العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المواضيع

 

أقوال علماء السنة والجماعة في يزيد )

  

عدد الروايات : ( 5 )

 

المسعودي - مروج الذهب ومعادن الجوهر

 ذكر لمع من أخبار يزيد وسيره - ونوادر من بعض أفعاله
خروج يزيد لوفود العرب أهل المدينة وعمال يزيد

الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 377 / 379 )

 

[ النص طويل لذا استقطع منه موضع الشاهد ]

 

1 - فسوق يزيد وعماله : وكان يزيد صاحب طرب ، وجوارح وكلاب وقرود وفهود ، ومناذمة على الشراب ، وجلس ذات يوم على شرابه ، وعن يمينه ابن زياد ، وذلك بعد قتل الحسين ، فأقبل على ساقيه ، فقال :


اسقني شربة تروي مشاشي * ثم مل فاسق مثلها ابن زياد
صاحب السر والأمانة عندي
* ولتسديد مغنمي وجهادي


ثم أمر المغنين فغنوا به.


وغلب على أصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق ، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة، واستعملت الملاهي ، وأظهر الناس شرب الشراب ، وكان له قرد يكنى بأبي قيس يحضره مجلس منادمته ، ويطرح له متكأ ، وكان قردا خبيثا وكان يحمله على أتان وحشية قد ريضت ، وذللت لذلك بسرج ولجام ويسابق بها الخيل يوم الحلبة ، فجاء في بعض الأيام سابقا ، فتناول القصبة ودخل الحجرة قبل الخيل ، وعلى أبي قيس قباء من الحرير الأحمر والأصفر مشمر ، وعلى رأسه قلنسوة من الحرير ذات ألوان بشقائق.

 

2 - ماقيل في مقتل الحسين : ولما قتل الحسين بن علي (ر) بكربلاء وحمل رأسه ابن زياد إلى يزيد ، خرجت بنت عقيل بن أبي طالب في نساء من قومها حواسر حائرات ، لما قد ورد عليهن من قتل السادات ، وهي تقول:


ماذا تقولون إن قال النبي لكم * ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي
* نصف أسارى ونصف ضرجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم
* أن تخلفوني بشر في ذوي رحمي


وفي فعل ابن زياد بالحسين ، يقول أبو الأسود الدؤلى من قصيدة :


أقول وذاك من جزع ووجد * أزال الله ملك بني زياد
وأبعدهم، بما غدروا وخانوا
* كما بعدت ثمي وقوم عاد

 

3 - أهل المدينة وعمال يزيد : ولما شمل الناس جور يزيد وعماله ، وعمهم ظلمه ، وما ظهر من فسقه : من قتله ابن بنت رسول الله (ص) ، وأنصاره ، وما أظهر من شرب الخمور ، وسيره سيرة فرعون ، بل كان فرعون أعدل منه في رعيته ، وأنصف منه لخاصته وعامته ، أخرج أهل المدينة عامله عليهم - وهو عثمان ابن محمد بن أبي سفيان - ومروان بن الحكم ، وسائر بني أمية ، وذلك عند تنسك ابن الزبير وتألهه ، وإظهار الدعوة لنفسه ، وذلك في سنة ثلاث وستين ، وكان إخراجهم لما ذكرنا من بني أمية وعامل يزيد عن إذن ابن الزبير ، فاغتنمها مروان منهم ، إذ لم يقبضوا عليهم ويحملوهم إلى ابن الزبير ، فحثوا السير نحو الشام ، ونمى فعل أهل المدينة ببني أمية وعامل يزيد إلى يزيد ، فسير إليهم بالجيوش من أهل الشام عليهم مسلم بن عقبة المري الذي أخاف المدينة ونهبها ، وقتل أهلها ، وبايعه أهلها على أنهم عبيد ليزيد ، وسماها نتنة ، وقد سماها رسول الله (ص) طيبة ، وقال : من أخاف المدينة أخاف الله فسمى مسلم هذا لعنه الله بمجرم ومسرف ، لما كان من فعله ، ويقال : إن يزيد حين جرد هذا الجيش وعرض عليه أنشأ يقول :


أبلغ أبا بكر إذا الأمر انبرى * وأشرف القوم على وادي القرى * أجمع السكران من قوم ترى


يريد بهذا القول عبد الله بن الزبير ، وكان عبد الله يكنى بأبي بكر ، وكان يسمى يزيد السكران الخمير ، وكتب إلى ابن الزبير:


أدعو إلهك في السماء فأنني *  أدعو عليك رجال عك وأشعر
كيف النجاة أبا خبيب منهم 
*  فاحتل لنفسك قبل أتي العسكر

 

4 - وقعة الحرة : ولما انتهى الجيش من المدينة إلى الموضع المعروف بالحرة وعليهم مسرف خرج إلى حربه أهلها عليهم عبد الله بن مطيع العدوي وعبد الله بن حنظلة الغسيل الأنصاري ، وكانت وقعة عظيمة قتل فيها خلق كثير من الناس من بني هاشم،  وسائر قريش والأنصار وغيرهم من سائر الناس ، فممن قتل من آل أبي طالب اثنان : عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وجعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب ، ومن بني هاشم من غيرآل أبي طالب : الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، وحمزة بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، والعباس بن عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب ، وبضع وتسعون رجلا من سائر قريش ، ومثلهم من الأنصار ، وأربعة آلاف من سائر الناس ممن أدركه الإحصاء دون من لم يعرف ، وبايع الناس على أنهم عبيد ليزيد ، ومن أبى ذلك أمره مسرف على السيف ، غير علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب السجاد ، وعلي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، وفي وقعة الحرة يقول محمد بن أسلم :


فإن تقتلونا يوم حرة واقم * فنحن على الإسلام أول من قتل
ونحن تركناكم ببدر أذلة
* وأبنا بأسياف لنا منكم تفل


ونظر الناس إلى علي بن الحسين السجاد وقد لاذ بالقبر وهو يدعو ، فأتي به إلى مسرف وهو مغتاظ عليه ، فتبرأ منه ومن آبائه ، فلما رآه وقد أشرف عليه ارتعد ، وقام له ، وأقعده إلى جانبه ، وقال له : سلني حوائجك ، فلم يسأله في أحد ممن قدم إلى السيف إلا شفعه فيه ، ثم انصرف عنه ، فقيل لعلي : رأيناك تحرك شفتيك فما الذي قلت ، قال : قلت اللهم رب السموات السبع وما أقللن ، والأرضين السبع وما أقللن ، رب العرش العظيم ، رب محمد وآله  الطاهرين ، أعوذ بك من شره ، وأدرأ بك في نحره ، أسألك أن تؤتيني خيره ، وتكفيني شره ، وقيل لمسلم : رأيناك تسب هذا الغلام وسلفه ، فلما أتى به إليك رفعت منزلته ، فقال : ما كان ذلك لرأي مني ، لقد ملىء قلبي منه رعبا ، وأما علي بن عبد الله بن العباس فإن أخواله من كندة منعوه منه ، وأناس من ربيعة كانوا في جيشه ، فقال علي في ذلك :


أبي العباس قرم بني لؤي * وأخوالي الملوك بنو وليعه
هم منعوا ذماري يوم جاءت
* كتائب مسرف وبني اللكيعة
أرادني التي لا عز فيها
* فحالت دونه أيدي ربيعة


ولما نزل بأهل المدينة ما وصفنا من القتل والنهب والرق والسبي وغير ذلك مما عنه أعرضنا من مسرف خرج عنها يريد مكة في جيوشه من أهل الشام ، ليوقع بابن الزبير وأهل مكة بأمر يزيد ، وذلك في سنة أربع وستين ، فلما انتهى إلى الموضع المعروف بقديد مات مسرف لعنه الله ، واستخلف على الجيش الحصين بن نمير ، فسار الحصين حتى أتى مكة وأحاط بها ، وعاذ ابن الزبير بالبيت الحرام ، وكان قد سمى نفسه العائذ بالبيت ، وشهر بهذا حتى ذكرته الشعراء في أشعارها ، من ذلك ما قدمنا من قول سليمان بن قتة :


فإن تتبعوه عائذ البيت تصبحوا * كعاد تعمت عن هداها فضلت


5 - رمي الكعبة بالمجانيق : ونصب الحصين فيمن معه من أهل الشام المجانيق والعرادات على مكة والمسجد من الجبال والفجاج ، وابن الزبير في المسجد ، ومعه المختار بن أبي عبيد الثقفي ، داخلا في جملته ، منضافا إلى بيعته ، منقاد ا إلى إمامته على شرائط شرطها عليه لا يخالف له رأيا ، ولا يعصي له أمرا ، فتواردت أحجار المجانيق والعرادات على البيت ، ورمي مع الأحجار بالنار والنفط ومشاقات الكتان وغير ذلك من المحرقات ، وانهدمت الكعبة ، واحترقت البنية ، ووقعت صاعقة فأحرقت من أصحاب المجانيق أحد عشر رجلا ، وقيل أكثر من ذلك ، وذلك يوم السبت لثلاث خلون من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة ، قبل وفاة يزيد بأحد عشر يوما ، واشتد الأمر على أهل مكة وابن الزبير ، واتصل الأذى بالأحجار والنار والسيف ، ففي ذلك يقول أبو وجزة المدني :


ابن نمير بئس ما تولى * قد أحرق المقام والمصلى


وليزيد وغيره أخبار عجيبة ، ومثالب كثيرة : من شرب الخمر ، وقتل ابن بنت الرسول ، ولعن الوصي ، وهدم البيت وإحراقه ، وسفك الدماء ، والفسق والفجور ، وغير ذلك مما قد ورد فيه الوعيد باليأس من غفرانه ، كورده فيمن جحد توحيده وخالف رسله ، وقد أتينا على الغرر من ذلك فيما تقدم وسلف من كتبنا ، والله ولي التوفيق.