( عبد الرحمن وتري )

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين

 

البطاقة الشخصية

 

مولده ونشاته : ولد عام 1975م بمدينة بندوكو في ساحل العاج ، أكمل دراسته الاعدادية في المدارس الدينية المالكية ، تولى منصب نائب رئيس الجمعية الخطابية في ساحل العاج ، اعتنق المذهب الجعفري عام 1991م في غانا ، وأسس جمعية ( الاعتصام بحبل الله ) في مسقط رأسه ، وكان نشطا في التدريس والتبليغ لمذهب أهل البيت (ع) في أبيدجان.

 

فتح آفاق الحوار العلمي البناء : يقول الأخ عبد الرحمن : كان سبب تعرفي علي الشيعة ومذهبهم التحاقي بمدرسة أهل البيت (ع) في غانا ، بعد انهائي للمرحلة الاعدادية ، كنت في بادئ الأمر متخوفا من دخولي في هذه المدرسة لكثرة ما سمعت من الاشاعات ضد الشيعة ، وكان دخولي اليها أثر نصيحة أستاذي وقوله لي : ان طالب العلم ينبغي أن لايكون متعصبا في معتقده ، بل عليه أن يكون شجاعا في تتبعه وأبحاثه ، وأن لا يخشى مايرد عليه من شبهات ، وعليه أن يحاول بجهده وسعيه التعرف على الحقيقة وطلبها حيث ما كانت.

 

وبهذا الهدف دخلت المدرسة الخاضعة لاشراف علماء الشيعة ، وكان أغلب الطلبة من معتنقي مذهب أهل البيت (ع) وكنت أؤدي تكاليفي العبادية في المدرسة وفق المذهب المالكي ، ولم أجد منهم أي ردود فعل سلبية ، بل كانوا يحترمونني ويكنون لي كل التقدير ، لعتقادهم أن الحوار الهاديء هو الحل الوحيد الذي لابد أن يتبع لتصحيح أفكار الآخرين ، وأن الاستهزاء والتشنيع سبل فاشلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

كما انهم كانوا يلاحظون الأجواء لفتح الحوار مع من يخالفهم في الفكر أو المعتقد ، والحوار يتطلب أجواء هادئة ونفسية مستعدة من قبل الطرفين ، فلهذا ينبغي اجتناب الحوار في الأجواء التي لا تتناسب مع هذا الأمر.

وكان الملاحظ فيهم أيضا مراعاتهم لجميع الضوابط المطلوبة في الحوار ، فكانوا يحاولون تعيين الموضوع وتحديد نطاق البحث قبل الحوار ، وذلك للوصول قدر الامكان إلى النتيجة ، حتى لا يتشعب البحث في مواضيع متعددة فيعرقل الحوار ويجعله عقيما من دون ثمرة.

ومن هنا جرى بيني وبينهم العديد من النقاشات العقائدية المختلفة ، وكان أحد محاورها كيفية الوضوء والقول بالمسح أو الغسل للأرجل.

 

كيفية الوضوء عند الامامية : كان احتجاج زملائي الشيعة على أن كلمة ( وأرجلكم ) وردت بحالة النصب في قوله تعالى : ( ... إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم ... ) ، وفي هذا دلالة على عدم عطفها على الأيدي حتى يجب فيها الغسل ، وإن الذين قرؤوا بالنصب من القراء السبعة متساون مع الذين قرؤوا بالجر ، وأن الأصل في العطف عند علماء العربية أن يكون على أقرب المذكورات دون أبعدها.

فعلى هذا توجب القراءة بالنصب أن لايكون العطف على الأيدي ، بل العطف على الرؤوس في المعنى دون اللفظ ، لأن الرؤوس في محل النصب لفعل ( امسحوا ) ، وإنما جرت بعارض وهو الباء ، والعطف على الموضع دون اللفظ جائز ومستعمل في لغة العرب ، وهذا لا يخفى على كل من درس قسطا من النحو ، فاقتنعت باستدلالهم وصرت أعمل وفق مذهب الامامية في هذه المسألة.

وهكذا توالت المناظرات بيني وبينهم حول مسائل عديدة ، وكنت أجد نفسي في كل مرة امام أدلة قوية ومتينة لا مجال لمعارضتها وعدم التسليم لها ، حتى آل بي الأمر أن أندفع إلى البحث بصورة موضوعية ومعمقة حول التشيع.

 

الإمامة عند الشيعة : بدأت بمطالعة ما وقع بيدي من كتب الشيعة كي تتضح لي صورة هذا المذهب ومعتقداته ، فعرفت بعد ذلك أن الشيعة تعتبر الإمامة بالنص ، وترى أن الرسول (ص) لم يترك الأمة من بعده سدا ، بل نصب لهم من قبل الله عز وجل اثنى عشر اماما قد اصطفاهم الله تعالى لهذا الأمر ، قررت بعدها مطالعة سيرة رسول الله (ص) والتمعن بتاريخ صدر الإسلام ، لاسيما فيما يتعلق بالصحابة ، لقناعتي أن سبيل معرفة الإسلام وعقائده الحقة هو تتبع سيرة الرسول (ص) والصحابة الأوائل ، وحتى يتمكن المسلم من تشييد بنيان مرصوص لمعتقداته.

 

ومن خلال البحث استوقفتني بعض أحاديث رسول الله (ص) التي حدد فيها مصير الأمة والخليفة من بعده ، والتي بين فيها المرجع لحل الاختلافات التي قد تحل بين المسلمين بعد غيابه ، من هنا كان لابد للخليفة أن يتحلى بصفات تؤهله لأن يقوم مقام صاحب الرسالة ، لأن الخلافة نيابة عنها ونهوض بأعبائها ، فلابد أن يكون للامام علم زاخر مستمد من ينبوع علم الله عز وجل ، حيث قال تعالى: ( أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدِي الا أن يهدى ) ، وقال تعالى : ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) ، وقال تعالى : ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) ، وعلى هذا الأساس عين رسول الله (ص) وبأمر من الله عز وجل الامام علي ابن أبي طالب (ع) للخلافة من بعده ، أقوال رسول الله (ص) في أعلمية علي (ع) : قد بين رسول الله (ص) في مواقف عديدة مدى علم علي (ع) وأعلميته ، وكان ذلك لتمهيد الأرضية لخلافته ، فتحدث (ص) كثيرا في هذا المجال ، ونقل أقواله أكابر الصحابة ، فكان منها :

قوله (ص) : أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب.

قوله (ص) : سيكون من بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فألزموا علي بن أبي طالب ، فانه الفاروق بين الحق والباطل.

قوله (ص) : أقضاكم علي.

قوله (ص) : قسمت الحكمة على عشرة أجزاء، فاعطي علي بن أبي طالب منها تسعة والناس جزءا واحدا.

قوله (ص) : من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ... فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

قوله (ص) لفاطمة (ع) : أو ما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما ...

 

وكان من أجلى الروايات الواردة عن رسول الله (ص) في سعة علمه وأقواها دلالة على ذلك ، الحديث المتواتر الوارد بالأسانيد المعتبرة وبالالفاظ المختلفة في كتب الفريقين عن رسول الله (ص) أنا مدينة العلم وعلي بابها.

ودلالة هذا الحديث واضحة في أعلمية الامام علي (ع) بالنسبة إلى جميع الصحابة ، والتي منها يستنتج أفضلية (ع) على من سواه ، فان العقل السليم يحكم بأنه لا يكون بابا لمدينة العلم الا من أحاط بجميع علومها ، وهذا المعنى يستلزم أعلمية أمير المؤمنين (ع) من سائر الأصحاب بل من الخلائق كافة ، لأن رسول الله (ص) أعلم من جميع الأنبياء والمرسلين بالاجماع وأفضلهم ، وهو ما صرح به أغلب العلماء الأعلام من أهل العامة ، كأبي حامد الغزالي ، والقاضي عياض ، والأزهري ، وشهاب الدين أحمد ، والمناوي ، وغيرهم.

وأما استلزام الأعلمية للأفضلية ، فهو موضع وفاق بين العلماء ، فان العلم والمعرفة أشرف الفضائل وأعلى المناقب وأسني المراتب ، وهي ميزان لتقييم الفضل بين الناس ، ولهذا يكون أعلم الناس ـ مع مراعاته للورع والتبقوي ـ أفضلهم وأشرفهم مقاما وأعلاهم درجة.

 

كما ان هذا الحديث يدل على أن الامام علي (ع) يعتبر بمثابة حلقة وصل بين الناس وبين علم رسول الله (ص) ، لأن الصحابة غير ملمين بكافة أنحاء الشريعة ، فلا يحق لهم أن يعتمدوا على ما عندهم في اصدار الحكم الشرعي ، بل عليهم أن يراجعوا من له الاحاطة بجميع الأحكام والمسائل الشرعية ، وقد بين رسول الله (ص) في هذا الحديث أن الامام علي (ع) له هذه الاحاطة في هذا المجال ، ولهذا أضاف (ص) قائلا :  فمن أراد العلم فليأتها من بابها ، وقال (ص) : أيضا كذب من زعم أنه يصل إلى المدينة الا من قبل الباب " أو " كذب من زعم أنه يدخل المدينة بغير الباب.

 

التشويش الفكري بين الآراء المتضاربة : يقول الأخ عبد الرحمن : لم تذعن نفسي لهذه الحقيقة بسهولة ، فحاولت جهد الامكان أن أجد سبيلا من كتب الحديث لاثبات معتقدي السابق، وبالفعل وجدت أحاديث من هذا القبيل تشير إلى فضل من تقدم على علي (ع) في الخلافة ، كحديث : ما صب الله شيئا في صدري الا وصببته في صدر أبي بكر ، وحديث : لو كان بعدي نبي لكان عمر ، وحديث تناول عمر لسؤر رسول الله (ص) حيث أولها البعض بالعلم ، فاستبشرت لذلك ، ولكن بعد البحث والتدقيق وجدت أن معظم علماء الجرح والتعديل ، حكموا بوضع هذه الأحاديث ، والذي كان منهم ابن الجوزي في كتابه ( الموضوعات ).

وقد نص الطيبي على وضع الحديث الأول في ( الخلاصة ) كما ذكر الشوكاني في ( الفوائد ) ، وقال ابن القيم : هذا مما وضعه جهلة ... ، وذكره أيضا القارئ في الموضوعات ، وصرح بوضعه الفتني في ( تذكرته ).

أما الحديث الثاني اعتبره ابن الجوزي من الموضوعات كما في كتابه ( الموضوعات ) ، وقد أنكره بلفظ آخر الخطيب ، اضافة إلى وجود الضعفاء والمجروحين في أسانيده كمشرح بن هاعان ، وبكر بن عمرو ، والفضل بن المختار.

 

ولو أمعن النظر في مفاد الحديث الأول لوجد أن دلالته توحي بالمساواة بين رسول الله (ص) وأبي بكر في جميع العلوم وهذا لم يقل به أحد ، وبطلان الحديث الثاني واضح ، لأن النبوة لا تكون لشخص أمضى شطرا كبيرا من حياته في الكفر والشرك.

أضف إلى ذلك أن الباحث يجد خلاف ذلك في أرض الواقع لو تصفح حياة أبي بكر وعمر ، فعدم إلمام أبي بكر بالأحكام وغيرها لا يكاد يخفى على أحد ، إذ هو بنفسه قد اعترف بعدم معرفته للأحكام بمواقع عديدة ، واستعان بغيره في مواقف كثيرة جهل فيها الحكم الشرعي ، وأما صاحبه عمر بن الخطاب فكان يجهر علانية بجهلة وقلة علمه ، حتى ورد عنه أنه قال : كل الناس أفقه منك ياعمر ، حتى ربات الحجال والمخدرات في البيوت.

والجدير بالذكر هنا أن القوم عندما عجزوا عن انكار أو تضعيف الأحاديث الواردة في حق الامام علي (ع) وبالخصوص حديث مدينة العلم ، عملوا على الدس والزيادة في هذا الحديث ، بأن تقولوا على رسول الله (ص) أنا مدينة العلم وأبو بكر أساسها وعمر حيطانها وعثمان سقفها وعلي بابها ، وأنا مدينة العلم وعلي بابها ومعاوية حلقتها ، وما شاكل هذا من الأحاديث المضحكة في دلالتها.

 

الوصول إلى الدليل القاطع : ويضيف الأخ عبد الرحمن : وأكثر من هذا وذاك رأيت روايات نقلها أهل الحديث ، فيها دلالات واضحة بأن رسول الله (ص) أمر الناس بالرجوع إلى الامام علي (ع) كما انه (ص) أمضى قضائه حال حياته ، وذلك لتتم الحجة على الأمة ، كامضاء قضاءه في إبل الصدقة ، ورد من اعترض على حكمه ، وقضائه في ثلاثة نفر اشتركوا في ولد ، وقضائه في دية الذين وقعوا في زريبة أسد ، وأمره (ص) عليا بالقضاء بين رجلين من الأنصار اختصما بحضرته.

ويختم عبد الرحمن حديثه قائلا : لقد فتحت لي مداليل هذه الأحاديث آفاقا جديدة ، بحيث عرفتني بمكانة الامام علي (ع) ومنزلته ، فتيقنت بصحة أقوال الشيعة وما ذكروه من ضرورة الرجوع إلى الامام علي (ع) وكونه الامام والخليفة بعد رسول الله (ص) بلا فصل ، وتبين لي إن من أراد الدخول إلى مدينة رسول الله (ص) ينبغي له أن يأتيها من الباب ، ومن هنا أعلنت تشيعي وانتمائي إلى مذهب أهل البيت (ع) عام 1991م لأنهل قدر وسعي من علوم ومعارف رسول الله (ص) من الينبوع الذي أمرنا به.

 

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين