي لئلا تعود إلى غفلتها مرة أخرى.

 

بداية رحلة البحث : وبدأت أبحث عن المسائل الدينية التي جاءت في التلقين ، وهي مسألة التوحيد والنبوة والإمامة ، وذلك للمأخذ الذي أخذه ذلك الموقف من نفسي ، فشرعت بالبحث والاستقصاء العلمي ، وكان لكل مسألة منها وقفة متأنية ، حتى وصلت إلى مسألة القرآن واتخاذه اماما لنفسي ، فراجعت العديدة من التفاسير ، وكانت هذه المرحلة من أصعب المراحل في البحث ، وذلك لأني واجهت فيها استفسارات وأسئلة كثيرة طفحت في ذهني ، وكان من أهمها مسألة التأويلات والتفاسير المتعدده للآيات.

 

مسألة تأويل القرآن : ووجدت معظم الفرق تسعى لتطبيق الآيات وفق آرائها وأفكارها ، وكل منها يحاول إخضاع القرآن لما يتلائم مع متبنياته ومعتقداته الخاصة ، كما تسعى لتطبيق الآيات ومقاصد القرآن وفق الآرائه وميوله.

 

وهكذا وجدت معظم الفرق تجر الآيات إلى مبتغياتها ، ثم تجتهد لتحيك بعدها المبررات وتصوغ الحجج لاثبات ما ذهبت إليه ، من ذلك تجلى لي أن القرآن حمال لوجوه ومعاني متعددة ، ولايسعه أن يكون لوحده اماما يصون الأمة من الانحراف والتفرق والضياع ، بل لابد له من مبين ومفسر الكثير من آياته ، ويحتاج إلي من يوضح معانيه ومقاصده ، في الحقيقة أن مسألة فهم القرآن وتفسيره وتأويله ، قضية أساسية يتوقف عليها سلامة الفكر الإسلامي وصحة العقيدة ، وذلك لأن أي انحراف أو قصور أو تقصير في فهم القرآن واكتشاف الحقائق التشريعية والعقائدية المختزنة فيه واستنباط أحكامه ومفاهيمه ، يؤدي إلى الانحراف والتفرق وضياع الأصالة والنقاء الإسلامي.

 

مهمة تأويل القرآن بعد الرسول (ص) إن تفسير القرآن وتأويله هي من المسائل التي كان الرسول (ص) يقوم بها في زمانه ، لأنه لم يكن مجرد تال للقرآن ، بل كان يبين للناس ما أنزل اليهم كما قال تعالى : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ولعلهم يتفكرون ) ، وكان (ص) يدرك كنه أهمية هذه المسالة ومدى ضرورتها للمجتمع من بعده ، كان يحرص على أن لا يترك أمته من دون قاعدة ترتكز عليها.

 

ولذا نجده (ص) قد أكد في مواقف عديدة على مسألة التمسك بالعترة وملازمتها للقرآن ، كما قال (ص) في حديث الثقلين : تركت فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا على الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فقرن (ص) العترة بالقرآن وجعل التمسك بهما عصمة من الضلال ، ومعنى ذلك أن التمسك بالقرآن دون العترة لايعصم من الضلال ، بل يؤدي إلى الوقوع في الاختلاف والتفرق والانحراف.

وهذا الحديث مشهور وصحيح وثابت قد بلغ حد التواتر ، وأخرجه المحدثون من الفريقين الشيعة والسنة ، ورواه أبناء العامة في صحاحهم ومسانيدهم ، عن ما يزيد من ثلاثين صحابيا.

 

ومسألة تلازم القرآن مع العترة من المسائل التي حاول الرسول (ص) إن يحافظ عليها صيانة للشريعة الإسلامية من الاختلاف والتمزق ، ولكن المنهجية التي اتخذها الحكام الذين استولوا على زمام الحكم من رفع شعار حسبنا كتاب الله وعزل العترة عن مواقعهم التي عينها الله لهم ، جعلت المجتمع عرضة للاختلافات ، تتلاعب به أمواج الفتن والضلالة ، نتيجة ترك السفينة المنجية التي عينها رسول الله (ص) : ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من قومه ، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق.

 

الطريق الصحيح لسد باب الاختلاف : إذا كان لابد للمسلمين أن يتحرزوا من الضلال ، كان عليهم أن يتمسكوا بأهل البيت (ع) والقرآن معا ، فأن الأمة الإسلامية لايمكنها البلوغ إلى العز والسؤدد والوصول إلى المنازل الرفيعة التي توخاها الإسلام الا بالتمسك بكلا الثقلين.

 

ومن هنا كان أهل البيت (ع) يحاولون دوما اتمام الحجة على الناس بتذكيرهم بهذا الأمر ، ومثال ذلك كلام الامام الصادق (ع) في المناظرة التي جرت عنده بين هشام بن الحكم والرجل الشامي ، حيث سأل هشام الرجل الشامي قائلا : أخبرني : يا هذا أربك أنظر لخلقه ، أم خلقه أنظر لأنفسهم ، فقال : الشامي : بل ربي انظر لخلقه ، قال : ففعل بنظره لهم في دينهم ماذا ، قال : كلفهم وأقام لهم حجة ودليلا ، على ما كلفهم به ، وأزاح في ذلك عللهم ، فقال له هشام : فما هذا الدليل الذي نصبه لهم ، قال الشامي : هو رسول الله (ص) ، قال هشام : فبعد رسول الله (ص) من ، قال : الكتاب والسنة ، فقال هشام : فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة فيما اختلفنا فيه ، حتى رفع عنا الاختلاف ، ومكننا من الاتفاق ، فقال : الشامي : نعم ، قال هشام : فلم اختلفنا نحن وأنت ، جئتنا من الشام تخالفنا ، وتزعم أن الرأي طريق الدين ، وأنت مقر بأن الرأي لا يجمع علي القول الواحد المختلفين ، فسكت الشامي كالمفكر ، فقال أبو عبد الله (ع) : مالك لا تتكلم ، قال : إن ، قلت : إنا ما اختلفنا كابرت ، وإن قلت : إن الكتاب والسنة يرفعان عنا الاختلاف أبطلت ، لأنهمها يحتملان الوجوه ، ولكن لي عليه مثل ذلك.

 

فقال له أبو عبد الله (ع) : سله تجده مليا ، فقال الشامي لهشام : من انظر الخلق ، ربهم أم أنفسهم ، فقال : بل ربهم انظر لهم ، فقال الشامي : فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم ويرفع اختلافهم ويبين لهم حقهم من باطلهم ، فقال هشام : نعم ، قال الشامي : من هو ، قال هشام : أما في ابتداء الشريعة فرسول الله (ص) وما بعد النبي (ص) فعترته ، قال الشامي : من هو عترة النبي القائم مقامه في حجته ، قال هشام : في وقتنا هذا أم قبله ، قال الشامي : بل في وقتنا هذا ، قال هشام : هذا الجالس ـ يعني أبا عبد الله (ع) ـ الذي تشد إليه الرحال ، ويخبرنا بأخبار السماء ، وراثة ، عن أبيه ، عن جده ، قال الشامي : وكيف لي بعلم ذلك ، فقال هشام : سله عما بدا لك ، قال الشامي : قطعت عذري ، فعلى السؤال ، فقال أبو عبد الله (ع) : أنا أكفيك المسألة يا شامي ، أخبرك عن مسيرك وسفرك ، خرجت يوم كذا ، وكان الطريق كذا ، ومررت على كذا ، ومر بك كذا ، فأقبل الشامي كلما وصف له شيئا من أمره ، يقول : صدقت والله ، ثم قال : الشامي : أسلمت لله الساعة ، فقال له أبو عبد الله (ع) : بل آمنت بالله الساعة ، إن الإسلام قبل الإيمان عليه يتوارثون ويتناكحون ، والإيمان عليه يثابون ،  قال الشامي : صدقت ، فأنا الساعة اشهد أن لا إله الا الله وأن محمد رسول الله ، وإنك وصي الأنبياء.

