( أسعد وحيد القاسم )

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين

 

البطاقة الشخصية

 

مولده ونشأته : ولد في فلسطين سنة 1965م من أسرة حنفية المذهب ، حاصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية والماجستير في ادارة الانشاءات والدكتوراه في الادارة العامة ، دفعه اطلاعه على بعض كتب الوهابية التي تهاجم مذهب أهل البيت (ع) إلى قراءة بعض كتب الشيعة ، ثم التحقق مما جاء فيها من صحاح السنة ، وهو الأمر الذي قاده إلى اعلان تشيعه بعد بحث مستفيض طال سنتين.

 

الصورة الأولى عن معرفته بالتشيع : يقول الدكتور أسعد : بدأت بدراسة الخلاف المذهبي في عام 1987م أيام دراستي الجامعية في الفيليبين ، بعد ما بدأت ألاحظ تلك الحملات التكفيرية المسعورة التى كان يشنها البعض ضد الشيعة والتشيع ، ولم يكن عندي لغاية ذلك الحين أي اهتمام للاطلاع على مثل هذه المسائل الخلافية لعدم شعوري بأي حاجة لمعرفتها ، وكل ما كنت أعرفه من الشيعة أنهم مسلمون وإن كانوا يختلفون عن أهل السنة في بعض المسائل التي لا تستوجب تكفيرهم ، كتفضيلهم لعلي (ع) على باقي الصحابة واهتمامهم الكبير بزيارة أضرحة الأئمة ، وكنت لا أرى أي داعي للبحث عن الفرق بين الشيعة والسنة ، لأنني كنت أعتبر هذه الأبحاث دخولا في متاهات قد لا توصل إلى أي نتيجة.

 

الإيمان بمبدأ التعامل الموضوعي بين المذاهب : كان الدكتور أسعد وحيد القاسم يعتقد بأن يتوجه أصحاب أي انتماء مذهبي إلى من يخالفهم في الرأى أو المعتقد من منطلق العمل على حل مشكلة مشتركة وهي البحث عن الحق ، وأن يحترم كل من الطرفين الآخر ، ليكون الحوار القائم بينهم حوارا موضوعيا وبعيدا عن التعصب والأنانية ، وذلك لتتهيأ فيما بينهم أجواء هادئه فيتمكنوا في ظلالها : إن يحصلوا على رؤية واضحة إلى الحقائق ، لأن التمحور حول الذات والتعصب الناتج من التبعية العمياء يمزق جميع الصلات بين أصحاب المذاهب المختلفة ويدفع كل صاحب انتماء إلى التعصب الأعمى لما عنده ، وبهذا تتحول الساحة الإسلامية إلى ساحة ممزقة تمتص طاقات هائلة وتهدر قدرات كثيرة في الوقت الذي يمكن الانتفاع من هذه الطاقات والقدرات في مسألة البناء والتطور والتقدم في جميع الأصعدة.

 

ألا أن بعض اتباع المذهب الوهابي أنكروا على الدكتور أسعد ذلك ، ثم حاولوا التضييق عليه من كل جانب من أجل أن يتخلى عن هذا النمط من التفكير المنفتح ، فيقول الدكتور قاسم : وكان معنى ذلك أنه يجب علي إما أن أكون سنيا مكفرا للشيعة ، وإما أن أكون شيعيا معتقدا بكل ما يعتقدون ، وهكذا كانوا يلحون علي دائما بأن أختار طريقا واضحا ليس فيه مزج أو وسطية على رأيهم ، وكانوا يوزعون دائما كتبا على الطلبة ، تكفر الشيعة وتجعل منهم خطرا على الأمة أسوأ من خطر اليهود.

 

وهكذا تولد في داخلي حافز للتقصي والبحث ، لأجد جوابا للعديد من القضايا والمسائل التي أثيرت حول تاريخنا الإسلامي ، ولم أجد لها جوابا مقنعا وخصوصا في ما يتعلق بمسألة الخلافة ونظام الحكم في الإسلام.

 

اقتطاف ثمار البحث حول التشيع : بعد ما قرأ الدكتور أسعد الكتب العديدة المضادة للشيعة ، بدأ بقراءة بعض الكتب الشيعية ليرى جوابهم على تلك المسائل وخصوصا كتاب ( المراجعات ) الذي ينقل حوارا لكاتبه الشيعي مع عالم سني من الأزهر ، فيقول الدكتور أسعد في هذا المجال : وأشد ما لفت انتباهي في هذا الكتاب وغيره من الكتب الشيعية هو استدلالها على ما تدعي بآيات قرآنية وأحاديث موثقة عند أهل السنة لا سيما في صحيحي البخاري ومسلم ، ولشدة قوة وضوح بعض الروايات التي استدل عليها من صحيح البخاري ، دفع ذلك بعض أصدقائي من دعاة الوهابية إلى القول بأنه لو وجدت بحق مثل هذه الروايات في صحيح البخاري لاستعدوا أن يكفروا بهذا الكتاب الجامع الصحيح كله كما يعتبره العلماء من أهل السنة ، وحيث أنه لم يكن متوفرا لدى أي أحد منا نسخة من هذا الكتاب ، فبحثت حينها حتى وجدت نسخا منه في معهد للدراسات الإسلامية في احدى الجامعات الفيليبينية ، وعكفت على دراسته للتحقق من مصادر الروايات الهامة التي استدل بها ، حيث وجدتها جميعا كما أشير اليها ، وحينئذ فقط تيقنت من صحة دعوى الشيعة القائلة بخلافة الأئمة الاثني عشر من أهل البيت (ع) ابتداءا بعلي (ع) وانتهاء بالمهدي (ع).

 

اجتياز مرحلة التغيير المذهبي : وحول كيفية تغيير الانتماء إلى التشيع وترك المذهب السني ، يقول الدكتور أسعد : لم أشعر منذ البداية أنه كان علي : أن أترك مذهبي السني ، ولا اعتقد إني تركته ، وما أقصد أن إيماني في بداية الأمر بأحقية أهل البيت (ع) بخلافة النبي (ص) لم يعن تركي لمذهبي السني ، وإنما اعتبرته تعديلا لمعلوماتي التاريخية ، وتصحيحا لمساري الإسلامي ، فإذا كان المذهب السني يعني هو الأخذ بالسنة النبوية ، فإن تمسكى بها قد أزداد بتعرفي علي طريق أهل البيت (ع) لأنهم أقرب الناس إلى هذه السنة النبوية.

وعلى رغم أن من حولي أخذوا ينادوني بالشيعي ، فلم أكثرت لذلك ، بل لم أجد بأسا فيه ، لأنه لم يكن عندي عقدة مسبقة من هذه التسمية ، لأنني لا أرى تقسيم المسلمين على أساس المذاهب ، وإنما على أساس صدق التوجه وأصالة العمل واخلاصه ، فيكون عندنا أما إسلام ظاهري موروث ليس فيه سوى الشعائر الفارغة من المعنى لمن يقوم بها وسوى التعصب الأعمى لها ، وأما إسلام واقعي يكون أتباعه مستسلمين بالروح والقلب لكل ما هو حق ويعملون به بكل حب واخلاص لا يعرفون للتعصب طريقا.

 

ردود فعل الأسرة والمجتمع : يقول الدكتور أسعد حول ما لاقاه من ردود فعل أسرته ومجتمعه : لم أفكر لحظة كيف سيكون رد فعل أسرتي ومجتمعي ، لأن المسألة هنا شخصية جدا ، ولا اعتبار فيها سوى ما يراه العقل وعلى ذلك يحاسبنا الله سبحانه وتعالى ، فلا الأسرة ولا القبيلة تشفع لأحد يوم الحساب ولحسن حظي على كل حال ، فإن أسرتي وأقاربي كانوا متفهمين جدا عندما عرفوا بالأمر وتربطني بهم إلى الآن علاقة حميمة ، وأما بالنسبة لرد فعل المجتمع ، فنحن ما زلنا مجتمعات يسيطر عليها التفكير القبلي والتعصب الديني والمذهبي والتحول عن الدين أو المذهب لا يزال مرفوضا من حيث المبدأ ويبغض غالبا من يفعله ، فالدين والمذهب في مجتمعاتنا من الأمور التي تورث ، والقليل النادر جدا من يضعها تحت مجهر الدراسة والتمحيص ، فلهذا خسرت بعض الأصدقاء الا أنني كسبت آخرين ، وفيهم كثير من النخب المتعلمة مما يدعو إلى التفاؤل ، فالثقافة والوعي تجاه هذه القضايا يحتاجان إلى بعض الوقت.

 

مؤلفاته :

 

1 ـ أزمة الخلافة والإمامة وآثارها المعاصرة : صدر عام 1418 ه - عن دار المصطفى لاحياء التراث ، ويشمل هذا الكتاب على أربعة أقسام وهي :

أ - موقف التشريع الإسلامي من مسألة الخلافة والإمامة.

ب - استعراض الواقع التاريخي لدولة الخلافة والإمامة في صدر الإسلام.

ت - منهج في الوصول لمعرفة هوية الخلفاء والأئمة الذين أرادهم الله لهذا المنصب.

ث _  آثار أزمة الخلافة والإمامة على شريعة الإسلام وواقع المسلمين على مر العصور.

2  ـ حقيقة الشيعة الاثني عشرية : صدر عام 1421 ه- عن مؤسسة المعارف الإسلامية ، وهو بحث يعالج بعض المسائل العقائدية من قبيل : الإمامة ، عدالة الصحابة ، الشيعة والقرآن الكريم ، الشيعة والسنة النبوية المطهرة ، الزواج الموقت ومسألة الامام المهدي المنتظر (ع) والفتن.

وقد قام السيد محمد جواد المهري بترجمة هذا الكتاب إلى اللغة الفارسية نشرته مؤسسة المعارف الإسلامية ـ قم.

3 ـ تحليل نظم الادارة في الإسلام : رسالته للدكتوراه ، وقفة مع كتابه : ( أزمة الخلافة والإمامة وآثارها المعاصرة ) عندما تفرط الأمة بما جاءها من العلم ، وتضيع البينات التي بلغها الرسول اليها عن الله سبحانه وتعالى ، يحدث الاختلاف والبغي وتنقسم الأمة إلى أهل حق وأهل باطل ، وعندما تدعي الأمة تقديم المصلحة وتضرب النص الإلهي ، يغير الله ما بها من نعم فيسلبهم اياها لظلمهم وادعاءهم الفهم والتقدم على التخطيط الإلهي الذي هو من النعم المحضة على الأمم ، وعندما تتبع الأهواء وتبتدع الأحكام يحدث الضلال والانحراف والتشرذم ، وتتوالى الأزمات وتتتابع الفتن وتبقى آثارها السيئة الى ما يشاء الله من الزمان.

 

وهذا ما حصل لأمة الإسلام عندما اجتهد جماعة مقابل النصوص الكثيرة وادعوا أنهم يخافون الفتنة وهم في الواقع اتبعوا أهواءهم القبلية في حب الرئاسة ووقعوا في الفتنة ، فنصبوا أنفسهم أئمة للناس وخلفاء للرسول (ص) وتبعتهم الأمة على ذلك ، وتركت من أوصى لهم الرسول (ص) بعد أن اصطفاهم الله سبحانه ، فلاقت الغي والأزمات وفقدت الرشاد والخيرات وتوالى عليها الحكام الظالمون الذين احتلبوا خيراتها واهتضموا صلحائها ، فضاعت معالم الدين والشريعة وسادت الجاهلية والفوضى أمور المسلمين ، فكثر الدس والتدليس في النصوص والتاريخ وساد التقديس لمن تظاهر بالدين ولو على حساب النبي (ص) والمعصومين من أهل بيته (ع) وانقسمت الأمة الى فرق ومذاهب ما أنزل الله بها من سلطان.

 

ماهية وجوهر الخلافة والإمامة : ينقل الكاتب تعريف أهل السنة والشيعة للخلافة والإمامة فيقول : يرى أهل السنة أن الخلافة والإمامة في جوهرها منصب سياسي وتنفيذي لتطبيق حدود الشريعة وحفظ مصالح العباد ومحاربة الأعداء ، ولا تقع على عاتق هذا المنصب مسؤولية حفظ معالم الدين بتفسير ما غمض من حقائقه أو تبيان حدوده وغير ذلك من الأمور المتعلقة بفهم الشريعة وتفهيمها كما كان يفعل الرسول (ص) ، ويبين الماوردي العلاقة بين الدين والسلطان بقوله : فليس دين زال سلطانه الا بدلت أحكامه ، وطمست أعلامه ، وكان لكل زعيم بدعة ، ولكل عصر فيه وهية أثر ، وكما إن السلطان إن لم يكن على دين تجتمع به القلوب حتى يرى أهله الطاعة فيه فرضا ، والتناصر عليه حتما لم يكن للسلطان لبث ، ولا لأيامه صفو ، وكان سلطان قهرا ومفسد دهر.

