( إبراهيم وتري )

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين

 

البطاقة الشخصية

 

مولده ونشأته : ولد بقرية ( سوكو ) التابعة لمدينة ( بوندوكو ) في ساحل العاج عام 1980م ، من عائلة تعتنق المذهب المالكي ، تشرف باعتناق مذهب أهل البيت (ع) عام 1993م في بلاده ، بعد أن تجلت له الحقائق من خلال البحث والتتبع.

 

بداية الالتفات إلى الحقيقة : يقول إبراهيم : لازلت أتذكر ذلك اليوم الذي طرق سمعي فيه كلمة الشيعة ، إذ كنت أنذاك طالبا في مدرسة التربية والتعليم الإسلامي ، وكنت أحب مادة التاريخ ، وفي أحد الأيام كان الدرس يرتبط بالعهد الأموي ، فتطرق الأستاذ في الدرس حول أهم الاحداث التي وقعت خلال فترة حكم الأمويين ، ومنها واقعة الطف فأشار الأستاذ بشكل عابر إلى مجريات واقعة الطف ، وذكر أن الخليفة يزيد بن معاوية قتل الحسين (ع) وأهل بيته بصورة فجيعة وبادر إلى ابادة الشيعة في هذه الواقعة ، ثم أشار الأستاذ إلى بعض الأفعال المروعة التي ارتكبها معسكر يزيد ضد الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه.

 

التعرف على الشيعة : فتأثرت من أعماق كياني بواقعة الطف الدامية التي كان ضحيتها ابن بنت رسول الله (ص) وأهل بيته ، وتداعى في ذهني كيف تجرأ يزيد بارتكاب هذه الأفعال الشنيعة وهو الخليفة يوم ذاك.

 

ثم وقع تساؤل في نفسي : ياترى من هم الشيعة الذين ذكرهم الأستاذ ، وقال : إن يزيد أبادهم، وماهي صلتهم بالحسين (ع) ، فلما انتهى الدرس توجهت إلى الأستاذ لأستفسر منه حول الشيعة الذين ذكرهم ، فقلت له : من هم هؤلاء وماهي صلتهم بالحسين (ع) ولماذا أمر الخليفة يزيد بقتلهم وقتل ابن بنت رسول الله (ص).

 

فأجابني الأستاذ : إن الشيعة طائفة إسلامية تعتقد بامامة علي بن أبي طالب وولده ، وتقول بأنه الأحق بالخلافة بعد النبي (ص) ، كما إن لهؤلاء معتقدات تغاير ما عليه المسلمون وهي عقائد ضالة ومنحرفة ، وهم أناس خرافيون لا يستندون إلى دليل منطقي أو برهان عقلي فيما يذهبون إليه.

 

ثم أضاف الأستاذ قائلا : ويمكن تمييز هؤلاء ، عن غيرهم بكيفية أدائهم للصلاة ، فهم يسجدون على التربة ، ثم قال لي : ويمكنك للمزيد من التعرف عليهم أن تذهب إلى ( آدم وترى ) لأنه أصبح منهم وانتمى إلى التشيع ، فأحبذ أن تلتقي به لتجد الانحراف الفكري عنده بصورة مباشرة وتلمس أفكاره الضالة بوضوح.

 

المفاجأة باستبصار أحد أقربائي : استغربت من كلام الأستاذ عندما أنبأني بأن آدم قد انتمى إلى التشيع ، فقلت في نفسي : إنه خير من أستفسر منه حقيقة هؤلاء الناس الذين لاقوا ما لاقوا يوم عاشوراء ، فقصدته وأخبرته بما جرى بيني وبين أستاذي حول واقعة الطف ، وطلبت منه أن يبين لي ما عنده ويذكر لي أسباب انتمائه لهؤلاء الناس ، فقبل مني ذلك واتفقنا معا على موعد معين لنتحدث في هذا الموضوع.

 

وفي الموعد المقرر ، بدأ الأخ آدم الحديث قائل : إن الاحداث التي تلت وفاة رسول الله (ص) كثيرة ، ويحتار الباحث في تعيين الانطلاقة في البحث ، فقلت له : الأفضل أن نشرع من البداية كي تتضح الأمور ، فبدأ آدم بالحديث عن مرض رسول الله (ص) وتجرؤ بعض الصحابة عليه واتهامهم له (ص) بالهجر والهذيان ، وما جرى بعد وفاة الرسول الأكرم (ص) من احداث في السقيفة ، وانتهاك القوم لحرمة بيت فاطمة (ع) و ... ، ثم تدرج في الاحداث التي وقعت بعد تولي يزيد لأمر الخلافة.