 

من هذا يتجلي لنا أن التمسك بالعترة هو الحل الوحيد لسد أبواب الاختلاف ، ومنه الاختلاف في تفسير القرآن وتأويله ، ولو أخذ علماء الأمة الإسلامية بمنهج أهل البيت (ع) في التفسير ، والتزموا بالأسس والقواعد والضوابط التي جاء بها أهل البيت (ع) في تفسير كتاب الله عز وجل ، لقدروا أن يؤدوا التفسير بدقة وسلامة ولأغنوا بذلك دنيا الانسانية بالمعاني والأفكار والأحكام ، ولم يقعوا في الضياع والتخرص والقول بالرأي والخضوع لهوى النفس.

 

حجية ظواهر القرآن : لايخفى أن تفسير الكتاب العزيز وشرح مقاصده وأهدافه ، وكشف رموزه وأسراره ، لايعني عدم حجية ظواهر القرآن للناس ، لأن الله سبحانه وتعالى لم يتفرد في افهام مقاصده بطريقة خاصة ، ولم ينتهج في بيانه اسلوبا غريبا عن الأذهان ، وإنما كلم الناس بما يألفون من أساليب التفهيم والكلام ، وإن الرسول (ص) جاء بالقرآن لقومه ليفهموا معانيه وليدبروا آياته.

 

وقد ذم الله سبحانه من يعطل تفكيره ومن لا يتدبر القرآن ، بقوله تعالى : أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ، وقال تعالى : هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ، وقال تعالى : فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون ، وإلى غير ذلك من الآيات الدالة على وجوب العمل بما في القرآن ولزوم الأخذ بما يفهم من ظواهره ، والمهم في هذه المسألة هو معرفة المحكم والمتشابه ، والعام والخاص ، والمطلق والمقيد ، والناسخ والمنسوخ ، وقد خص الله عز وجل الاحاطة بها حججه وسفرائه في الأرض ، وهم عترة الرسول (ص) الذين اصطفاهم تعالى ليكونوا ورثة الكتاب وحملة علم الرسول (ص) وعناهم بقوله : هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم.

 

فالمشكلة في الأمر هي مسألة المتشابة ، التي يتخذها الذين في قلوبهم مرض فرصة لابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، حيث يقول الامام الصادق (ع) في هذا المجال : إنما هلك الناس في المتشابه ، لأنهم لم يقفوا علي معناه ولم يعرفوا حقيقته ، فوضعوا له تأويلا من عند أنفسهم بآرائهم واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء.

 

التحرر من الانقياد الأعمى : يقول الأخ بشير سليم بعد خوضه هذه الأبحاث : إن هذه المسألة وفرت لي بداية انطلاقة في البحث الذي منه غيرت مسير اتجاهي العقائدي ، ولذلك سافرت إلى العاصمة موبوتو ، ودخلت مدرسة أهل البيت (ع) لأتعرف بصورة كاملة على مذهب الامامية ، فتتلمذت على يد أحد المبلغين العراقيين المقيمين في موزمبيق لأجل التبليغ ، وبعد مضي سنة واحدة من البحث والتحري والتتبع تبلورت صورة الفكر الشيعي في ذهني ، بشكل نشأت منها القناعة في نفسي لدقتها ووضوحها وصدقها ، ولم تمض مدة حتى وجدت قلبي ينبض بمحبة أهل البيت (ع) ووجدت لساني يلهج بذكرهم وفضائلهم.

 

ويضيف الأخ بشير : بدأت حياتي الجديدة بعد ذلك برؤية ومنهجية سلوكية أخرى تلقيتها من أهل بيت رسول الله (ع) الذين هم خزنة علم الله ، وتراجمة وحيه ، وحججه على أرضه.

وهكذا اجتزت عقبات هذه الرحلة الشاقة بعون الله ، لأصل في نهاية المطاف إلى العقيدة الراسخة التي لم ارثها من الآباء.

 

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين