( عبد الله أحمد العسيري )

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين

 

البطاقة الشخصية

 

مولده ونشاته : ولد عام 1977م بمدينة المحويت في اليمن ، من أسرة زيدية ، كان يميل بشكل كبير للوهابية ، يواصل الآن دراسته في الطب ، تشرف عام 1997م باعتناق مذهب أهل البيت (ع) بعد حوارات ومناقشات عديدة ودراسة موضوعية لعقائد الشيعة وآراء الوهابية.

 

مرحلة خطيرة من الضياع : يقول السيد العسيري : قررت أن أعيش في ظل النظرية الإلهية بأن ألتزم بالمبادئ الإسلامية لضمان سعادتي في كلا الدارين ، فسرت على نهج الوهابية وذلك لاعجابي بهم حتى حضرت معهم حلقات الدرس ، وكنت أرمي بعقلي حيثما وجدت مخالفة للعقل ـ على أساس أن العقل هوى ويجب القضاء على الهوى ـ ، وهكذا بدأت أتعمق في فهم تصوراتهم حتى بلغت إلى الاعتقاد بالتجسيم لله سبحانه وتعالى.

 

كشف الغطاء عن الملابسات : وذات يوم سمعت أن أحد أقربائي قد انتمى إلى التشيع ، فذهبت إليه لعلي أجد سبيلا إلى هدايته ـ حسب اعتقادي ـ وبدأت أناقشه ، حتى تركز البحث حول مسألة الجمع بين الصلاتين ، فأخبرني قريبي بامكانية الجمع ، وذكر لي : ما أورده البخاري من روايات المجوزة لذلك ، ولكنني حبذت عدم مواصلة البحث معه في هذا المجال لأن الموضوع كان فقهيا ويعتبر من فروع الدين ، فقررت مناقشته في مسائل الأصول التي تمثل القاعدة في بنية العقيدة.

وكانت البداية هي البحث عن التوحيد باعتباره الأصل الأول من المسائل الاعتقادية ، فالوهابية تعتقد أنه تعالى بذاته موجود على العرش ، وبعلمه يتواجد في كل مكان ، ولم يكن لي علم بمصدر هذا التقسيم لكنني كنت أعلم بأنني موظف باتباع ما يملي علي العلماء من دون مناقشة ذلك ، وكان قريبي الشيعي متفتحا وواعيا لا يقول شيئا الا عن علم ودراية ، فبدأ يسرد لي الآيات التي تنزه الله عز وجل عن ذلك.

فحاولت أن أقيده ليتمسك بظاهر الالفاظ ، وأن لا يتخطي عن دائرة الالفاظ إلى مجال المعاني ، فبدأ قريبي يستشهد لدعم تنزيهه جل وعلا بالروايات الواردة في هذا الخصوص ، ومن هنا دخلنا في موضوع الأحاديث ومصداقية كتب الحديث عند أبناء العامة وحجيتها ، فسجلت نقاط الخلاف بيننا وبين الشيعة ، وقررت الرجوع إلى أحد الأساتذة الوهابيين لأحصل على اجابة الاشكالات التي ذكرها قريبي.

وبالفعل ذهبت لأحد الأساتذة وشرحت له : ما جرى بيني وبين قريبي من حوار حول التوحيد ، وقدمت له الورقة التي دونت فيها الاشكالات ونقاط الاختلاف ، فأخبرني بأنه سيجيب عليها في اليوم التالي ، وذهبت إليه في الموعد المحدد ، وإذا به يسمعني آراء ابن تيمية حول الشيعة بأنهم مشركون وضالون وينبغي اجتناب مجالستهم ، فقلت له : أنا أعلم ذلك ، ولكن أريد جوابا لتفنيد اشكالات قريبي ، فقال لي الأستاذ : ان الله عز وجل لو أراد أن يهدي قريبك لهداه ، ولكن قل من تشيع ثم هداه الله، فلم يرق لي جواب الأستاذ ، ووجدت أجابته توحي بعدم قدرته على الرد.

 

مع كتيب الخطوط العريضة : بعد ذلك طلبت من الأستاذ كتابا حول الشيعة ، فأعطاني كتيب ( الخطوط العريضة ) ، فأخذته وطالعته ، ثم ذهبت إلى قريبي الشيعي ، ورحت أكيل له ولمذهبه التهم التي ذكرها مؤلف الكتيب محب الدين الخطيب ، فكان قريبي صبورا يسمع تهجمي بهدوء وتأني ، بعد ذلك بدأ يجيب ماوجهت له من أسئلة وشبهات من دون انفعال ، وكانت أوليات النقاش قد تمحورت حول ما أدعاه الخطيب بخصوص ما نسب إلى عمر.

في الحقيقة أن ما تقول به المؤلف في هذا الكتيب ، مجرد تهمة حاول الصاقها بعلماء الشيعة ، فانه حكى عنهم هذه المقالة التافهة في كتاب اسمه ( الزهراء ) ، وهو أمر ليس له أساس من الصحة ، ولو كان صادقا في ادعائه لأسند نشر هذا الكتاب إلى ناشر معين ، ولذكر إسم مؤلفه ولم يسنده إلى علماء النجف الأشرف ـ فهم من أحوط الناس وأشدهم رعاية لحرمة الإسلام والمسلمين ، ولا تجري أقلامهم وألسنتهم النزيهة الا في مرضاة الله والاصلاح بين المسلمين ـ ، ولكن الخطيب لا يريد بذلك سوى الطعن والتجريح واثارة الفتنة وتفريق الكلمة ، بل يبدو منه تثبيت هذا الأمر على عمر بن الخطاب واشاعته حكاية عن علماء الشيعة في النجف الأشرف ، ولو سلمنا وجود شيء من هذا ، فهل يصح نسبته إلى عموم علماء الشيعة ، وإذا كان مبني الخطيب على هذا الأساس ، فعند ذلك يحق أن تنسب عقائد النواصب ـ الذين أحدثوا في الإسلام الحوادث العجيبة ـ إلى جميع أبناء العامة.

 

دراسات الفقه الإسلامي عند الشيعة وأبناء العامة : حاول الخطيب في كتيبه هذا أن يعمق الهوة ويوسع الفجوة بين الشيعة وأبناء العامة ، وذلك بقوله : فالفقه عند أهل السنة وعند الشيعة لا يرجع إلى أصول مسلمة عند الفريقين ، والتشريع الفقهي عند الأئمة الأربعة من أهل السنة قائم على غير الأسس التي يقوم عليها التشريع الفقهي عند الشيعة ... ، لكن الفقه عند جميع المسلمين من الشيعة وأبناء العامة في الواقع يرجع إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه (ص) ، والشيعة أشد الناس تمسكا بهما ، فعلى هذا كيف تكون الاُسس التي قام عليها التشريع الفقهي عند أبناء العامة مغايرة للأسس التي قام عليها عند الشيعة ، علما أن أئمة المذاهب وتلامذتهم أخذوا عن الامام جعفر الصادق (ع) ، وفي الحقيقة أن الفرق بين الطائفتين ، ان الشيعة لا تجوز العمل بالقياس والاستحسان والاجتهاد مقابل النص كما هو متعارف عند غيرهم ، ثم يعرض الخطيب خطأ عريضا آخر من أفقه الطائفي الضيق ، فيدعي أن الشيعة لا يدخلون الفقه السني في دراساتهم وينكر على الأزهر دراسة الفقه الجعفري في أروقته ، كنمط خاص من دراسات الفقه الإسلامي.

في حين أن الأزهر إذا أراد أن يكون حرا في دراساته وموضوعيا في نقاشاته ، فعليه بدراسة فقه وعقائد وتفسير الشيعة ، ليعرف مدى رسوخهم وتأثيرهم في تاريخ الإسلام والمسلمين ، كما ان مقولة الخطيب بأن الشيعة لا يدرسون الفقه السني ، مجرد ادعاء ليس له صحة في الواقع ، فان مدارس الشيعة وحوزاتهم لا تتناول الفقه السني فقط ، بل تفسير وعقائد وتاريخ أبناء العامة بكل دقة وأمانة ، وتضعه على طاولة البحث ثم تناقشه لتصل إلى النتائج التي يدعمها الدليل والبرهان من القرآن والسنة.

وهذه مكتباتهم العامة والخاصة تعج بمئات الكتب السنية لمختلف الكتاب ، ومنابرهم يذكر فيها آراء أبناء العامة جنبا إلى آراء الشيعة ، وتخضع كافة الآراء للنقد والتحليل ، فالشيعة يتناولون في أبحاثهم جميع الآراء بدقة وامعان ، وهم لقوة ثقتهم بما يذهبون إليه وعدم تعصبهم ، لا يخشون على عقائدهم من النقد كما تحاول بعض الطوائف ابعاد أتباعهم عن أفكار وكتب الآخرين.

 

التقية في الفكر الإسلامي : شن الخطيب في كتابه أيضا حملته المسعورة على الشيعة لعملهم ولإيمانهم بالتقية التي شرعها الله تعالى في كتابه العزيز ، وقاية للمؤمن ومتعلقاته وصيانة لمعتقداته حيثما وجد نفسه لا يبقوي على مقاومة أعداءه ، والتقية في الحقيقة هي اظهار الانسان ما يغاير باطنه المؤمن به والمطمئن إليه لدفع ما يحيق به من شرور ، وهي من المفاهيم الإسلامية الأصيلة ، التي أكدتها السنة النبوية المطهرة ، وعمل بها الصحابة والتابعين ، كما انها موافقة لحكم العقل ، فالعقل يأمر صاحبه بتجنب ما يحتمل فيه الضرر ، سواء كان ذلك في أصول العقائد الإسلامية أم في الأحكام الشرعية ، بل وحتى في الآداب والاخلاق العامة.

كما ان التقية غير مختصة بمذهب معين ، وإنما كان سبب تميز الامامية بها للمعاناة الطويلة التي مروا بها من حكام الظلم والجور ، وهذا لا يعني أن غيرهم لم يعمل أولم يقل بها ، فقد ورد عن أئمة المذاهب الأربعة وفقهائهم أقوالا في مشروعية التقية ، ومنها :

ذكر الإمام مالك عدم وقوع طلاق المكره على نحو التقية ، وذكر ابن العربي المالكي إن من يكفر تقية وقلبه مطمئن بالإيمان لا تجري عليه أحكام المرتد ، لعذره في الدنيا ... ، كما صرح بأن الاكراه إذا وقع على فروع الشريعة لا يؤاخذ المكره بشيء.

وذكر ابن جزي المالكي جواز التلفظ بكلمة الكفر عند الاكراه عليها ... ثم قال : قال مالك لا يلزم المكره يمين ولا طلاق ولا عتق ولا شيء فيما بينه وبين الله ، ويلزمه ما كان من حقوق الناس ، ولا تجوز الاجابة إليه كالاكراه على قتل أحد أو أخذ ماله.

أما أبو حيان الأندلسي المالكي فيرى صحة التقية من كل غالب يكره بجور منه ، فيدخل في ذلك الكفار وجورة الرؤساء والسلابة وأهل الجاه في الحواضر ، كما تصح التقية عنده في حالة الخوف على الجوارح والضرب بالسوط والوعيد وعداوة أهل الجاه الجورة ، وإنها تكون بالكفر فما دونه من بيع وهبة ونحو ذلك.

والتقية في الفقه الحنفي فواسعة جدا حيث قال السرخسي الحنفي : يجوز ترك الصلاة الواجبة عند الاكراه على تركها ، وكذلك الافطار في شهر رمضان المبارك ... وكما تصح التقية في هذه الأمور تصح أيضا في حالات كثيرة أخرى فيما لو أكره المرء عليها ... وإن من لم يفعل ذلك وهو يعلم أنه يسعه كان آثما ، وليس له أن يمتنع منه ، كما جوز كلمة الشرك على اللسان تقية عند الاكراه.

أما ابن نجيم الحنفي ، فقد نص على قاعدة هامة توجب على المكره أو المضطر الموازنة بين المفسدة الناتجة من الاقدام على الفعل المكره عليه أو المضطر إليه ، وبين المفسدة الناتجة من حالة الترك ... ثم ينقل عن الزيلعي قوله : الأصل في جنس هذه المسائل إن من ابتلى ببليتين ، وهما متساويتان ، يأخذ بأيهما شاء ، وإن اختلفتا يختار أهونهما ، لأن مباشرة الحرام لا تجوز الا للضرورة ، ولا ضرورة في حق الزيادة.

هذا بالاضافة إلى أقوال أخرى في مصادر الأحناف تحدثت عن التقية ، والتقية عند الشوافع ، فكما يقول الإمام الشافعي تصح في الأمور التي يباح للمكره التكلم بها ، أو فعلها مع كونها محرمة شرعا ، وقال الكيا الهراسي الشافعي عمن يكفر بالله تعالى مكرها وقلبه مطمئن بالإيمان : ان حكم الردة لا يلزمه ... ان المشرع غفر له ، لما يدفع به عن نفسه من الضرر ... واستدل به أصحاب الشافعي على نفي وقوع طلاق المكره وعتاقه وكل قوله حمل عليه بباطل ، نظرا لما فيه من حفظ حقه عليه ، كما امتنع الحكم بنفوذ ردته حفظا على دينه ، وذكر ابن حجر العسقلاني الشافعي جواز التقية عند الاكراه على تلفظ كلمة الكفر ، ويرى الحنابلة أيضا جواز العمل بالتقية ، حيث صرح ابن قدامه الحنبلي باباحة التقية في حالات الاكراه ، وقال : انما أبيح له فعل المكره عليه ، دفعا لما يتوعده به من العقوبة فيما بعد.

 

ومن التقية في الفقه الحنبلي ، الاكراه على كلمة الكفر ، وقد صرح بذلك مفسروا الحنابلة كابن الجوزي الذي نص على جواز الكفر تقية عند الاكراه على الكفر ، وقال : بهاء الدين عبد الرحمن بن ابراهيم المقدسي : اجمع العلماء على اباحة الأكل من الميتة للمضطر ، وكذلك سائر المحرمات التي لاتزيل العقل ، كما قال ابن تيمية في رده على البكري : ولو قدر أن شخصا أبطن خلاف ما يظهر من الأقوال لم يكن زنديقا الا إذا أبطن الكفر ، والا فمن أبطن قولا يعتقد أنه دين الإسلام ويناظر عليه لم يكن هذا زنديقا عند الفقهاء ...

 

مسألة تحريف القرآن : ادعى الخطيب بأن الشيعة ، يقولون بتحريف القرآن ، وهو افتراء آخر يضاف إلى سلسلة الافتراءات التي حواها هذا الكتيب ، فالقرآن الكريم يمثل روح الأمة الإسلامية التي لا غنى للمسلمين عنها ، فهو كيانهم ووجودهم ، وقد أجمعوا على أن القرآن هو هذا الذي بين الدفتين لم يزاد فيه ولم يعتريه النقصان ، وهذا ما يؤمن به الشيعة ، وكملاحظة نلفت النظر اليها ، ان محدثي الشيعة عنوا منذ القرون الأولى بجمع الروايات الواصلة اليهم عن الأئمة (ع) ـ صونا لها من الضياع وحفظا لها من النسيان ـ من غير نظر إلى متونها أو أسانيدها ، فالرواية على هذا الأساس أعم من الاعتقاد ، ولذا لا يجوز نسبة مطلب إلى راو أو محدث ـ فضلا عن طائفة ـ بمجرد نقله لخبر يدل على ذلك المطلب ، فإذا صرح كاتب بمعتقد ما ، فلا يصح تعميم اعتقاده على الطائفة بأجمعها ، لأن مبناه في صحة تلك الأخبار أو تبنيه لذلك المعتقد قد يكون مخالفا لمباني الآخرين ، ويؤكد ماذكرناه ـ من أنه رأي شخصي ـ أن علماء الشيعة المعاصرين للشيخ حسين النوري الطبرسي ، والمتأخرين عنه تناولوا كتابه بالرد والنقد ، كالسيد محمد حسين الشهرستاني ، والشيخ محمود العراقي وغيرهما ، وللشيخ البلاغي بعض الكلام في هذا الباب في مقدمة تفسيره ( آلاء الرحمن ) ، بل أن الشيخ النوري نفسه يعترف بصراحة بتفرده في هذا القول.

فليس من حق الخطيب أن ينسب تهمة التحريف للشيعة ـ لأن أحد علمائهم ، قال : به ـ في حين نجده يتعامى عن آراء الفطاحل منهم ، ومن له الباع الطويل والقدم الراسخ في حفظ التراث الإسلامي الأصيل من الضياع.

 

قول الشيعة بعدم تحريف القرآن : قد صرح أعلام الامامية بعدم تحريف القرآن ، ومنهم :

 

1 ـ الشيخ محمد بن علي ابن بابويه الملقب بالصدوق (ر) : اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد (ص) هو ما بين الدفتين ، وهو ما بين أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة ... ، ثم يقول : ومن نسب إلينا إنا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب.

2 ـ الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ر) : أما الكلام في زيادته ونقصانه فمما لا يليق به ، لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، وأما النقصان منه فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا.