 

شخصية يزيد بن معاوية : إن شخصية يزيد معروفة وواضحة لمن له أدنى مراجعة لكتب التاريخ ، لأن الانسان مخبوء تحت لسانه ، والأقوال المنقولة عن لسان يزيد تكشف بوضوح حقيقة أمره ، كما أن يزيد لم يكن من أمثال المنافقين ليخفي سريرته ، بل كان يجهر بالفسق والفجور قولا وعملا منذ نشأته حتى تنصيبه للخلافة ، وورد أنه قال : بعد موت أبيه معاوية وافضاء الأمر إليه ، قد وليت الأمر بعده ، ولست أعتذر عن جهل ، ولا أشتغل بطلب علم ، فهو يقر بعنجهيته ولهوه وجهله ، ويفرض على أمة الإسلام وجوده ويهدد من يخالفه بالارهاب والقتل ، ولم يكن ما صدر من يزيد الا لأن الترف باعد بينه وبين الدين ، فجعله شخصية دكتاتورية لا يهمها سوى اشباع غرائزها وتحقيق نزواتها مهما كلف الأمر.

 

كما إن معاوية كان قد مهد له الأجواء والأرضية ليعبث بها كيف ما شاء ، فاستغل يزيد هذا الأمر وارتكب ما تهواه نفسه ، فكان يزيد يفتقد الحد الأدنى من المقومات التي تجعله مؤهلا لمنصب الخلافة ، بحيث أقر بذلك الدعي زياد بن أبيه ـ وهو من عرف ببغيه وسوء سريرته ـ وكتب إلى معاوية بشأن البيعة ليزيد : ويزيد صاحب رسلة وتهاون ، مع ما قد أولع به من الصيد ، ويزيد معروفا بالتهور وعدم الاتزان ، حيث قال عنه البلاذري : لا يهم بشيء الا ركبه.

 

وبمراجعة ما ذكره المؤرخون ، عن مقاطع حياته تنكشف بوضوح شخصية يزيد المستهترة ، ويعود السبب الكبير في ضعف صلة يزيد بالدين هو ترعرعه ـ كما يسأتي في الأجواء المسيحية التي نشأ فيها ـ وهذه الأجواء هي التي جعلته عاجزا ، عن النفاق والتظاهر بالورع والتبقوي ، والتلبس بلباس الدين ، وجعلته مجاهرا بارتكاب المحرمات واقتراف الآثام.

 

وكان الامام الحسين (ع) يعلم أن تولي يزيد للخلافة سوف يؤدي إلى اضمحلال الدين ، وتفشي الضلال في أوساط الأمة ، فلهذا كتب إلى معاوية جوابا على رسالته ووصف فيها يزيد بدقة وبصراحة :... وفهمت ما ذكرت ، عن يزيد ، من اكتماله وسياسته لأمة محمد (ص) تريد أن توهم الناس في يزيد كأنك تصف محجوبا ، أو تنعت غائبا ، أو تخبر عما كان مما إحتويته بعلم خاص ، وقد دل يزيد من نفسه على موضع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ فيه ، من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش ، والحمام السبق لأترابهن ، والقيان ذوات المعازف ، وضرب الملاهي تجده باصرا.

 

ولكن معاوية كان يريد أن يحول الخلافة إلى ملكية فلم يبالي بما قيل له ، بل حاول تمهيد أرضية الحكم لابنه وبذل قصارى جهده لتحقيق ذلك ، حتى وصل به الحد أن أمر بوضع أحاديث تروض الناس على الخضوع والذل ، وترسخ عقيدة الجبر في أوساط الأمة ، ليؤهل بذلك الأرضية لرضوخها في قبول ابنه كخليفة لله يجب السكوت على تصرفاته مهما كانت ، كما في حديث : من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه ، فانه من فارق الجماعة شبرا ، فمات الا مات ميتة جاهلية ، وكان هذا الاسلوب احدى طرق التضليل الديني الذي ابتدعه معاوية لتثبيت ملكه وملك بني أمية حيث قال له يزيد بعد أن تمت له البيعة بولاية العهد : والله ما ندري أنخدع الناس أم يخدعوننا ، فقال له معاوية : كل من أردت خديعته فتخادع لك حتى تبلغ منه حاجتك فقد خدعته.

 

جرائم يزيد بن معاوية : عند تولي يزيد الخلافة لم يجد الامام الحسين (ع) بدا من رفض بيعته وتوعيت الناس وتنبيههم بالخطر الذي كان يهدد جذور الإسلام ، فقال (ع) لما بلغه ذلك : وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد ، فقابله يزيد بعنف حتى حدثت مجزرة كربلاء الرهيبة ، فذبح الحسين (ع) وقتل آل رسول الله (ع) ومن شايعهم ، ومثل بهم أبشع تمثيل ، وسبيت نساءهم وذراريهم ، ونهب رحلهم ، ثم لم يكتف يزيد بهذه الجريمة ، بل أمر بالهجوم على مدينة رسول الله (ص) لمعارضتهم لحكمه ، فاستباحها وقتل أهلها وهتك الأعراض فيها ، فافتض عساكره في هذه الواقعة الف بكر وقتل الآلاف من المسلمين فيهم جمع من الصحابة ، وجريمته المنكرة هدمه للكعبة المشرفة وحرقها وترويع أهل الحرم المكي، وكل هذا ذكره المؤرخون وأصحاب السير وغيرهم.

 

وقد ذكر المؤرخ الأموي ابن عبد ربه إلأندلسي أخبار عجيبة ، ومثالب كثيرة ، من شربه الخمر ، وقتل ابن الرسول ، ولعن الوصي ، وهدم البيت واحراقه ، وسفك الدماء ، والفسق والفجور ، وغير ذلك مما قد ورد فيه الوعيد باليأس من غفرانه ، كوروده فيمن جحد توحيده وخالف رسله ، كما إن يزيد بن معاوية اعتمد في ارتكابه لهذه الجرائم على أعوان لايؤمنون بشيء من القيم الانسانية ، بل كانوا مزيجا من المسوخ البشرية وذوي العاهات النفسية الغريبة التركيب ، فكانوا يمتلكون نفوسا مليئة بالحقد والتدمير للأمة الإسلامية ورموزها المقدسة.

 

فكان من هؤلاء : مستشاره ونديمه المرافق له كظله ( سرجون النصراني ) الذي لعب دورا هداما في الكيان الإسلامي ، فقربه يزيد ومنحه المكانة العالية وبسط يده في الدولة ، لأن يزيد عاش فترة طفولته وشبابه المبكر مع أمه ميسون وأخواله بني كلب النصارى ، وكان من شعراء يزيد ( الأخطل ) وهو نصراني لئيم أيضا ، تمادى في هجوه للأنصار ولم يكتف يزيد بذلك ، بل عهد بتربية أحد أبنائه إلى مرب نصراني.

 

واعتمد أيضا على الأدعياء وأبناء الأدعياء ،  كـ ( عبيد الله بن زياد ) المعروف ببغضه لآل البيت (ع) وشيعتهم ، والمشهور بفتكه وقسوته ، كما اعتمد على ( عمر بن سعد بن أبي وقاص ) المعروف بطمعه وحبه للمناصب ، وهو الذي وجه لحرب الحسين (ع) وكان أول من شن الحرب في أرض كربلاء ضد الامام الحسين (ع) ليرضي بذلك ابن زياد فيوليه بلاد الري وجرجان ، فرمى بسهم نحو معسكر أبي عبد الله (ع) وقال : اشهدوا لي عند الأمير أني أول من رمى ، ثم رمى الناس.

 

واعتمد يزيد على الخارجي ( شمر بن ذي الجوشن ) الذي عرف عنه النصب والعداوة لآل علي (ع) تلك العداوة التي جسدها بكل خسة عند توليه لذبح سيد الشهداء (ع) ، وغير هؤلاء كثير ، فكانت تصرفاتهم مطابقة لتصرفات يزيد بحيث غلب على أصحابه وعماله : ما كان يفعله من الفسوق ، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة ، وأعمى الملاهي ، وأظهر الناس شرب الشراب.

