العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المواضيع

 ( سر سكوت الامام الحسن (ع) وخروج الامام الحسين (ع) )

 

الشبهة

 

- لقد تنازل الحسن بن علي (ر) لمعاوية (ر) وسالمه ، في وقت كان يجتمع عنده من الأنصار والجيوش ما يمكنه من مواصلة القتال ، وفي المقابل خرج أخوه الحسين (ر) على يزيد في قلة من أصحابه ، في وقت كان يمكنه فيه الموادعة والمسالمة.

فلا يخلو أن يكون أحدهما على حق ، والآخر على باطل ، لأنه إن كان تنازل الحسن مع تمكنه من الحرب ( حقا ) كان خروج الحسين مجردا من القوة مع تمكنه من المسالمة ( باطلا ) ، وإن كان خروج الحسين مع ضعفه ( حقا ) كان تنازل الحسن مع ( قوته ) باطلا.

وهذا يضع الشيعة في موقف لا يحسدون عليه ، لأنهم إن ، قالوا : أنهما جميعا على حق ، جمعوا بين النقيضين ، وهذا القول يهدم أصولهم ، وان قالوا ببطلان فعل الحسن لزمهم أن يقولوا ببطلان امامته ، وبطلان امامته يبطل امامة أبيه وعصمته ، لأنه أوصى إليه ، والامام المعصوم لا يوصي إلا إلى امام معصوم مثله حسب مذهبهم.

وان قالوا ببطلان فعل الحسين لزمهم أن يقولوا ببطلان امامته وعصمته ، وبطلان امامته وعصمته يبطل امامة وعصمة جميع أبنائه وذريته ، لأنه أصل امامتهم ، وعن طريقه تسلسلت الإمامة ، وإذا بطل الأصل بطل ما يتفرع عنه ، ( حاول بعض الشيعة التهرب من هذا الالزام بالتفريق بين الخلافة والإمارة أي أن التنازل كان عن الأول لا الثاني ، وهذا هروب يضحك منه العقلاء ).

 


 

الرد على الشبهة

 

أولا : لا يوجد على ما يقولون إن الامام الحسن (ع) تنازل لمعاوية بالخلافة وبايعه ، إنما الامام الحسن (ع) صالح معاوية ، وذلك لحفظ دماء المسلمين ، ولم يكن صلح الامام الحسن (ع) اختيارية ، ولكن مكرها عليها ومضطرا كما تبين الروايات التي ينقلها الطرفين ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

 

ثانيا : لم يكن بامكان الامام الحسن (ع) مواجهة جيش معاوية وقتاله ، وذلك لان الامام الحسن (ع) واقع بين ضررين لا ثالث لهما :

 

الضرر الأول : أن يحصل انقلاب من جيش الامام الحسن (ع) عليه وخصوصا أن جيشه كان مخترقا من قبل معاوية ، وهناك خيانة وحاولوا أن يغتالونه حيث أنه جرح في رجله ، وبذلك تنتقل المواجهة من معاوية إلى المواجهة الداخلية وهذا يخدم معاوية اعلاميا ويعطي شرعية لمعاوية والمستفيد يكون معاوية ، وبذلك يسهل على معاوية أن يطعن بالإمامة حيث يكون الذي قتل الامام الحسن (ع) أصحابه وليس معاوية ، وبذلك يمكن القضاء على أصحاب الامام الحسن (ع) بحجة أنهم قتلوا الامام الحسن ، كما استغل الظروف بعد قتل عثمان وكان يرفع قميص عثمان واستطاع أن يصفي شيعة الامام علي (ع) من غير أي معارضة ، كما قتل الصحابي حجر بن عدي الكندي (ر) ، وبذلك يقضي على آثار الإمامة ويمكن تصفية اتباع الامام الحسن (ع) بكل سهولة ، وخصوصا أن الحسن (ع) قتل من قبل أصحابه ، وإن معاوية ليس له يد في قتله وبذلك تضفي الشرعية لخلافة معاوية.

 

ولا بأس نبين حال قواد جيش الامام الحسن (ع) :

 

- ( ... فلما كان من غد وجه معاوية بخيله إليه فخرج اليهم عبيد الله بن العباس فيمن معه ، فضربهم حتى ردهم إلى معسكرهم ، فلما كان الليل أرسل معاوية إلى عبيد الله بن العباس أن الحسن قد راسلني في الصلح وهو مسلم الأمر إلي فان دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعا وإلا دخلت وأنت تابع ، ولك إن جئتني الآن أن أعطيك الف الف درهم ، يعجل لك في هذا الوقت النصف وإذا دخلت الكوفة النصف الآخر ، فانسل عبيد الله ليلا فدخل عسكر معاوية فوفى له بما وعده ... ) ، راجع : ( مقاتل الطالببين -  لابي الفرج الاصفهاني - رقم الصفحة : ( 42 ).

 

- ( ... وفي الخرائج أن الحسن (ع) بعث إلى معاوية قائدا من كندة في أربعة آلاف ، فلما نزل الأنبار بعث إليه معاوية بخمسمائة الف درهم ووعده بولاية بعض كور الشام والجزيرة فصار إليه في مائتين من خاصته ، ثم بعث رجلا من مراد ففعل كالأول بعد ما حلف بالإيمان التي لا تقوم لها الجبال أنه لا يفعل وأخبرهم الحسن (ع) ، أنه سيفعل كصاحبه ... ) ، راجع : ( أعيان الشيعة - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 569 ).

 

- ( ... ثم أرسل الامام (ع) قائدا من مراد في أربعة آلاف ، فكتب لهم معاوية وأرسل له خمسمائة الف درهم ومناه أي ولاية أحب من كور الشام فتوجه إليه الخرائج ... ) ، راجع : ( البحار - الجزء : ( 44 ) - رقم الصفحة : ( 3 ).

 

- ( ... هل لك في الغنى والشرف ، قال وما ذاك ، قال : تستوثق من الحسن وتستأمن به إلى معاوية ... ) ، راجع : ( الكامل في التاريخ - الجزء : ( 3 ) - سنة : ( 41 ).

 

- ( ... وكتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة له في السر ، واستحثوه على السير نحوهم ، وضمنوا له تسليم الحسن (ع) إليه عند دنوهم من عسكره أو الفتك به ، وبلغ الحسن ذلك ... ) ، راجع : ( الشيخ المفيد - الإرشاد - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 12 ) ، وهناك كثير من الأمثلة ، ولكن اكتفي بهذه الأدلة وإلا طال بنا المقام لكثرة الأدلة عند الفريقين.

 

الضرر الثاني : أنه يبرم الصلح وبهذا الصلح يحفظ دمه ودماء أصحابه ودماء المسلمين وبذلك يفوت الفرصة على معاوية للطعن في الإمامة وينكشف حال معاوية فالحسن (ع) قد حفظ دماء المسلمين في ابرامه هذا الصلح وهذا أقل الضررين ، وأما القتال بهذه الطريقة لا يمكن أن يقوم بمواجهة مع جيش معاوية .

 

- فقد نقل عدة من الحفاظ ، منهم بن حجر بالاصابة ، وفتح الباري ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ، وابن سعد في طبقاته واللفظ لابن حجر العسقلاني في : ( فتح الباري - الجزء : ( 13 ) - رقم الصفحة : ( 63 ) ، قال : ( ... والمحفوظ أن كلام الحسن الأخير إنما وقع بعد الصلح والاجتماع ، كما أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي في الدلائل من طريقه ومن طريق غيره بسندهما إلى الشعبي ، قال : لما صالح الحسن بن علي معاوية ، قال له معاوية : قم فتكلم فقام فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد فان أكيس الكيس التقي وأن أعجز العجز الفجور إلا وإن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية حق لامرئ كان أحق به مني أو حق لي تركته لارادة اصلاح المسلمين وحقن دمائهم وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ثم استغفر ونزل ... ).

 

- فمضافا إلى ما ذكرنا يوضح ( لولا ما أصنع لكان أمر عظيم ) ، راجع : ( علل الشرائع - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 200 ) ، وبالتأكيد أن هذا الأمر العظيم من الخطورة والأهمية أدى إلى تفضيل الامام (ع) للصلح على الحرب ، وفي راجع ( السابق ) ، وقد قال (ع) : ( لولا ما أتيت لنا ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحدا إلا قتل ).

 

- وقال : ( والله الذي عملت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت ) ، المصادر : ( روضة الكافي ص330 ، وفرائط السمطين للحمويني ج2 ص424 ، وغيرها من المصادر ).

 

- وقال : ( والله لو قاتلت معاوية ( لاخوا ) بعنقي حتى يدفعوني إليه سلما ) ، راجع : ( الاحتجاج - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 69 ) - رقم : ( 158 ).

 

- وقال : ( فو الله لأن أسالمه وأنا عزيز ، خير من أن يقتلني وأنا أسيره  ، أو يمن علي فتكون سبة علي بني هاشم إلى آخر الدهر ، ومعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحي منا والميت ) راجع : ( الاحتجاج - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 69 ) - رقم : ( 158 ).

 

- قد خطب (ع) فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ( أما والله ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلة ولا قلة ، ولكن كنا نقاتلهم بالسلامة والصبر ، فشيبت السلامة بالعداوة ، والصبر بالجزع ، وكنتم تتوجهون معنا ودينكم أمام دنياكم ، وقد أصبحتم الآن ودنياكم أمام دينكم ، فكنا لكم وكنتم لنا ، وقد صرتم اليوم علينا ... ) ، راجع : ( أعلام الدين في صفات أمير المؤمنين - الدلمي - رقم الصفحة : ( 293 ).

 

- وقال (ع) : ( وقد جعل الله هارون في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلونه ... وكذلك أنا ) راجع : ( الاحتجاج - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 67 ) - رقم : ( 156 ).

 

- فهارون (ع) عندما استضعفوه قومه وكادوا يقتلونه هادنهم هارون حتى لا يقولون أنه قد فرق بينه وبين قومه وهو تصرف لحفظ الشريعة ، يقول الله عز وجل : { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( الأعراف : 150 ) }.

 

- ( .... قال : الست الذي قال رسول الله (ص) لي ولأخي الحسن والحسين امامان قاما أو قعدا ، قلت : بلى ، قال : فانا إذن امام لو قمت وأنا امام إذ لو قعدت ، يا أبا سعيد علة مصالحتى لمعاوية علة مصالحة رسول الله (ص) لبني ضمرة وبني أشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية ، أولئك كفار بالتنزيل ، ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل ... ) ، راجع : ( علل الشرائع - الشيخ الصدوق - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 211 ).

 

كما صالح رسول الله (ص) كفار قريش في صلح الحديبية كذلك الامام الحسن (ع) صالح معاوية للحفاظ على الإسلام المحمدي الأصيل المتمثل بأهل البيت (ع) وفق حديث الثقلين " إني تارك فيكم الثقلين ".

 

أما بالنسبة للامام الحسين (ع) خرج لقتال يزيد عليه اللعنة حيث أنه لا يوجد في جيش الحسين عليه ما يستوجب الانقلاب عليه ، وخرج لمقارعة الظلم واسقاط شرعية خلافة يزيد وقتل الحسين بسيوف الظلة من جيش بني أمية لا يعطي أي قوة ليزيد بل يضعفه ويؤلب الناس علىه ، وهذا ما رأيناه مباشرة بمجرد أن استشهد الامام الحسين (ع) على يد جيش يزيد قامت الثورات مباشرة واقتصوا من قتلة الحسين (ع) وتوالت الثورات ، ولن تقف إلى أن أسقطت الدولة الأموية بزمن قصير.

 

فقد قام المختار بن عبيد الله الثقفي وله ادراك ، ووفق مصطلح الصحابي عند أخواننا أهل السنة يعتبر صحابي وأبوه كان من صحابة رسول الله (ص) ، وقد استشهد في فتح بلاد فارس ، وقد قام المختار بملاحقة قتلة الحسين (ع) وصفاهم واحدا واحد ، وقامت ثورة التوابين بقيادة الصحابي سليمان بن صرد الخزاعي والصحابي أبو الطفيل عامر بن واثلة ، وقد سقطت وقامت ثورة المدينة أي ثار أهل المدينة على يزيد وثورت زيد بن علي زين العابدين (ع) وتوالت الثورات إلى أن سقطت الدولة الأموية ، ولم تهدأ بعد استشهاد الامام الحسين (ع) وصلح الامام الحسن (ع) كان تمهيدا لثورة الامام الحسين (ع) وابطال شرعية خلافة بني أمية.

 

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المواضيع