 

ومن هذين الوجهين وجب اقامة امام يكون سلطان الوقت وزعيم الأمة فيكون الدين محروسا بسلطانه ، والسلطان جاريا علي سنن الدين وأحكامه ، وبالرغم من هذا التزاوج الواضح بين الدين والدولة بحيث أن صلاح أحدهما لا يكون الا بصلاح الآخر ، فإن موقع النظر في مسألة ولاية أمر المسلمين المتمثلة بالخلافة والإمامة لا ينسجم مع أهميتها العظمى هذه ويصنفها العلماء من أهل السنة ليس فقط ضمن فروع الدين وأحكام الفقه ، وإنما أيضا يحثون على عدم الخوض بالكلام والبحث فيها لما قد يجلب ذلك من انتقاد بحق الخلفاء لا سيما الأوائل منهم.

 

يقول الغزالي : أعلم أن النظر في الإمامة ليس من المهمات ، وليس أيضا من فن المعقولات ( بمعنى أنه ليس من العقائد ) بل من الفقهيات ، بل إنها مثار التعصبات والمعرض ، عن الخوض فيها أسلم من الخائض فيها وإن أصاب ، فكيف إذا أخطأ ، وقد انطلق هذا الاعتبار بفرعية الخلافة والإمامة عند أهل السنة وتهميش موقعها ضمن تعاليم الدين من اعتقادهم بعدم تدخل الشريعة من الأساس بتعيين من يخلف النبي (ص) وإنما يرون أن هذا الأمر قد أوكل إلى الصحابة ابتداءا.

 

وإلى الناس في كل عصر ليختاروا أولياء أمورهم استنادا الى قوله تعالى : وأمرهم شورى بينهم ، بينما يرى الشيعة أن الإمامة منصب الهي واستمرار للنبوة في وظائفها وإن كان الامام لا يوحى إليه ، وهي بهذا المفهوم أسمى من مجرد القيادة والزعامة في أمور السياسة والحكم ، ولا يمكن الوصول اليها عن طريق الشورى أو الانتخاب ، بل لابد أن يكون تنصيب الامام بتعيين من الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه (ص) ، وعليه ، فالشيعة يعتبرون الإمامة أصلا من أصول الدين ولا يكتمل الإيمان الا بالاعتقاد الصادق بامامة الأئمة المعينين من الله ورسوله الذين لا يخلومنهم قائم بأمر الله في كل زمان وعصر يهدي الناس ويحفظ الدين : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، وقوله تعالى : يوم ندعوا كل أناسم بإممهم ، وقول الرسول (ص) : من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية ،  إنما هي للتأكيد على أن أهداف رسالة الإسلام بعد رحيل المصطفى (ص) لا يمكن أن تتحقق الا من خلال امامة الخلفاء الهادين المرشدين.

 

هوية الخلفاء والأئمة : بعد قول أهل السنة بعدم وجود نصوص في تعيين من يخلف النبي (ص) أو في طريقة اختياره وشروط انعقاد البيعة له ، فانهم ذهبوا للاستدلال على ذلك بأقوال الصحابة وأفعالهم في تشريع القوانين ووضع النظريات في هذه المسائل ، وهم يجمعون على كل حال على الاعتقاد بأن الإمامة الحقة تمثلت بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي على حسب ترتيب أفضليتهم عندهم وسموهم بالخلفاء الراشدين ، ويعتبرون أيضا صحة وشرعية الخلفاء غير الراشدين ممن جاءوا بعدهم كالخلفاء الأمويين والعباسيين والعثمانيين ...

أما الشيعة فيعتقدون أن الخلافة الحقة قد نص عليها بأوثق الأدلة وأوضح العبارات في علي بن أبي طالب ابتداء ، والأئمة من أهل البيت (ع) بصورة عامة ، وقد استدلوا بحديث الثقلين ، وآية التطهير ، وآية المباهلية ، وحديث السفينة وغيرها.

 

وقد وصلت الخلافة حسب الواقع التاريخي إلى أمثال معاوية ويزيد الذين قلبوا حقائق الإسلام رأسا على عقب ، وارتكبوا المنكرات والموبقات كشرب الخمر وقتل النفس المحرمة ولعن الامام علي (ع) على المنابر واستباحة المدينة وقذف الكعبة بالمنجنيق واحراقها ، وتوجوا جرائمهم بذبح بيت أهل النبوة (ع) وعلى رأسهم الامام الحسين (ع) في كربلاء.

 

مقياس لمعرفة الخلفاء والأئمة : يتخذ الكاتب أحد الأحاديث الشريفة الصحيحة الواردة عن النبي (ص) مقياسا لمعرفة الأئمة الواجبي الطاعة وهو : من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية ، أو من مات بغير امام مات ميتة جاهلية ، وطاعة أولي الأمر واجبة على كل مسلم كونها امتدادا لطاعة الله ورسوله : يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم ، ومعنى الحديث أن الخسران الأخروي سيكون نصيب من مات وهو لم يطع ولي الأمر أولم يبايعه أولم يعرفه ، وطبق الأستاذ أسعد القاسم هذا الحديث النبوي الشريف على خلافة أبي بكر وعلي (ع).

 

1 ـ خلافة أبي بكر : امتنعت فاطمة الزهراء (ع) ابنة الرسول (ص) وزوج علي (ع) عن مبايعة أبي بكر إلى أن ماتت وهي على هذه الحال ، بل وهي غاضبة عليه فأوصت أن لا يصلي عليها ، ولا حتى أن يحضر دفنها كما أخرج البخاري في الصحيح : فغضبت فاطمة بنت رسول الله (ص) فهجرت أبا بكر ، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت ، وعاشت بعد رسول الله (ص) ستة أشهر ... فلما توفيت ، دفنها زوجها علي ليلا ، ولم يأذن بها أبا بكر ، وصلى عليها ، ونحن بهذا المثال امام احتمالين لا ثالث لهما : فإما أن يكون أبو بكر هو الخليفة الواجب الطاعة فتكون فاطمة قد ماتت ميتة جاهلية ، وإما أن فاطمة لم تمت ميتة جاهلية ، فيكون أبو بكر ليس بخليفة واجب الطاعة.

 

وبالنظر إلى الاحتمال الأول ، نجد أن الزهراء (ع) من بين الذين لم يتطرق إلى مسألة بشارتهم بالجنة أدنى شك ، وقد أنزل سبحانه وتعالى سورة الانسان بكاملها في هذا الصدد.

وهي التي أخبر الرسول (ص) : فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ، وقوله : (ص) كذلك : يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه المة ، وهي التى يغضب النبي (ص) لغضبها ، وبالتأكيد على كل من يغضبها لقوله (ص) : فاطمة بضعة مني ، فمن أغضبها أغضبني ، وليس مهما هنا النظر فيمن أغضب فاطمة بقدر ما هو مهم معرفة إن من يغضب الله ورسوله لغضبها ، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون ميتتها جاهلية والعياذ بالله ، وهي من الذين نزل بحقهم : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ، فلا يبقى أمامنا سوى الأخذ بالاحتمال الثاني.

 

2 - خلافة علي : كان تولي الامام علي (ع) كما يقول المودودي : تقول الروايات الصحيحة كلها : إن صحابة رسول الله (ص) وغيرهم من أهل المدينة راحوا إليه ، وقالوا له إنه لا يصلح الناس الا بامره ، ولابد للناس من امام ، ولا نجد اليوم أحق بهذا الأمر منك وحينما تولى الامام علي (ع) أمور المسلمين فانه ورث من سلفه عثمان صعوبات كثيرة ، وواقعا في غاية الفساد والانحراف ، لا سيما التي حدثت في الدولة الإسلامية وخروج البعض عليه ، وكان من أبرز الخارجين عن طاعة الامام هما عائشة ومعاوية.

 

فأما عائشة ، فقد تنبأ النبي (ص) بخروجها ، عن طاعة امام زمانها قائلا : كأني باحداكن قد نبحها كلاب الحوأب وإياك أن تكوينها يا حميراء ، وفي رواية أخرى ، قال النبي (ص) : ليت شعري ، أيتكن صاحبة الجمل الأدئب تسير حتى تنبحها كلاب الحوأب ، يقتل عن يسارها ، وعن يمينها خلق كثير ، وفي رواية ثالثة ، قال النبي (ص) : يا حميراء كأني بك تنبحك كلاب الحوأب ، تقاتلين علي وأنت له ظالمة.

ومن تنبؤات النبي (ص) بشأن الفتنة التى أحدثتها عائشة ما أخرجه البخاري في صحيحه ، عن عبد الله ، قال : قام النبي (ص) خطيبا ، فأشار نحو مسكن عائشة ، فقال : ها هنا الفتنة ، ها هنا الفتنة ، ها هنا الفتنة من حيث يخرج قرن الشيطان ، وأما معاوية ، فقد كان تنبؤ الرسول (ص) ببغيه وعدوانه علي امام زمانه من المسلمات التاريخية ، فعن خالد بن العربي ، قال : دخلت أنا وأبو سعيد الخدري على حذيفة ، فقلنا : حدثنا ما سمعت من رسول الله (ص) في الفتنة.

 

قال حذيفة ، قال رسول الله (ص) : دوروا مع الكتاب حيث دار ، فقلنا : فإذا اختلف الناس ، فمع من نكون ، فقال : انظروا الفئة التي فيها ابن سمية ( يعني عمار بن ياسر ) فالزموها ، فانه يدور مع كتاب الله ، ثم قال حذيفة : سمعت رسول الله (ص) ، يقول لعمار : يا أبا اليقظان لن تموت حتى تقتلك الفئة الباغية عن الطريق.

 

وفي صحيح البخاري ، قوله (ص) : ويح عمار ، تقتله الفئة الباغية عمار يدعوهم إلى الله ، ويدعونه إلى النار ، وقد صدقت نبوءة الرسول (ص) هذه عندما استشهد عمار في موقعة صفين وهو يقاتل الأمويين تحت راية الامام علي (ع).

فهل بعد هذا القول من ريب حول معاوية ومصيره، فكلمات النبي (ص) لا تحتمل أي معان آخر ، فعمار ومن معه طريقهم إلى الله ، وأعدائهم البغاة الخارجين عن طاعة امام زمانهم طريقهم الى النار ، ولم يكتف معاوية بالتمرد على الامام ، بل نصب نفسه خليفة خلال عهد خلافة علي (ع) وقد بايعه أهل الشام على ذلك ، ثم هاجم مصر واقتطعها من خلافة الامام كما هاجم مناطق أخرى عديدة في الجزيرة العربية وغرب العراق ، ويقول النبي (ص) في هذا النوع من التجرأ إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما.

 

آثار أزمة الخلافة والإمامة على واقع المسلمين : كان لمسألة الصراع علي امامة المسلمين بعد وفاة النبي (ص) والتي جاءت نتيجة لحرص واجتهاد بعض الصحابة حول مسألة الزعامة والإمارة في مقابل النصوص الواضحة والكثيرة التي خلفها النبي (ص) لأمته بتعيين علي بن أبي طالب (ع) وليا وقائدا لهذه الأمة بعد رحيله الى دار الخلود ، أكبر الآثار على واقع المسلمين ومست أحكام الدين فحرفتها في كثير من المواقع وسارت بها إلى حيث ضلال المسلمين وضياع معالم الدين وأركانه ، نتيجة كثرة الدس والتحريف في الحديث النبوي الشريف وتوجيه الوقائع التاريخية بما يخدم حفظ ماء وجه من حكم بعد النبي (ص) ولو على حساب ماء وجه النبي (ص) نفسه أو على حساب تضييع وتشويه أصل الدين.

 

كما قدس الصحابة ورفع من شأنهم وصاروا نقله الدين وأمنائه ولا يجوز المس بعدالة أحد منهم ، ومقابل ذلك حط من شأن أهل البيت : الذي رفع الله ورسوله (ص) من شأنهم حسدا وبغيا ، وتوجيها لاطروحة الخلافة على حساب الارادة الإلهية في تعيين الأئمة الاثنا عشر من آل البيت (ع) قادة الأمة وهداة لسبيل الحق.

ومن هنا تفتتت الأمة إلى فرق ومذاهب عقائدية وفقهية لا يمكن حصرها ، فصار كل من يأتي بقول أو رأي يأخذ به بعد أن ضيعت الأمة المصادر الأصلية والقادة الحقيقيين الذين اصطفاهم الله سبحانه وتعالى ، وكان لهذه الأزمة آثار استمرت إلى عصرنا الحاضر ، وهي مشاكل تدخل في صميم الإسلام وليست آثارا جانبية يمكن تجاوزها وتلافي ضررها.

ونلقي الضوء هنا على بعض ما أورده الكاتب :

 

1 ـ عزل الدين عن الدولة : يظهر الكاتب رأيه في هذه المسألة فيقول : يرى عامة من المسلمين أن فصل الدين عن الدولة قد أدخل إلى عالمنا الإسلامي عام 1924م عندما تم القضاء على الخلافة العثمانية ، وهذا الكلام لو صح فإنما يصح على الدين الظاهري الصوري الذي كان يدين به السلاطين العثمانيون كما ورثوه من أسلافهم ، وأما إذا تحدثنا عن الإسلام المحمدي بأصالته وواقعيته ، فقد تم فصل روحه وعمقه عن حياة المسلمين منذ أن تنازع من تنازع من الصحابة في السقيفة ، ثم اكتمل هذا الفصل وبصورة واقعية وتامة باعتلاء معاوية بن أبي سفيان عرش الخلافة والحكم ، وتحويل هذا المنصب أداة لتحقيق أحلام جاهلية ، وفرصة للاستغراق في المزيد من الملذات واللهو ، وبالطبع ، فكل ذلك على حساب نشر قيم الإسلام وتعاليمه الأصيلة ...

ويقرر المرحوم الغزالي أن عزل الدين عن الدولة في المجتمع الإسلامي قد تم منذ أمر بعيد بقوله : ومن النكسات التي اصابت جماعة المسلمين وأوهنت قواهم من قديم انفصال الحكم ، عن العلم ، وسير كل منهما في مجرى اختص به ....

ويفهم من ذلك أنه يستحيل أن يتوفر عندنا نظام إسلامي دون أن يكون رأس هذا النظام من المسلمين العالمين بعقائد الإسلام وأحكامه ، والمطبقين لتعاليمه ، ليس فقط على مستوى الشعائر بل الأكثر اهمية تطبيق العدالة الاجتماعية وتجسيد أخلاقية الإسلام.

2 ـ شيوع الجهل والتخلف : سيطر على بلاد المسلمين شتى أنواع الجهل والتخلف ، وكان الخلفاء وما جرى بينهم من حروب ومنازعات على الحكم الدور الكبير في تجهيل المسلمين ، واعطائهم تلك الصورة المشوهة والمحرفة عن عقائد الإسلام ونظمه وأحكامه ، الأمر الذي حدث غالبا عبر ما وضع من أحاديث وأدخل من اسرائيليات ، وتلوعب بتفسير وتأويل الكتاب والسنة ، وزور من حقائق التاريخ فضلا عن سيادة العادات والتقاليد البالية وانتشار الأساطير والخرافات ، ويتعرض الكاتب لبعض المجالات التي سادها الجهل والتخلف فيقول :

 

أ ـ الجهل والتخلف في فهم القضايا التاريخية : هناك الكثير من الاحداث التاريخية المهمة في تاريخنا الإسلامي فهمت على غير حقيقتها وزورت تفاصيلها ، وشوهت صورتها حتى صارت كما نقلت إلينا وكأنها قضية مختلفة تماما عن واقعها الأصلي ، ونأخذ ملحمة كربلاء كمثال : فبالرغم من الأهداف النبيلة لهذه الملحمة الحسينية ، ودورها في انقاذ الإسلام من ابتذال بني أمية وسطوتهم ، يكشف الغطاء عن وجههم الحقيقي المعادي للإسلام.

فانها تعرضت للكثير من التحريفات والتشويهات من قبل كثير من أبناء الأمة على مر العصور ، حيث يرى البعض أن الامام الحسين الرجل المتسرع الذي يرمي نفسه إلى التهلكة ، ويرفض الاستماع إلى نصائح البعض في عدم الخروج ، عن طاعة ولي الأمر يزيد بن معاوية.

ويلاحظ أيضا اعتبار كثير من المسلمين يوم ذكرى استشهاد الحسين مناسبة سارة ، لا لمقتله (ع) وإنما بحجة أن يوم العاشر من محرم هو نفس اليوم الذي أنقذ الله سبحانه وتعالى فيه النبي موسى (ع) من بطش فرعون ، ولذلك فإن الأمويين تفننوا في وضع المرويات التي فيها أخبار انقاذ العديد من الأنبياء في نفس هذا اليوم وثواب كبير لصائميه ، ونجد بعض المسلمين يحتفلون في العاشر من محرم بابتهاج وسرور ، وكأنه عيد كبير من الأعياد.