 

وإن التاريخ بالرغم من كتابة أكثر فصوله بأقلام كانت تداري حكام الجور الذين كانوا يبغضون عليا وبنيه (ع) قد ذكر أفعال يزيد وشخصيته ، ولكن مع ذلك نجد هناك بعض ممن في قلبه مرض حاول الدفاع عن يزيد ولم يجوز لعنه ، فقد ، قال ابن كثير بعد ما نقل عن أبي الفرج الحنبلي تجويز لعنه : ومنع من ذلك آخرون ، وصنفوا في ذلك أيضا لئلا يجعل لعنه وسيلة إلى أبيه أو أحد من الصحابة ، وحملوا ماصدر منه من سوء التصرفات على أنه تأول ذلك وأخطأ ، وقالوا : إنه مع ذلك كان اماما فاسقا ، والامام إذا فسق لا يعزل بمجرد فسقه على أصح قولي العلماء ، بل ولا يجوز الخروج عليه لما في ذلك من اثارة الفتنة ، ووقوع الهرج وسفك الدم الحرام ... وأما ما ذكره بعض الناس من أن يزيد لما بلغه خبر أهل المدينة وما جرى عليهم عند الحرة من مسلم بن عقبة وجيشه ، فرح بذلك فرحا شديدا ، فانه يرى أنه الامام وقد خرجوا عن طاعته ، وأمروا عليه غيره ، فله قتالهم حتى يرجعوا إلى الطاعة ولزوم الجماعة.

 

وإن عشت أراك الدهر عجبا ، فالخروج على السلطان الجائر المستحل لحرام الله المؤدي إلى وقوع الهرج وسفك الدم الحرام غير جائز ، وبقاء الحاكم الذي عم بظله الهرج والمرج ، وسفك بأمره دم آل رسول الله (ع) وهدم بأمره بيت الله و ... كل هذا جائز ( ما لكم كيف تحكمون َ).

 

وقال الذهبي عن لعنه : ويزيد ممن لا نسبه ولا نحبه ، وله نظراء من خلفاء الدولتين ، وكذلك ملوك النواحي ، بل فيهم من هو شر منه ، وإنما عظم الخطب لكونه ولي بعد وفاة النبي (ص) بتسع وأربعين سنة ، والعهد قريب ، والصحابة موجودون ، كابن عمر الذي كان أولى بالأمر منه ومن أبيه وجده.

 

فالذهبي لا يسبه لوجود نظراء سوء مثله ، ولا يحبه لأن ابن عمر أولى بالأمر منه ، ولهذا عظم الخطب عنده ، لا لقتله سيد شباب الجنة وريحانة رسول الله (ص) ولا لقتله المسلمين وهتكه للأعراض في المدينة المنورة ، ولا لهدمه الكعبة المشرفة.

 

وزعم أبو بكر ابن العربي المالكي ( عليه لعنة الله ) أن الحسين قتل بسيف جده (ص) فلا يجوز لعن يزيد لذلك.

 

واستحسن ابن حجر العسقلاني الهيثمي ما ذهب إليه الغزالي والمتولي بعد أن نقل قولهما في كتابه الصواعق : لا يجوز لعن يزيد ولا تكفيره ، فانه من جملة المؤمنين ، وأمره إلى مشيئة الله إن شاء عذبه ، وإن شاء عفا عنه.

 

وياترى من أين جاء له الإيمان ، وهو الذي وضع رأس الحسين (ع) ورؤوس آل عبد المطلب بين يديه وتمثل بأبيات المشرك ابن الزبعري ـ التي افتخر فيها بانتصار قريش على المسلمين يوم أحد ـ فجعل يزيد ينشد :

 

ليت أشياخي ببدر شهدوا  * جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا واستهلوا فرحا  * ثم قالوا يا يزيد لا تشل

قد قتلنا القرم من ساداتهم *  وعدلنا ميل بدر فاعتدل

 

كما إنه نكث رأس الحسين (ع) بخيزرانته وأنشد يقول بمرأى ومسمع من المسلمين :

 

لست من خندف إن لم أنتقم  *  من بني أحمد ما كان فعل

لعبت هاشم بالملك  *  فلا خبر جاء ولا وحي نزل

 

وأقواله هذه توحي أنه كان من الذين جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعدوانا : ( فانها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ).

