( عبد الله موكر )

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين

 

البطاقة الشخصية

 

مولده ونشأته : ولد عام 1973م بمدينة كامولي في دولة أوغندا ، نشأ في بيئة تعتنق المذهب الشافعي ، واصل دراسته إلى حد المرحلة الثانوية ، ثم دخل الجامعة في قسم الفلسفة ، تحرر من معتقداته الموروثة عام 1990م بمدينة " جينجا " في بلاده على أثر توفيق رباني أحاطه فهداه الصراط المستقيم ، وتصدى بعد اعتناقه لمذهب أهل البيت (ع) للتدريس في مدرسة الامام الحسن (ع) في بلدته ، كما واصل تتبعه ودراسته في معهد أهل البيت (ع).

 

بداية الرحلة : تبدأ قصة استبصار الأخ من حين اشتغاله بالدراسة الأكاديمية في الجامعة ، إذ كان شغوفا بمادة التربية الإسلامية ، وكان يصغي للأستاذ بتأمل ويبذل قصارى جهده لاستيعاب المعلومات التي يلقيها الأستاذ ، كما كان يخزن المفاهيم الدينية في ذاكرته ليحللها فيما بعد ، وينظمنها وينسقها وليتمكن من صياغتها من جديد ، ليكون منها مبادىء منسجمه ورُؤى محددة الاطار.

 

دور الامام الصادق (ع) في حفظ الشريعة : يقول الأخ عبد الله : ذكر أستاذ مادة التربية الإسلامية في احدى محاضراته أنه كان للامام الصادق (ع) دور بارز في نشر العلوم والمعارف الإسلامية التي ورثها من آبائه عن رسول الله (ص) ، وكان له مذهبا خاصا وأتباعا منتشرين في أقطار الأرض ـ وهم موجودون حتى الآن ـ وقد تلقى أئمة المذاهب الأربعة الكثير من المعارف منه بصورة مباشرة وغير مباشرة.

فاعترتني الدهشة والاستغراب من مقولة الأستاذ ، وقلت في نفسي : من هو الامام الصادق ، وما هو مذهبه ، وما هي الأسباب التي جعلتنا نتمسك بأحد المذاهب الأربعة ونترك مذهبه إذا كان الامام الصادق (ع) يمثل مصدرا للعلم وينبوعا يفيض بالمعارف ، وتتلمذ على يديه أئمة المذاهب.

وفي تلك المحاضرة لم أتعرض للأستاذ بسؤال أو استفسار ، لأنني وجدت نفسي قصير الباع من حيث المعلومات في هذا المجال ، فقررت أن أفرغ نفسي لهذا الموضوع لأبحث فيه بغية أن أكتشف الحقيقة ، ولأتمكن بعدها من محاورة الأستاذ عن علم ودراية ، فعكفت على الكتب المدونة في هذا الخصوص ، وغصت في أغوار التاريخ.

 

الفترة الذهبية التي عاشها الامام الصادق (ع) : ان الفترة التي عاشها الامام الصادق (ع) تعتبر من الفترات النادرة لنشر العلوم في صفحات التاريخ الإسلامي ، وذلك نتيجة انشغال السلطات الحاكمة بنفسها ، وأن الدولة الأموية قد دب في جسمها الضعف وأحاطت بها عوامل الانهيار ، ثم برزت الدولة العباسية التي كانت في بدء نشوئها مشغولة بترسيخ دعائم حكمها.

ومن هنا توفرت في الساحة الإسلامية أجواء مفتوحة لبث الأفكار وظهور المدارس الفكرية على اختلاف مذاهبها وأنواعها ، فطرح أهل الأهواء أفكارهم المسمومة في الساحة الإسلامية حتى امتلأت الساحة بالأفكار الضالة والمنحرفة.

وفي مثل هذه الأجواء ـ حيث وجد الامام الصادق (ع) الفرصة مناسبة للعمل التوجيهي والتبليغي ـ فتح أبواب مدرسته ليقوم ببث الأحكام والتعاليم الصحيحة ، وتصدى لمواجهة الانحراف المنتشر في أوساط المسلمين.

ويقول المستشار المصري عبد الحليم الجندي في خصوص الامام الصادق (ع) : هو الامام الوحيد في التاريخ الإسلامي ، والعالم الوحيد في التاريخ العالمي ، الذي قامت على أسس مبادئه الدينية والفقهية والاجتماعية والاقتصادية دول عظمى.

وكان الامام الصادق (ع) يمتلك شخصية متكاملة لا يجود الزمان بمثلها ، حتى أقر أعداؤه ومناوؤه قبل أحبائه بذلك.

فقد ، قال : ألد أعدائه المنصور الدوانيقي : ان جعفرا كان ممن ، قال الله فيه : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) ، وكان ممن اصطفاه الله ، وكان من السابقين في الخيرات.

وقال مالك بن أنس ـ امام المالكية ـ : ما رأت عين ول اسمعت إذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق (ع) علما وعبادة وورعا ، وقال أبو حنيفة ـ صاحب المذهب المعروف ـ : ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد.

وقال أبو نعيم : جعفر بن محمد الامام الناطق ذو الزمام السابق.

وقال الحسن بن علي الوشاء : أدركت في هذا المسجد ـ يعني الكوفة ـ تسعمائة شيخ كل يقول : حدثني : جعفر بن محمد.

وقال الجاحظ : جعفر بن محمد ، الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه.

وقال ابن حجر العسقلاني : جعفر الصادق (ع) نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان ، وروى عنه الأئمة الأكابر كيحيى بن سعيد وابن جريح ومالك والسفيانيين وأبي حنيفة وشعبة وأيوب السجستاني ، فهذه ملامح شخصية الامام الصادق (ع) العظيمة في منظار هؤلاء ، وكان أبرزها هو الجانب العلمي ، ولذا ليس من المبالغة والخروج عن الواقع في وصف علمه بأنه علم النبيين ـ كما قال : المنصور الدوانيقي : أنه ليس من أهل بيت نبوة الا وفيه محدث ، وإن جعفر بن محمد محدثنا اليوم ،  ـ وان مدرسته جامعة علمية إسلامية خلفت ثروة فكرية ، وخرجت عددا هائلا من رجال العلم ، وأنجبت صفوة من المفكرين والفلاسفة والعلماء ، وقد حوت هذه الجامعة الآف الطلاب من مختلف الملل والنحل والطوائف ، فالحضارة الإسلامية عموما والتراث العربي خصوصا مدينان لعميد هذه المدرسة العظيمة الامام جعفر بن محمد الصادق (ع).

 

مدرسة الامام الصادق (ع) : ان الامام الصادق (ع) رغم الضغوط الشديدة : والظروف العسيرة التي كان يعاني منها ، قد طبع مدرسته هذه بطابع الاستقلال وعدم الخضوع للأنظمة الحاكمة آنذاك ، فصمدت بثبات في سبيل تحقق ذلك رغم جور الأمويين وتعسف العباسيين.

وقد عاصر الامام الصادق (ع) ساحة سياسية مضطربة وفوضوية ، وأدرك بثاقب بصيرته أن العواقب غير محمودة إن زج بنفسه وبأشياعه في هذا المعترك ، ولذا ركز نشاطه في مجال النصح والإرشاد من أجل توعية المجتمع ورفع مستواه العلمي ، كما انه حذر بني عمه من بني الحسن (ع) من أي تحرك انفعالي غير مدروس ، وبين لهم المردود السلبي في ذلك ، ولقد اتخذ الامام (ع) منهجا سار فيه ليؤدي الرسالة الملقاة على عاتقه ، فدعا الناس إلى تطبيق مبادئ الإسلام والتحلي بقيمه السامية ، كما وقف (ع) أزاء موجات الانحراف الفكري والاجتماعي والسياسي التي اجتاحت الساحة الإسلامية ، فعالجها بهدوء وتأني بعيدا عن الأنفعال ، فكان (ع) يناظر كافة المذاهب ، لا سيما الزنادقة فيكشف لهم الغطاء عن وجه الحقيقة ، ومن مناظراته في هذا المجال :

ما قد ورد من أنه سمع أن الجعد بن درهم ـ الزنديق ـ قد جعل في قارورة ترابا وماء فاستحال دودا وهواما ، وادعى أنه خلق هذه الكائنات ، فلما بلغ ذلك الامام جعفر الصادق (ع) ، قال ليقل كم هو، وكم الذكران والأناث إن كان خلقه ، وليأمر الذي يسعى إلى هذا أن يرجع إلى غيره ـ قال ابن حجر العسقلاني ـ : فبلغه ذلك فرجع ، كما انه (ع) لما رأى انحطاط الوضع الاجتماعي وانحداره في الهاوية وظهور امارات الانهيار فيه ، بذل قصارى جهده لتوعية الناس فكان يدعوا المجتمع إلى التحلي بالقيم الرفيعة ، ليصونهم من الضلال والانحراف.

ومن مواقفه في هذا المجال أيضا ، ما رواه سعيد بن بيان ـ سابق الحاج ـ : مر بنا المفضل بن عمر ، وأنا وختن لي نتشاجر في ميراث ، فوقف علينا ساعة ، ثم قال لنا : تعالوا إلى المنزل ، فأتيناه ، فأصلح بيننا بأربعمائة درهم ، فدفعها إلينا من عنده ، حتى إذا استوثق كل واحد منا من صاحبه ، قال : إما أنها ليست من مالي ، ولكن أبو عبد الله الصادق أمرني إذا تنازعا رجلان من أصحابنا في شيء أن أصلح بينهما وأفتديهما من ماله ، فهذا مال أبي عبد الله.

 

مواقف الامام الصادق (ع) آزاء حكام الجور : كانت مواقف الامام الصادق (ع) بخصوص الوضع السياسي الذي فرضه ولاة الجور كلها تشير إلى عدم مشروعيتهم ، إذ لم يعرف عنه أبدا أي دعم أو تقرب منه للحكام الظلمة وأعوانهم ، فأعطى بذلك نهجا مشرقا لتسير عليه الأجيال.

ففي احدى المرات أجاب (ع) المنصور الدوانيقي بشكل قاطع وبأسلوب مفحم عندما سأله المنصور ـ وكان الذباب يتطايح على وجهه وقد ضجر منه ـ بقوله : يا أبا عبد الله لم خلق الله الذباب ، فقال الصادق (ع) : ليذل به الجبابرة.

وكتب إليه المنصور مرة : لم لا تغشانا كما يغشانا سائر الناس ، فأجابه الصادق (ع) : ليس لنا ما نخافك من أجله ، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له ، ولا أنت في نعمة فنهنيك ، ولا نراها نقمة فنعزيك بها ، فما نصنع عندك ، فكتب إليه المنصور : تصحبنا لتنصحنا ، فأجابه (ع) : من أراد الدنيا لا ينصحك ، ومن أراد الآخرة لا يصحبك.

فالامام الصادق (ع) لم يتزلف يوما للسلاطين ولم يهادنهم رغم قسوتهم وشدة وطئتهم ، ولذلك قوبل الامام (ع) بالهجمات العنيفة والحملات الظالمة ، وأضطهد أتباعه ، وأصبحت شيعته عرضة للخطر ، فعانوا من بطش الجبابرة والظلمة ما لا يحيط به البيان.

 

الامام الصادق (ع) وعهد العباسيين : بعد أن قوت أركان الدولة العباسية ، رأى الحكام العباسيين أن المجتمع الإسلامي متعطش للعلم ، فحاولوا أن يتدخلوا في هذا المجال ليهيمنوا على العلماء وليمسكوا زمامهم بأيديهم ، فأمعنوا النظر في المذاهب المنتشرة ليختاروا منها ما يتلائم مع أغراضهم ومصالحهم ، وليجبروا الناس بعوامل الترغيب والترهيب على التمسك بها ، ويبعدوهم عن كافة المذاهب التي لاتنسجم مع أغراضهم وأطماعهم ، فقررت السلطة الحاكمة سد أبواب الاجتهاد لتحجر أفكار الناس ولتجحد التشريع الإسلامي من خلال حصرهم المذاهب في عدد معين.

 

الوصول إلى شاطىء النجاة : يقول الأخ عبد الله موكر : لقد أكتشفت الكثير من الحقائق عبر التتبع والاستقصاء والقراءة الموضوعية لا حداث التاريخ ، وكلما خضت في أمثال هذه الأبحاث تجلت لي الأمور بوضوح.

ومن هنا نشأت في نفسي بذرة محبة الامام الصادق (ع) ومذهبه ، ولكن لم تكن صورة هذا المذهب متكاملة في ذهني ، ولم يسعني المجال للتعمق نتيجة كثافة الدروس الأكاديمية وقرب الامتحان الدراسي في تلك الفترة.

وكان الخوف من مجئ سؤال حول التشيع في امتحان مادة التربية الإسلامية دفعني للمطالعة المكثفة عن هذا المذهب ، وبذلك أكتملت صورة مذهب أهل البيت (ع) في ذهني ، ووجدت نفسي امام حقائق لم أجد بدا من الخضوع أمامها والانتماء اليها ، وكان ذلك سببا في استبصاري واعتناقي لمذهب أهل البيت (ع).

 

وكانت الكتب التي أمتلكها خير معين وخير زاد لحركتي في مسيرة الدعوة ، فكنت أضيء بها الدرب لمن حولي وأبين لهم الحقائق لعلهم يسيرون باتجاه السبل الموصلة إلى الهداية والفلاح ، وتمكنت ـ بحول الله ـ أن آخذ بيد الكثير وأخرجهم من الغفلة إلى الوعي واليقظة والاستبصار.

 

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين