العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المواضيع

 ( هل الأئمة المعصومون (ع) يعلمون متى يموتون )

 

الشبهة

 

- ذكر الكليني في كتاب الكافي : ( أن الأئمة يعلمون متى يموتون ، وانهم لا يموتون الا باختيار منهم ) ، ثم يذكر المجلسي في كتابه ( بحار الأنوار ) حديثا يقول : ( لم يكن امام الا مات مقتولا أو مسموما ) ، فإذا كان الامام يعلم الغيب ، كما ذكر الكليني والحر العاملي ، فسيعلم ما يقدم له من طعام وشراب ، فإن كان مسموما علم ما فيه من سم وتجنبه ، فإن لم يتجنبه مات منتحرا ، لأنه يعلم أن الطعام مسموم ، فيكون قاتلا لنفسه ، وقد أخبر النبي (ص) : أن قاتل نفسه في النار ، فهل يرضى الشيعة هذا للأئمة.

 


 

الرد على الشبهة

 

أولا : لم يقل أحد من علماء الشيعة أن الله عز وجل يعلم الأئمة علم مطلق ، ولكن متى شاءت حكمته أن يعلمهم فيعلمهم ، ومتى شاءت حكمته أن يخفي عنهم الأمور يخفي عنهم الأمور ، وقد أخفي الله عز وجل عن : رسوله (ص) بعض أسماء المنافقين وأعلمه بعض آخر من المنافقين ، فقال عز وجل في محكم كتابه : { وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ ( التوبة : 101 ) } وقد شاءت حكمته أن يعلمه أسماء المنافقين الذين أرادوا أن يقتلوه بالعقبة.

 

ولا يمتنع أن الله عز وجل يعلمهم علما اجماليا أنهم سيقتلون ، كما بلغ رسول الله (ص) في حجة الوداع عندما صرح أنه بعد هذا العام لعله لم يلقاهم ، فإن شاءت حكمته أن يبلغهن فيبلغهم كما فعل الله عز وجل مع والد جابر ابن عبد الله الأنصاري :

 

- فقد أخرج عدة من الحفاظ منهم البخاري ، قال : ( حدثنا : مسدد ، أخبرنا : بشر بن المفضل ، حدثنا : حسين المعلم ، عن عطاء ، عن جابر (ر) ، قال : لما حضر أحد دعاني أبي من الليل ، فقال : ما أراني إلا مقتولا في أول من يقتل من أصحاب النبي (ص) وإني لا أترك بعدي أعز علي منك غير نفس رسول الله (ص) ، فإن علي دينا فاقض واستوص بأخواتك خيرا ، فأصبحنا فكان أول قتيل ودفن معه آخر في قبر ، ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر ، فاستخرجته بعد ستة أشهر ، فإذا هو كيوم وضعته هنية غير أذنه ) ، المصادر : ( صحيح البخاري - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 453 ) - رقم الحديث : ( 1286 ) ، والمستدرك على الصحيحين - الجزء : ( 3 ) - رقم الصفحة : ( 224 ) ، وسنن البيهقي - الجزء : ( 6 ) - رقم الصفحة : ( 285 ).

 

فهذا لا يمتنع أن يخبر بشهادته ، ويموت شهيد لأنه يستحق الشهادة ، وشاءت حكمته أن يخبره الله عز وجل بموته ، ومثال للعلم الاجمالي رسول الله (ص) شاءت حكمة الله عز وجل أن يخبره أن في آخر الزمان لو كان الدين بالثريا لناله رجال من فارس :

 

- فقد أخرج عدة من الحفاظ منهم مسلم في صحيحه والبخاري في صحيحة وأحمد في مسنده ، قال : ( حدثنا : عبد الله ، حدثني : أبي ، قال : ثنا : عبد الرزاق ، ثنا : معمر ، عن : جعفر الجزري ، عن : يزيد بن الأصم ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله (ص) لو كان الدين عند الثريا لذهب رجل من فارس أو أبناء فارس حتى يتناوله ) ، المصادر : ( مسند أحمد - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 308 ) ، وصحيح البخاري - الجزء : ( 4 ) - رقم الصفحة : ( 1858 ) ، وصحيح مسلم - الجزء : ( 4 ) - رقم الصفحة : ( 1972 ) - تعليق شعيب الأرنؤوط : اسناده صحيح على شرط مسلم ).

 

فيبلغنا رسول الله (ص) بعلم اجمال أنه في آخر الزمان ستكون نصرة الدين على يد رجال من بلاد فارس ولم يعطي التفصيل وإنما أعطانا الاجمال ، وكذلك عنده علم بأن في آخر الزمان يخرج رجل من ولد فاطمة (ع) اسمه المهدي (ع) فخبرنا بعلم اجمالي.

 

ثانيا : وإن كان يعرف أنه يحصل الأمر الكذائي ليس معناه أنه يستطيع أن يغير أمر الله عز وجل ، واليوم على سبيل المثال بعض الفلكيين يعرفون أنه سيحصل اعصار فلا ملازمة بين علم الغيب وبين تغيير أمر الله عز وجل ، وإذا كان يعرف أنه سيموت في اليوم الكذائي والسبب الكذائي هل يستطيع أن يغير أمر الله عز وجل إذا الله أراده .

 

ثالثا : قد تكون حكمة الله عز وجل يعلم الامام متى سيموت ولكن هذه الموته تكون هبة له والله أعلمه أنه اختار له هذه الموتة وهي درجة من درجات الكرامة المرتبة بالشهادة ، وأئمة أهل البيت (ع) يتمنون الشهادة وإن كانوا يستطيعون أن يدعوا الله عز وجل أن يأخر آجالهم ولكن هم يريدون اللقاء الإلهي ، وأن الدنيا لهم كالسجن والآخرة هي مبتغاهم لارتباطهم الوثيق من الله عز وجل .

 

رابعا : هذا الاشكال كان مطروحا أكثر من الف سنة ، والذي طرح هذا الاشكال هم الشيعة نفسهم طرحوا هذا الاشكال على الأئمة (ع) :

 

- فقد روى الشيخ الكليني (ر) في الكافي الشريف ، قال : ( عن الحسن بن الجهم ، قال : قلت للرضا (ع) إن أمير المؤمنين (ع) قد عرف قاتله والليلة التي يقتل فيها والموضع الذي يقتل فيه ، وقوله لما سمع صياح الاوز في الدار : صوائح تتبعها نوائح ، وقول أم كلثوم : لو صليت الليلة داخل الدار وأمرت غيرك يصلي بالناس ، فأبى عليها وكثر دخوله وخروجه تلك الليلة بلا سلاح ، وقد عرف (ع) أن ابن ملجم لعنه الله قاتله بالسيف ، كان هذا مما لم يجز تعرضه ، فقال : ذلك كان ولكنه حير في تلك الليلة ، لتمضي مقادير الله عز وجل ).

 

وواضح من الرواية أن الامام (ع) حينما يحين وقت وفاته يحيره الله سبحانه وينسيه ما علمه حتى تجري مقادير الله عز وجل ، فالروايات التي تحكي علم الامام (ع) بوفاته تقصد أنه يعلم ذلك إلى ما قبل وقوع سبب الوفاة إذ يحيره الله سبحانه ويخفي عنه ذلك.

 

وهناك وجه آخر وهو إن الله عز وجل عز وجل يبقيه على هذا العلم ويخيره بالموت كما بينا برواية جابر ابن عبد الله المروية بالبخاري أن الله عز وجل أخبره بأنه يموت باليوم الفلاني ، والله يبقيهم على علمهم وويخيرهم.

 

- فقد روى الشيخ الصدوق في أماليه ( رقم الصفحة : ( 210 / 212 ) قال : ( حدثنا : الشيخ الفقيه أبو جعفر محمد ابن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (ر) قراءة عليه ، قال : حدثنا : أبي (ر) ، قال : حدثنا : علي بن ابراهيم بن هاشم ، عن محمد بن عيسى اليقطيني ، عن أحمد بن عبد الله الفروي ، عن أبيه ، قال : دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح ، فقال لي : ادن مني ، فدنوت حتى حاذيته ، ثم قال لي : أشرف إلى البيت في الدار ، فأشرفت ، فقال : ما ترى في البيت ، قلت : ثوبا مطروحا ، فقال : انظر حسنا ، فتأملت ونظرت فتيقنت ، فقلت : رجل ساجد ، فقال لي : تعرفه ، قلت : لا ، قال : هذا مولاك ، قلت : ومن مولاي ، فقال : تتجاهل علي ، فقلت : ما أتجاهل ، ولكن لا أعرف في مولى ، فقال : هذا أبو الحسن موسى بن جعفر (ع) ، إني أتفقده الليل والنهار فلم أجده في وقت من الأوقات الا على الحال التي أخبرك بها ، أنه يصلي الفجر فيعقب ساعة في دبر صلاته إلى أن تطلع الشمس ، ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتى تزول الشمس ، وقد وكل من يترصد له الزوال ، فلست أدري متى يقول الغلام : قد زالت الشمس إذ يثب فيبتدئ بالصلاة من غير أن يجدد وضوءا ، فأعلم أنه لم ينم في سجوده ولا أغفى ، فلا يزال كذلك إلى أن يفرغ من صلاة العصر ، فإذا صلى العصر سجد سجدة ، فلا يزال ساجدا إلى أن تغيب الشمس ، فإذا غابت الشمس وثب من سجدته فصلى المغرب من غير أن يحدث حدثا ، فلا يزال في صلاته وتعقيبه إلى أن يصلي العتمة ، فإذا صلى العتمة أفطر على شوي يؤتى به ، ثم يجدد الوضوء ، ثم يسجد ، ثم يرفع رأسه ، فينام نومة خفيفة ، ثم يقوم فيجدد الوضوء ، ثم يقوم فلا يزال يصلي في جوف الليل حتى يطلع الفجر ، فلست أدري متى يقول الغلام : إن الفجر قد طلع إذ قد وثب هو لصلاة الفجر ، فهذا دأبه منذ حول إلي ، فقلت : اتق الله ، ولا تحدثن في أمره حدثا يكون منه زوال النعمة ، فقد تعلم أنه لم يفعل أحد بأحد منهم سوءا إلا كانت نعمته زائلة ، فقال : قد ارسلوا إلي في غير مرة يأمرونني بقتله ، فلم أجبهم إلى ذلك ، وأعلمتهم أني لا أفعل ذلك ، ولو قتلوني ما أجبتهم إلى ما سألوني ، فلما كان بعد ذلك حول إلى الفضل بن يحيى البرمكي ، فحبس عنده أياما ، وكان الفضل بن الربيع يبعث إليه في كل ليلة مائدة ، ومنع أن يدخل إليه من عند غيره ، فكان لا يأكل ولا يفطر الا على المائدة التي يؤتى بها حتى مضى على تلك الحال ثلاثة أيام ولياليها ، فلما كانت الليلة الرابعة قدمت إليه مائدة للفضل بن يحيى ، قال : فرفع (ع) يده إلى السماء ، فقال : يا رب ، إنك تعلم أني لو أكلت قبل اليوم كنت قد أعنت على نفسي ، قال : فأكل فمرض ، فلما كان من غد بعث إليه بالطيب ليسأله عن العلة ، فقال له الطبيب : ما حالك ، فتغافل عنه ، فلما أكثر عليه أخرج إليه راحته فأراها الطبيب ، ثم قال : هذه علتي ، وكانت خضرة في وسط راحته ، تدل على أنه سم ، فاجتمع في ذلك الموضع ، قال : فانصرف الطبيب اليهم ، وقال : والله لهو أعلم بما فعلتم به منكم ، ثم توفي (ع).

 

- وقد بين المولى المازندراني في ( شرح أصول الكافي - الجزء : ( 6 ) - رقم الصفحة : ( 40 ) : ( والوقوع في الهلكة غير جائز إذا لم يكن بأمر الله تعالى ورضائه وإلا فهو جائز بل واجب ومثل هذا فعل الحسين (ع) وفعلنا في الجهاد مع الاثنين ).

 

وقتل الانسان نفسه باذن من الله سبحانه ليس حراما بل قد يكون واجبا ، والحسين (ع) في كربلاء كان يعلم باستشهاده وما زاده هذا العلم إلا رفعة وتسليما ورضا بقضاء الله وقدره ، ونرى كثير من المؤمنين يقومون بعملية استشهادية ويعرف أنه يموت بالعملية ولا يزيده ذلك إلا اصرارا من أجل نصرة دين الله عز وجل.

 

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المواضيع