 

العلماء المصرحين بكفر يزيد وجواز لعنه : ومما يستنتج من أفعال يزيد بن معاوية ، أنه كان لا يؤمن بالله عز وجل في قرارة نفسه ، وكان جانحا ميالا للعبث في تصرفاته ، وحاقدا على النبي محمد (ص) ولهذا جزم بعض علماء العامة بكفره وجواز لعنه ، كابن الجوزي ، والقاضي أبي يعلى ، والتفتازاني ، والسيوطي ، وأحمد بن حنبل ، وغيرهم.

 

وقد الف ابن الجوزي كتابا أسماه : الرد على المتعصب العنيد ، المانع من ذم يزيد ، وقال فيه : سألني سائل في بعض مجالس الوعظ ، عن يزيد بن معاوية وما فعل في حق الحسين (ع) ، فقلت : يكفيه ما فيه .. قال : تجوز لعنه ، فقلت : قد أجازها العلماء الورعون ، منهم الامام أحمد بن حنبل [ فانه ذكر في حق يزيد ما يزيد على اللعنة ].

 

وروى ، عن القاضي أبي يعلي بن الفراء ، أنه روى في كتابه المعتمد في الأصول بإسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل ، قال : قلت لأبي إن قوما ينسبوننا إلى توالي يزيد ، فقال : يا بني ، وهل يتوالى يزيد أحد يؤمن بالله ، [ فقلت : فلم لا تلعنه ، فقال : ومتى رأيتني لعنت شيئا يا بني ] ، لم لا تلعن من لعنه الله في كتابه ، فقلت : وأين لعن الله يزيد في كتابه، فقال في قوله تعالى : ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) ، فهل يكون فسادا أعظم من القتل.

 

وقد صنف القاضي أبي يعلى كتابا ذكر فيه بيان من يستحق اللعن ، ومنهم يزيد ، وقال : الممتنع من ذلك إما أن يكون غير عالم بجواز ذلك ، أو منافقا ....

 

وقال سعد الدين التفتازاني : وبعضهم أطلق اللعن عليه ، لما إنه كفر حين أمر بقتل الحسين (ر) واتفقوا على جواز اللعن علي من قتله ، أو أمر به ، أو أجازه ، أو رضي به.

 

والحق : إن رضى يزيد ـ لعنه الله ـ بقتل الحسين (ع) واستبشاره بذلك ، واهانته أهل بيت رسول الله (ص) مما تواتر معناه ، وإن كانت تفاصيله آحادا ، فنحن لا نتوقف في شأنه ، بل في إيمانه ، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه.

 

وقال الآلوسي في تفسيره : بعد أن ذكر كلام ابن الجوزي في يزيد : وأنا أقول : الذي يغلب على ظني أن الخبيث لم يكن مصدقا برسالة النبي (ص) ... ولو سلم أن الخبيث كان مسلما فهو مسلم جمع من الكبائر مالا يحيط به نطاق البيان ، وأنا أذهب إلى لعن مثله على التعيين ، ولو لم يتصور أن يكون له مثل من الفاسقين ، والظاهر أنه لم يتب ، واحتمال توبته أضعف من إيمانه.

 

وواقعة الحرة تشهد على فعل يزيد بالمدينة وأهلها ، وخصوصا بعد ما ورد في الحديث الشريف ، عن رسول الله (ص) : من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله ، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ... ، فيزيد بن معاوية ملعون آيس من رحمة الله ، وقد دعى عليه رسول الله (ص) وهو لم يولد بعد ، فقال (ص) : يزيد لا بارك الله بيزيد ، نعي إلي الحسين ، وأوتيت بتربته ، وأخبرت بقاتله ... وآها لفراخ آل محمد من خليفة مستخلف مترف ، يقتل خلفي وخلف الخلف ، كما لعنه (ص) بالوصف أيضا ، فقال : سبعة [ستة] لعنتهم وكل نبي مجاب الدعوة ... والمستحل من عترتي ما حرم الله.

 

وأخرج ابن أبي شيبة ، وأبي يعلى ، والروياني ، والحافظ السلمي والنيسابوري ، والبيهقي ، وابن عساكر ، والضياء ، عن أبي ذر (ر) : أن النبي (ص) ، قال : أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية ـ وزاد الروياني ـ يقال له : يزيد.

 

وقد تبرء بعض بني أمية من سوء فعاله ، وأدانوا سيرته ، حتى أن ابنه معاوية ، قال عنه عندما هلك يزيد : إن من أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه ، وبئيس منقلبه ، وقد قتل عترة الرسول ، وأباح الخمر ، وخرب الكعبة ...

 

ومن كلام ابنه هذا يحكم بكفره لا محال ، لأنه غير حكم الله وبدل شريعة الإسلام باباحته للخمر ـ وتحليل الخمر يعني الحكم بأنها حلال ومباح ـ وفاعل ذلك كافر شرعا لا خلاف فيه ، وإذا قيل : أنه ولد من مسلم ، يكون مرتدا مليا يجب قتله ، كما أكد عمر بن عبد العزيز إدانته لأفعال يزيد ، عندما ذكره رجل في بلاطه ، فقال أمير المؤمنين يزيد بن معاوية ، فقال : تقول أمير المؤمنين ، فأمر به فضرب عشرين سوطا.

 

وقد ارتكب يزيد من الجرائم حتى خشي الناس غضب الله عليهم ، فعن عبد الله بن حنظلة ـ غسيل الملائكة ـ قال : والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء ، إنه رجل ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات ، ويشرب الخمر ، ويدع الصلاة.

 

نقطة التحول والاستبصار : يقول إبراهيم وترى : جعلني كلام قريبي آدم مذهولا مندهشا بعدما كشف لي الستار عن هذه الحقائق التاريخية فتجلى لي بوضوح إن من يحمل هذه الصفات المذمومة والرذائل الموبقة لا يجوز له أن يقود أمة ترعرعت في أوساطها أقدس رسالات الله تعالى ، ولا يستحق أن يلقب خليفة رسول الله (ص) ، لأنه يفقد جميع مقومات الخلافة.

 

فمن ذلك الحين وجدت يزيد رجلا على حد تعبير الذهبي : ناصبيا ، فظا ، غليظا ، جلفا ، يتناول المسكر ، ويفعل المنكر ، افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين ، واختتمها بواقعة الحرة ، فمقته الناس.

 

فاتفقت مع الأخ آدم على عقد لقاءات أخرى لأتعرف على الشيعة أكثر فأكثر ، وتكررت اللقاءات وتعددت البحوث حول مواضيع الإمامة والخلافة ، وكان آدم يدعم أقواله بالأدلة والبراهين ، ويرشدني إلى الكتب ، لا سيما كتب أبناء العامة لأحقق في الأمر بنفسي ، وهكذا بقيت أستفسر وأطالع و ...

 

ومن جانب آخر كنت أناقش أستاذي ـ الذي أرشدنى لآدم ـ في هذه المسائل ، فبدأ الأستاذ يمتعض مني ، وخشي أن أتحول إلى مذهب الشيعة ، فزودنى بعناوين بعض المؤسسات الثقافية لترفدني بالكتب والاصدارات التي قد توقف وتحد من تأملاتي في سلوك خلفاء الإسلام الذين كنت أجهل عنهم كل شيء تقريبا.

 

ولكنني بمرور الزمان تعرفت على حقائق واجهت في الأذعان بها صعوبة بالغة ، نتيجة الترسبات الفكرية السابقة ، وكنت أقول في نفسي : كيف أترك مذهبي ، كيف أهجر معتقداتي ، كيف كيف ... ، ودارت الأيام حتى التقيت بأحد أصدقائي السابقين ـ وكان أحد طلاب مدرسة أهل البيت (ع) في غانا ـ فتحاورت معه في هذا المجال ، فأعطاني كتاب ( ثم اهتديت ) و ( لأكون مع الصادقين ) و ( مؤتمر علماء بغداد ) ، فوجدت فيها حقائق أخرى تؤيد ما ذكر لي آدم من قبل.

 

وشيئا فشيئا بدأت سحب الظلام تنقشع من أمامي ونور الهداية يجذبني ، فقررت الالتحاق بسفينة النجاة والاهتداء بنجوم الأمان والانتماء إلى مذهب أهل البيت (ع) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فأعلنت استبصاري عام 1993م في ساحل العاج.

 

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين