( السيد / إدريس الحسيني )

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين

 

البطاقة الشخصية

 

مولده ونشأته : ولد في المغرب مدينة ( مولاي إدريس ) سنة 1967م ، في أسرة مالكية المذهب لكنه من حيث النسب ينحدر من أصول إسماعيلية نسبة إلى إسماعيل ابن الامام جعفر الصادق (ع) كاتب قدير له عدة مؤلفات وصحافي بارز كتب في العديد من الصحف ، تلقى دراسته الابتدائية والثانوية بالمغرب ثم هاجر الى المشرق ودرس بالحوزة العلمية في الشام بعد تشيعه.

 

يقول الأخ ادريس : وقع بين يدي كتابين يتحدثان عن فاجعة كربلاء وسيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ولأول مرة أجد كتابا يحمل لهجة من نوع خاص - مناقضه تماما لتلك الكتب التي عكفت على قراءتها ، لم أكن أعرف إن صاحب الكتاب رجل شيعي ، لأنني ماكنت أتصور أن الشيعة مسلمون فكانت تختلط عندي المسألة الشيعية بالمسألة البوذية أو السيخية ، والوضع السني لايجد حرجا في أن يملي علينا ذلك ، انه كان يكرس هذه النظرة لدى الأفراد ، ولايصحح مغالطاتهم.

 

وفجأة وجدت نفسي مخدوعا ، لماذا هؤلاء لا يكشفون الحقائق للناس ، كما هي في الواقع ، لماذا يتعمدون ابقاءنا على وعينا السخيف ، تجاه أكبر وأخطر مسألة وجدت في تاريخ المسلمين ، ثم لماذا لا يتأثرون بفاجعة الطف العظمى ، تلك التي ماجت في دمي الحار بالانصاف والتوق إلى العدالة ، فتدفقت بالحسرة والرفض والمطالبة بالدم الضائع في منعطفات التاريخ الإسلامي.

 

كنت - قبل ذلك - ذا ثقافة آحادية الجانب هي ثقافة أهل السنة والجماعة ، وفجأة وجدتني ملتزما بخط لا أعرف له أساسا تاريخيا ، وصرت واحدا من الاخوان المناضلين الذين ضاقوا بظلم الواقع ، وأرادوا أن يعيدو سيناريو العذاب التي جرت وقائعها في السجن الحربي ( ليمان طرة ) في مصر.

 

في تلك اللحظة غمرتني أدبيات الحركة الإسلامية ، وأخذت مني مأخذها وتملكني فكر المحنة لدى سيد قطب بكلماته المشعة أدبا والتي حملت في أحشائها تلك الظلال الوارفة بيانا وبديعا ، فأبيت إلا أن أغزو الظلم قبل أن يغزوني .. ولعلي تعثرت كثيرا بسبب الأدبيات التي عبثت بوعيي الصغير يومئذ ولا أنكر أني كنت من أنصار ( الهجرة والتكفير ) وإنني ما أزال أحفظ عن ظهر قلب تراتيل الفريضة الغائبة.

 

وفي لحظة من عمري ذهبية طرحت على نفسي سوآلا : ترى ، ماهو هذا الظلم الذي مازلت كل حياتي أشتكي منه وأفرض من خلاله كل الأوهام على نفسي ، لم أجد جوابا شافيا في ذهني ، سوى ماركز في نفسي من أدبيات حركية استلهمتها من كتابات معينة وكلمات جميلة لم أجد لها في ثقافتي الجمهورية نسبة إلى الجمهور بديلا.

 

( فاجعة الطف )

 

_ هذه وحدها الحدث الذي أعاد رسم الخريطة الفكرية والنقية في ذهني ، إن هذا الظلم الذي أعاني منه ليس جديدا على الأمة ، فلقد سبقه ظلم أكبر ، وعلى أساس هذا الظلم القديم ، قالت لي أفكاري : إن هؤلاء الظالمين اليوم يسلكون طريقا أسسه رجالات كانوا يشكلون حجر عثرة امام مسيرة الأمة من آل البيت (ع) حتى إذا ورد جيل المحنة حاليا ، فأراد أن ينظم مشروعا لمعارضة الظلم السياسي في الأمة على قاعدة الظلم نفسه الذي كان سببا في التمكين لهؤلاء الظلمة سوآلا غريب ، لكنه واقعي ترى تناقضا رهيبا بين تنزيه ظلمة الماضي وتثوير المجمتع على ظلمة الحاضر .. فما الفرق بين الماضي والحاضر.

 

كنت كلما طرحت سوآلا على نفسي رأيت شيطانا يعتريني ويقول لي : دع عنك هذا السؤال ، فهل أنت أعظم من ملايين المسلمين الذين وجدوا قبلك وهل أنت أعلم من هؤلاء الموجودين حتى تحسم في هذه الحالة.

 

لقد كبرت في عيني هذه الكثرة الغالبة وصعب على مخالفتها ، لولا أن هداني الله ، بيد أن شيئا واحدا جعلني أنتصر عليها ولا أبالي ، وهي عندما وجدتها جاهلة وتعلمت كيف أخالف المجتمع الجاهلي ، والصمود امام الأمواج البشرية المتدفقة والتي ليس لها منطق في عالم الحقائق سوى كثرتها.

 

كنت أطرح دائما على أصدقائي ، قضية الحسين المظلوم ، وآل البيت (ع) لم اكن أطرح شيئا آخر ، فإنا ظمان الى تفسير شاف لهذه الماسي ، لم أكن أتصور ، وأنا مسلم في القرن العشرين ، كيف يستطيع هؤلاء السلف الصالح أن يقتلوا آل البيت (ع) تقتيلا.

 

إن هذه الفكرة التي انقدحت في ذهني باللطف الإلهي جعلتني أدفع أكبر ، ثمن في حياتي ، وكلفتني الفقر والهجرة والأذى ... وما زادني في ذلك الا إيمانا واصرارا ، وتذكرت قولة شهيرة للامام علي (ع) لما قال له أحد شيعته : إني أحبك يا أمير المؤمنين فأجابه : إذا ، فأعد للفقر جلبابا ، لم تكن عندي يومها المراجع الكافية لاستقصاء المذهب الشيعي ... لكنني أسندت ذلك القليل الذي أملكه من كتب الشيعة بدراساتي النقدية والمعمقة ، لكتب أهل السنة والجماعة.

 

قال لي أحد المقربين يوما : من الذي شيعك ، واي الكتب اعتمدتها ، قلت له : أما بالنسبة ، لمن شيعني ، فانه ، جدي الحسين (ع) ومأساته الأليمة أما عن الكتب ، فقد شيعني ، صحيح البخاري والصحاح الأخرى ، قال : كيف ذلك ، قلت له : اقرأها ، ولا تدع تناقضا الا أحصيته ، ولا رطانة الا وقفت عندها مليا .. إذ ذاك ستجد ، بغيتك.

 

ويعلم الله أنني رسخت قناعاتي الشيعية ، من خلال مستندات أهل السنة والجماعة أنفسهم ، ومن خلال مارزحت به من متناقضات وكان الكتاب أحيانا يتعرض بالشتم والسباب للشيعة ، وإذا بي أزداد بصيرة ببراءتهم.

 

كنت وقتذاك أبحث عن شيء واحد ، هو إن أتأكد من حقيقة العلاقة والتلازم بين الفكر الشيعي ، والأئمة من أهل البيت (ع) وهل هم فعلا مصدر هذه الأفكار ، أو أن الفكر جديد كل الجدة ، ولم يكونوا قد تداولوه في عصر الأئمة.

 

إنني أدركت بعد ذلك أن الأئمة ، كانوا أكبر من أن يتبعوا غيرهم ، وما ثبت في التاريخ الإسلامي أن تعلم امام من أئمة أهل البيت (ع) على يد عامية ، بل هم كانوا أساتذة لأئمة أهل السنة والجماعة ، الذين مالبثوا أن مالوا واستكانوا لرغبة الأمراء والخلفاء وسكتوا عن أشياء وضمموا أخرى وأخضعوا فكر الأمة لعزيزة البلاط.

 

والسؤال : هل ما عليه الشيعة اليوم من عقيدة وعبادات كان جاريا في عصر الأئمة ، بينما أنا أتصفح تفسير ابن كثير ، إذا بي أعثر على تفسير الآية الكريمة : وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم ، حيث أورد وجهات النظر الفقهية المختلفة بين القائلين بالغسل والقائلين بالمسح استحصر خطابا للحجاج بن يوسف الثقفي ، يقول فيه بالغسل ، وكان هو الخطاب الحاسم في تفسير غبن كثير للآية الكريمة.

 

وأورد قصة ، عن أصحاب زيد بن علي (ر) ، قال ابن أبي حاتم ، حدثنا : أبي ، حدثنا : إسماعيل بن موسى ، أخبرنا : شريك ، عن يحيى بن الحرث التيمي يعني الخابر ، قال : نظرت في قتلى أصحاب زيد فوجدت الكعب فوق ظهر القدم وهذه عقوبة عوقب بها الشيعة بعد قتلهم تنكيلا بهم في مخالفتهم الحق واصرارهم عليه ، وهكذا قتلوا في المعركة ومسخت جثثهم ، حيث انقلبت أكعابهم الى ظهر الرجل.

 

الله أكبر وشهد شاهد من أهلها ، إن هذه الممارسة الفقهية والعبادية لم تأت من الأهواء اللاحقة ، بل كانت متداولة في عصر الأئمة ، وتحت سمع واحد من قيادات بني هاشم والمقربين إلى الأئمة ، وهو زيد بن علي بن الحسين رضوان الله عليه فإذا كان زيد وأصحابه مسخوا في تفسير ابن كثير ، فيا تاريخ سجل ، إنني أول الممسوخين إن هذا ليس هو أول لغم في تراث أهل الجماعة يفجر غضبي ، ففي مقدمة ابن خلدون ، حقيقة أخرى ، يجب الوقوف على وقاحتها ، إذ قال : وش أهل البيت في مذاهب ابتدعوها ، وفقه انفردوا به.

 

إن هذا يعني إن المتهم الأول هم آل البيت (ع) الذين ، قال : فيهم الرب سبحانه : إنما يريد الله ليذهب عنكم أهل البيت ويطهركم تطهيرا.

 

هذان المثالان طمأناني ، على مدى تمازج الشيعة بآل البيت (ع) وكان أهل البيت (ع) أيضا موضع اتهام مع أشياعهم.

 

خرجت الى الساحة بقوة ، بعد أن تشبعت بكل المقومات السجالية والكلامية ، وبعد إن وقفت على آخر تذرعات العامة ، وحصلت لي سجالات كثيرة ، وحوارات طوال مع مختلف طبقاتهم ويعلم الله إنهم كانوا في كل الأحوال ضعيفي الحجة ، سقيميها ، هزيلي المنطق ، عليليه ، لايصمدون امام ابسط مقولة عقلية في الحوار ، كيف يراد لي أن أسلك مذهبا يقوم على الصنمية التاريخية ، إنني أدركت منذ البداية إنني لست على الإسلام كما كانوا يدعون ، وإنما على مذهب من الإسلام اسمه مذهب السنة والجماعة ، كيف يعقل أن تلغى المذاهب الأخرى ، ويبقى مذهب واحد مستبد بعقول الناس ، ولم تكن له : قدرة على الاستمرارية الا لأنه بقي مذهبا رسميا ، لكل الدول التي تعاقبت الخلافة في مابعد.

 

- وأخيرا .... نلخص من هذه الرحلة السريعة ، القاسية ، في رحاب المعتقد لنعلن أهمية الرجوع الى أصل المعتقدات لاعادة بناء القناعة ، على أسس علمية دقيقة ، بعيدا ، عن ذوي التقليد ، إنني لم اتذوق حلاوة العقيدة ، الا في ظل الجولة ، عندما أوقفني البحث الطويل ، المضني على عتبة آل البيت النبوي ، الذين ظلمهم التاريخ - الأموي - ووضع بديلا عنهم ، نماذج وهمية ، كانت هي حقا سببا في تشتت الدين ضمن مذاهب متفرقة ، ادخلت المسلمين في فتن ضارية.

 

ولما قادني بحثي إلى الامام الصادق (ع) شعرت بأنني كنت طيلة حياتي مخدوعا بعظماء وهميين ، إذ أن العملاق المجهول الذي كان معلما لمئات من علماء هذه الأمة ، لم يوفه تاريخ الجماعة حقه ، بالرغم من أن الأئمة الأربعة أخذوا عنه ، لقد خرجت من الضيق وشدته الى سعة الحق ورحابته ، ومن غبش المعاني الى الوضوح والجلاء.

 

لقاء المنبر مع ادريس الحسيني : البحث عن الحقيقة .. للوصول إلى شأو الأمل ... هذا هو محور لقاء المنبر مع الكاتب والصحافي الأستاذ : إدريس الحسيني ، الذي ولج إلى روضة الحق من بعد رحلة بحث طويلة في القرآن الكريم .. وبين أنقاض التاريخ المدفون ، واستقر به المقام في هدى الأئمة الأطهار ليعلن أنها البداية فقط .. والبقية تأتي أن يكون مسلما بامتياز ورساليا في طليعة الأمة هكذا بين أستاذنا كيف يكون المرء شيعيا .. واعتقد أن المستقبل سيكون لمذهب آل البيت (ع) لأنه السنة التي يسير وفقها الكون .. وهو القانون الذي تدور بمعطياته الأفلاك والأجرام.

 

- وأخيرا القى السيد إدريس الحسيني مهمة تقع على عاتق كل مسلم .. وهي البحث عن الحقيقة ، مهما إعترت الانسان من معوقات .. فعليه التحرر من قانون الأسر الموروث .. وعليه الصمود في درب الحقيقة المضني ،  ثم أوضح لكل المتشيعين ، أن التشيع ليس صنعة سهلة ولا لعبة مذهبية أو طائفية إنما مسؤولية كبرى .. لن يتحملها الا من كان حرا .. كحرية أبي الأحرار (ع).

 

وهذا هو نص لقائنا به :

 

المنبر : كيف تعرفتم على مذهب أهل البيت (ع) ، أين ومتى وعبر من.

 

الحسيني : ربما كنت قد وضحت شيئا من ذلك في كتاب ( الانتقال الصعب ) فالبداية طبعا ، كانت بالمغرب ، أنت تسأل عبر من ، وأنا أجيبك عبر نفسي ، لا أحد أخذ بيدي - بصورة مباشرة إلى هذه المدرسة ، لقد اندفعت الى ذلك بنفسي متعمدا على امكاناتي ، ربما كانت هناك ظروف وملابسات لها مدخلية كبيرة في هذا الاختيار ، كنت يومئذ شابا غضا طري العود ، لكن أسئلتي كانت كبرى ، لقد تعرفت على هذا المذهب عن طريق البحث والدراسة والاصرار على المعرفة ، والحمد لله أصبحت شيعيا مواليا.

 

المنبر : ماهي العوامل التي دفعتكم إلى اعتناق هذا المذهب وترك مذهبكم السني ، وكم طالت مدة هذه الرحلة.

الحسيني : لقد وجدت نفسي فجأة تحت سقف معرفي منيع ، وأنا بطبعي أكره الأماكن الضيقة ، وأهوى الفضاءات الأوسع ، تساؤلاتي الصغيرة كبرت معي ، لكنني لم أكن أجد جوابا شافيا ، كان الجواب بالهروب والتعتيم والتضليل والارهاب ، أي لاتسأل .. إنها الفتنة طبعا ، لست أنا من صنع الفتنة الكبرى ، ولست صانع تلك الاحداث ، ولكنني كنت أرفض أن أكون صنيعة لها ، أنا أتحدث عن انتقال : صعب من الناحية النفسية والاجتماعية و .. و .. أما من الناحية العقلية ، أستطيع أن أتحدث عن انتقال : سهل لأن الذين لم يكونوا يجيبونني عن تساؤلاتي ، وينصحونني بأن لا أقرأ التاريخ اطلاقا ، كانوا بمثابة حافر لي لالتماس الجواب بنفسي وبجهدي الخاص طبعا ، لا أقول : إنني تركت المذهب السني ، إن كنت تعني بالمذهب السني ، ذلك المذهب التاريخي ، فأنا بكل تأكيد لست سنيا بهذا المعنى ،  ولكنن سني بالمعنى الشرعي الأصيل ، والا ما معنى أن أكون شيعيا ، أنا كنت أبحث عن السنة ، ولما تبين لي بالأدلة القاطعة ، الأخذة بالأعناق ، أن لسنة الرسول (ص) طريقا واحد لا غير ، هو طريق أئمة أهل البيت (ع) وأنني ملزم بها تكليفا عن هذا الطريق فقط ، اخترت ذلك .. فأنا سني بامتياز، طبعا كان لحدث الثورة الإسلامية في ايران وقع كبير في هذه التجربة ، لأنني رأيت النموذج حيا أمامي ، ورأيت الوجوه التي حدست فيها الخير كله ، وعلى فكرة ، أنا كنت أحب الامام الخميني ( قدس سره ) مذ سمعت عنه وقبل البحث ، كنت أراه قديس هذا القرن على الرغم من كل الاشعاعات التي حيكت عبر الاعلام المضلل ، لقد ذاب رحمه الله في الإسلام وتحضرني عبارة للشهيد سماحة السيد باقر الصدر لما قال : ذوبوا في الامام كما ذاب هو في الإسلام.

 

لقد قضيت فترة في البحث قاسية .. ياالله .. كم كان الأمر صعبا .. إنني كنت أشعر بالانسلاخ .. إنه أشبه مايكون بالمخاض .. هذا بالاضافة الى وجود ذلك الحصار الكبير .. لا وجود للمصادر ولا للكتب .. لقد قرن التشيع بالارهاب ، ورفعت الصحف وجف المداد .. الذين عاصروا تلك المرحلة يدركون صعوبة هذا الاختيار ، اليوم أتامل بعض التجارب وأراها سهلة سريعة ، وفي ظروف مواتية تماما .. لقد قمت بكل ما يمكن أن يفعله باحث ، عن الحقيقة ، ومصر على المضي في دربها الوعر ،  لكن ، المهم أنني وصلت إلى البداية حتى لا أقول النهاية.

 

المنبر : كيف كانت ردود فعل أسرتكم وعشيرتكم ومجتمعكم تجاه هذا القرار الصعب ، وما مدى تأثير تشيعكم على المجتمع المغربي.

الحسيني : لقد لفت انتباهي سؤالكم هذا ، قلتم عشيرتي ، ويبدو انكم تتحدثون إلى بمعطيات الاجتماع الخليجي ، أنا لا أعرف ما معنى العشيرة ، وبالتالي لا وجود لأي ضغط أو مشكلة من هذا القبيل ، أما الأسرة ، فهي أمر لا يمثل خطورة أيضا ، نحن في المغرب ، الأمر يختلف من طبقة إلى أخرى ، ومن بيئة إلى أخرى.

وكما عبرت في كتاب : ( الانتقال ) : أنني في اختياراتي المعرفية ، عشت مناخا من الحرية ، لا أحد يجبر أحدا على فعل شيء أو الإيمان به على سبيل الاكراه ، إذا عنيت بالعشيرة ، مجملة العائلة ، فلا سلطة لأحد على أحد ، والعائلة ليست اتجاهات أو تيار واحد .. هناك التقليدي الرسمي ، وهناك السلفي ، وهناك الصوفي ، وهناك الليبرالي ، وهناك اللينيني .. وسوف أفاجئك بالقول ، إن احدى عماتي مقيمة بالديار الفرنسية تنصرت ، وهي من نشاط ( شهود يهوه ) إذن ، لست بدعا في ذلك ، ربما هناك أسباب كثيرة ساهمت في ذلك لا مجال لذكرها ، نعم المجتمع ، وتحديدا الإسلاميين ، هؤلاء شوشروا علي ، وأزعجوني وبالغوا في ذلك .. الحمد لله أنني هاجرتهم مبكرا ، ولم يصلني منهم سوى القيل والقال : ولكن يبدو أن قسما منهم - للأنصاف - متفهم ومتعقل ، وتربطني بهم صداقة.

 

هناك من صورني ( دانكشوطا ) طائفيا ، ولكن كل هؤلاء لا يعرفون عني شيئا ، الذين لهم صلة بي ، عن قرب ، يدركون تماما إنني شخص متسامح ، وقلق على وحدة الصف ، والقضايا المصيرية للأمة.

 

التشيع عندي حاجة معرفية لتفعيل وضع الأمة ، وليس إنتشاء في هذه المراتع المذهبية ، إنني مع كل ما يبدو مني من قسوة وجدية في الظاهر ، لم أكفر أحدا ، قد أكفر ناكرا لمعلوم من الدين بالضرورة ، أو من تعرض للأئمة (ع) بسب أوقدح .. ما عدا ذلك ، فإنا أعرف حدودي ، وهناك في الاخوة من السنة أناس مؤمنون متقون لاشك في ذلك ، لقد كان لهذه التجربة تأثير ما على كثير من الأشخاص في ما بلغني ، هناك من تشيع من خلال قراءته لكتاب ( لقد شيعني الحسين (ع) ) سواء في البلد أو في أوربا أو في دول عربية .. هناك من وجد فيه سندا عزز قناعاته بهذه المدرسة .. هناك اخوة من العامة أصبحوا أنصاف شيعة لو صح هذا الوصف .. على كل حال ، الناس أحرار هنا في أن يقبلوا أو لا يقبلوا ، وأنا كل ما يمكنني قوله : أعطني حرية للتعبير ، أشيع لك العالم بأكمله ولكنني أكره فرض العقيدة أو التحايل في ممارسة الإقناع ، أنا انسان مسلم وحر ، وأؤمن بأن : لا اكراه في الدين.

 

المنبر : هل وقعت بينكم وبين علماء المذهب السني مباحثات أو مناظرات مذهبية.

الحسيني : لا .. ليس ذلك من عادتي .. أنا أكره المناظره ، ومزاجي لا يتحمل .. لكنني إذا دعيت إلى ذلك أجبت ، أنا أفضل الحوار الهادئ الذي يحكمه منطق ونظر .. هناك طبعا أشخاص يستغلون غياب الشيعة ، فيغامرون بنقوض فجة مشحونة بالاسفاف .. وأنا لا ادخل معهم في نقاش ولا حتى أرد عليهم ولا أعطي أهمية لما يقولونه .. هناك آخرون أضفوا عليهم صفة العلماء ، وما هم كذلك في قناعتي .. لقد بلغني أن أحدهم القى محاضرة بأحد الجوامع بطنجة ، تحت عنوان ( المتشيعون للشيعة ) .. فعل ذلك ، لأنه أحس أو سمع بوجود أشخاص قيل له أنهم متشيعون .. هذا الشخص هو : ( عبد البارئ الزمزمي ) .. لقد حمسني بعض الأخوة الى زيارته قصد اجراء حوار معه بهذا الخصوص .. لكنني رأيت ذلك مخالفا للبروتوكول .. ثم إنني رأيت فيه رجلا متعصبا وظلاميا ، يقول : ما لا يليق ، لقد أعاد لوك تلك الأسطوانة التي حفظها ، عن ظهر قلب - كحافظ - عن الباكستاني المجدف ، احسان الهي ظهير.

على كل حال ، كان كتابي ( هكذا عرفت الشيعة ) جوابا عما طرحة من اشكالات دون أن أشير اليه ،  نعم حصلت لي حوارات - حتى لا أقول مناظرات - مع عدد من أبناء العامة .. منهم من آمن بما أقول ، ومنهم من فل هاربا ، ومنهم من فضل الحياد .. ما لاحظته ، أنهم يفضلون النقوض السهلة ، والقدح من بعيد .. وهم يفرقون من مناقشة صغارنا فأما لهم الصمود امام المجربين المختصين .. أنا لا أريد أن أتحدث بسوء عنهم.. ولكنني لا أخاف تهديدهم وارهابهم ، بل إني أخاف عليهم من نفسي

 

المنبر : كتابكم : ( لقد شيعني الحسين (ع) ) .. أحدث ضجة واسعة.. ما أبعادها.

الحسيني : بالنسبة لكتاب ( لقد شيعني الحسين ) .. عبرت بما فيه الكفاية ، بأنه كتاب لم أكن أظن أنه سيثير كل هذه الزوبعة .. لقد أزعج الكثير .. وبلغني ما لحق البعض من محاكمات ، وصلت إلى حد الحد والحجز .. وفي أماكن أخرى لحرق كميات كبيرة منه .. كل ما أقوله للاخوه الذين تعرضوا لذلك : أنا آسف .. وأجركم على الله.. لكن مثل هذه الاجراءات لا تمنع دخول الكتاب وانتشاره .. لقد بلغ كل المناطق العربية والآسيوية والأوروبية وحتى الولايات المتحدة الأمريكية .. إنها بركة الامام (ع) ذلك الرجل العظيم ، الذي صنع كربلاء في المكان والزمان وفي نفوسنا ..

 

ربما أظهرت بعضا من القسوة في تناول الموضوع .. ولكنني مع كل ذلك ورغم الحالة الانفعالية الشديدة ، لم أكفر أحدا من العامة ، لقد كان أسرع كتاب يقدمه مؤلف لقرائه .. في بعض أسابيع ، فجرت ما كان يخالجني من تساؤلات .. إنني لست قدريا بالمعنى الجبري ، ولكنني أقول في هذا الموضع أنني كتبت ( لقد شيعني الحسين ) جبرا ، لقد شيعني الحسين (ع) حقيقة ، لأنه وضعني على عتبة التشيع ، وأتمنى أن يشيعني مرة ثانية ، لينطلق بي إلى الفضاءات الأوسع في عالم التشيع.

 

المنبر : بعد تشيعكم وسيركم في هذا الصراط المستقيم .. ما هي نظراتكم للتشيع .. بمعنى ماذا يعني أن يكون المرء شيعيا.

الحسيني : في الحقيقة ، لا أخفي عليكم ، أن هذا هو أهم سؤال طرح علي حتى الآن ، ماذا يعني أن يكون المرء شيعيا ، حينما أتأمل جيدا هذا السؤال ، أجد نفسي في دوامة من القلق ، وكان التشيع أصبح ذلك الشيء الذي نسعى اليه أبدا ، التشيع بشكل عام ، هو إن أكون مسلما بامتياز أي رساليا في طليعة الأمة ، حينما نقرأ في تعاليم أئمتنا (ع) نجد تعريفا حقيقيا للشخصية الشيعية ، وللأسف هي تعاريف غائبة وربما مغيبة ومسكوت عنها في واقعنا.

لو سألت الامام الصادق (ع) ، عن من هو الشيعي : لقال لك بأنه أعبد وأورع من في الحي .. وهو الأكثر ذوبانا في ذات الله ، وبالتالي فهو في ولائه ، يوالي الأئمة ، بما أنهم الأفضل ، وفي عقيدتنا أن الأسبقية للأفضل علي المفضول حكم شرعي وعقلي ملزم وبالتالي الأعلم والأفقه ، ربنا جل وعلا يقول : أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي الا أن يهدى مالكم كيف تحكمون.

إذن التشيع في جوهره هو نهج الأفضل وولاء للأفضل ، إن مسؤولية الشيعي مضاعفة ، وهو في خطر عظيم ، أن أكون شيعيا ، ليس معناه أن أضرب أخماس في أسداس ، وأحترف المناظرة والثرثرة ، الامام الصادق (ع) ندب أناسا مخصوصين للدعوة ، بل وكما يقول (ع) : كونوا دعاة لنا بغير السنتكم ، ومنع آخرين من الدعوة لأنهم غير مؤهلين لها ، وقال : كونوا لنا زينا ولا تكونوا لنا شينا ، أقولها بصراحة : أنا لست راضيا علي ما أراه ، خصوصا بالنسبة للحوزات العلمية ، أنا متفق تماما مع السيد الخميني ( قدس سره ) على أن يكون درس الاخلاق ، درسا أساسيا في الحوزة ، أستطيع أن أقول لك ، وبكل ألم ، أنني أتمنى أن أكون شيعيا ، شيعي بالمعنى العلوي ، الذي يرضى الله ورسوله وأئمة أهل البيت (ع) وهنا أقول للمتشيعين خصوصا ، خصوصا لأولئك الذين يفهمون التشيع كهروب من المسؤولية وتحرر من التكاليف ، وعقيدة رخوة، حتى يصبحوا عرضة للشيطان .. إنني حقيقة لا أنظر الى عقيدة الشيعي أو المتشيع بقدر ما أنظر إلى ورعه وتقواه واخلاصه ، وأخوف ما أخافه وأمقته ، داء العجرفة والنفاق والتضخم المهول والمسرف في البروتوكول الآخوندي والروزخوني إلى حد الشطط .. وفي اعتقادي ، إن من أراد أن يكون شيعيا نموذجيا حقا ، ليجعل من الأربعين حديثا للسيد الخميني برنامجا عمليا.

 

المنبر : كيف هو وضع الشيعة في المغرب وما هو تاريخهم.

الحسيني : إذا كنت تقصد الشيعة بالمعنى الاصطلاحي الخاص .. هناك أناس أقتنعوا بهذه المدرسة ، مثل ما إن آخرين اختاروا مذاهب أخرى ، أما لو كنت تتحدث عن التشيع بالمعنى العام ، فإنني أرى المغرب بلدا ذا ثقافة شيعية ، فالسادة الأشراف هنا مكانتهم المحترمة ولأئمة أهل البيت (ع) وتحديدا علي وفاطمة والحسين (ع) مكانة خاصة جدا في وجدان المغاربة ، لا يوجد في المغرب من يناصبهم عداء.

إن أكبر الدول الشيعية في التاريخ الإسلامي ، تأسست بالمغرب .. لقد تأسست هناك دولة الأدارسة ، والفاطميين ، والموحدين .. هل تعلم أن في التصور المغربي التقليدي ، أن عليا (ع) مرفوع إلى السماء ، هل تعلم أن المغاربة يسمون قوس الرحمن ( حزام فاطمة الزهراء ، )  إن حكاية علي (ع) قاطع رأس الغول وكثير من الحكايات الشعبية في بطولة الامام علي (ع) شحن بها ذهن المغاربة منذ نعومة أظفارهم ، أما عن المتشيعين فانني أراهم مغاربة ، والمغربي شخص منفتح ومتسامح بطبعه ، لا أستطيع أن أنقل لكم واقع أي شخص يختار له فكرا أو طريقا هنا .. نحن في مجتمع مدني نوعا ما معافى من هذه الناحية ، أن تختار لك فكرا ، لا يعني أن المسألة أصبح له مدلولا طائفيا ، كما هو الوضع في بلدان أخرى ، الكل حر في أن يختار طريقة ، دون أن يذهب به ذلك إلى الاخلال بالأمن العام.

فهذا الأمر فقهيا نحن لا نراه ، عندنا إسلاميون ويسار ومحايدون وتقليديون وحداثيون .. نحن في وضع ( باناشي ) ، لا وجود لمشكلة ، بل إنني أرى في استضافة المغرب لأحد المشايخ الشيعة - الشيخ : سعيد النعمان - في الدروس الحسنية خطوة مهمة على طريق التقريب ، وأيضا استضافة سماحة الشيخ : الامام شمس الدين ، والشيخ : التسخيري في مؤتمر الصحوة .. كل هذا أراه ايجابيا ، لقد ولى ذلك الزمان الذي لعب فيه الاعلام المضلل لعبته القذرة ، حيث رسخ في الوجدان ، أن كل شيعي هو ارهابي بالضرورة ، إنها لازمة قدحية من اختراع أمريكي وبنكهة هوليودية ، ففي عرفنا السياسي من الضروري أن يكون الملك من سلالة شريفة ، أي من سلالة علوية ، وهذه الخاصية المغربية لها جذورها الشيعية ، ولا علاقة لها بأي اتجاه آخر.

 

المنبر : هل أنتم من مناصري مقولة : المستقبل للتشيع.

الحسيني : طبعا ، والا لماذا أكون شيعيا ، إذا كان المستقبل سيكون لغيري .. إنها احدى البديهيات الكبرى ، المستقبل كله يتجه نحو الخلاص .. وهو خلاص ننتظره بفارغ الصبر .. وهو المستقبل الذي يصنعه الامام الحجة (ع) هذه حقيقة أحدثها بأقدس قدساتي .. انظر معي ، فما كانوا يعتبرونه من جفر الشيعة وخرافاتهم ، أصبح واضحا اليوم ، إننا نعيش عصر الثورة الرقمية ، وأسلافنا تحدثوا ، عن ( الزمر الرقمية ) و (  الصورة الرقمية ) .. وإختزلوا العلوم في الحرف ، وصنعوا بها الخوارق ، أئمتنا ، يقولون : بأن من علامات ظهور الحجة ، أن يكلم من في المشرق من في المغرب ، وكل قوم يسمعون الكلام بلغتهم ، قالوا : بأن من علامات الظهور أيضا ، إن الانسان يكلم أخاه ويرى صورته في كفه .. وذكر أمير المؤمنين (ع) إن من تلك العلامات أن يتحدث انسان من على القمر .. وبأن ذلك العصر ، هو عصر إختزال العلوم ـ العلم قطرة كبرها الجهلاء كما يقول الامام علي (ع) إن مايقوله أئمتنا له علاقة بالحرف ، وفي الأخبار أن قصارى ماتوصلت اليه البشرية من العلم كله حرفين وسيأتي الحجة بأكثر من ذلك .. انظروا معي ، إلى أن المعلومات كلها تختزل في حرفين أو بالاحرى في رقمين ( 0 ، 1 ) هذا ما نلمسه في ما تقوم عليه الثورة الرقمية ، أي النظام الثنائي ( system _ biniai ).

إن عصر العولمة ، وهو ليس نهاية التاريخ ، بل بداية لتاريخ جديد ، هو عصر الامام ـ كان أمير المؤمنين يقول لهم ، لو شئت لغرفت من هذا الماء وجعلت لكم منه نور .. أو أخذت قبضة من هذا التراب وخسفت الأرض أو من في الأرض .. إنه يتحدث عن صناعة الكهرباء وتحويله وعن القنبلة النووية .. كان جابر ابن حيان الكيميائي الكبير تلميذا للامام الصادق (ع) وكان يتحدث عن أمر لا يمكن أن تقوم به الا الطبيعة نفسها .. أي تحويل التراب إلى معدن آخر ..

 

وعن شيء نسميه التكامل ( integration ) إذا كان الغرب اليوم استطاع تفجير الذرة وعجز عن السيطرة عليها أو أعادة تركيبها ، فإن الامام الصادق (ع) أدرك سر ذلك .. وكونه لم يعلمه الناس ، لأن القضية لها علاقة بالتراكم العلمي ، وهنا نفهم كلام أمير المؤمنين (ع) : لو شئت لفعلت ذلك .. أي أنه لم يشأ .. ترك الأمر للامام الحجة (ع) الذي سيأتي بهذه الحقائق في زمن التراكم العلمي والمعرفي.

ذلك ، وكما تخبرنا الأخبار أنه ( عجل الله فرجه ) سيرقى في أسباب السماوات والأرض ، ومعنى ذلك أنه سيأتي بمعجزة يفهمها العالم المعاصر ، لقد كان الناس زمان الأئمة (ع) يعتبرون ذلك سحرا .. ولكن اليوم لا يمكننا أن نسمي ذلك سحرا ، بل سبقا علميا ، وتفوقا رقميا .. هذا هو عصر العولمة ، والثورة الرقمية ، وتلك هي الصفة التي تحيط بالامام الحجة ( عجل الله فرجه ) ألم أقل أن المستقبل للشيعة .. إنني أرى ذلك رأي العين.

إذن ، جاء دور الشيعة .. الزمان زمانهم ، إذا فقهوا وصمدوا وأخلصوا .. والحمد لله أن مظاهر هذه الحقيقة نراها اليوم ، فجزء من كرامتنا العربية والإسلامية استرجع على أيدي شيعة الجنوب اللبناني .. وحق فيهم قول الله تعالى تفسيرا وتأويلا : إذا جاء نصر الله .... نحن طليعة الأمة ، ويكفينا هذا شرفا ، إنما أنا أنبه الى شيء واحد ، هو إن هذا الدور الرسالي ينبغي أن يمارس بتواضع تام ، وعلى طريقة أبي عبد الله الحسين (ع) : إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولكن خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي أمر بالمعروف وأنهي عن المنكر.

 

المنبر : كيف يمكن نشر التشيع في العالم وما هي أفضل صيغة لتقوية شوكته.

الحسيني : التشيع كما أفهمه ، باعتباره ، الإسلام الأمثل ، أي الإسلام النبوي ، يمتلك مقومات القوة والانتشار في قوة منطقه ، وقدرته على الاقتناع لسبب بسيط ، وهو أنه مدرسة عقلانية وبرهانية ، ولذلك كنت صريحا مع نفسي ، فإما أن أكون مسلما أولا أكون .. وإذا كنت مسلما ، فإما أن أكون شيعيا أو لا أكون ، ولكن في ما يتعلق بموضوع انتشاره ، أقول : إن الطريق المناسب هو الدعوة ، لا أقول الدعوة بالمعنى الحصري الذي يتبادر إلى الأذهان.

 

إنني أعني الدعوة بواسطة النموذج .. الدعوة بالسلوك الحسن ، والاخلاق الحميدة وقوة المنطق والإقناع ، وأهم من كل ذلك ، فهم الحياة ، الامام علي (ع) يقول : العارف بزمانه لاتهجم عليه اللوابس ، على التشيع أن يخرج من عقدة الماضي وكهوفه ، ليتحول الى رافد معرفي للمستقبل ، التشيع في جوهره عقيدة المستقبل ، لهذا تحديدا ، علينا تقديمه بصورته المشرفة والمحترمة التي تأخذ في الحسبان ملابسات الواقع ومتطلباته ، علينا أن نقدم للأمة فكرا حقيقيا ، يحل معضلتها في النهضة وفي الأنماء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي .. ما يقدمه الأخوة في حزب الله مثلا ، مشرف للأمة العربية والإسلامية ، وهو في الوقت ذاته مشرف للشيعة ، إن أفضل صيغة لتقوية شوكة التشيع ، هي في مزيد من تعقيل سلوكنا ، وأيضا بلم الشعث ورأب الصدع بنهج التنازل في مابين الفرقاء ، الكيان الشيعي اليوم ، هو خريطة كاملة مجزأة ، من الحزبيات والكانتونات والعشائر والقبائل .. لو توحد الشيعة ، لصنعوا معجزة العصر.

 

المنبر : كيف يمكن تقريب الاتجاهات المرجعية .. هل تجدون اطروحة شورى الفقهاء كفيلة بذلك.

الحسيني : أنت الآن بسؤالك هذا ، وضعت اليد على الجرح النازف ، إنها المرجعية ، نحن نرى أن المرجعية لعبت دورا استراتيجيا في تماسك الكيان الشيعي وقيادة الأمة ، لكن ثمة تلك الافرازات السامة التي سببها تضخم النزعة الحزبية كما قلت سابقا .. إنني أنا شخصيا حائر جدا ، لقد اعتقدت في يوم من الأيام بأنني سوف أكون ( محنكا ) أو ( شاكرا ) للحفاظ على علاقات طيبة مع كل الأطراف.

لكنني اكتشفت بأن ارضاء الجميع ، هو بمثابة أسطورة أو خرافة لا تصدق ، سأحكي لك قصة واقعية ، أحدهم تقدم مرة نحو شخصية علمية وسياسية بارزة ، ومعروفة باستقلالها .. قدم نفسه وسأله هذا الأخير : من أي جماعة أنت ، قال : الأول بكثير من التزلف : إنني مستقل ، أي غير منتمي ، أجابه الشيخ : اذهب يا ابني أنت ضايع ، إذن هذه هي القصة ، إذا لم تنتم فأنت ضايع وإذا انتميت ، فلابد أن تحدد موقعك حتى تستعدي عليك الطرف الآخر ، إنك لا تستطيع أن تعيش بسلام ، لقد حاول الكثير منهم ادخالي في هذه المعمعة.

 

ولكنني ، أولت أن أتحرر منها قدر المستطاع .. عليهم أن يكفوا عن ذلك ويرحمونا .. ويكفوا عن احراج المتشيعين ، وخصوصا منهم أولئك الذين لم يغامروا داخل أقبية الحوزات العلمية ، إنهم يصدمونهم بهذه الحزبية المقيتة ، دعني أتحدث بصراحة ، إن تقاربا بين الاتجاهات المرجعية لا يمكن أن يتم بسهولة ، أنا هنا أحترم المراجع لمقامهم العلمي ولزهدهم .. ولكن المسألة لها صلة بالوكلاء ومن ثمة بحقائب الأخماس وفن تدبيرها بما ينفع الناس ، وللانصاف ، لا أقول كل الوكلاء ، لكن بعضهم واقع بوعي أو بدون وعي في هذا المأزق ، وهذا أمر طبيعي جدا ، إذا سألتني عن حل لهذه المعضلة ، فانا أقول ، بأن الأمانة وحدها لاتكفي ، كما إن حسن التدبير لا يكفي لوحده .. يتعين الجمع بين الأمانة وحسن التدبير  ، وهذا معناه ، تغيير نظام الوكالات رأسا ، اعتقد أن أفضل طريقة لذلك ، هي مشروع ادارة جماعية للوكالة ، يتم فيه تدبير الشأن المالي والديني والاجتماعي بشفافية وحرفنة ادارية ، أي أنه تتأسس الوكالة وتصبح شخصا معنويا يدار من قبل لجنة جماعية ، وليس فردا ، ونهج مزيد من العقلنة في هذا الشأن ، هذه وجهة نظر ، قد تكون خاطئة.

 

أما عن الاتجاهات المرجعية ، فإنا لا أرى هناك اتجاهات ، هناك في الواقع اتجاهات تكاد تكون متقاربة ، إن كل ما تسمونه خلافات بين الاتجاهات المرجعية ، قد لا يرقى إلى درجة الخلاف في حزب ديمقراطي واحد ومنسجم ، ولا إلى درجة الخلاف في مدرسة فكرية أو علمية كمدرسة فرانكفورت ، نعم هناك خلاف يمس بعضا من الجوانب الفرعية يعمقها أشخاص لا أدري ما هي دوافعهم.

لقد تحدثتم ، عن مفهوم ( شورى الفقهاء ) ومع ذلك أقول اسمح لي ، فإن هذه العناوين لا ترهبني ، لأن لدي حساسية مفرطة تجاه المفاهيم ، أنت تحدثني ، عن مشروع نظري لو بقينا نحلله : لن ننتهي البتة. ولكنني أنا أتحدث عن الواقع ، وعن منطق السلطة وعن ضرورات إلا من القومي والإسلامي وعن التنمية وعن النهضة .. لا أريد أن أجازف في النظري أكثر مما يستحقه النظري ، أريد أن تفهم قصدي ، فالكلام صعب وحساس .. أنا مع دولة القانون والحريات والتعددية وحقوق الانسان بما يعني المجتمع المدني .. ولكنني أيضا أقدر ضرورات الدولة ، هناك بالطبع اطروحات مختلفة .. هناك المرجعية الرشيدة كما عبر عنها سماحة الشهيد الصدر .. وهناك من يرى المطلقة ، وهناك من يطرح مشروع فاتيكان .. المهم هي اطروحات اجتهادية.

 

دعني أتحدث قليلا عن الذي يجري اليوم في الجمهورية الإسلامية ، أنا جد متفائل بما يجري .. إنها مخاضات الولادة الميمونة .. هناك أرضية مناسبة اليوم في ايران لقيام مجتمع مدني بملامح إسلامية ، هذا معطى منه أنطلق ، لأنني أنظر إلى المسألة بمنطق الأحوال وطبيعة العمران ، أنا في رأيي أولا وقبل كل شيء ، المرجع الذي لا يصل مشروعا للأمة من الأفضل أن يتنحى أمامي الآن درزينة من الرسائل العملية ، أكاد أجزم بأنها نسخ متشابهة ، ما الخالف إذن ، سامحني ، إنها السلطة، الماسكون بالسلطة - بكل أشكالها - لا يمكنهم التنازل عنها ، وهذه طبيعة في العمران كما يرى ابن خلدون ، والذين لا سلطة لهم يبحثون عنها ، وفي معترك السلطة وحقائب الأخماس ، كانت المرجعية هي الضحية. على كل حال ، أنا لن أغوص أكثر ، ولكن كل ما أقوله ، الا نقع في المازق ، عندنا مشروع جاهز وقائم ، لو سألتني شخصيا ماذا تختار ، أقول لك اختار الموجود وأعمل على تطويره ، وأدعمه وأتنازل عن كل شيء مزعج للواقع القائم ، إذا لم يكن هذا الواقع مخالفا لمبادئي ، انا أدعو إلى وعي سياسي يفتح الأذهان على القضايا الكبرى والاستراتيجية ، عندي ، أن نجاح الجمهورية الإسلامية في تجربة اطلاق صاروخ ( شهاب (2) ) تنسيني كل الخلافات الأخرى لأنها تمثل انجازا استراتيجيا وحضاريا للأمة ، أنا أطالب الآخرين أن يلينوا من مواقفهم ، مع أنني أؤمن بحرية الرأي.

إن الذي يقرب بين الأمة حقيقة ليس هذه ولا تلك ، بل ارادة الوحدة والروح الايجابية ، إنني بالتاكيد لا أستطيع الخوض كثيرا في ذلك ، حتى لا أزيد في الطين بلة ، ولكن كل ما أقوله للفرقاء : شيئا من التهدئة ، ثم أنا بكل صراحة ، ما يزعجني هو أن أنقل نشاطي المناهض للجمهورية إلى بريطانيا أو غيرها .. أنا ضد ذلك على الاطلاق ، وبلغة الفقهاء ، أنا أقول : حرام ، حرام ، ولنكف عن أن نتحرك بعواطفنا وانفعالاتنا.

المنبر : هل من حادثة طريفة تعرضتم لها .

طريفة : وقعت قبل فترة .. أحد أئمة المساجد لم يكف لسانه عن الشيعة والتشيع .. قدحا وسبا وتحريضا .. بلغني ، أن كلبا أسود دخل المسجد ، واخترق صفوف المصلين ، حتى انتهى إلى المحراب ، فانقض على الشخص المذكور وعضه بعنف ، حتى سقط صاحبنا أرضا وعلا صياحه .. لقد كفانا الكلب شره.

 

المنبر : كلمتك الأخيرة .

الحسيني : أن أقول لكل المتشيعين ، إن التشيع ليس صنعة سهلة .. ولا لعبة مذهبية أو طائفية .. إنها مسؤولية كبرى .. إنها أرضية مناسبة للتصدي الحسن ، والفكر الخلاق ، ومعراج الروح .. ليكون التشيع رحلة إلى المستقبل لا انزواء في الماضي ، وليكون ديناميكة لنهضة الأمة ونموها ، وليس استقالة ، أو نبشا في بقايا الرميم والحفريات.

 


مؤلفاته :

 

1  ـ لقد شيعني الحسين (ع) ، الانتقال الصعب في رحاب المعتقد والمذهب ، صدر عام 1414 ه - عن دار النخيل / بيروت ، ترجمه الى الفارسية مالك محمودي تحت عنوان ( رآه دشوار أز مذهب به مذهب ) ، وصدرت الترجمة عام 1416 ه - عن دار القرآن الكريم / قم  ، والكتاب دراسة عقائدية وتاريخية ، اعتمد فيه المؤلف التحليل الموضوعي المنصف اعتمادا على العقل والنقل وتوصل فيها أن المنهج الأفضل هو منهج أهل البيت (ع) وغستلهم من ملحمة كربلاء الحسين (ع) الهداية إلى الطريق والوفاء للآل.

 

2  ـ هكذا عرفت الشيعة و توضيحات وردود ، صدر عام 1418 ه - عن دار النخيل ردود علمية على شبهات قديمة وحديثة جمعتها الوهابية لاطفاء نور الإسلام كالأصل السبئي للتشيع و وقرآن الشيعة المحرف و وقضية المتعة و زيارة القبور و أصول الدين المختلف فيها ، والحق الكتاب بوثائق عن فتاوى الوهابية بتكفير الشيعة ومحاربتهم.

 

3  ـ الخلافة المغتصبة و أزمة تاريخ أزمة مؤرخ ، صدر الطبعة الأولى عن دار الخليج ثم طبع طبعة ثانية في دار النخيل سنة 1416هـ ، تعرض في كتابه إلى تاريخ الخلفاء بعد الرسول (ص) وإلى ابن خلدون كمؤرخ أرخ الاحداث استجابة لرغبات مذهبية جامحة وتزلفا للسلاطين فوقع في مازق تاريخية زيف فيها الكثير من الحقائق ، ثم تعرض إلى عبقريات العقاد ووضعها في الميزان تحريرا للناس من أوهام عبقريات الثلاثة الصنيمة ، واستخلص أخيرا إننا أمام أزمة تاريخ ومؤرخ معا.

 

4  ـ محنة التراث الآخر و النزعات العقلانية في الموروث الامامي ، صدر عن دار الغدير / بيروت سنة 1419 هـ.

دراسة في تراث المسلمين ، فسمه إلى أربعة فصول ، الأول : الكتابة التاريخية ، الثاني : علم الكلام ، الثالث : الحكمة ، الرابع : أصول التشريع ، وعرض فيها الفكر العقلاني المغيب للشيعة عن بقية المسلمين.

 


 

المقالات :

 

1 ـ في نقد الاسطورة السبئية ، نشرته مجلة المنهاج التي تصدر عن مركز الغدير / بيروت العدد الثالث ـ خريف 1417 ـ 1996.

نقاش ورد لما أورده بعض المتعصبين : بالأصل السبئي للتشيع تلك الخرافة التي لم يزدها تكرار الألسن لها الا انفضاحا وتهرءا ، وقد ركز الكاتب نقاشه مع صاحب كتاب ( أصول مذهب الشيعة ) ناصر بن عبد الله القفاري.

يقول الكاتب : وسوف اقتصر في النقاش على كتاب ( أصول مذهب الشيعة ... ) لجمعه تلك الافتراءات ولاشتباهه في الكثير من الأمور في هذا المجال ، ويقول الكاتب في نهاية المقال : إن غاية ما نصبو إليه ، وزبدة بحثنا في الموضوع ، هو العمل على دحض الفكرة القائلة بالأصل السبئي للتشيع ، لقد اكتظت رفوف المكتبات والخزانات بما يخرس الألسنة في الأصل النبوي للتشيع.

 

2  ـ الجابري .. واللامعقول الشيعي ، نشرته مجلة المنهاج ـ العدد الثامن ـ شتاء 1418 هـ ، 1997 م  ، والجابري هو الكاتب المغربي صاحب كتاب : نقد العقل العربي.

جاء في احدى هوامش المقالة بشأن الجابري : التركيز هنا على الجابري له : ما يسوغه ، فهو أول مغامر جازف في قراءة التراث قراءة لم تسئ إلى المنهج العلمي فحسب ، بل تم فيها التركيز على الشيعة ، كما لو إنهم الفنئة المنبوذة التي لم تظفر في التراث العربي والإسلامي بعقل أو أي فضيلة ، حتى كان أشد عليهم من السلفية وأكثر حقدا ، فلم يخل كتاب من كتبه هذه من تشنيع على الشيعة وتعريض بهم.

وجاء في أول المقالة : الخاصية التي تتبادر إلى الذهن ونحن نقرأ أبحاث الدكتور الجابري حول الفكر الشيعي وتاريخه السياسي ، هي تلك المحاولة التي لم تقطع مع طرائق الجدل ، ونعني بها طرائق الخطابة القائمة على كثرة الأقيسة الناقصة والمصادرات على المطلوب ، والمغالطات ... ، حتى وهي تتستر وراء مناهج ومفاهيم ، تبدو - في مظاهرها - علمية وبرهانية ، على أنه لا يكفي ، في التحليل العلمي ، ايراد المفاهيم العلمية هذه التي من اليسير تحويلها الى أساس لرؤية مفارقة ، حينما لا نحسن استخدامها أو توظيفها.

 

3  ـ الانطلوجيا المشائية في أفق انفتاحها ، ومقاربة لنظرية الوجود منذ صدر المتألهين الشيرازي ، نشرته مجلة المنهاج ـ العدد التاسع ـ ربيع 1418 هـ _ 1998 م ، جاء في بداية المقالة : إذا جاز الحديث عن تيار وجودي بامتياز داخل حقل الثقافة الإسلامية ، فليس هناك من هو أجدر بهذا الوصف من الفيلسوف صدر الدين الشيرازي ، المعروف بـالملا صدرا ، وصدر المتألهين ، إذ إنه جعل اشكالية الوجود مدار فلسفته وانشغالاته المعمقَة ، انطلاقا من أن الوجود هو أشرف الأشياء عنده وحتى نكون موضوعيين يجب أن نضع فلسفة ملا صدرا بخصوص اشكالية الوجود في اطارها التاريخي ، من حيث أنها مثلت ، ثمرة عمل لجيل كامل من الفلاسفة ، غير أن هذه المسيرة من النظر في اشكالية الوجود لم تجد مخرجا لها الا مع مجيء " ملا صدرا ، ونستطيع التحدث عند مذهبية امامية متجانسة - باستثناء السهروردي - في مجال البحث الوجودي ، تلك التي دشنها الخواجة نصير الدين الطوسي ، وبلغت قمة نضجها مع ملا صدرا ، وأصبحت ، بعد ذلك تمثل وجهة النظر الفلسفية الامامية.

وجاء في ختام المقالة : إذا جاز أن تنسب نظرية ملا صدرا في الوجود إلى جهة ما ، فإنما إلى جوهر التصور الإسلامي ، الذي يثبت موضوعية العالم ، ويقر بحقيقة الموجود ، مع التأكيد على عالم المثل ، غير الخاضع لقانون الطبيعة ، وهو عالم الروح.

 

4 ـ مع ابن تيمية في ردوده على المنطقيين ، نشرتها مجلة المنهاج ـ العدد الرابع عشر صيف 1420 هـ ـ 1999 م.

جاء في بداية المقالة : ليس ابن تيمية خصما أشعريا تقليديا للفلسفة ، على غرار أبي حامد الغزالي أو الشهرستاني أو ابن خلدون ، أولئك الذين وغن وقفوا منها موقفا سلبيا ، فهم ممن مارس احدى كيفياتها بصورة ما ، لكننا الآن امام حالة فارقة في عالم النقض على الحكماء والمناطقة ، إنه المدعو ابن تيمية الحراني ، ذلك المحدث السلفي الذي حمل على عاتقه مهمة الدفاع عن الحديث ، وعقيدة السلف من وجهة النظر الظاهرية ، وهو موقف صريح وواضح في انتصاره للسماع ، ودحضه للعقل.

 

وجاء فيها أيضا : لقد صنف ابن تيمية كتابه الشهير نقض المنطق دفاعا عن أهل الحديث ودحضا لمزاعم المتكلمين والفلاسفة وأهل المنطق طبعا ، وعلى طريقة أهل التجريح من المحدثين ، لم يرض شيخ الإسلام شيئا من الذم والقدح الا وجاد به في مصنفه ، حيث نعت الفلاسفة بالكفر والزندقة والبدعة ... لقد ربط ابن تيمية بين المنطق والإلهيات ، وبما أنه جعل المنطق سليل الإلهيات اليونانية فانه لا مناصة من الحكم بضلال هذه الصنعة المتكلفة وفسادها ، فمن حسن الظن بالمنطق وأهله إن لم يكن له : مادة من دين وعقل يستفيد بها الحق الذي ينتفع به ، وغلا فسد عقله ودينه.

 

5  ـ آفاق النهضة في الفكر العربي المعاصر وجدلية العلاقة مع الغرب من منظار نقدي ، نشرتها مجلة البصائر / بيروت ـ العدد 10 ـ ربيع 1413 هـ _ 1993 م.

جاء في بداية المقالة : أثيرت ولا تزال ـ في الآونة الأخيرة ـ زوبعة من الاحتمالات بمستقبل العالم في ظل نظام عالمي جديد ، رسم الغرب مبادئه ، وحدد آلياته ، مستقبل الحداثة وما بعدها في عالم متغير ، وفي تاريخ بعيد المسار ، تحاول الأيدلوجية الليبرالية ـ عبثا ـ ايقافه أو الاسئثار به ، ذلك المستقبل كما يتحدد في الرؤية الغربية للعالم المعاصر ، وفي هذا الافق المختنق بدخان كثيف ، يصدر عن ذلك الغرب المستهتر ، والممعن في التفوق والسيطرة ، وتلك الشعوب التي خضعت قهرا وتغريرا ، لنمط من الارغام والقسر على ثقافة واحدية ، جاءت مع البضاعة الغربية ... في هذا الأفق الضيق المختنق ، تعلو احتجاجات ، للتأكيد على التميز ، ومناهضة الثقافة العالمية الجيدة ، التي تسيرها أجهزة الغرب ، من أجل خلق نوع من المركزية الحضارية ، ونبذ التميز والتنوع لغايات تسلطية ، وجاء في اواخر المقالة : من أجل التفاعل الحقيقي مع الحياة ، في انتعاشها المتواصل ستكون الأمة ، أما مسؤوليتين :

 

أولا : كيف تبعث إسلامها الحضاري من تحت قرون من الانحطاط والتمزق وتجعله يقفز من زمن الانحطاط إلى مرحلتنا بعد توقف زمن طويل لم يمارس فيه البعد الحضاري من الإسلام توقف شل جزءا هائلا من امكانيات الإسلام الحيوية في عملية التفاعل مع الحياة.

ثانيا : كيف تواجه الأمة بإسلامها ، كيانات حضارية تؤمن بالخصوصية لنفسها وتلغيها عن الآخرين ، بل وتجعل من خصوصيتها محورا كونيا لباقي الشعوب.

 

6  ـ المقبول واللامقبول في أصوليات روجيه غارودي " ، نشرته مجلة البصائر ـ العدد 10 ربيع 1413 هـ _ 1993 م.

قراءة في كتاب : الأصوليات المعاصرة أسبابها ومظاهرها ، لروجية غارودي الكاتب الفرنسي المعروف جاء في مقدمة القراءة : لعل ما يميز الكتابة عند روجية غارودي هو أنها ليست من جنس الكتابات الاستهلاكية ، ذات الطابع الحرفي إنها انتاج يعكس جهد الباحث المخلص للمعرفة ، ويتميز بالعمق والتحليل والمتابعة ، يضاف الى ذلك عمق التجربة التي خاضها غارودي على طول احتكاكه بالفكر الغربي ، الماركسي والمسيحي ، وسعة اطلاعه على الفلسفات القديمة والحديثة ، ولا تزال الرحلة الغارودية مستمرة إلى أن استقرت راحلتها على واحة العقيدة الإسلامية حيث باتت تلك هي أرضية في كل ابداع يصدره للوجود.

 

ذكر غارودي إن الأصولية التي يتهم الغرب بها الإسلاميين لا تختص بهم بل هناك أصولية علمانية وأصولية مسيحية فاتيكانية واصولية يهودية اسرائيلية وأصولية ماركسية ستالينية ، وجاء في قراءة الكتاب عند تعرض غارودي للأصولية الإسلامية : الدخول المباشر في مناقشة غارودي في أخطر ثغرة تحليلية وجدت في كتابه وهو حديثه عن الأسباب الموضوعية لنشوء الظاهرة الأصولية في العالم العربي ، تتطلب طرح السؤال عن مدى الجديد الذي أتى به غارودي ، في تقريبه الأخير ، للمسألة الأصولية ، فالتحليل كان أعرجا من ناحية التماس الدقة في المعلومات التاريخية.

 

ولخص الكاتب قراءته لكتاب غارودي بالقول : لقد تمكن غارودي من المواجهة الفكرية والسياسية للغرب ، لكنه أخفق في محاولته للعبث بأساسيات الشريعة الإسلامية .. إنه الوجه غير المقبول في مقاربة غارودي.

 

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المستبصرين