3 ـ الشيخ أبو علي الطبرسي (ر) : فأما الزيادة فيه فمجمع علي بطلانه ، وأما النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة أن في القرآن تغيير أو نقصانا ، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه ، وهو الذي نصره المرتضى قدس الله روحه ، واستوفي الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات.

4 ـ الشيخ جعفر كاشف الغطاء (ر) : ولا زيادة فيه من سورة ولا آية ، من بسملة وغيرها ، لا كلمة ولا حرف ، وجميع ما بين الدفتين مما يتلى كلام الله تعالى بالضرورة من المذهب ، بل الدين واجماع المسلمين ، وأخبار النبي (ص) والأئمة الطاهرين (ع) .. الثامن نقصه : لا ريب في أنه محفوظ من النقصان ، بحفظ ملك الديان ، كما دل عليه صريح القرآن ، واجماع العلماء في جميع الأزمان ، ولا عبرة بالنادر ، وما ورد من أخبار النقيصة تمنع البديهة من العلم بظاهرها.

5 ـ السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي (ر) : والقرآن الحكيم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، انما هو ما بين الدفتين ، وهو مافي أيدي الناس لا يزيد حرفا ولا ينقص حرفا ، ولا تبديل فيه لكلمة بكلمة ولا لحرف بحرف ، وكل حرف من حروفه متواتر في كل جيل تواترا قطعيا ... وهذا كله من الأمور المعلومة لدى المحققين من علماء الامامية ، ولا عبرة بالحشوية فانهم لا يفقهون ، ولو رمنا استقصاء كلمات الأعاظم من علماء الشيعة في كل جيل لطال بنا الكلام ، فالمعروف إذن والمشهور بين الامامية هو القول بعدم تحريف القرآن الكريم.

 

تحريف القرآن عند أبناء العامة : ان الباحث عندما ينظر في كتب أبناء العامة يجد أن أحاديث النقصان والزيادة في القرآن الكريم في كتبهم كثيرة العدد ، صحيحة الاسناد عندهم ، واضحة الدلالة ، خصوصا وإنها في كتبهم المعتبرة ( الصحاح ) التي يذهب جمهورهم إلى أن جميع مافيها مقطوع بصدوره عن النبي (ص) لا سيما صحيحي مسلم والبخاري.

 

الزيادة في القرآن ، في السور : ما اشتهر ، عن عبد الله بن مسعود وأتباعه من زيادة المعوذتين حيث كان عبد الله يحك المعوذتين من مصاحفه ، ويقول : أنهما ليستا من كتاب الله تبارك وتعالى ، ويروي البخاري بسنده ، عن علقمة ، قال : دخلت في نفر من أصحاب عبد الله الشام ، فسمع بنا أبو الدرداء فأتانا ، فقال : أفيكم من اقرأ ، فقلنا : نعم ، قال : فأيكم اقرأ ، فأشاروا إلي ، فقال : اقرأ ، فقرأت : ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى ) ، فقال : أنت سمعتها من في صاحبك ، قلت : نعم ، قال : وأنا سمعتها من في النبي ، وهؤلاء يأبون علينا ، وفي رواية مسلم والترمذي : أنا والله هكذا سمعت رسول الله (ص) وهو  يقرؤها ، وهؤلاء يريدونني أن اقرأها : وما خلق ، فلا أتابعهم.

 

النقصان في القرآن ، في السور : ان أحاديث نقصان سور القرآن الكريم عندهم فكثيرة ، منها : ان أبا موسى الأشعري ، قال : لقراء أهل البصرة : وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة ، فأنسيتها ، غير أني حفظت منها : لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ولا يملأ جوفه ابن آدم الا التراب ، هذا بالاضافة إلى الأحاديث الواردة حول نقصان سورة الأحزاب ، وكذا سورة التوبة ، وسورة يشبهونها باحدى المسبحات ، وسورتي الخلع والحفد.

 

ماورد حول آيات القرآن من مرويات أبناء العامة :

 

آية الرجم : أخرج البخاري ، عن عمر بن الخطاب أنه قال : ان الله بعث محمدا بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل الله آية الرجم ، فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، رجم رسول الله (ص) ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ... ثم إنا كنا نقرأ ـ فيما نقرآ من كتاب الله ـ : ( أن لا ترغبوا عن آبائكم فانه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ) ، أو : ( كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم ).

آية الشهادة : أخرج مسلم في صحيحه ، عن أبي موسى الأشعري : وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها باحدى المسبحات نسيتها غير أني حفظت منها : ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا ، تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم ، فتسألون عنها يوم القيامة.

آية يا أيها الرسول بلغ ... : قال الحافظ السيوطي : أخرج ابن مردويه ، عن ابن مسعود ، قال : كنا نقرأ على عهد رسول الله ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك أن عليا مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ).

آية ان الله اصطفى آدم ... : أخرج الثعلبي بسنده ، عن أبي وائل ، قال : قرأت في مصحف عبد الله بن مسعود : ( ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران وآل محمد على العالمين ).

آية كفى الله المؤمنين القتال ... : روى الحافظ السيوطي في تفسير قوله تعالى : ( كفى الله المؤمنين القتال ) ، عن ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر ، عن ابن مسعود : أنه كان يقرأ الآية هكذا : ( كفى الله المؤمنين القتال بعلي ابن أبي طالب ) ، هذا بالاضافة إلى أحاديث عديدة روتها كتب العامة حول آيات : المتعة ، الصلاة على النبي (ص) ، ولاية النبي (ص) ، الحمية ، المحافظة على الصلوات.

فهذه كتب أبناء العامة وروايات رجالاتهم بهذا الخصوص فكان الأولى بالخطيب أن ينسب التحريف في القرآن إلى أهل نحلته الذين الفوا كتبا كثيرة في اختلاف المصاحف ، كابن عامر (ت 118 هـ) ، والكسائي (ت 189 هـ) ، والفراء البغدادي (ت 207 هـ) ، وخلف بن هشام (ت 229 هـ) ، والمدائني (ت 231 هـ) ، وابن حاتم (ت 248 هـ) ، ومحمد بن عيسى الأصبهاني (ت 253هـ) ، وابن أبي داود السجستاني (ت 316 هـ)، وغيرهم. ، ولم يصل إلينا من هذه الكتب الا كتاب ( المصاحف ) لأحد المتقدمين الحافظ أبي بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني ، المطبوع في المطبعة الرحمانية بمصر عام 1355 هـ ، وقد نقل فيه جملة من الآيات بروايات الصحابة التي ثبت أنها تختلف عما في القرآن الذي بين أيدينا ، إذ يقول في أول كتابه : انما قلنا مصحف فلان لما خالف مصحفنا هذا من الخط أو الزيادة أو النقصان أخذته ، عن أبي (ر) ـ صاحب السنن ـ هكذا فعل في كتاب التنزيل.

ومن المتأخرين ابن الخطيب في كتابه ( الفرقان ) الذي طبع في مطبعة الكتب المصرية بالقاهرة عام 1367 هـ ، والجدير ذكره أن القرآن الموجود الآن في أيدي المسلمين والذي يتلوه الملايين في أقطار الدنيا علي طول القرون انما هو بقراءة حفص ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) من دون اختلاف كما صرح به العلماء ، وعلى هذا مات السلف وعاش الخلف بكل فخر وتقدير ، ومن دون أدنى ريب ونكير.

 

حقيقة الامام المهدي (ع) : من افتراءات صاحب الخطوط العريضة ، قوله : ... ثاني عشرهم فانه شخصية موهومة ، نسبت كذبا للحسن العسكري الذي مات ، عن غير ولد ... ، والناظر إلى كتب الفريقين يجد أن هذا الأمر اتفق عليه المسلمون خلفا ، عن سلف ، وتواترت فيه الأخبار ، عن النبي (ص) : أنه لابد من امام يخرج في آخر الزمان من نسل علي وفاطمة (ع) يسمى باسم الرسول (ص) ، ويلقب بالمهدي ، يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا ، فقد أخرج جمع من أعلام أبناء العامة روايات كثيرة ، في أن المهدي (ع) من عترة رسول الله (ص) ومن ولد فاطمة (ع) ومن ولد الحسين (ع) وأنه الخليفة الثاني عشر من الخلفاء الذين أخبر النبي (ص) بأنهم يملكون أمر هذه الأمة ، وكان منهم :

 

1 ـ الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتابه ( الأربعين ).

2 ـ المتقي الهندي ( البرهان في علامات مهدي آخر الزمان ).

3 ـ السيوطي ( العرف الوردي في أخبار المهدي ).

4 ـ ابن حجر العسقلاني ( القول المختصر في علامات المهدي المنتظر ).

5 ـ جمال الدين يوسف الدمشقي ( عقد الدرر في أخبار المنتظر ).

6 ـ الشوكاني ( التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح ).

فضلا عن الروايات الكثيرة الواردة في أخبار المهدي (ع) التي أخرجها أكابر المحدثين من أبناء العامة ، فلا خلاف بين المسلمين في ظهور المهدي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا ، وإنما الخلاف وقع بينهم في أنه ولد أم سيولد ، والشيعة الإمامية تقول بولادته وبوجوده وحياته وغيبته وأنه سيظهر باذن الله تعالى ، ورواياتهم في ذلك تجاوزت حد التواتر ، ورويت في جميع طبقات الاثبات الثقات من الأجلاء الذين لا طريق للغمز فيهم ، وقد وافق الشيعة جمع كثير من أعلام العامة من أن المهدي (ع) هو ابن الامام الحسن العسكري (ع) وأنه غائب ، ومنهم :

 

1 ـ أبو سالم كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي العدوي النصيبي والشافعي (ت 702 هـ) ، الممدوح بأنه أحد الصدور والرؤساء والمعظمين في كتابة ( مطالب السؤول ).

2 ـ أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي (ت 858 هـ) ، الملقب بالامام الحافظ في كتابه ، البيان في أخبار صاحب الزمان.

3 ـ نور الدين علي بن محمد بن الصباغ المالكي (ت 755 هـ) ، في كتابه ( الفصول المهمة ) ، حيث ذكر كلام محمد بن يوسف الكنجي مستشهدا به ومؤيدا له.

4 ـ محي الدين أو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن عربي (ت 638 هـ) ، الملقب بالشيخ الأكبر في كتابه ( الفتوحات المكية ).

والجدير بالذكر أن المطبوع من الكتاب قد طالته أيدي التحريف والحذف ، ولكن نقل الشعراني في ( اليواقيت ) لكلام ابن العربي لهو شاهد على أنه ذكر أن المهدي ابن الامام الحسن العسكري (ع) وأنه سيختفي ويظهر بعد حين.

5 ـ عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني (ت 973 هـ) الملقب بالشيخ العارف الخبير في كتابة ( اليواقيت والجواهر ) ، المعظم والممدوح عند علماء العامة ، حيث قالوا : أنه لا يقدح في معاني هذا الكتاب الا معاند أو جاحد كذاب ، وغير هؤلاء كالبيهقي ، وابن روزبهان ، وشهاب الدين دولت آبادي ، والقندوزي ... ، ويرى جمع آخر منهم أنه ولد ـ لا سيولد فيما بعد كما ادعى البعض ـ ومنهم :

1 ـ ابن خلكان في ( وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ).

2 ـ ابن طولون في ( الشذرات الذهبية ).

3 ـ السويدي مؤلف ( سبائك الذهب ).

4 ـ ابن الأثير في ( الكامل في التاريخ ).

5 ـ أبو الفداء في ( المختصر ).

6 ـ الشبراوي الشافعي في ( الاتحاف ).

7 ـ الشبلنجي في ( نور الأبصار ).

ومع كل هذا يدعي الخطيب أن الشيعة ينفردون بهذه المقالة ، ومما يبعث على الاستغراب أن يصر هذا الرجل على عناده فينكر ما ليس له به علم ، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على التحامل والعصبية القائمة على عدم التتبع.

 

الاذعان لنداء الحق : يقول السيد العسيري : وبعد الأخذ والرد بيني وبين قريبي تبين لي أن الشيعة براء مما وجه اليهم ، وعرفت أنهم لا يعتقدون بفضيلة أو منقبة لأئمتهم الا ويعتقدون لرسول الله (ص) تلك الفضيلة على النحو الأتم والأكمل ، فهو (ص) لايعدله أحد عندهم ، وأن الأئمة مأمورون باتباعه وطاعته كما أطاعه من قبل جدهم علي (ع) وهم الذين اختصهم الله تعالى بعنايته واختارهم ليكونوا حججه على خلقه ، ولذلك تمسكوا بهم.

ويضيف العسيري : وبعد مناقشة مواضيع أخرى ، كالسقيفة والإمامة وغيرها أهداني قريبي كتاب ( المراجعات ) ، فكان هذا الكتاب بمثابة الضربة القاضية لكل معتقداتي ـ الوهابية ـ السابقة وهكذا لم يبق لي مندوحة في السلوك غير انتهاج طريق أهل البيت (ع).

 

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين