>: حوار هادئ بين موالي ومخالف
بسم الله الرحمن الرحيم
- الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين المنتجبين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، بعد أن انتهيت من العدد المتكلم عن مبدأ التشيع وبينت بأن خط التشيع هو خط أهل البيت وهو الخط الإسلامي الصحيح ، وقلت بأن ما عند الشيعة هو الأمر الذي عبدنا به الشارع المقدس بالأدلة الشرعية ، وعلى هذا فلابد وأن أبين المسائل الخلافية بيننا وبين غيرنا من المذاهب ، ومن هذه المسائل مسألة أصولية الإمامة وما هو الدليل عليها.
المخالف : هل الإمامة من أصول الدين ؟.
الموالي : أقول ، نعم هي من الأصول ، ولكن هل هي من أصول الدين أو أصول المذهب.
المخالف : لماذا هذا التفريق بين أصول الدين وأصول المذهب ؟.
الموالي : هذا التفريق وضعه علماء المذهب لأجل الآخرين فإن الأكثر ربما لم يصله الدليل أو أنه وصله ولم يقتنع به ، فلا نريد أن نحمله تبعات ترك الاعتقاد بالإمامة ، للوازم الخطرة المترتبة على هذه المسألة ، ومن هنا قلنا : إنها من أصول المذهب فنحن قد وصلنا الدليل وهو واضح لنا كل الوضوح.
المخالف : وما هي تلك الأدلة ؟.
الموالي : أقول : إن الإمامة من الأصول كما إن النبوة من الأصول فكذلك الإمامة ، لأن الغرض الذي من أجله أرسلت الرسل والأنبياء حسب قاعدة اللطف ، وهى أن الله عز وجل خلق الخلائق من أجل هدف وهو الوصول للكمالات والابتعاد عن الانحراف ، وبما أن مرحلة وجود الأنبياء متقطعة وغير مستمرة والمدة بين كل نبي وآخر فترة طويلة ، وإذا علمنا بأن النبي محمد بن عبد الله (ص) هو خاتم الأنبياء والرسل فلابد في هذه الفترة من اتمام الغرض وهو الوصول إلى الكمالات والابتعاد عن الانحراف وهذا الغرض لا يحصل الا بقيادة مختارة من الله سبحانه وتعالى وعارفة بما يريد الله ، ومعصومة من الزلل.
المخالف : سؤال آخر : لماذا هذه الشروط الثلاثة ( الاختيار من الله وكونه معصوما وعارفا بالأحكام ) ؟.
الموالي : أقول لو رجعنا إلى الأعراف البشرية فاننا نجد أن كل حاكم لأي قطر ودولة على وجه الأرض فانه من أجل تنظيم دولته ، حكومة وشعبا فانه يسن ويشرع مجموعة من القوانين والتشريعات ملزمة ينبغي على أتباعه اتباع تلك التشريعات ، وبما أن الشعب لا يمكنه أن يتصل بالحاكم ليتعرف على هذه القوانين والتشريعات فإن الحاكم في هذه الحالة يختار من شعبه الشخص الجدير الفاهم لتوصيل هذه التشريعات للشعب ، ولا يوكل الأمر لأي واحد من أبناء الشعب.
المخالف : عرفنا لماذا الاختيار ، ولكن لماذا العصمة والمعرفة ؟.
الموالي : أقول عرفنا الهدف فلو فرضنا أن هذا الشخص المعين جاهل أو حتى عارف ولكن معرفة اجتهاده جزئية ، فعلى هذا فسوف يعطي العباد مجموعة من الأحكام الخاطئة غير الصحيحة ، فبدلا من أن يوصلهم بالله فسوف يبعدهم عن المطالب الإلهية ، فينتفي الغرض الذي من أجله يتم ارسال الرسل ، وكذلك القول في العصمة فإذا فرضنا أنه غير معصوم فاحتمال اتباعه للشيطان والهوى أمر واقع ، فلو حصل شيء من هذا فهل يجب على العباد أتباعه أو مخالفته ، فاتباعه في مثل هذا لا يجوز من باب لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ومخالفته يولد انشقاق في الأمة فماذا نفعل ، وعليه قلنا بالعصمة دفعا لهذه الأمور.
المخالف : هنا سؤال : وهو في هذا الزمان الذي تقولوا بأن الامام المعين هو المهدي ولكنه غير موجود ولا يمكنه أن يوصل الأحكام إلى الأمة فماذا تقولون في الجواب ؟.
الموالي : أقول : إنه عندما نصل إلى الامام الثاني عشر سوف نبين ذلك ، ولكن وباختصار أقول بأن الانتفاع من الامام لم يعدم نهائيا ، فنحن نعتقد بوجوده ومشاركته للأمة ولكن لا نعرفه بشخصه فهو له وجود وحضور بين الأمة نعم حرمنا من فوائده المطلقة ، وهذا من باب العقاب لنا من قبل السماء لأننا نحن الذين تسببنا في هذه الغيبة وهذا الأمر قد حصل في الأمم السابقة حيث غاب عنهم أنبياءهم في بعض الفترات عقوبة لهم.
المخالف : لماذا أنتم دون غيركم من المذاهب تقولون بأصولية الإمامة ؟.
الموالي : أقول نعم نحن تميزنا عن غيرنا بهذا القول لأجل الدليل الذي مر عليك عقلا وبقى أن نثبته كتابا وسنة ولكن لو تركنا القول الذي تميزنا به عن غيرنا ورجعنا إلى مجال العمل والتطبيق فاننا سوف نجد كل المذاهب تتعامل مع الإمامة معاملة خاصة غير تلك المعاملة المختصة بالفروع ، فعلى سبيل المثال لو صار اختلاف في ثبوت الهلال وعدمه ووجوب الجهاد وعدمه وحكم من يترك بعض الفروع فانهم يرجعون هذا الاختلاف إلى الاجتهاد ، وأن الاختلاف حق مشروع إذا كان مرجعه إلى الاجتهاد ، ولكن هلم بنا لنقرأ كلامهم في الخروج على الحاكم أو عدم طاعته لترى كيف يتعاملون مع الإمامة ، فانهم يقولون بوجوب طاعة الحاكم أو الخليفة طاعة مطلقة ولا يجوز مخالفته والرد عليه والخروج عنه والخارج عليه يجوز قتله إذا لم يرجع.
- فمثلا نقرأ قول الشيخ سعد الدين : ( في شرح العقائد النسفية : ص 180 و 181 ) ، يقول : وقد ظهر الفسق واشتهر الجور في الأئمة والأمراء بعد الخلفاء الراشدين ، والسلف كانوا ينقادون لهم ويقيمون الجمع والأعياد باذنهم ولا يرون الخروج عليهم.
- ويقول الماوردي : ففرض علينا طاعة أولى الأمر فينا وهم الأئمة المتآمرون علينا ( الأحكام السلطانية 5 ).
- ويقول ابن خلدون : ويجب على الخلق جميعا طاعته لقوله تعالى : { أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ ( النساء : 59 ) } تاريخ ابن خلدون في المقدمة ج1 ص 342 ).
- ويقول أحمد بن حنبل : السمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين ، البر والفاجر ومن ولى الخلافة فأجمع الناس ورضوا به ومن غلبهم بالسيف ، وسمى أمير المؤمنين ، والغزو ماضي مع الأمراء إلى يوم القيامة ، البر والفاجر ، واقامة الحدود إلى الأئمة ، وليس لأحد أن يطعن عليهم وينازعهم .... إلخ ( تاريخ المذاهب الإسلامية : لأبي زهره ج2 ص 322 ).
- ويقول أيضا : ومن خرج على امام من أئمة المسلمين ، وقد كان الناس قد اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه من الوجوه ، كان بالرضاء أو الغلبة فقد شق الخارج عصا المسلمين وخالف الآثار عن رسول الله (ص) فإن مات الخارج عليه ، مات ميتة جاهلية ، ( تاريخ المذاهب الإسلامية لأبي زهرة ج2 ص 321 ) ، فلماذا لم يعامل معاملة المجتهد ، ونقول : بأنه مأجور بدلا أن نحكم عليه بالقتل وميتته ميتة جاهلية إلا أن تكون الإمامة تختلف عن الفروع وإنها ليست بفرع.
- ولقد ، قال : الامام الأشعري : من جمله ما عليه أهل الحديث والسنة : ويرون العيد والجمعة والجماعة خلف كل امام بر وفاجر ، إلى أن قال : ويرون الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح ، ولا يخرجوا عليهم بالسيف ، وأن لا يقاتلوا في الفتن ( مقالات الإسلاميين ص 323 ).
- وكذلك ، قال الامام أبو اليسر محمد بن عبدالكريم البزودي الامام : إذا جار أو فسق لا ينعزل عند أصحاب أبي حنيفة بأجمعهم وهو المذهب المرضي ، ( أصول الدين للامام البزودي ط القاهرة ص 190-192 ).
- وقال : الامام أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني : وأصحاب الحديث لا ينخلع بهذه الأمور ولا يجب الخروج عليه بل يجب وعظه وتخويفه وترك طاعته في شيء ، مما يدعوا إليه من معاصي الله إذ احتجوا في ذلك بأخبار كثيرة متضافرة عن النبي (ص) وعن أصحابه في وجوب طاعة الأئمة وإن جاروا واستأثروا بالأموال ( التمهيد للباقلاني ط القاهرة ص 186 ).
- وقال الشيخ نجم الدين أبي حفص عمر بن محمد النسفي في العقائد النسفية : ولا ينزل الامام بالفسق والجور ويجوز الصلاة خلف كل بر وفاجر ، وعلله الشارح التفتازاني بقوله : لأنه قد ظهر الفسق واشتهر الجور من الأئمة والأمراء بعد الخلفاء الراشدين ، والسلف كانوا ينقادون لهم ويقيمون الجمع والأعياد باذنهم ولا يرون الخروج عليهم ، ( شرح العقائد النسفية ).
فمن أرد أن يتتبع كلمات الاعلام عند غيرنا يجد أن المسألة واضحة وانهم يتعاملون مع الإمامة على أنها أمر غير شخصي اجتهادي ، وإنما هو أمر كلي الهي لا يجوز الاجتهاد الانفرادي فيه ومن فعل فلا يعذر وإنما يستتاب ، وإن رفض يقتل ويعتبرون ميتته ميتة جاهلية لأنه مات بغير امام ، فتبين أن هذا القول ليس بقولنا فقط وسوف يتبين لك في المستقبل أكثر وأكثر حيث صرحوا بأن مسألة الإمامة مسألة الهية التعيين وهو المصرح به عند الشيعة.
المخالف : ما هو دليلكم من الكتاب إن كان هناك دليل ؟.
الموالي : أقول لدينا أدله متعددة وللاختصار نأخذ بعضا منها :
الآية الأولى : قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ( البقرة : 30 ) } والمستفاد من هذه مجموعة أمور هي :
الأمر الأول : أن الجعل من الله ومن مختصاته سبحانه وتعالى ومن شؤونه ، حيث قال : سبحانه وتعالى : ( إِنِّي جَاعِلٌ ) ( البقرة : 30 ) فنسب الجعل إليه سبحانه وتعالى وذلك لعلمه بالمصالح والمفاسد التي لا يدركها المخلوق وليس الانسان ، ومن هنا نجد الرد منه سبحانه وتعالى على الملائكة إني أعلم ما لا تعلمون ، وعليه فأي اختيار من غير الله ومن دون الله يعتبر اختيار غير صحيح لعدم ادراك المخلوقين لخفايا الأمور.
الأمر الثاني : أن الجعل هذا مستمر على طول المسيرة ، وفي كل الأزمنة من آدم إلى يوم القيامة أستفيد هذا القول عقلا ولغة.
- أما من ناحية العقل فغرض المولى من جعل آدم على نبينا (ص) لم يكن غرض محدود بفترة زمنية محددة وإنما غرضه سبحانه وتعالى : أن يجعل في الأرض خليفة ، ولا تخلوا الأرض من خليفة له طوال الفترة الزمنية الممتدة من آدم إلى يوم القيامة ، وآدم هو فرد من هذه الخلافة الطويلة ، فلو قلنا أنه مخصوصة بآدم الذي تواجد في فترة قصيرة وقصيرة جدا من عمر الانسانية فانه لا يتحقق الهدف المراد ، ولأجل تحقق الهدف فلابد من القول باستمرار تواجد الخليفة المجعول والمعين من قبل المولى سبحانه وتعالى.
- وأما لغويا فلقد ذكر السيد الأستاذ الحيدري في كتابه ( مدخل إلى الامامه ص 24 ) حيث قال ما نصه : أن هذا الخليفة أرضي ، وهو موجود في كل زمان ، والدال على ذلك قوله : { جَاعِلٌ ( البقرة : 30 ) } لأن الجملة الاسمية ، وكون الخبر على صيغة ( فاعل ) التي بمنزلة الفعل المضارع ، تفيد الدوام والاستمرار ، مضافا إلى أن الجعل في اللغة ، كما يقول الراغب في المفردات ، له استعمالات متعددة ومنها تصيير الشيء على حالة دون حالة ( المفردات في غريب القرآن ص 94 مادة جعل ).
- وهذا ما أكده جمله من المفسرين ( كالرازي في التفسير الكبير ج 2 ص 165 ) ، ( والآلوسي في روح المعاني ج1 ص 220 ) وعندما يقارن هذا الجعل بما يناظره من الموارد في القرآن الكريم نجد أنه يفيد معنى السنة الإلهية ، كقوله تعالى : { جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلالاً ( النحل : 81 ) } و { وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا ( نوح : 16 ) } ونحوها انتهى كلامه دام ظله.
الأمر الثالث : الذي يستفاد من الآية أن هذا الخليفة من جنس الانسان لكي يكون قدوة وأسوة لغيره لأنه لو كان من جنس آخر لما صلح لذلك ولسوف يحتج المخالف من البشر بأني لا أستطيع أن أقوم بما يقوم به هذا الخليفة للاختلاف بيننا في القدرات فمن هنا كان هذا الخليفة من صنف سنخ البشرية.
الأمر الرابع : المستفاد من الآية أن هذا الخليفة يتمتع بالصفتين اللتين ذكرتهما في بداية البحث الا وهما العلمية والعصمة ، وذلك مستفاد من قوله تعالى : { وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ( البقرة : 31 ) } وقوله تعالى : { يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ( البقرة : 33 ) } فمن هنا ثبت للملائكة أن هذا المخلوق يفضلهم بالعلم والواقعي وانهم لا يصلون إلى مستواه وادراكاته.
- ونستفيد العصمة من قوله تعالى : { قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ( البقرة : 30 ) } فإذا كان خوف الملائكة من الافساد في الأرض ، والافساد لا يكون الا من الظلمة ولذلك ، قالوا : للمولى سبحانه وتعالى : { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ( البقرة : 30 ) } أي أننا لو كنا نحن في هذا المنصب لن يحدث الفساد لأننا من الصالحين فكان الجواب منه سبحانه وتعالى لهم : { إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ( البقرة : 30 ) } بتقدير أي تخافوا من هذا الأمر فإنا أعلم بمن أجعله في هذا المنصب وأنه في أعلى درجات الإيمان.
الآية الثانية : قوله تعالى :{ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ( البقرة : 124 ) } فاننا نجد النقاط التي ذكرتها في الآية السابقة تتكرر هنا فنجد أن الجعل من الله سبحانه وتعالى فهو الذي جعل آدم (ع) وبقية الرسل والأنبياء وهو الذي جعل إبراهيم (ع) ولنفس الأسباب التي ذكرتها حول آدم (ع) ، وأننا نجد الاستمرار هنا أيضا بقوله سبحانه وتعالى : { إِنِّي جَاعِلُكَ ( البقرة : 124 ) } حيث أن هذه الجملة تفيد الاستمرار ، وتتأكد هنا بدعاء إبراهيم (ع) حيث قال : ( وَمِن ذُرِّيَّتِي ) ( البقرة : 124 ) فلو أنه لم يعلم ولم يعرف باستمرارية النبوة والإمامة في الأرض لما طلب ذلك من الله.
- ونعلم أيضا بأن الله وعد باستجابة الدعاء من المؤمنين فلابد أنه استجاب دعوة إبراهيم (ع) ولكن بقيد عدم اعطاء الإمامة للظلمة من ذريته ، وهنا يبرز شرط العصمة بوضوح تام ، وعلى هذا يثبت لنا أن الجعل لا يكون من الناس وإنما يكون منه وحده سبحانه وتعالى.
المخالف : ولكن هذا الكلام يوقعكم في اشكال كبير وحاصله انكم إذا تمسكتم بآيات الجعل هنا فاننا نجد آيات بهذا المعنى ، ولكن الجعل يختلف هنا لأن المجعول هو اماما ليس للمؤمنين وإنما أئمة يدعون إلى النار ، مثال على ذلك هذه الآيات : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ ( القصص : 41 ) }.
الموالي : أقول في الجواب على هذه المسألة يجب علينا أن نرجع للوراء نوعا ما لنسأل هذا السؤال ، هل نجوز الظلم على الله سبحانه وتعالى ، قطعا سوف يكون الجواب بالنفي أي بنفي الظلم عنه سبحانه وتعالى واثبات العدل إليه جل وعلا وعلى هذا الجواب ، نسأل سؤال آخر وهو إن التعيين لمنصب النبوة والإمامة والخلافة من الله سبحانه وتعالى هل هذا التعيين بالاستحقاق أو بغير استحقاق.
وبمعنى أدق إن الذين أختارهم الله لهذه المهام هل أنهم يستحقون هذه المناصب أم لا فقطعا الجواب سوف يكون نعم أنهم نالوا ذلك بالاستحقاق حيث أنهم ترفعوا عن حطام الدنيا وارتبطوا بالله ، ذلك الارتباط الخاص الوثيق فكان حقهم وجزاءهم الطبيعي أن يجعلهم في هذه المواقع والا للزم الظلم عليه وهو مستحيل ، وكذلك في أئمة الظلال والظلم والجور فهم اختاروا واستحقوا هذا الموقع حيث أنهم اختاروا بارادتهم السيئة هذا الطريق الا وهو البعد عن الله سبحانه وتعالى وسنوا الظلم والجور في البلاد والعباد فجعلهم الله في هذا الموقع الاستحقاقي الذي اختاروه هم.
مع ملاحظة : أن هناك في اختلاف في الجعلين وبين الجعلين حيث أن الجعل الأول هو جعل للأفراد من قبل ، فالله جعل هذا الفرد ممثلا له وخليفة عنه لقيادة العباد إلى الله وإلى السعادة وأما الجعل في أئمة الجور وانهم أئمة لقيادة الناس إلى النار فإن المراد أن الله جعل مبدأ أولائك الأشخاص الظلمة طريق وسبب للدخول إلى النار ، وعليه فإن هؤلاء الظلمة أصبحوا قادة بهذا المبدأ الذي سنوه يقودون الناس به إلى الجحيم مع ترك الاختيار للبشرية في اختيار أي المبدأين مبدأ الخير الذي يدعوا إليه أهل الاصلاح ويوصل إلى الجنة والمبدأ الثاني مبدأ الشر الذي يدعوا إليه أهل الجور والظلم والفساد.
الآية الثالثة : قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ( النساء : 59 ) }.
فهذه الآية القرآنية الكريمة حسمت موضوع القيادة حيث جعلت الحاكمية بعيد عن الاختيار وأنه أمر لا يتعلق بالبشر ، وإنما هو أمر يتعلق بالمولى سبحانه وتعالى فهو الأمر وهذا الأمر لا يتعلق بمجموعة دون أخرى ، وإنما هو أمر عام مفروض على كل مؤمن وعلى مجموع الأمة ، وأن هذه الطاعة المفروضة طاعة مطلقة لا تختص بجهة دنيوية وإنما الأساس فيها الحاكمية والمرجعية الدينية ، حيث قال : سبحانه وتعالى : { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ( النساء : 59 ) } فاننا نجد أن الله يربط الأمر المختلف فيه أمر له علاقة بالإيمان : { إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ( النساء : 59 ) } فعدم الرد إلى الله والرسول وأولى الأمر يعتبر نقضا للإيمان ، فإذا عدم الرد يعتبر خلل في العقيدة وفي الطاعة ، فلابد وإن يكون الاتباع والانصياع لله وللرسول وأولي الأمر أكبر من مسألة فروع واجتهاد.
حيث أننا نجد في آية أخرى أن أمر الرجوع للرسول (ص) ولأولى الأمر حيث يقول : سبحانه وتعالى : { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ( النساء : 83 ) } فتبين لنا أن الارجاع في كلا الآيتين هو إلى الرسول وإلى أولى الأمر وهذا يستبطن الاعتقاد بأن زمن أولى الأمر غير زمان الرسول ، والا ففي زمن الرسول فالرد إلى الرسول ولا يرد إلى غيره مهما كان. وعلى هذا فاننا سوف نستكشف من هاتين الآيتين ثلاث نقاط أي أن أولى الأمر يتمتعون بصفات ثلاث هي كما يلي :
الصفة الأولى : العصمة : حيث أنه طلب منا الطاعة المطلقة وعدم جواز المخالفة ، وهذا الأمر لا يتم أبدا الا إذا قلنا بعصمة أولى الأمر والا لو لم نقل بعصمتهم ، وقلنا بجواز المعصية عليهم فسوف تصبح الأمة بين خيارين لا ثالث لهما وهما : الطاعة أو المعصية.
وبمعنى أوضح إما أن نعصيهم وإما أن نطيعهم ولكن كلا هذين الخيارين قد نهانا الشارع عنهما لأن المخالفة لهم أمر يخالف الطاعة المطلقة حيث أننا أمرنا بطاعتهم طاعة مطلقة غير مقيدة بأي قيد كان فلا تجوز إذا المخالفة وقد نهينا أيضا : عن الركون للظلمة وعدم طاعة العاصي وعدم طاعة المكذب ولا المسرفين ، حيث قال : سبحانه وتعالى : { وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ ( الكهف : 28 ) } ، { فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ ( القلم : 8 ) } ، { وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا ( الانسان : 24 ) } ، { وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ @ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ ( الشعراء : 151 - 152 ) } ، { وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ( هود : 113 ) } فلابد من القول بالعصمة ولا مجال لغير ذلك على الاطلاق وسوف يأتي مزيد من التفصيل عند الكلام حول العصمة.
الصفة الثانية : العالمية : أي كونهم علماء عارفين بالمسائل معرفة تامة ولأجل ذلك أمرنا سبحانه وتعالى بالرجوع اليهم في ما نختلف فيه من المسائل مطلقا أي في جميع الأمور ، وتكفل هو سبحانه وتعالى : إن أولي الأمر المذكورين سوف يبينون لكم ما اختلفتم فيه فلو أنهم جهال وغير ملمين بالعلوم كلها لما تم هذا الارجاع المطلق اليهم.
الصفة الثالثة : الاستمرارية : من هذه الآيات يتضح الاستمرار لهؤلاء الأشخاص الذين هم أولى الأمر لأن الخطاب في كلا الآيتين غير مخصص بزمان وبأقوام ، وإنما هو أمر مطلق من عهد النبي (ص) إلى يوم القيامة فلو أننا نحن في هذا الزمان اختلفنا في شيء ، فالخطاب متوجه إلينا أن نرده إلى أولى الأمر لكي يبينوا لنا الأمر المختلف فيه ، وهذا يقتضي وجودهم في كل زمان ومكان لكي يتسني للأمة من الرجوع اليهم وهذا ما سوف يتبين بوضوح تام عندما نتكلم عن الأخبار والروايات إن شاء الله تعالى.
المخالف : وهل هناك من دليل من السنة المطهرة ؟.
الموالي : نعم .. فلعل من أوضح الواضحات في المقام حديث الثقلين ، هذا الحديث المبارك وسوف أعود واستدل بهذا الحديث أيضا مرة ثانية عندما أتكلم عن النص على الإمامة وفي من هي وسوف أطرحه هنا بشكل وبثوب وأطرحه هناك بثوب آخر مغاير.
المخالف : وما هو هذا الحديث ؟.
الموالي : تفضل .. ما عليك عزيزي الا الانتقال لهذا الرابط ستجد مصادر مستفيضة مروية عن طريق أهل السنة والجماعة.
الرابط: http://www.kingoflinks.net/AhlAlBait/6Thqlain/Main3.htm
المخالف : سؤال من فضلك .. السؤال هو قبل البحث عن الاستدلال أقول على فرض صحة هذا الخبر فانه يكون معارض لحديث آخر مفاده أن الرسول (ص) ، قال : إني مخلف فيكم الثقلين ، كتاب الله وسنتي ، فما هو الجواب ؟.
الموالي : أقول أولا : إنه لا مجال هنا أن تقول على فرض صحة الخبر الأول الكتاب والعترة لأني بينت لك مصادره ومن صححه من العلماء ، وقبل الحكم بالمعارضة ينبغي علينا البحث في حديث كتاب الله وسنتي من الناحية السندية ومن ثم البحث في الدلالة ومن ثم المعارضة إن وجدت ..
- أما رواة الحديث فقد أخرجه جماعه من علماء اخوتنا أبناء المذاهب الأخرى ، ولكن بعد المتابعة والتدقيق تبين ضعف الطرق المذكورة وهى ثلاثة طرق ، وقد أغنانا السقاف عن المشكلة حيث أنه جزاه الله خيرا قام بمهمة البحث السندي.
- وها أنا ذا أثبته من كتاب ( وركبت السفينة لمروان خليفات ) الحديث تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما فلن تضلوا أبدا كتاب الله وسنتي غير صحيح ، نعم هو مشهور بين العامة ويكرره خطباء المساجد في خطبهم ، ولكن هذا لا يعني صحته فرب مشهور لا أصل له وعلماء أهل السنة أنفسهم يطعنون به.
- وإذا نظرنا إلى متن الحديث وجدناه لا يستقيم ، فكيف يقول الرسول (ص) : تركت فيكم .... كتاب الله وسنتي والسنة غير مجموعة ، وإذا ، قال النبي (ص) هذا فيستلزم حفظ السنة من الضياع كما هو حال القرآن ، ولكننا وجدنا أن الكثير من السنة اندرس ، وفي هذا خير دليل على أن النبي (ص) لم يقل الحديث السابق .. ونحن نترك الكلام لأثنين من علماء أهل السنة ، لنرى قيمة الحديث العلمية فلا عليك الا الانتقال لهذا الرابط: لترى سبب ضعف وسقوط حديث كتاب الله وسنتي.
الرابط: http://www.kingoflinks.net/Bhooth/2Wsunnaty.htm
- وبعد هذا التحقيق العلمي الرصين تبين أنه لا مقايسة بين الحديثين كتاب الله وعترتي وكتاب الله وسنتي ، وعلى هذا فلا مجال للمقارنة بين الحديثين على الاطلاق ، فأحدهما صحيح متواتر والآخر ضعيف مسروق ، ولكن على فرض التنزل نبحث في المتن ومفردات الحديث حيث أننا نجد في الحديث الأول الكتاب والعترة فالكتاب واضح والعترة أيضا كذلك ، وفي الحديث الثاني الكتاب والسنة فالكتاب واضح ولكن ما هى السنة.
هل المقصود منها السنة الصادرة من النبي (ص) أم الواصلة حتى نتمسك بها كما أمرنا بذلك ، فإن ، قلت المراد السنة الصادرة فهى واضحة ولكن الطريق الموصل اليها ما هو هل هو طريق أهل البيت أو الأزواج أو الصحابة فتصبح المسألة خلافية ، فلا يمكن التمسك بشيء والوصول إليه ما لم نشخص الطريق الموصل إليه وإن قلنا بأن المراد من السنة هي السنة الواصلة إلينا ، فالخلاف هنا أكبر من الأول لأن المذاهب المعترف بها في زماننا هذا ما يقارب ثمانية مذاهب وكل مذهب له سنة يرجع اليها فبأي سنة نتمسك يا ترى ، ثم أننا نجد أن هناك مفرده من مفردات اللفظ تقول : لن يفترقا ماذا يقصد بهذه الكلمة اليس معناه بأن الكتاب معصوم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فكذلك ينبغي أن تكون السنة والا لثبت الافتراق بينهما ، بما أنه من المتفق عليه أن كم غفير من السنة مكذوب فيه على رسول الله (ص) ، كما إن هناك افتراق آخر حيث نجد أن السنة تخالف الكتاب في بعض والكتاب يخالف السنة ففي هذه الحالة نأخذ بأي واحد منهما ، وعلى كلا الفرضين نكون قد تخلينا عن أحدهما أما عن الكتاب وأما عن السنة.
- وأما من ناحية الدلالة فما هو المراد اليس التمسك والاتباع فعلمنا في ما سبق أن السنة المراد التمسك بها غير واضح المراد منها ولكن هناك اشكال آخر مفاده أن الكتاب صامت والسنة صامتة ، فالكتاب والسنة يحتاج إلى من يفسرهما فمن هو المفسر لهما ، لأن العمل والاتباع متوقف علي معرفة المعنى فإذا لم يعرف المعنى المراد منه فلن يتم الاتباع فمن هو المبين ، وهذا الاشكال لا يرد على الحديث وعترتي لأن العترة بشر لهم قدرة على البيان ومع كل ما تقدم من الاشكالات أقول : إنه لا تعارض بينهما من ناحية الدلالة والمراد وإن كان هناك تعارض من ناحية الصدور ( أيهما الصادر من النبي (ص) ) تقول : كيف ذلك .
أقول : لقد ثبت حديث الكتاب والعترة وقد ثبت عن النبي (ص) قوله عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي وثبت بالدليل الصحيح القطعي أن خلفاء النبي (ص) هم اثنى عشر خليفة كما في البخاري ومسلم وسوف يأتي مزيد بيان حول الموضوع عند الكلام عن النص على الإمامة ، وقد ثبت لدينا بأن الرسول (ص) قد أرجعنا إلى أهل البيت لأخذ العلم منهم وبالخصوص أمير المؤمنين (ع) فهذه بعض أقوال الرسول (ص) :
- قال رسول الله (ص) أنا مدينة الحكمة وعلي بابها ، المصادر : ( مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ص 86 ) و ( حديث 128 فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي ص 26 ط مصر وص 59 ط أخرى ).
- وقال الرسول (ص) : علي باب علمي ومبين من بعدي لأمتي ما أرسلت به حبه إيمان وبغضه نفاق ، المصدر ( فتح الملك العلى بصحة حديث باب مدينة العلم علي ص 18 ط الأزهر ).
- وقال (ص) : أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي المصادر : ( ترجمة الامام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج 2 ص 488 حديث 1008 و 1009 ) و ( مقتل الحسين للخوارزمي الحنفي مج1 ص 86 ) و ( المناقب للخوارزمي ص 236 ) و ( كنوز الحقائق للمناوي ص 203 ط بولاق ) و ( ينابيع المودة لذوي القربى للقندوزي الحنفي ص 182 ط إسلامبول ) و ( منتخب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال بهامش مسند أحمد ج5 ص33 ).
- وقال : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأتي الباب المصادر : ( ترجمة الامام علي من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج2 ص 464 حديث 984 و 985 و986 و987 و988 و989 ) وما فوق ، ( شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحسكاني الحنفي ج1 ص 334 حديث 459 ) ، ( المستدرك للحاكم ج3 ص 126 و 127 ) وصححه ، ( وأسد الغابة ج 4 ص 22 ) ، ( ومناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ص 80 حديث 120 و121. الخ ) ، ( كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص 220 و221 الطبعة الحيدرية ) ، ( المناقب للخوارزمي الحنفي ص 40 ) ، ( نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص 113 ) ، ( تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 170 ) ، ( اسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص 140 ط العثمانية ) ، ( تذكرت الخواص للسبط ابن الجوزي الحنفي ص 47 و 48 ) ، ( فيض القدير للشوكاني ج3 ص 46 ) ، ( الاستيعاب بهامش الاصابة ج3 ص 38 ) ، ( الميزان للذهبي ج1 ص415 والجزء 2 ص 251 ) ، وغيرها من المصادر.
وعلى هذا فيكون أخذ السنة بأمر من النبي (ص) إن نأخذها من علي بن أبي طالب (ع) فانتهى الخلاف والتناقض بين الحديثين ، فأصبح المرجع الكتاب والعترة ، وأما علم علي بن أبي طالب فسوف يأتي البيان عنه عند الكلام عن فضائل الصحابة.
المخالف : ماهو وجه الاستدلال ؟.
الموالي : سادلك على عدة نقاط منها :
النقطة الأولى : أقول من المعلوم الواضح للأمة قاطبة أن قول النبي (ص) وحي من الله تعالى بقوله تعالى : { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى @ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ( النجم : 2 - 3 ) } وعلى هذا تكون أوامر التعيين هو أمر الهي أوصله النبي (ص) للأمة والتعيين هنا لشيئين الكتاب والعترة ، فاذا أمر تعيين المرجعية هو أمر الهي ليس للبشرية فيه أي اختيار وإنما يجب على البشر الانقياد والانصياع لهذه الأوامر الصادرة من المولى بواسطة النبي الأكرم (ص).
النقطة الثانية : عصمة المرجعية المطروحة ، فأن الكتاب واضح فيه العصمة بقوله تعالى : { لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ( فصلت : 42 ) } هذا دليل عصمة الكتاب فكيف تكون عصمة العترة ، أقول هنا ان تثبت عصمة العترة من جهتين :
الوجهة الأولى : أن النبي (ص) ، قال : لن يفترقا وبما أنه قد ثبتت عصمة الكتاب فلابد من ثبوت عصمة العترة لأن عدم عصمتهم وثبوت المعصية لهم فهذا هو افتراق بين الاثنين ، وبما أنه لا افتراق فلابد من القول بالعصمة فكما إن الكتاب معصوم فكذلك العترة معصومة.
الوجهة الثانية : لقد أمرنا النبي (ص) بالتمسك مطلقا في جميع الأحوال وضمن لمن تمسك بهما معا النجاح وعدم الظلال ، وهذا لا يتم الا إذا افترضنا لهم العصمة والا لو افترضنا امكان المعصية عليهم فلازم ذلك تقييد الرجوع أي ارجعوا اليهم في الطاعة ، وأما في المعصية فلا وكذلك تقييد عدم الظلال بحالة الطاعة دون المعصية وبما أنه لم يثبت لدينا أي تقييد ثبت لنا الرجوع المطلق ومن لوازمه العصمة.
النقطة الثالثة : ثبوت العلمية للعترة على نحو الاطلاق وانهم أعلم من غيرهم والا لو كان هناك من هو أعلم منهم فانه لا يلزم عليه الرجوع لمن هو دونه في العلم فإن هذا أمر قبيح بأن يرجع العالم للجاهل وبما أنه قد ثبت لدينا الارجاع المطلق ، أي أنه يجب على كل أفراد الأمة الرجوع للكتاب والعترة فيثبت أعلميتهم المطلقة وإنها غير متجزئة وانهم المصدر الوحيد لعلوم النبي (ص) ولا مصدر آخر مأمون على الأحكام الإلهية.
- هنا سؤال قبل النقطة الرابعة ، وهو على هذا الكلام لا يوجد مصدر للكتاب والسنة النبوية الا عن هذا الطريق فلازم ذلك اشكالين :
الاشكال الأول : أن كل الأحكام التي بيد الصحابة باطلة وكذلك السنة المتواجدة لديهم.
الاشكال الثاني : يلزم من حصر التلقي عن العترة اختفاء كم كبير من السنة لعدم تواجد الامام علي (ع) طوال الوقت مع النبي (ص) ، ففي فترة غيابه تغيب الأحكام التي لم يسمعها في غيابه فما هو الحل لديكم .
الجواب : أقول بأن الرواية تقول : ارجعوا للكتاب والسنة ولماذا نرجع يا ترى.
الجواب : لكي تأخذوا منهم أحكامكم الواقعية فإذا ثبت أن الصحابي الفلاني قد نقل لنا حكما صحيحا من النبي (ص) وأن ما قاله لم يخالف خط أهل البيت ، ففي هذه الحالة نرجع إليه ونأخذ من عنده ، أما لو لم يثبت وثاقته أو ثبت أنه مخالف لتعاليم أهل البيت الذين ثبت لنا وجوب اتباعهم وعدم وجب اتباع غيرهم فعند ذلك نترك الرأي المخالف لهم ونتمسك بهم دون غيرهم.
وأما بالنسبة للاشكال الثاني والذي هو إن تواجد الامام غير مستمر مع الرسول (ص) ولازم صدور أحكام لم يطلع عليها الامام علي (ع) وبالنتيجة ضياعها فهذا كلام غير صحيح ، لأن الأحكام الشرعية هي مجموعة أوامر الهية صدرت من المولي إلى الرسول (ص) وهذه الأوامر بعينها نقلها الرسول (ص) للامام علي (ع) ، تقول كيف ذلك ، أقول : لقد ثبت لك فيما مضى ارجاع الرسول (ص) الأمة إلى علي (ع) بنحو مطلق ، وقد اعتبره باب مدينة علمه ولا يكون كذلك الا إذا كان الامام علي (ع) مطلع على كل علوم النبي وقد مر عليك فيما مضى من نفس البحث.
قد يقول لكم قائل لماذا اقتصرتم بالأخذ عن أهل البيت ولم تأخذوا عن الصحابة ، أقول لقد بينت لك وأزيد هنا لقد ثبت لك أننا قد أمرنا من قبل الشارع المقدس بالأخذ عن أهل البيت وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) بنحو خاص وأما لماذا لم نأخذ عن الصحابة بنحو مطلق فلأسباب منها :
أولا : لأنهم غيروا الأحكام الشرعية فكيف أطمئن إلى أخذ أي حكم عنهم ، ولو قلت : ومن أين لكم أنهم قد غيروا الأحكام الشرعية.
- أقول لقد أخرج ( البخاري في صحيحة الجزء الأول صفحة 133 كتاب مواقيت الصلاة وفضلها ، باب تضييع الصلاة عن وقتها ) ، عن الزهري : أنه قال : دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك ، فقال : لا أعرف شيئا مما أدركت الا هذه الصلاة ، وهذه الصلاة قد ضيعت.
- وفي رواية أخرى في نفس المصدر ، قال : ما أعرف شيئا مما كان على عهد النبي (ص) قيل الصلاة ، قال : اليس ضيعتم ما ضيعتم فيها ، وراجع المصادر التالية : ( سنن الترمذي الجزء الرابع ص 633 كتاب صفة القيامة والرقائق والورع ) ، ( ومسند أحمد بن حنبل الجزء الثالث ص 101 إلى 208 ) ، ( والموطأ ص 42 ).
- وفي ( مسند أحمد الجزء السادس ص 443 والجزء الخامس ص 195 ) ، عن أم الدرداء ، أنها ، قالت : دخل على أبو الدرداء وهو مغضب ، فقلت : من أغضبك ، قال : والله لا أعرف منهم من أمر محمد (ص) شيئا الا أنهم يصلون جميعا.
ولعل هنالك رواية أخرى تقول لقد أخرج ( أحمد في مسنده الجزء الثالث ص 270 ) ، ( والبغوي في شرح السنة الجزء 14 ص 394 ) ، ( والبوصيري في مختصر الاتحاف الجزء الثاني ص 307 ) ، عن أنس ، قال : ما أعرف فيكم اليوم شيئا كنت أعهده على عهد رسول الله (ص) غير قولكم لا إله الا الله ، قال : فقلت : يا أبا حمزة الصلاة ، قال : قد صليت حين تغرب الشمس أفكانت تلك صلاة رسول الله (ص).
ثانيا : والمتتبع للأخبار النبوية يكشف أكثر من تغيير الأحكام وما هو الشيء الأكثر يا ترى.
الجواب : أقول أسمع ما يقول عنهم النبي (ص) فلقد ، قال (ص) يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلون عن الحوض ، فأقول : يا رب أصحابي ، فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك أنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى ، راجع ( البخاري الجزء الثامن ص 150 كتاب الرقاق باب الحوض ) و ( صحيح مسلم الجزء الرابع ص 1796 كتاب الفضائل باب رقم 9 ) و ( مسند أحمد الجزء الأول ص 384 ).
- وقوله (ص) : إني فرطكم على الحوض من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا ، ثم قال ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ، ثم يحال بيني وبينهم ، قال أبو حازم : فسمعني النعمان ابن أبي عياش فقال : هكذا سمعت من سهل ، فقلت : نعم ، فقال : اشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها : فأقول : إنهم مني ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقا لمن غير بعدي ، راجع : ( البخاري الجزء الثامن ص 150 ) و ( صحيح مسلم الجزء الرابع ص 1793 ).
- وقال في تفسير ابن كثير : وقد روى البخاري 6611 والنسائي 7158 وغيرهما من حديث جماعة منهم يونس ويحيى بن سعيد وموسى بن عقبة وبن أبي عتيق ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي سعيد : أن رسول الله (ص) ، قال : ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة الا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه وبطانة تأمره بالسوء وتحضه عليه والمعصوم من عصم الله ، وقد رواه الأوزاعي ومعاوية بن سلام ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة مرفوعا ، المصدر ( تفسير ابن كثير ج:1 ص:399 ).
- وقال في صحيح البخاري : 6773 - حدثنا : أصبغ ، أخبرنا : ابن وهب ، أخبرني : يونس ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي (ص) ، قال : ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة الا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه فالمعصوم من عصم الله تعالى ، المصدر ( صحيح البخاري ج:6 ص:2632 ).
- وقال في صحيح ابن حبان : 6191 - أخبرنا : عبد الله بن محمد بن سلم ، حدثنا : عبد الرحمن بن ابراهيم ، حدثنا : الوليد ، حدثنا : الأوزاعي ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله (ص) ما من نبي الا وله بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وبطانة لا تألوه خبالا فمن وقي شرها فقد وقي ، المصدر ( صحيح ابن حبان ج:14 ص:70 ).
فبعد هذه الأقوال كيف يسوغ لي أن ارجع لمثل هؤلاء لأخذ شريعتي وديني منهم بشكل عام ، وسوف يأتي في المستقبل في الأعداد القادمة مجموعة من الأحكام المغيرة مع الدليل.
النقطة الرابعة : الاستمرارية والدوام ، أي استمرار وجود هذه القيادة إلى يوم القيامة تقول كيف.
أقول لك : ألم يقل النبي (ص) تمسكوا بهما وهذا خطاب للأمة من عصر النبي (ص) إلى يوم القيامة ، فلازم ذلك تواجد الكتاب والعترة في كل الأزمنة فلا يخل منها زمان ما من الأزمنة ، ولو خلا أي زمان منهما أو من أحدهما فلازم ذلك عدم توجه الخطاب لأهل ذلك الزمان ولا دليل لدينا على خروج أحد من هذا الخطاب ، هذا أولا ، وثانيا : قال (ص) : أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فإذا افترضنا انفصال أو انقطاع أهل البيت في أي فترة من الفترات فهذا هو افتراق لأحدهما عن الأخر بينما النبي (ص) ، يقول : لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.
المخالف : فهل هنالك من أقوال لبعض العلماء ؟.
الموالي : نعم .. فمثلا ابن حجر العسقلاني فقد ، قال : والحاصل أن الحث على التمسك بالكتاب والسنة وبالعلماء من أهل البيت ويستفاد من مجموع ذلك بقاء الأمور الثلاثة إلى قيام الساعة ( الصواعق المحرقة ص 180 ).
- وقال في موضع آخر وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت اشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة كما أن الكتاب العزيز كذلك ، ولهذا كانوا أمانا لأهل الأرض كما يأتي ، ويشهد لذلك الخبر السابق ( في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى الله فانظروا من تفدون ( الصواعق المحرقة ص 181 ).
- وقال : ( المناوي في كتاب فيض القدير الجزء الثالث ص 15 ) قال : الشريف هذا الخبر يفهم وجود من يكون أهلا للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمن إلى قيام الساعة حتى يتوجه الحث المذكور إلى التمسك بهم كما إن الكتاب كذلك ، فلذلك كانوا أمانا لأهل الأرض ، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض.
- و ( للمناوي في فيض القدير الجزء الثالث ص 14 ) كلمة جميلة جدا وهى قوله : أن التمسك بأهل البيت واجب على الأمة وجوب الفرائض المؤكد التي لا عذر لأحد في تركها.
- وقال : ( ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة الجزء 18 ص 351 ) : كي لا يخلو الزمان ممن هو مهيمن لله تعالى على عباده ، ومسيطر عليهم وهذا يكاد يكون تصريح بمذهب الامامية إلا أن أصحابنا يحملونه على أن المراد به الأبدال.
- ويقول : ( ابن حجر العسقلاني في فتح الباري في شرح صحيح البخاري الجزء الثاني ص 385 ) : وفي صلاة عيسى (ع) خلف رجل من هذه الأمة مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الأقوال أن الأرض لا تخلو من قائم لله بحجة.
المخالف : وهل هناك من أقوال وأخبار آخر؟.
الموالي ، عندنا مجموعة من الأخبار الصادرة من النبي (ص) والتي مفادها : أن الأرض لا تخلو من قائم لله بحجة ، راجع المصادر التالية : ( المعيار والموازنة ص 81 ) و ( عيون الأخبار ص 7 ) و ( تاريخ اليعقوبي الجزء الثاني ص 400 ) و ( تاريخ بغداد الجزء السادس ص 479 ) و ( فتح الباري بشرح صحيح البخاري الجزء السادس ص 270 والجزء الأول ص 274 ) و ( العقد الفريد ) وغيرها من المصادر.
المخالف : وهل هناك حديث واضح المعالم ؟.
الموالي : أقول نعم أنه حديث من مات وليس في عنقه بيعة ، وما هو نص الحديث ، قول الحديث له الفاظ متعددة منها :
- قوله (ص) : من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية ، المصادر : ( صحيح مسلم الجزء الثالث ص 1478 كتاب الإمارة باب 13 ) و ( السنن الكبرى للبيهقي الجزء 8 ص 156 ) و ( مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي الجزء الخامس ص 218 ) و ( مشكاة المصابيح الجزء الثاني ص 1088 الحديث 3674 ) و ( سلسلة الأحاديث الصحيحة الجزء الثاني ص 715 للألباني ).
- ومنها قوله (ص) : من مات بغير امام مات ميتة جاهلية ، المصادر : ( مسند أحمد الجزء الرابع ص 96 ) و ( مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي الجزء 5 ص 218 ) و ( الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان الجزء السابع ص 49 ) و ( مسند الطياليسي ص 259 ) و ( كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال الجزء الأول ص 103 ) و ( كتاب السنة للألباني ص 489 حديث 1057 ) اسناده حسن ورجاله ثقة.
- وفي لفظ آخر ، قال (ص) : من مات وليس عليه امام مات ميتة جاهلية ، وفي آخر : من مات وليست عليه طاعة مات ميتة جاهلية ، المصادر : ( كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال الجزء السادس ص 65 الحديث 14861 ) و ( كتاب السنة للشيباني ص 290 حديث 1058 ) و ( مسند أحمد الجزء الثالث ص 446 ) و ( المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر العسقلاني الجزء الثاني ص 228 ).
فهل بعد هذا من اشكال على أصولية الإمامة واستمراريتها وما سوف يقال : من أن امامهم النبي محمد بن عبد الله (ص) أو أن امامهم فهذا كلام لا يقبله حتى الأطفال لأن النبي (ص) والقرآن الكريم ليس فيهم تعدد حسب الأزمنة ، وإنما هما شيء واحد في كل الأزمنة بينما الامام متغير فكل زمان له امام غير الامام المتقدم في الزمان الماضي وشكرا ، وإلى اللقاء في الحلقة القادمة ، والحمد لله رب العالمين على نعمته التي أنعم بها علي ووفقني لاكمال هذا البحث.
أبو حسام خليفة بن عبيد الكلباني العماني حرر بتاريخ 25 رجب 1424 الموافق 22 سبتمبر 2003 م
|