العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المواضيع

 

( السجود على التربة )

 

الشبهة

 

- هل سجد الرسول (ص) على التربة الحسينية التي يسجد عليها الشيعة ، إن ، قالوا : نعم ، قلنا : هذا كذب ورب الكعبة ، وان قالوا : لم يسجد ، قلنا : إذا كان كذلك ، فهل أنتم أهدى من الرسول (ص) سبيلا ، مع العلم أن مروياتهم تذكر أن جبريل أتى إلى النبي (ص) بحفنة من تراب كربلاء.

 


 

الرد على الشبهة

 

أولا : ليس فقط مروياتنا تروي أن جبريل (ع) أتى بحفنه من تراب كربلاء ، بل حتى مرويات اخواننا أهل السنة وبأصح الأسانيد ، وقد صحح بعض أسانيدها كبار علماء السنة ، كالألباني في السلسلة الصحيحة والحاكم النيسابوري والذهبي والهيثمي.

 

ثانيا : السجود على تربة كربلاء ليس أمرا من الفروض الحتمية عند الشيعة الإمامية ، وليس واجبة شرعا أو دينا وليس له الزام من طرف المذهب وعندنا يجوز السجود على أي تربة ، إنما الواجب السجود على ما أوجبه الله عز وجل للسجود ، سواء كانت تربة كربلاء أو أي تربة خلافا لما يزعم الكاتب يريد أن يلبس على الناس بأن الشيعة لا يسجدون الا على تربة الحسين (ع).

 

ولا فرق بين تربة كربلاء وأي تربة أخرى في جواز السجود عليها ، والشيعة يسجدون على أي تراب ، ولم نرى أي فتوى من علماء المذهب وفقهائهم من القديم وصولا إلى المعاصرين بوجود السجود على تربة كربلاء فقط ، ولكن يشترط أن يكون التراب الذي نسجد عليه نظيفا طاهرا ، وإنما نرى من الاستحسان العقلي أن نصلى على تربة الحسين (ع) لأنه وردت فيه أمور دعتنا أن نفضل السجود على تربة كربلاء ، حيث أنه قدر وردت روايات صحيحة عند الفريقين عن رسول الله (ص) كان يقبل تربة كربلاء ويركز عليها وإن الوحي أتى بتربة كربلاء وأعطاها له وحفظها الرسول (ص) عند أم سلمة ، وما فائدة اتيان الملك المرسل من الله عز وجل بتربة كربلاء ، كان يستطيع أن يخبر الرسول (ص) عنها من غير أن يأتي بها ، وما فائدة تقبيل رسول الله (ص) لهذه التربة ، وما فائدة توصية رسول الله (ص) لأم سلمة : أن تحفظ هذا التراب.

 

ونحن نعرف أن تراب كربلاء عجن بدم الحسين (ع) ، وإن هذه التربة احتضنت هذا الجسد الطاهر الذي طهره الله عز وجل بالقرآن الكريم وأذهب عنه مطلق الرجس.

 

- أخرج الحاكم أيضا في المستدرك على الصحيحين بسنده ، عن أم سلمة (ر) : أن رسول الله (ص) اضطجع ذات ليلة للنوم فاستيقظ وهو حائر ، ثم اضطجع فرقد ، ثم استيقظ وهو حائر دون ما رأيت به المرة الأولى ، ثم اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يقبلها ، فقلت : ما هذه التربة يا رسول الله (ص) ، قال (ص) : أخبرني جبريل عليه الصلاة والسلام أن هذا يقتل بأرض العراق للحسين (ع) ، فقلت لجبريل : أرني تربة الأرض التي يقتل بها ، فهذه تربتها ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، وأقره الذهبي في التلخيص ، راجع : ( المستدرك علي الصحيحين ج4 ص 398 ط1 ، وج4 ص 440 ح 8202 من الطبعة الحديثة ).

 

- قال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : ( وعن أم سلمة ، قالت : كان رسول الله (ص) جالسا ذات يوم في بيتي ، قال : لا يدخل علي أحد ، فانتظرت ، فدخل الحسين (ع) ، فسمعت نشيج رسول الله (ص) يبكي ، فاطلعت فإذا حسين (ع) في حجره ، والنبي (ص) يمسح جبينه وهو يبكي ، فقلت : والله ما علمت حين دخل ، فقال (ص) : ان جبريل (ع) كان معنا في البيت ، قال : أتحبه ، قلت : أما في الدنيا فنعم ، قال : ان أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء ، فتناول جبريل من تربتها فأراها النبي (ص) فلما أحيط بحسين (ع) حين قتل ، قال : ما إسم هذه الأرض ، قالوا : كربلاء ، فقال : صدق الله ورسوله (ص) وبلاء ، وفي رواية : صدق رسول الله (ص) ، أرض كرب وبلاء ) ، قال الهيثمي : رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها ثقات ، راجع : ( مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ج9 ص 188 ، 189 ).

 

- قال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : ( وعن عائشة أو أم سلمة : أن النبي (ص) ، قال لأحدهما : لقد دخل علي البيت ملك ، فلم يدخل علي قبلها ، قال : ان ابنك هذا حسين (ع) مقتول ، وإن أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها ، قال : فأخرج تربة حمراء ) ، قال الهيثمي : رواه أحمد ، ورجاله رجال الصحيح ، راجع : ( مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ج9 ص 187 ).

 

- فقد أخرج عدة من الحفاظ منهم أحمد في مسنده وأبي يعلى ( قال محقق الكتاب حسين سليم أسد اسناده حسن ج1 ص298 ح363 ) ، في مسنده والبزار في مسنده وابن أبي شيبة في مصنفه والضحاك في الآحاد والمثاني وابن كثير في البداية والنهاية والهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، قال : ( عن نجي الحضرمي أنه سار مع علي (ع) وكان صاحب مطهرته فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى علي : اصبر أبا عبد الله اصبر أبا عبد الله بشط الفرات ، قلت : وما ذاك ، قال : دخلت على النبي (ص) ذات يوم وإذا عيناه تذرفان ، قلت : يا نبي الله أغضبك أحد ، ما شأن عينيك تفيضان ، قال : بل قام من عندي جبريل (ع) قبل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات ،  قال : فقال : هل لك أن أشمك من تربته ، قلت : نعم ، قال : فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عينيي أن فاضتنا ) ، راجع : ( رواه أحمد وأبي يعلى والبزار والطبراني ، ورجاله ثقات ولم ينفرد نجي بهذا / مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ج9ص300ح15112 ، مسند أحمد ج1ص85 ، مسند ابي يعلى ج1 ص298 ، مسند البزار المنشور باسم البحر الزخار ج3 ص101 ، مصنف ابن أبي شيبة ج7 ص478 ، الآحاد والمثاني ج1 ص308 ، البداية والنهاية ج8 ص199).

 

- وقد أخرج عدة من الحفاظ منهم أحمد في مسنده وأبو نعيم في الدلائل وابن حبان في صحيحه ، قال : ( أخبرنا : الحسن بن سفيان ، قال :

حدثنا : شيبان بن فروخ ، قال : حدثنا : عمارة بن زاذان ، قال : قال : حدثنا : ثابت ، عن أنس بن مالك ، قال : استأذن ملك القطر ربه أن يزور النبي (ص) فأذن له فكان في يوم أم سلمة ، فقال النبي (ص) : احفظي علينا الباب لا يدخل علينا أحد ، فبين هي على الباب إذ جاء الحسين بن علي فظفر فاقتحم ففتح الباب فدخل فجعل يتوثب على ظهر النبي (ص) وجعل النبي يتلثمه ويقبله ، فقال له الملك : أتحبه ، قال : نعم ، قال : أما أن أمتك ستقتله إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه ، قال : نعم فقبض قبضة من المكان الذي يقتل فيه فأراه اياه فجاءه بسهلة أو تراب أحمر فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها ، قال ثابت : كنا نقول إنها كربلاء ) ، قال شعيب الأرنؤوط : حديث حسن ، راجع : ( صحيح بن حبان ج15 ص142 ح6742 ).

 

فاننا نرى هناك خصوصية وتركيز من الوحي ومن رسول الله (ص) على ثورة الحسين (ع) ، وعلى تربة كربلاء ونحن يجب السجود على التربة الطاهرة ونرى إن من أطهر الترب تربة الامام الحسين (ع) ، وقد لامست يد النبي (ص) وفمه ويد الوحي المرسل من الله فما اعتراضه على تربة الحسين (ع) ، وهل نرى أفضل من تربة عجنت بدم الحسين (ع) واحتضنت جسده الطاهر ، إلا إذا في قلب الكاتب شيء من الحسين (ع) لأننا قرآنا من بعض علمائهم أن خروج الحسين (ع) على يزيد مفسدة ، بل ومنهم من يبرئ يزيد من قتل الحسين (ع) بل منهم من يترضى على يزيد.

 

ثالثا : هل رسول الله (ص) سجد على السجادة أو هل يجوز السجود على السجادة ، لماذا لا يقتدي الكاتب برسول الله (ص) ، ولا بأس أن نذكر بعض ما جاء عن الرسول (ص) فيما يصح السجود عليه ، وقد بين فقهائنا بما يجوز السجود عليه منهم :

 

- سالار الديلمي ، قال : ( لا صلاة الا على الأرض أو ما أنبتته ما لم يكن ثمرا أو كثرا أو كسوة فلهذا لا تجوز الصلاة على القطن والكتان ، وإنما يصلي على البواري والحصر ... وما يستحب السجود عليه ، وهو الألواح من التربة الحسينية المقدسة ... ) ، راجع : ( سلسلة الينابيع الفقهية ج3 368ص باب أحكام ما يصلى عليه كتاب الصلاة ).

 

- ابن حمزة ، قال : ( الأرض كلها مسجد يجوز السجود عليها وعلى كل ما ينبت منها مما لا يؤكل ولا يلبس بالعادة إلا الحصر المعمولة بالسيور الظاهرة ، إذا اجتمع فيه شرطان : الملك أو حكمه وكونه خاليا من النجاسة ، ويستحب السجود على الألواح من التربة - الحسينية - وخشب قبور الأئمة (ع) أن وجد ولم يتق ) ، راجع : ( الوسيلة لابن حمزة ص92 ).

 

- الفيض الكاشاني ، قال : ( ... وأهو للسجود بخضوع وخشوع ، متلقيا إلى الأرض بكفيك قبل ركبتيك ، وتجنح في سجودك بيديك ، باسطا كفيك ، مضمومتي الأصابع حيال منكبيك ووجهك ، غير واضع شيئا من جسدك على شيء منه ممكنا جبهتك من الأرض ، وأفضلها التربة الحسينية - على صاحبها أفضل التسليمات - جاعلا أنفك ثامن مساجدك السبعة مرغما به ناظرا إلى طرفه ) ، راجع : ( منهاج النجاة ص 68 مؤسسة البعثة ، قسم الدراسات الإسلامية - طهران 1407 ه‍ ط 1 ).

 

- أبو الصلاح الحلبي في الكافي ، قال : ( الشرط التاسع : لا يجوز السجود بشيء من الأعضاء السبع الا على محل طاهر ، وتختص صحة السجود بالجبهة على الأرض أو ما أنبتت مما لا يؤكل ولا يلبس ، فإن سجد ببعض الأعضاء على محل نجس وبالجبهة على ما ذكرناه كالصوف والشعر والحنطة والثمار لم تجزه الصلاة  ) ، راجع : ( الكافي للحلبي - أبو الصلاح الحلبي - ص 140 - 141 ).

 

- الشيخ الطوسي في الخلاف ، قال : مسألة 112 : ( لا يجوز السجود الا على الأرض أو ما أنبتته الأرض مما لا يؤكل ولا يلبس من قطن أو كتان مع الاختيار ، وخالف جميع الفقهاء ( فقهاء مدرسة اخواننا اهل السنة ) في ذلك ، وأجازوا السجود على القطن والكتان والشعر والصوف وغير ذلك ، دليلنا : اجماع الفرقة ، فانهم لا يختلفون في ذلك ، وأيضا طريقة الاحتياط فانه لا خلاف أنه إذا سجد على ما قلناه أن صلاته ماضية وذمته بريئة ، وليس على براءة ذمته دليل إذا سجد على ما قالوه ) ، راجع : ( الخلاف - الشيخ الطوسي - ج 1 - ص 357 ).

 

- القاضي ابن البراج في جواهر الفقه ، قال : ( الجواب : لا يجوز السجود الا على الأرض نفسها إذا كانت طاهرة ، أو على ما أنبتته إلا أن يكون مأكولا ، كالثمار ، أو يكون ملبوسا كالقطن والكتان وما اتخذ منهما ، ولا بأس بالسجود على القرطاس الخالي من الكتابة ، ويكره على المكتوب ، لشغل القلب بقرائته ) ، راجع : ( جواهر الفقه - القاضي ابن البراج - ص 255 ).

 

- الشريف المرتضى في الرسائل ، قال : ( يجوز السجود الا على الأرض بعينها إذا كانت طاهرة ، أو على ما أنبتته ، إلا أن يكون مأكولا كالثمار ، أو ملبوسا كالقطن والكتان ، ولا ما اتخذ منهما ، ولا بأس بالسجود على القرطاس الخالي من الكتابة ، ويكره على المكتوب فيه لشغل القلب بقراءته ) ، راجع : ( رسائل المرتضى - الشريف المرتضى - ج 1 - ص 275 - 276 ).

 

وقد اتفقت الشيعة الإمامية تبعا لأئمتهم (ع) الذين جعلهم الله عدل القرآن ، والذين بهم ضمان لعدم الظلال كما في حديث الثقلين في السجود ونذكر بعض ما روي عن أئمة أهل البيت (ع) : ( قوله : (ع) في صحيحة حماد بن عثمان ، السجود على ما أنبتت الأرض الا ما أكل ولبس ، وقوله : (ع) في رواية هشام بن الحكم حين سأله عما يجوز السجود عليه لا يجوز الا على الأرض أو على ما أنبتت الا ما أكل أو لبس ، وغيرها من الأخبار ، قال هشام : قلت له جعلت فداك ما العلة في ذلك ، قال : لأن السجود هو خضوع لله عز وجل فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون وما يلبسون والساجد في سجوده في عبادة الله عز وجل فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا التي اغتروا بغرورها ) ، راجع : ( روض الجنان (ط.ق) - الشهيد الثاني - ص 221 ).

 

- الحسن بن علي بن شعبة في ( تحف العقول ) عن الصادق (ع) - في حديث - قال : وكل شيء يكون غذاء الانسان في مطعمه أو مشربه أو ملبسة ، فلا تجوز الصلاة عليه ولا السجود الا ما كان من نبات الأرض من غير ، ثمر ، قبل أن يصير مغزولا ، فإذا صار غزلا فلا تجوز الصلاة عليه إلا في حال ضرورة ) ، راجع : ( وسائل الشيعة ( آل البيت ) - الحر العاملي - ج 5 - ص 346 ).

 

- عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي (ع) : أن رسول الله (ص) ، قال : إن الأرض بكم برة تتيممون منها ، وتصلون عليها في الحياة وهي لكم كفات في الممات ، وذلك من نعمة الله له الحمد ، فأفضل ما يسجد عليه المصلي الأرض النقية ، وروينا عن جعفر بن محمد (ع) أنه قال : ينبغي للمصلي أن يباشر بجبهته الأرض ويعفر وجهه في التراب ، لأنه من التذلل لله ) ، راجع : ( بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 82 - ص 156 ).

 

وبالمقام أن ما رواه السنة من مروياتهم وآراء علمائهم يوافق الشيعة بفعلهم في السجود ، ولا بأس أن نتطرق لمرويات اخواننا أهل السنة في كتبهم ليتجلى الأمر بشكل واضح :

 

1 - قال الحافظ أبو بكر بن أبي شيبة في ( المصنف -  ج1 ص353 ح462 ) : حدثنا حاتم ، عن هشام ، عن أبيه ، أنه كان يكره أن يسجد على شيء دون الأرض ).

 

سند الخبر المتقدم

رجال الاسناد هم :

 

1 - حاتم بن اسماعيل ، المدني ، أبو إسماعيل ، الحارثي ، قال فيه ابن سعد : وكان ثقة مأمونا ، كثير الحديث ، وقال النسائي : ليس به بأس ، وقال العجلي : ثقة ، ونقل عن النسائي أيضا أنه قال بشأنه : ليس بالقوي ، وقال أحمد : هو أحب الي من الدارودي وزعموا أن حاتما فيه غفلة إلا أن كتابه صالح ، راجع : ( تهذيب التهذيب ج2 ص111 رقم209 ) ، وقال ابن حجر العسقلاني : صحيح الكتاب ، صدوق ، يهم ، راجع : ( تقريب التهذيب ص144 رقم994 ).

 

أقول: لا كلام في لزوم الاعتماد عليه عندهم ، فقد احتج به البخاري ومسلم ، وأكثر مسلم الرواية عنه ، راجع : ( رجال صحيح البخاري للكلاباذي ج1 ص203 رقم264 ، رجال صحيح مسلم لابن منجويه ج1 ص174 رقم356 ).

 

2 - هشام بن عروة ابن الزبير ، الأسدي ، قال فيه ابن حجر العسقلاني : ثقة ، فقيه ، ربما دلس ، راجع : ( تقريب التهذيب ص573 رقم7302 ).

 

3 - عروة ابن الزبير ، وهو من كبار فقهاء التابعين المعتمدين عند السنة ، قال بشأنه ابن حجر العسقلاني : ثقة ، فقيه ، مشهور ، راجع : ( تقريب التهذيب ص389 رقم4561 ).

 

خبر آخر

 

2 - قال أبو عيسى الترمذي : حدثنا : نصر بن علي ، حدثنا : عيسى بن يونس ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، عن أبي سعيد ، أن النبي (ص) صلى على حصير ، قال الترمذي : والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم ، إلا أن قوما اختاروا الصلاة على الأرض استحبابا ، راجع : ( سنن الترمذي ج2 ص153 ح332 ).

 

3 - وفي المدونة الكبرى : ( وكان مالك يكره أن يسجد الرجل على الطنافس ) ، راجع : ( المدونة الكبرى ج1 ص75 ).

 

- وقال الحافظ أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف : حدثنا : هشيم ، قال : أخبرنا : ابن عون ، عن ابن سيرين ، قال : الصلاة على الطنفسة محدث ، راجع : ( المصنف لابن أبي شيبة ج1 ص352 ح4056 ) ، وهذا الخبر صحيح على شرط البخاري ومسلم بلا اشكال ، ولايضر كون هشيم من المدلسين لتصريحه بالسماع.

 

- وقال ابن أبي شيبة أيضا : حدثنا : عبدة ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، قال : الصلاة على الطنفسة محدث ، راجع : ( المصنف لابن أبي شيبة ج1 ص352 ح3057 ).

 

أقول : ذكر الطريحي في ( مجمع البحرين - الجزء : ( 3 ) - رقم الصفحة : ( 63 ) ، أن الطنفسة هي البساط الذي له خمل رقيق وهي ماتجعل تحت الرحل على كتفي البعير ، وقيل : مايجعل تحت الرحل يعني النمرقة.

 

وقد ذهب سعيد بن المسيب وهو أحد كبار التابعين حتى قال بشأنه علي بن المديني : لا أعلم في التابعين أوسع علما منه ، راجع : ( تقريب التهذيب ص241 رقم2396 ).

 

وكذا ذهب ابن سيرين وهو من كبار فقهاء التابعين أيضا إلى أن السجود على الطنافس من البدع والأمور المحدثة ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة كما في الخبر المتسالم عليه ، وإنما يكون من المحدثات إذا لم تتوفر فيه الضابطة التى تصحح السجود عليه كما لايخفى ، فمقتضى ما ذهبا إليه أن ضابطة جواز السجود غير متوفرة في الطنافس في نظهرهما ، وذهب مالك إلى كراهة السجود على الطنافس.

 

خبر آخر

 

4 - وقال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور وحصين ، قال سفيان : أو أحدهما عن أبي حازم الأشجعي ، عن مولاته عزة ، قالت : سمعت أبا بكر ينهى عن الصلاة على البراذع ، راجع : ( المصنف لابن أبي شيبة ج1 ص353 ح4059 ) ، وهذا الحديث صحيح على شرط البخاري ومسلم ، بل من أفضل الأسانيد التى لاخلاف في وثاقة أحد من رواتها بوجه من الوجوه عند السنة ، قال الجوهري في الصحاح : البرذعة : الحلس الذي يلقى تحت الرحل ، أقول : والنهي ظاهر في الحرمة كما تقرر في أبحاث علم الأصول.

 

خبر آخر

 

5 - قال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا : وكيع ، قال ، حدثنا : سفيان ، عن عبد الكريم ، عن أبي عبيدة ، قال : كان عبد الله يصلي ولايسجد الا على الأرض وما أنبتت ، راجع : ( المصنف لابن أبي شيبة ج1 ص353 ح ) ، أقول : وعبد الكريم هنا هو الجزري ، وليس ابن أبي المخارق الضعيف ، ويدل عليه مارواه الطبراني فيما سيأتي إن شاء الله تعالى.

 

6 - وقال ابن أبي شيبة أيضا : حدثنا : وكيع ، عن معقل بن عبيدالله ، عن عبد الكريم الجزري ، عن مجاهد ، قال : لا بأس بالصلاة على الأرض وما أنبتت ، راجع : ( المصنف لابن أبي شيبة ج1 ص353 ح4060 ) ، واسناد الخبر صحيح على شرط مسلم.

 

7 - قال الحافظ أبوالقاسم الطبراني : حدثنا إسحاق بن ابراهيم ، عن عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن عبد الكريم الجزري ، عن أبي عبيدة ، قال : كان ابن مسعود لايصلي ، أو قال ولايسجد الا على الأرض ، راجع : ( المعجم الكبير للطبراني ج9 ص255 ح9263 ).

 

أقول : وهذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم ، وقد وقع الكلام في سماع أبي عبيدة من عبد الله بن مسعود ، عن أبيه ، إلا أن الدارقطني ، قال : أبو عبيدة أعلم بحديث أبيه من حنيف بن مالك ونظرائه ، راجع : ( تهذيب التهذيب ج5 ص66 رقم 121 ) ، ثم إنه هنا لم ينقل سماعه من أبيه ، بل نقل فعله ، ومثل هذا الشيء إذا كانت في سيرة أحد فهي من الأمور الظاهرة التي لاتكاد تخفى.

 

8 - وروى الطبراني عن الثوري بالاسناد المتقدم ، قال : قال الثوري ، وأخبرني : محمد بن ابراهيم أنه كان يقوم عن البردي ويسجد على الأرض ، فقلنا : ما البردي ، قال : الحصير ، راجع : ( المعجم الكبير للطبراني ج9 ص255 ح9264 ) ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : واسناده حسن ، راجع : ( مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ج2 ص57. ).

 

أقول : بل السند عندهم في أعلى مراتب الصحة ، وهو على شرط البخاري ومسلم وغيرهما ، ومحمد هو ابن المنكدر روى عنه الثوري في مواضع كثيرة ، وهو عندهم من كبار الثقات والأئمة المعروفين ، وأما ابراهيم فهو ابن يزيد النخعي أحد كبار الفقهاء المعتمدين عند السنة في القرن الأول الهجري ، قال بشأنه الذهبي : الامام ، الحافظ ، فقيه العراق ، راجع : ( سير أعلام النبلاء ج4 ص520 رقم213 ) ، وقال أيضا : وكان مفتي أهل الكوفة هو والشعبي في زمانهما ، وكان رجلا صالحا ، فقيها ، متوقيا ، قليل التكلف ، وهو مختف عن الحجاج ، راجع : ( سير أعلام النبلاء ج4 ص521 ).

 

9 - قال المباركفوري في تحفة الأحوذي : وقد روي عن زيد بن ثابت وأبي ذر وجابر ابن عبد الله الأنصاري وعبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب ومحكول وغيرهما من التابعين استحباب الصلاة على الحصير ، وصرح ابن المسيب بأنها سنة ، وممن اختار مباشرة الأرض من غير وقاية عبد الله بن مسعود ، فروى الطبراني عنه أنه كان لايصلي ولايسجد الا على الأرض ، وعن إبراهيم النخعي أنه كان يصلي على الحصير ويسجد على الأرض ، راجع : ( تحفة الأحوذي ج2 ص249 شرح حديث 331 ).

 

10 - وقال سحنون المالكي في المدونة الكبرى فيما رواه ، عن ابن القاسم العتيقي ، عن مالك : ( وقال مالك فيمن سجد على كور العمامة ، قال : أحب الي أن يرفعـها عن بعض جبهته حتى يمس بعض جبهته الأرض ).

 

قلت : ( القائل هو عبد الرحمن بن القاسم ) : فإن سجد على كور العمامة ، قال : أكرهه ، فإن فعل ذلك فلا اعادة عليه ، قال مالك : ولا يعجبني أن يحمل الرجل الحصباء والتراب من موضع الظل إلى موضع الشمس فيسجد عليه ، قال : وكان مالك يكره أن يسجد الرجل على الطنافس وبسط الشعر : ( وهو البساط المتخذ من صوف الحيوانات ) والثياب ، والأدم : ( وهو المتخذ من البعير الأبيض ) ، وكان يقول : لا بأس أن يقوم عليها ويركع عليها أو يقعد عليها ولايسجد عليها ولايضع كفيه عليها ، وكان لايرى بأسا بالحصباء وما أشبهه مما تنبت الأرض أن يسجد عليها ، وأن يضع كفيه عليها ، راجع : ( المدونة الكبرى ج1 ص74 ).

 

- وقال أيضا : وقال مالك : لايسجد على الثوب إلا من حر أو برد كتانا كان أو قطنا.

 

- قال ابن القاسم : قال مالك : وبلغني أن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر كانا يسجدان على الثوب من الحر والبرد ويضعان أيديهما عليه.

 

قلت : ( القائل هو سحنون التنوخي ) لابن القاسم : فهل يسجد على اللبد والبسط من الحر والبرد، قال : ما سألنا مالكا عن هذا ، ولكن مالكا كره الثياب وان كانت من قطن أو كتان فهي عندي بمنزلة البسط واللبود ، فقد وسع مالك : أن يسجد على الثوب من حر أو برد.

 

قلت : أفترى أن يكون اللبد بتلك المنزلة ، قال : نعم.

 

- قال : وقال مالك في الحصير يكون في ناحية منها قذر ويصلي الرجل على الناحية الأخرى ، قال : لا بأس بذلك ، قال : وقال مالك : لا بأس أن يقوم الرجل في الصلاة على أحلاس الدواب التي قد حلست به اللبود التي تكون في السروج ويركع عليها ويسجد على الأرض ، ويقوم على الثياب والبسط وما أشبه ذلك ، والمصليات وغير ذلك ، ويسجد على الخمرة والحصير وما أشبه ذلك ويضع يديه على الذي يضع عليه جبهته ، راجع : ( المدونة الكبرة ج1 ص75 ).

 

11 - قال ابن قدامه : وقد روى الأثرم ، قال : سألت أبا عبد الله ( يقصد به أحمد بن حنبل ) عن السجود على كور العمامة ، فقال : لايسجد على كورها ، ولكن يحسر العمامة ، قال ابن قدامه : وهذا يحتمل المنع ، وهو مذهب الشافعي ، ( المغني لابن قدامه ج1 ص557 ).

 

12 - قال الحافظ أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا : الثقفي ، عن أيوب ، عن محمد ، قال : السجود على الوسادة محدث ، راجع : ( المصنف لابن أبي شيبة ج1 ص244 ح808 ) ، وهذا اسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم ، وبقية أصحاب السنن عن ابن سيرين.

 

13 - وقد وردت أقوال كثيرة عن جملة من الصحابة والتابعين في النهي عن السجود على كور العمامة ، نذكر طرفا منها ، فمنها ما أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة حيث قال : حدثنا : وكيع ، عن سكن بن أبي كريمة ، عن محمد بن عبادة ، عن محمود بن ربيع ، عن عبادة بن الصامت أنه كان إذا قام إلى الصلاة حسر العمامة عن جبهته ، راجع : ( المصنف لابن أبي شيبة ج1 ص240 ح2755 ).

 

- وقال أيضا : عن إسرائيل ، عن عبد الأعلى الثعلبي ، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى ، عن علي (ع) ، قال : إذا صلى أحدكم فليسحسر العمامة عن جبهته ، راجع : ( المصنف لابن أبي شيبة ج1 ص240 ح2756 ).

 

- وقال أيضا : حدثنا : إسماعيل بن علية ، عن أيوب ، عن نافع ، قال : كان ابن عمر لايسجد على كور العمامة ، راجع : ( المصنف لابن أبي شيبة ج1 ص240 ح2757 ).

 

- وقال أيضا : حدثنا : ابن علية ، عن أيوب ، عن محمد ( هو ابن سيرين الفقيه المعروف ) قال : أصابتني شجة فعصبت عليها عصابة ، فسألت أبا عبيدة : أسجد عليها ، قال : لا ، راجع : ( المصنف لابن أبي شيبة ج1 ص 240 ح2758 ).

 

- وقال أيضا : حدثنا : وكيع ، عن يزيد بن ابراهيم ، عن ابن سيرين أنه كره السجود على كور العمامة ، راجع : ( المصنف لابن أبي شيبة ج1 ص240 ح2763 ).

 

- وقال أيضا : حدثنا : ابن مهدي ، عن حماد بن سلمة ، عن هشام ، عن أبيه ( وهو عروة ابن الزبير ) في المعتم، قال : يمكن جبهته من الأرض ، راجع : ( المصنف لابن أبي شيبة ج1 ص240 ح2764 ).

 

- وقال أيضا : حدثنا : ابن فضيل ، عن حصين ، عن هلال بن يساف ، عن جعدة بن هبيرة ، أنه رأى رجلا يسجد وعليه مغفـرة وعمامة قد غطى بها وجهه ، فأخذ بمغفرته وعمامته فألقاهما من خلفه ، راجع : ( المصنف لابن أبي شيبة ج1 ص240 ح2766 ).

 

- وقد وردت روايات في السجود على اللوح فوق الوسادة وهي روايات مهمة ، منها ما أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة حيث قال : حدثنا : مروان بن معاوية ، عن إسماعيل بن سميع ، عن مالك بن عمير ، قال : حدثني من رأى حذيفة مرض ، فكان يصلي وقد جعل له وسادة وجعل له لوح يسجد عليه ، راجع : ( المصنف لابن أبي شيبة ج1 ص246 ح2833 ).

 

- وقال أيضا : حدثنا : ابن عيينة ، عن رزين مولى آل عباس ، قال : أرسل الي علي بن عبد الله بن عباس : أن أرسل الي بلوح من المروة أسجد عليه ، راجع : ( المصنف لابن أبي شيبة ج1 ص246 ح2834 ).

 

- وقال البيهقي : أخبرنا : أبو عبد الله ، أنبأنا : أبو بكر ، أنبأنا : عبد الله بن محمد ، حدثنا : هناد ، حدثنا : عبدة ، عن عبيدالله بن عمر ، عن نافع ، أن ابن عمر كان إذا سجد وعليه العمامة يرفعها حتى يضع جبهته بالأرض ، راجع : ( السنن الكبرى للبيهقي ج2 ص105 ).

 

فصل

 

- في تلخيص مذاهب الفقهاء في المسألة ، ومما يناسب المقام بالاشارة إليه بيان اختلاف الفقهاء في جواز السجود على الكم واليد وكور العمامة ونحو ذلك ، فقد أجمع الامامية كما تقدم على عدم جواز ذلك حال الاختيار ، وأما سائر المذاهب :

 

- فقال النووي في المجموع : ( فرع في مذاهب العلماء في السجود على كمه وذيله ويده وكور عمامته وغير ذلك مما هو متصل به، قد ذكرنا أن مذهبنا ( وهو مذهب الشافعية ) ، أنه لا يصح السجود على شيء من ذلك ، وبه ، قال داود ( هو ابن علي الأصبهاني، مؤسس المذهب الظاهري ) في رواية ، وقال مالك والأوزاعي وإسحاق وأحمد في الرواية الأخرى : يصح ) ، راجع : ( المجموع في شرح المهذب ج3 ص325 ).

 

- وقال أيضا : ( إذا سجد على كور عمامته أو كمه ونحوهما ، فقد ذكرنا أن سجوده باطل ، فإن تعمده مع علمه بتحريمه بطلت صلاته ، وإن كان ساهيا لم تبطل ، لكن يجب اعادة السجود ، هكذا صرح به أصحابنا منهم أبو محمد في التبصرة ) ، راجع : ( المجموع ج3 ص424 ) ، ولا بأس ننقل بعض مرويات اخواننا من أهل السنة في مسألة عدم جواز السجود على الملبوس والمأكول :

 

1 - ما أخرجه عدة من الحفاظ منهم أحمد بن حنبل والنسائي والبيهقي ، قال أحمد بن حنبل : حدثنا : محمد بن بشر ، حدثنا : سعيد ، عن جابر ابن عبد الله ، قال : كنا نصلي مع رسول الله (ص) صلاة الظهر وآخذ بيدي قبضة من حصى فأجعلها في يدي الأخرى حتى تبرد ، ثم أسجد عليها من شدة الحر ، قال عبد الله بن أحمد : وكان في كتاب أبي : سعيد عن أبي سعيد الخدري ، فضرب عليه ، لأنه خطأ ، وإنما هو سعيد بن الحارث ، أخطأ بن بشر ، راجع : ( مسند أحمد ج1 ص77 ح14513 ).

 

- وقال أحمد بن حنبل أيضا : حدثنا خلف بن الوليد ، حدثنا عباد بن عباد ، عن محمد بن عمرو ، عن سعيد بن الحارث الأنصاري ، عن جابر ابن عبد الله ، قال : كنت أصلي مع رسول الله (ص) الظهر فآخذ قبضة من حصى في كفي لتبرد حتى أسجد عليه من شدة الحر ، راجع : ( مسند أحمد ج1 ص77 ح14514 ).

 

- وقال النسائي : أخبرنا : قتيبه ، قال : حدثنا : عباد ، عن محمد بن عمرو ، عن سعيد بن الحارث ، عن جابر ابن عبد الله ، قال : كنا نصلي مع رسول الله (ص) فآخذ قبضة من حصى في كفي أبرده ، ثم أحوله في كفي الآخر ، فإذا سجدت وضعته لجبهتي ، راجع : ( سنن النسائي ج2 ص204 ).

 

- والخبر أورده البيهقي في سننه ، ثم قال : ولو جاز السجود على ثوب متصل به لكان ذلك أسهل من تبريد الحصى في الكف ووضعها للسجود عليها ، وبالله التوفيق ، راجع : ( السنن الكبرى للبيهقي ج2 ص105 ).

 

أقول : هذا الحديث صحيح الاسناد على شرط البخاري ومسلم وبقية أصحاب السنن ، وتقريب الاستدلال به : هو إن جابر ابن عبد الله الأنصاري (ر) عليه يحكي عن صلاته مع رسول الله (ص) كيف كانت ، فذكر أنه كان يبرد الحصى فيأخذ قبضة في كفه ، ثم يحولها إلى كفه الأخرى لتبرد حتى يسجد عليها ، وذلك بسبب شدة الحر ، ولو كان من الجائز أن يسجد على الثياب والبساط ونحوهما لما كان من حاجة إلى ذلك ، ولصلى جابر ابن عبد الله الأنصاري (ر) على شيء من تلك الأمور لكون أسهل منه ، بل لو كان يجوز السجود على تلك الأمور لما كان هناك أي دافع عقلائي لتبريد الحصى وتحمل العناء لأجله.

 

فتبريد الحصى يدل على عدم جواز السجود على اللباس ونحوه مما كان السجود عليه أسهل ، وقد استدل به البيهقي انتصارا لمذهبه على عدم جواز السجود على الثوب المتصل به ، وإن كان الأولى أن يستدل به على عدم جواز السجود على الثوب مطلقا وكذا الفرش ونحوهما مما كان متوفرا في تلك الأزمنة ، وليس من المعلوم أن جابر ابن عبد الله الأنصاري كان يرتدي ثوبا واسعا بحيث يتمكن من السجود عليه حال لبسه حتى يتم استدلال البيهقي بالخبر المتقدم.

 

2 - ومما يمكن أن يستدل به على ماذكرنا مارواه جملة من الحفاظ منهم مسلم في صحيحه وأحمد بن حنبل والنسائي والحميدي والصنعاني والطبراني وغيرهم ، قال مسلم في صحيحه : وحدثنا : أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا : أبو الأحوص سلام بن سليم ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن وهب ، عن خباب ، قال : شكونا إلى رسول الله (ص) الصلاة في الرمضاء فلم يشكنا ، ورواه من طريق آخر في صحيحه أيضا ، راجع : ( صحيح مسلم بشرح النووي ج5 ص121 ).

 

3 - وهو الخبر المتواتر عن النبي (ص) ، قال : ( جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ) ، وهذا الخبر رواه عدد كبير من الحفاظ منهم البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه وأبو داود والترمذي وأحمد بن حنبل والدارمي والحاكم وابن حزم والبيهقي والبزار وأبو داود الطيالسي وأبو بكر بن أبي شيبة وابن عدي وابن حبان وعبد بن حميد وغيرهم ، راجع : ( فتح الباري ج1 ص574 ح335 وص701 ح438، صحيح مسلم بشرح النووي ج5 ص4، 5، 6، المنتخب من مسند عبد بن حميد ص349 ح1154، سنن ابن ماجه ج1 ص188 ح567، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ج1 ص72، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال ج11 ص142 ح31932، مسند أحمد ج1 ص539 ح2256، ص645 ح2742، ج5 ص31 ح14268، ج7 ص173 ح19756، ج8 ص72 ح21372، ص99 ح21491، المحلى لابن حزم ج1 ص347 مسألة 227، ج2 ص342 مسألة 392، السنن الكبرى للبيهقي ج2 ص433، 434، ج1 ص212، 213، 222، مسند أبي داود الطيالسي ص64 ح472، ) ، وغير ذلك من المصادر التي هي في غاية الكثرة.

 

وقد روى هذا الخبر عدة من الصحابة منهم أبو ذر الغفاري وحذيفة بن اليمان وجابر ابن عبد الله الأنصاري وعبد الله بن عباس وأبو موسى الأشعري وأبو هريرة وغيرهم ، وهذا الحديث يدل على كون الأرض موضعا للسجود ، ولا يدل على نفي ما عدا الأرض ، الا أنه بضمية عدة من القرائن يدل على عدم جواز السجود الا على الأرض وما أنبتت ما عدا المأكول والملبوس.

 

وهذه القرائن عبارة عن شهادة عدة من التابعين ممن لقي الجيل المعاصر لرسول الله (ص) بأن السجود على عدة أمور مما عدا الأرض وما أنبتت من البدع المحدثة التي لم تكن في عهد النبوة ، فقد ذهب محمد بن سيرين وسعيد المسيب إلى أن السجود على الطنافس من الأمور المحدثة ، وذهب مالك إلى كراهة ذلك ، وذهب محمد بن سيرين إلى أن السجود على الوسادة من الأمور المحدثة المبتدعة ، وإنما ذهب لذلك لعدم توفر ملاك صحة السجود على الطنافس والوسادة ، والا لم يكن من البدع ، مضافا لقرائن أخرى منها ماذهب له أبو بكر من حرمة السجود على البراذع بمقتضى ظاهر النهي كما تقدم ، وما كان يصنعه إبراهيم النخعي ومن كبار فقهاء السنة من التابعين من الصلاة على الحصير ، ولكنه مع ذلك لم يكن يسجد على الحصير بل على الأرض ، وما صنعه حذيفة بن اليمان أثناء مرضه من وضع الخشب على الوسادة والسجود عليه ، وما ذهب له أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود إلى عدم جواز السجود على العصابة إلى غير ذلك من الشواهد المتقدمة حسب التتبع اليسير للمصادر.

 

وهذه القرائن والروايات قرائن قطعية يعضد بعضها بعضا تدل على ما بينه أهل بيت الوحي صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وهو مذهب الشيعة الإمامية من عدم جواز السجود على غير الأرض وما أنبتت ، ووافقهم في الجملة جماعة من فقهاء السنة كما اتضح مما تقدم ، وعلى الأقل وافقهم جماعة على استحباب السجود على الأرض والسجود على الحصير وكراهة السجود على الطنافس أو ما كان متخذا من الحيوان مطلقا وحرمة السجود على كور العمامة إلى غير ذلك مما تقدم بيانه.

 

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المواضيع