ب ـ الجهل والتخلف في القضايا الاقتصادية : في الوقت الذي لا يزال فيه العلماء والمفكرون المسلمون يواجهون تحديا كبيرا في استخلاص وبلورة نظام اقتصادي إسلامي قابل للتطبيق في هذا العصر ، فانه ولتعقيدات مذهبية يجهل كثيرون من هؤلاء الأعلام فضلا عن العوام ابسط بديهيات هذا النظام كما سترى في المثال التالي المتعلق بدفع ضريبة الخمس :

فبالنسبة لمصطلح الخمس فانه وحسب دليل القرآن الكريم : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذى القربى ) ، وكما فهمه العلماء السائرون على منهج أهل البيت (ع) فانه يعني وجوب دفع خمس صافي الأرباح السنوية للامام ، وأما تلك التعقيدات المذهبية التي أحدثت أشكالا كهذا ، فتعود جذورها إلى الوقت الذي منع فيه الخليفة أبو بكر حق فاطمة ابنة الرسول (ص) من الخمس ( وهو سهم ذوي القربى ) ، حيث ذهب المؤيدون لأبي بكر وخلافته منذ ذلك الحين إلى اعتبار الخمس المقصود في الآية خاصا بغنائم الحروب التي يتصرف بها حاكم المسلمين كائنا من كان.

 

وأما الشيعة ، فإن من استحق عليه منهم دفع ضريبة الخمس ، فانهم يدفعونها إلى العلماء المراجع الذين ينوبون عن الامام المهدي (ع) في غيبته ، أو يصرفونها مباشرة في موارده باذن منهم ، وفي نسبة الخمس ما يكفي العلماء لتحقيق استقلالهم عن السلطات الحاكمة على مر الأزمنة.

ح ـ الجهل والتخلف في القضايا الاجتماعية : تعتبر المسائل المتعلقة بالزواج من أكثر القضايا حيوية في أي مجتمع كان ، وقد رأينا في هذه الناحية أخذ الزواج المؤقت كمثال : فقد أجمع المسلمون في فهمهم حول الحكم التي جعلت الشارع المقدس يبيح رخصة تعدد الزوجات فهم يرون فيها حلا إلاهيا لمشاكل كثيرة لا تخفى على أحد ، وذلك بالرغم مما قد يرافق ممارسة هذه الرخصة من اشكالات ناجمة عادة من سوء التطبيق لا من حكمة التشريع.

 

ولكن مما لا يزال المسلمون مختلفين حوله هو دوام اباحة الزواج المؤقت والمعروف بزواج المتعة ، والذي يراه المنطق والعقل السليم المتحرر من أغلال بعض العقد الاجتماعية المتوارثة حلا لمشاكل عديدة يخفق في حلها الزواج الدائم أو تعذره فضلا عن تسيب العلاقات غير المشروعة وذلك بالرغم أيضا مما قد ينجم من اشكالات سوء التطبيق ، وعلى كل حال ، فإن الضرورة المجمع عليها ، والتي من أجلها شرع زواج المتعة ، لا يمكن أن تكون محصورة بتلك الفترة والوجيزة في حياة النبي (ص) فالمشكلة الجنسية ليست خاصة بعصر دون آخر ، ولا بأماكن أو أقوام دون غيرها ، لا بل إن المشكلة في تفاقم مستمر في كل مكان ، إن لم تكن المشكلة الاجتماعية الأولى هذه الأيام.

 

وإن كان رفض فكرة التوقيت في الزواج نابعة من أسباب نفسية ، وعادات وتقاليد راسخة لا محيص عنها ، فليكن ذلك ، ولكن هذا لا ينبغي بأي حال من الأحوال ، أن يكون دليلا على حرمة هذا الزواج ، فيوجد هناك أحيانا من المسلمين ممن يأنفون الحكم والقانون ( الإلهي ) في تعدد الزوجات ، ولو أبقى التشريع على عادات وتقاليد العرب الذين أول من نزل فيهم الإسلام ، لما زلنا نرى ممارسة وأد البنات لغاية هذه الأيام وإن كتبت لهن الحياة فانهن غالبا يعشن مهانات ومحتقرات الى أبعد الدرجات.

 

أضف لكل ذلك أنه ما لا يناسب عادات وتقاليد مجتمع ما ، لا يعني بالضرورة عدم ملائمته لعادات وتقاليد المجتمعات الأخرى ، والإسلام لم يأت لقوم دون آخرين وإنما هو صالح لكل زمان ومكان بكل ما تعني هذه الكلمات من معاني ، فالمشكلة الجنسية أصبحت هذه الأيام ، وأكثر من أي وقت مضى أكبر من أن يكبتها أي حصن خلقي ، أووعظ ارشادي ، أو حتى مرض الآيدز الذي أصبح مرض العصر بدون منافس.

 

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين